الشيخ عبد الله علوان - الداعية المربي

ولادته و نشأته:

ولد رحمه الله تعالى في حيّ قاضي عسكر بمدينة حلب سنة1347هـ = 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح، وتربى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان - رحمه الله – وكان بعض الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلباً للتداوي؛ بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يفتر عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه.

عندما أنهى دراسته الابتدائية، وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية، وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ(الخسروية) نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء مُبَرَّزين وأساتذة أكفْاء وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم ومنهم: محمد راغب الطباخ، أحمد الشماع، سعيد الإدلبي، عيسى البيانوني، عبدالرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، رحمهم الله جميعاً.

وقد تأثر بأستاذه المحدث المؤرخ الشيخ محمد راغب الطباخ،كما تأثر بعد ذلك بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة.

عُرف بين زملائه بالجرأة في الحق والشجاعة في مواجهة الأحداث . كما عرف بالخطابة والقلم المعبر عن أحاسيس المسلمين، وكان بيته في حلب منتدى ومجمعاً لأصدقائه ولأساتذته، وكان الكرم يشمل الجميع من والد الفقيد -رحمه الله-

دراسته: 

بعد أن حصل على شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949 ، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية في الازهر ونال شهادة كلية أصول الدين سنة 1952م، ثم حصل على شهادة تخصص التدريس، وهي تعادل الماجستير ْ سنة 1954، كان له في مصر نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية . عندما نزل البلاء بالإسلاميين في مصر سنة 1954 ، ووقعت المحنة أصابه الأذى ، فاعتقل، وكان قد بقي له عدة مواد حتى يؤديها ويتخرج من الجامعة ، فكان يؤتى به إلى الاختبار مقيد اليدين ، وحين انتهت الاختبارات اقتيد إلى الطائرة لتنقله إلى وطنه ، ولم تسمح له حكومة مصر حينذاك أن يكمل دراسته العليا ويحصل على شهادة الدكتوراه .

وقد حصل الشيخ -رحمه الله- على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة: (فقه الدعوة والداعية).

عمله في مجال التدريس والدعوة:

عمل الشيخ عبدالله منذ عام 1954م مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب ، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض ، وكان لمادة التربية الإسلامية في سوريا حصة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية ، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سوريا.

وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والدعوات الإلحادية، فتصدى مع إخوانه العلماء لمروجي هذه الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام.

ْوكان- رحمه الله- مربياً ومعلماً وواعظاً في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، لا يعرف الملل، ولا يشكو الكلل، بل كان يجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة، ولم يتخلف أو يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة .

وكان للشيخ دروسه الدورية في مسجد (عمر بن عبدالعزيز) درّس فيه الفقه والسيرة، وقد علّم الكثير من الشباب الخطابة وإلقاء الدروس، وكان يجلس أمامهم مصغيًا وموجهًا ليستقيم لهم البيان، فتربى في هذه المدرسة عدد كبير من الشباب، بعضهم قضى نحبه وكان في عمر الزهور أيام المحنة، ومنهم من ينتظر. ومن أبرز تلاميذ: الداعية الملهم الشهيد السعيد الشيخ: موفق سيرجية رحمه الله تعالى، والأستاذ: أحمد فيصل، والأستاذ عبد الجبار الزيدي، ومجد مكي.

كان الشيخ على صلة طيبة وثيقة مع جُلِّ علماء سوريا، وكان يتنقل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى توحيد كلمة العلماء ، وتماسك بنيانهم أمام الأعاصير التي تعصف بالمسلمين .

وحين اشتدَّ البلاء في اوائل الثمانينات خرج من مدينة حلب سنة (1400?/1979م) مهاجراً بدينه، وأقام عدة أشهر في الأردن، ثم توجه إلى السعودية، وتابع عمله العلمي والتربوي والدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية، ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، مع عمله أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة ، منذ 1401? إلى أن لقي ربه سنة 1408.

