أكبر خريج أزهري الشيخ معوض عوض إبراهيم

الشيخ مُعوض عوض إبراهيم ، عالمٌ أزهريٌ أديب ، وشاعر ألمعي أريب ، أكبر خريج في الأزهرِ الشريف ، وأحد الدعاة إلى ديننا الحنيف ، جَاوَزَ المائة مِن عُمرهِ المُباركِ المديد ، متعهُ الله بموفورِ الصّحة والعيش الرّغيد .

ولادتهُ ونشأتهُ :

ولدَ الشيخُ مُعوض عَوض إبراهيم يوم 20 / أغسطس / 1912 م الموافق 1330 هـ ، بقريةِ كفر التُرعة الجديد بمركز شربين الدهليقية حالياً ، ونشأ نشأةً صالحة بين أبوين كريمين ، في بيتٍ مُتواضعٍ لا هُو بالغني ولا هو بالفقير ، وكان له أخوان تُوفيا صغيرين لم يرهما ، ثُم رزقَ الله والديه بنتا اسمها: حبيبة ، وُلدت فاقدة البصر ، لكنها توفيت وهي صغيرة ، وكانت تحفظ القرآن كاملاً ، قال لي شيخنا : لم تخرج من البيت إلاَّ إلى القبر .

ثُمّ سَلَكَ شيخنا طريقها فبدأ بحفظِ القُرآن الكريم ، فأتمّ حفظهُ وهو دون العاشرة من عُمرهِ ، وفي عام 1926 م التحقَ بمعهد دمياط الابتدائي الأزهري ، وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1930 م ، ثُم ذهبَ إلى طنطا وأكمل الدراسة الإعدادية والثانوية حتى تخرّج عام 1935 م ، وبعدها سافرَ إلى القاهرة ليواصل دارسته بالأزهر الشريف فالتحق في كليةِ أصول الدين وتخرج منها عام 1939 م ، ثُم أكمل الدراسات العليا بالدعوة 1942 م ، وقابل كبار العلماء والأدباء الكُتّاب الذينَ كانوا فيها .

عملهُ والمهام التي أوكلت إليه :

بعد أن أنهى الشيخ دراستهُ عَمِل واعظاً للأزهر في مدينة أسوان لمدة ثلاث سنوات ، وذلكَ من عام 1942 م حتى عام 1945 م . ثُمَّ انتقل بعدها لمدينة الفيوم لمدةِ ثلاث سنوات كذلك ، ثُم انتقل إلى مدينة بور سعيد لمدة ثمان سنوات .

ابتعاثُهُ لخارج مصر :

في عام 1956 م ابتعث إلى لبنان للتدريس في كلية الشريعة ببيروت ، فجلسَ بها حتى عام 1962 ، وبعدها عادَ إلى القاهرة ، ومكثَ فيها أشهراً ، وفي نفس السنة ابتعث إلى اليمن مع نخبةٍ من العلماء والدعاة ، ومكث بها قُرابة أربعة أشهر ، والتقى خلالها بأعلام اليمن ، ونزلَ في ضيافة المفتي السيد أحمد زَبارة .

العودة إلى مصر :

عادَ بعدها إلى مصر ، وأنشأ فورَ عودته معهداً دينياً في محافظة بور سعيد ، وترأسه مدة عام ، ثُمّ ابتعث إلى الأردن ، وذلكَ من عام 1965 حتى عام 1969 م .

الابتعاث إلى المملكة العربية السعودية :

في عام 1973 م انتدب للتدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية الشريعة لمدة سنتين ، ثُمّ انتقل بعدها إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وعمل فيها باحثاً علمياً تحتَ رئاسة سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله –

وبعدها انتقلَ إلى المدينة المنوّرة ، وعمل أستاذا بالجامعة الإسلامية ، وبعثَ إليهِ الأستاذ زُهير الأيوبي رسالةً يسألهُ عن حالهِ في المدينةِ المنورة ، فأجابهُ الشيخ :

