العالم المجاهد مصطفى السباعي

شهدت مدينة حمص السورية عام 1915م مولد العلامة مصطفى السباعي رحمه الله تعالى، استقبلته بذراعين مفتوحتين، وابتسامة مرحبة، فهي الأرض التي يتوالى على الوقوف عليها العلماء في لحظة ما من لحظات حياتهم.

يصلب عوده في أسرة عرفت بالعلم والاهتمام به، فهو ابن خطباء جامع حمص الكبير، حيث كان أبوه ومن قبله أجداده يتوالون على الخطابة هناك، لذا فلا غرو أن يبرز السباعي خطيباً مفوهاً، لا يصدح صوته إلا في مواقف الحق.

عشق مجالس العلم منذ صغره، فوالده يداوم على اصطحابه لها، وفي الوقت ذاته كان مهتماً بما يطرأ على البلاد من أحداث، أبرزها ما نتج عن الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث كان يشارك في المظاهرات وتوزيع المنشورات، وكان حظه من هذا الحبس بتهمة توزيع المنشورات المسيئة لسياسات فرنسا.

وبعد خروجه كان أقوى عوداً وأصلب قناة، فوقف على منابر حمص خطيباً معترضاً على السياسة الفرنسية الظالمة، فكان له من السجن حظاً آخر. 

ترك السباعي ديار الشام عام 1933م، راحلاً إلى مصر لإكمال دراسته الجامعية بالأزهر، لكنه لم يتوانى عن إتمام مسيرته الجهادية، فكان يشارك أهل مصر في مقاومتهم ونضالهم، وتم اعتقاله حينها على يد السلطات المصرية مع جماعة من رفاقه. 

وأثناء فترة دراسته بمصر تعرف السباعي على مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وظلت الصلة قائمة بينهما بعد عودته إلى سوريا، حيث اجتمع العلماء والدعاة ورجال الجمعيات الإسلامية في المحافظات السورية وقرروا تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وكان ذلك عام 1942، ثم بعد ثلاث سنوات أي في عام 1945 اختير مصطفى السباعي ليكون أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سوريا.

كان السباعي يؤمن أن على المثقف المسلم حمل القلم والبندقية، والدفاع عن نفسه وأمته بكليهما، وهو ما فعله، فقد كان قلمه مسلولاً في وجه العدو، وبندقيته أيضاً، فكان يمد الصحافة الإسلامية بسليل قلمه، فكان يرفد مجلة "الإخوان المسلمون" بمقالاته، ومن أعماله التي خدمت الصحافة الإسلامية إنشاؤه جريدة المنار، ومشاركته في تأسيس مجلة الشهاب الأسبوعية، وهو الذي حصل على ترخيص لإعادة مجلة "المسلمون" الشهرية للنشر بعد توقفها، ثم أصدر مجلة جديدة حملت اسم مجلة حضارة الإسلام الشهرية، وظل السباعي يرأسها إلى أن توفي، فتولاها بعد ذلك الشيخ محمد أديب الصالح.

وأما بندقيته؛ فقد حملها إبان كان على رأس كتائب الإخوان المسلمين في سوريا، وشارك في العديد من المعارك التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، وبعد سقوط أراضي الثمانية وأربعين، عاد السباعي إلى سوريا، يحرض الشعوب ويوعّيهم لمدى الخسارة التي حدثت، ويشحذ الهمم بخطبه القوية استعدادا للقادم.

كان الأستاذ مصطفى السباعي يعمل أستاذاً في كلية الحقوق بالجامعة السورية، وسعى لإدخال التربية الإسلامية للجامعة وأشرف على إنشاء قسم الشريعة هناك، وكان العميد الأول لها، عام 1955م. 

كما شرع في إنشاء موسوعة الفقه الإسلامي بمشاركة من العديد من علماء المسلمين في حينه، وقدموا من خلالها الفقه الإسلامي في حلة بهية طاهرة. 

مؤلفاته

- شرح قانون الأحوال الشخصية (ثلاثة أجزاء).

- من روائع حضارتنا.

- المرأة بين الفقه والقانون.

- عظماؤنا في التاريخ.

- القلائد من فرائد الفوائد.

- دروس في دعوة الإخوان المسلمين.

- السنة ومكانتها في التشريع.

- هكذا علمتني الحياة (ثلاثة أجزاء كتبها فترة المرض).

- اشتراكية الإسلام، أخلاقنا الاجتماعية.

- أحكام الصيام وفلسفته.

- الدين والدولة في الإسلام.

- نظام السلم والحرب في الإسلام.

- هذا هو الإسلام (جزءان).

- السيرة النبوية دروس وعبر.

- الاستشراق والمستشرقون.

- المرونة والتطور في التشريع الإسلامي.

- منهجنا في الإصلاح.

- العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في التاريخ.

سجنه

سجن الشيخ مصطفى السباعي عام 1952م، وذلك بسبب مطالبته حكومة أديب الشيشكلي بالسماح للإخوان المسلمين في سوريا المشاركة بجانب المصريين في حرب السويس، وعلى إثر هذا تم حل الجماعة في سوريا.

مرضه ووفاته

أصيب السباعي رحمه الله بالشلل النصفي، واستمر مرضه مدة ثماني سنوات، قبل أن يرحل إلى ربه محتسبا، ومع أنها كانت أياما عصيبة، إلا أنها كانت ثرية جداً بالمداد العلمي الذي خرج به السباعي خلال سني مرضه، وكانت وفاته بعد عودته من رحله الحج الرابعة له، حيث ثارت في نفسه الأشواق للنبي صلى الله عليه وسلم، وناجاه شاكيا له شوقه للجهاد بقوله:

يا سيدي طال شوقي للجهاد فهل

تدعــــــو لي الله عــــــــوداً عالي العلــم

تالله ما لهفـــــــتي للبــــــرء عن رغب

في ذي الحيــــــــــاة ولا جــــــــاه ولا نعم

وإنما طمــــــــع في أن يقــــــــــول غـــــــــداً

لقد هــديتم إلى الإســـــــــلام كل عم

 

المصد: مجلة السبيل

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها اليوم 12/3/2019