أخلاقه وصفاته:

عرف رحمه الله تعالى بالكرم فكان بيته موئلاً لخلانه ولطلابه وللمحبين، يجدون عنده ما يسرهم من ابتسامة مشرقة إلى كلمة هادفة، إلى موعظة وعبرة، يتخلل ذلك كرم الضيافة.

كان يسعى إلى توثيق روابط الصداقة مع إخوانه ومحبيه فكان يسارع إلى زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وإذا طُلب منه المساعدة في أمر ما فإنه لا يعتذر، بل يسارع إلى المساعدة ويَعُدُّ هذا الموضوع موضوعًا شخصيًا له، ويبذل كل طاقته حتى ينجزه.

كان متواضعًا في نفسه ، دعوباً يحب الدعابة ، حسن المعاملة مع الناس يحب الخير والنصح للمسلمين.

قالوا عنه :

يقول فيه الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي في تقديمه لرسالته النافعة ( إلى ورثة الأنبياء):

( إنه - ولا أزكّيه على الله ولا أريد أن أقْصُمَ له ظهره أو عنقه - مثالُ المجاهد المكافح في النصف الثاني من هذا القرن العشرين الذي شهد ويشهد أعتى الحملات على الإسلام ورجاله... أقول: ورجاله... الرجال الذين صدعوا بالحق، ولم يبالوا بظالم، أو داعر، أو ديّوث خان دينَه وباع أمّته بدنيا سواه وكان حذاءً يحتذيه الملعونون الطغاةُ البُغاة، ثم لا يلبثون أن يخلعوه بعد أن يُفتَضَح أمرُه وتكون شتيمتُه على كل لسان...).

مؤلفاته :ترك الشيخ العديد من الآثار العلمية والدعوية والتربوية منها:

1. التكافل الاجتماعي في الإسلام.

2. تعدد الزوجات في الإسلام.

3. صلاح الدين الأيوبي.

4. تربية الأولاد في الإسلام – وهو كتاب مشهور في موضوعِه – في مجلدين.

5ـ فقه الدعوة ومدرسة الدعاة في مجلدين.

6ـ قصة الهداية في مجلدين أيضاً .وقد أصدر من كتابيه 

العديد من الرسائل المفردة.

7. إلى كل أب غيور يؤمن بالله.

8. آداب الخطبة و الزفاف.

9. الإسلام والجنس.

10. الإسلام والقضية الفلسطينية.

11. إلى ورثة الأنبياء والدعاة إلى الله.

12. تعدد الزوجات في الإسلام.

13. حتى يعلم الشباب.

14. الشباب المسلم في مواجهة التحديات.

15. دور الشباب في حمل رسالة الإسلام.

16. حكم الإسلام في وسائل الإعلام.

17. حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان.

18. شبهات و ردود حول العقيدة الربانية و أصل الإنسان.

19. معالم الحضارة الإسلامية و أثرها في النهضة الأوربية.

وغيرها من المؤلفات النافعة بالإضافة إلى المحاضرات والمقالات التي كان ينشرها في المجلات والصحف الإسلامية، وقد كان جل مواضيعها الحث على العمل الدعوي والإصلاح والخروج من ظلمات الانحطاط والوهن إلى عزّ الإسلام ونوره.

وفاته :

صارع الفقيد المرض قرابة ثلاث سنوات، حيث أصيب بمرض عضال في الدم إثر عودته من باكستان، وسافر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى.

ومع حالته الصحية الحرجة أبى محبو الشيخ في بريطانيا إلا أن يستمعوا إلى محاضرة للشيخ، في مخيم صيفي، فلم يتأخر عن الاستجابة، وكان عنوان المحاضرة: (الشباب المسلم في مواجهة التحديات)، وصدرت فيما بعد في كتاب حافل واسع.

ورجع الشيخ إلى جدة ، فبدأت تظهر الأمراض المتلاحقة عليه بسبب مرضه الرئيس حتى ذبل عود الشيخ وتضاءل جسمه وتناولته الأوجاع ، وكان دائم التردد على العيادات الطبية طالباً المشورة والعلاج، ولكن نفسه لم تهن ولم تضعف بل بقي عالي الهمة متوثب العزيمة محافظًا على مهماته الدعوية، يقوم بمسؤوليته الاجتماعية، لا يعتذر عن قبول أية مناسبة يدعى إليها، وحين يطلب منه التحدث كان يتكلم وينفعل وينسى حالته المرضية التي لا تسمح له بإرهاق نفسه.