وتسألني هل طِبتَ نَفْساً بطيبةٍ *** وقرّت بها عينا أخٍ صادقِ الحـــسِّ

فقلتُ : نعم ، والحمدُ للهِ إنني *** ليسعدني أني بلغــــتُ مُنى نفسي

أروحُ وأغدوا بينَ بيتي وواجبي *** أُشمرُ والخِلاَّنُ في حِلــــقِ الدرسِ

نُعدُ لهذا الدين أشبــالهُ الأُلى *** نراهم دُعاة الخير جهراً بلا هَمْــسِ

ويحملني الشوقُ الوثيقُ لمسجـدٍ *** لهُ في الهُدى ما ليسَ للناس في الشمسِ

رحلاتُهُ :

زَارَ عدة بلدانٍ منها : لبنان ، والأردن ، وسوريا ، واليمن ، والسعودية ، والكويت ، وقطر ، والبحرين ، وباكستان ، وغيرها .

شِعْرِه :

الشيخُ – مدَّ اللهُ أيامه – مُكثرٌ من الشعر ، وابتدأ نظمهُ في سنٍ مُبكرةٍ ، ولهُ ديوانٌ مخطوطٌ وَهُوَ بعنوان : ( من رحيق الإيمانِ ) .

الرجولة :

إنَّ الرجولةَ إن سألتَ عن الــرجولة** مـعنىً تُغَلِّفُهُ المُرُوءَةُ والفضيلة

فتَرَى بها الرَّجُلَ الأبي مُسَــــــــارِعَاً ** كالليثِ يَفْدِى الدِّينَ أوْ يحْمِى قبيلة

كالنُّورِ يَجْلُو الحَقَّ غيرَ مُــــــــــجَامِلٍ **يهِ بَــنِــى الدُّنْيَا وأنصارَ الــرَّذيلهْ

كالغيثِ يبعثُ فى الحياةِ نضـــــــارةً**هي راحةُ الأرواحِ منْ بعدِ المحولة

فيهِ شُمُوخُ الحِصْنِ ليسَ تـــــــسُوءُهُ ** أحجارُ منْ عاشوا بأحلامِ الطفولة

وتَــرَاهُ فى الأحـــــداثِ تَطْغَى دَوْحَةً ** مِعْطَاءَ حانِيَةً عَلَى الرَّاجِى ظَلِيلَهْ

هَــذِى الرُّجُولَةُ والرِّجالُ كــــما أرى ** لا الماردُ الجبارُ مُعْـوَجُّ الدخيلة

إنَّ الـمُـدِلَّ بـقـوَّةٍ بَــــــــــدَنِيَّةٍ ** و كأنَّـمَـا الأَجْداثُ مَـا طَمَرَتْ مَثِيلَهْ

هُوَ فى الرِّجــــــــــــالِ وليسَ منْهُمْ بَتَّةً ** أَوَ قَدْ أَجَبْتُكَ إِذْ سَألْتَ عنِ الرُّجُولَهْ ؟ 

وقد سأله ابنه محمود أن يعرِّف لهُ كلمة المجد فقال :

وتسألني مالمجد ذالكَ الذي استبى ** خواطرَ أصحابي ويكثرُ تَسْآلُ

هو المالُ لا ، فالمالُ إن يكنُ زينةً وحاجة حيٍ فهوَ للمرء قتّالُ

هوَ الآلُ لا ، فالآلُ إلاَّ أقلَّهم *** عبيدُ ذواتٍ مُعجبون بما نالوا

وليسَ هو الخيلاءُ يُزهى بها الفتى ** كما يخطرُ الطاووس فينا ويختالُ

ولا الصوتُ يعلو في النَّديِّ وربما ** علت فأساءت للذي قالَ أقوالُ

ألا إنما مجدُ الفتى رهنُ دينهِ *** وإيمانهُ باللهِ دونَ الذي خالُ

بمسلكهِ في الناسِ بالطُهر والتُقى *** فهل أنت من بعدي عن المجدي سأّلُ

فقدهُ لزوجهِ وبصره :

ضعف بصره وعاقه كثيراً عن الكتابة والقراءة ، ولكنهُ ما زال موصولاً بأقلامه وأوراقه التي تبدو أمامه أمام المقاعد ، يحاول أن يجمع شتاتها ، وان ينظم منها ما تناثر وتبدد ، وهو بينها وبين كتبه المخطوطة والمطبوعة .

ومنذُ قريبٍ استودَعَ اللهَ زوجهُ التي عاشت معه ستين عاماً ، ومنحه اللهُ منها البناتِ والبنين ، وشقَّ عليهِ ذلكَ الخطب ، ورثاها بعدةِ قصائد .

علاقتُهُ بأعلامِ عصرهِ :

1– السيد حسن البنا . ت 1368 هـ :

التقى بهِ مراراً في كلية أصول الدين ، وكذلك في منطقة الفيوم عدة مرّات ، وحينما ابتعثَ من قِبل الأزهر لمدينة بور سعيد ، بعثَ البنا رسالةً لسكرتير الإخوان في بور سعد جاءَ فيها : جاءكم الشيخ معوض ، حاولوا أن تستفيدوا منه .

1 – الأديب عباس محمود العقاد . ت 1383 هـ .

أثناء دراسة شيخنا بطنطا كَتبَ أول قصيدة وأرسلها إلى العقاد فنشرها ، وكان عنوانها : (استعذابُ العذاب ) ، ومطلعها :

يا ماخرا في عباب الهموم أيَّ عُــباب **وضارباً في فيــافي الآلام والأوصاب

والسحب تجري بسَحٍ من دمعها الوهاب ** أقصر عناك رويدا لم تلق بعض عذاب

وفرحَ كثيراً بأنّ قصيدتهُ نُشرت ، قال شيخنا : كان نذراً عليَّ وأنا في الثانوي أني عندما أذهب طالباً في كلية أصول الدين في القاهرة أن أزور أ العقاد ، وكانَ ذلكَ ، فزرتُ القاهرة ، ولقيتُ العقاد ، وفرح بي واستبشر ، وكانَ جالساً وأنا وقف ، وكانَ أطولَ مني وهو جالس ، فأنشدتهُ :

عباسَ يا معقد الآمالِ في بلدٍ نشأة فيهِ *** لتروي غُلةَ الصَّــــادِ

ولم ألقى العقادَ بعدَ هذا ، لكنه ظلّ ينشرُ لي .

2 – سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . ت 1420 هـ :

قال شيخنا مُعوض : كانَ الشيخ ابن باز يتمتع بذاكرةٍ قوية ، وكان قلبه على لسانه ، ولسانهُ على قلبه ، رجلاً لا يعرف أنصاف الحُلول ، ولكنه يقول الحق لا يخشى فيهِ لومةَ لائم .

وأذكر مرةً أني التقيتُ بسماحةِ الشيخ بمكة المكرمة ، فقال لي : يا شيخ معوض ، دعوتُ لكَ اليوم ، فقلتُ لهُ وكيف ؟ فقالَ الشيخ : كنتُ راكباً اليوم السيارة متجهاً إلى المطار ، فسمعتُ حديثك في الإذاعة ، فدعوتُ لكَ .

ودعاني مرةً ألقي محاضرة بجامع الإمام فيصل بن تركي ، وكانت بعنوان : الهجرة الكبرى دواعيها ونتائجها ، وحضرها الشيخ وعلّق عليها .

وكتبَ قصيدةً في الشيخ مطلعها :

إذا فاتني أنْ يجتلي الشيخَ ناظري *** فإنَّ ابنَ بازٍ ماثُلٌ في السَّرائِرِ

مؤلفاتهُ المطبوعة :

1– فلسطين كيف نستردها عربية مسلمة . طبع 1960 م

2 – يسر الإسلام وسماحته .

3 – الإسلامُ والأسرة طُبعَ عام 1960 م

4- قَبسٌ مِنَ الإسلام . طُبع عام 1962 م .

5 – إنسانية العبادات في الإسلام . طُبعَ عام 1970 م .

6 – ملامحٌ مِنْ هذا الدين . طُبعَ عام 1970م .

7 – مَعَ البُخاري في كتاب العلم من صحيحه . طُبع عام 1982 م . ( وهو عبارة عن محاضرات ألقاها في الدراسات العليا في كلية أصول الدين بالأزهر )

8 – الرسولُ والرسالة في شعر أبي طالب . طُبع عام 1983 م . ( قدم له ابن باز )

9 – عُنصر الهداية في القرآن الكريم . طُبع بالقاهرة 1983 م .

11 – ركائز المجتمع المسلم في سُورة الحجرات . طُبع 1983 م .

12 – ذَلكَ الدين القيم . طُبع عام 1996 م .

13 – مشاهد الوجود وشواهد التوحيد .

14 – نفحات من القرآن الكريم .

كتبه المخطوطة :

رأيتُ في مكتبة شيخنا – مدّ اللهُ أيامه – مجموعة من كتبه التي لم تُطبع ، ومن ضمنها ديوانه والذي سمّاه : ( من رحيق الإيمان ) ، وخطبه المنبرية ، وغالبها جاهزٌ للطبع ، وسألتهُ عن عدد مؤلفاته التي لم ترَ النورَ فقال : تزيدُ على خمسة عشر كتاباً ، ورأيتهُ وبين يديهِ أجندات ومفكرات فيها اخياراته – واختيار المرء قطعةٌ من عقله – من شتى المعارف والعلوم واقتباسات من آثار علماء وأدباء وحكماء ، وهي وحدها خمسينَ مفكرة سمَّاهَا ( ها أنا ذا ) ، وهيَ أشبه بكشكول ، ومن كتاباتهِ الأخيرة سلسة تحت عنوان ( أوراق داعية ) ، ونشرت في جريدة ( آفاق عربية ) .

مقالاتهُ :

كتبَ شيخنا في غالب صحف مصر ، وكذا بالخارج ، ومقالاته أكثر مِنْ أنْ تُعد ، وله سلسة تحت عنوان : ( ما قلَّ ودلَّ ) نُشرت بجريدة الأخبار المصرية ، ومن المجلات التي كانَ يكتبُ فيها : مجلة منبر الإسلام ، ومجلة لواء الإسلام ، ومجلة الإسلام ، ومجلة السياسة الأسبوعيّة .

وله برامج متعددة في إذاعة القرآن الكريم بالسعودية ، وإذاعة الكويت ، وغيرهما .

الاتصالُ بفضيلةِ فقيه الأمة العلاَّمة الشيخ يُوسف القَرَضاوي – حفظهُ الله تعالى – :

في زيارتي الأولى لفضيلةِ الشيخ معوض عوض إبراهيم ، اتصلتُ بفضيلةِ شيخنا العلاَّمة يوسف القرضاوي بالدوحة ، وأخبرتهُ أني في ضيافةِ الشيخ مُعوض عوض إبراهيم ، ففرحَ الشيخُ وقال : هذه فرصةٌ طيبةٌ نُسلم عليه .

فابتدأ الشيخُ معوض حديثهُ مع الشيخ القرضاوي قائلاً : أنقلُ إليكَ سلامَ ملايين المسلين في شتى الأقطار ، ثم قال : صحيحٌ أنَّك أقلُّ منّا سناً لكنك أكبر منا فضلاً ، وبادرهُ الشيخ يوسف المشاعر، وعزّاهُ في زوجته التي تُوفيت مُؤخراً .

*** تمت ***

قال أبو المكارم نوَّاف بن مُحمَّد العبد الله الرشيد قضى اللهُ بقربِ رجعته ، وآنسهُ في غُربته : بعدَ الانتهاء من كتابةِ هذه النُبذة ، زُرتُ فضيلة الشيخ مُعوض عوض إبراهيم ، وقرأتها عليهِ ، فأقرَّ ما جَاءَ فيها ، وما ذّكرتهُ عن فضيلتهِ ما هُوَ إلاَّ قطرة من ينبوع ، ودقيقة من أسبوع ، وأسأل الله أن يختمَ لنا ولهُ بالحُسنى ، والحمدُ لله ربِّ العالمين .

وَحُرِرَ أعلاهُ بمنزلِ شيخنا بالمَطَرية قُربَ القاهرة

الاثنين5 / 5 / 1431 هـــ 20 / ابريل / 2010 م

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها اليوم 13/3/2019