وكانت المدة التي قضاها الشيخ -رحمه الله- راقداً في المستشفى تعتبر فترة طويلة، فقد كان يخلع ثوب المستشفى، ويلبس ثيابه ويذهب إلى الجامعة لإلقاء المحاضرات ثم يعود مرة أخرى إلى المستشفى ليتلقى العلاج من الأطباء، وبجوار سريره في المستشفى ترتفع مجموعات من الكتب، فهو يجد السعادة في التأليف والنصح فيما ينفع الأمة ويرفع من شأنها.

وكان يضع (المخدة) أمامه ويكتب فصولاً من كتاب سلسلة "مدرسة الدعاة" الذي كان قد بدأه قبل مرضه رغم نصائح الأطباء والمحبين بالابتعاد عن القراءة والكتابة، لكن النفس صاحبة الهمة العالية تأبى أن تلقي القلم من يدها مهما اشتدت وطأة الألم.

وكانت وفاته في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408? الموافق 29من آب/1987م في جدة بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، وقد شيع جثمانه يوم الأحد في السادس من محرم الموافق الثلاثين من آب، ونقل من جدة إلى مكة وصُلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر، ودفن في مقبرة المعلاة ودفن فيها حيث و شيع الفقيد عدد كبير من العلماء والدعاة والإخوة والشباب والطلاب، كما ألقى بعض أحبة الفقيد الكلمات المعبرة عن حبهم ومصابهم في فقيدهم العالم المربي الداعية رحمه اله تعالى وأجزل ثوابه.

رثاؤه:

رثاء (شعر) للشاعر د. محمد وليد ( أبو حسان)

أبا سعد رحلْت وكنت فينا مثالاً للدعاة ... ا لمخلصينا

بكى لفراقك الأحباب طرًّا حيَّاك الهداة المؤمنونا

تَفطَّر قلبُهم حزنًا دفينًا فاضت عينُهم دمعًا س خينًا

عليك سلام ربك في البرايا أشواق الملائك ... أجمعينا

سقَتْ عينُ الغمام هناك رمسًا مكة ضم ... عينك والجفونا 

ويا أرضَ الحجاز حييت أرضًا رابُك روضة ... للصالحينا 

أخا الإسلام كنت أخًا كريما عند مصابنا قلبًا ... حنونا

رمَتْك سهامُ دهرك بالرزايا كنت من التقاة الصاب رينا

خرجتم في البلاد مهاجرينا هذي سُنَّة في الأولينا

ونافحتم عن الإسلام دهرا صنتم عرضه .. لغة ودينا

وإن رَكَنَتْ إلى الدنيا دعاةٌ أنت من الدعاة .. ال عاملينا

تقلَّبَتِ القلوبُ بنا وكنتم لى يوم المنية .. صامدينا

أبا سعد رأيتك .. والمنايا تصارعكم فتصرعها سنينا

إلى أن جاء يوم كان فيه لقاؤكمُ برب العالمينا

تأذى من سهام الداء جسم لكن روحكم كانت معينا

ولم أر مثل عودك في البرايا وورسًا وضوَّع ياسمينا

أبا سعد وللذكرى شجون هيَّج في مشاعرنا الحنينا

فذكراكم هنا في الخالدينا حلت عن الديار وأنت فينا

د. محمد وليد 

كما رثاه صهره المهندس الأستاذ: طاهر أحمد الحمدو ( أبو عابد)

في ذمة الله 

في ذمة الله من أمسيت أبكيه=ومن بقلبي ونفسي روح ماضيه

من كان بالأمس مزداناً ببهجته=يفيض منها على الظ امي فيرويه

قد كنت قبل إذا ما اشتد يحزبني=هم هرعت إلى عمي يداويه

شهدت بالله - والموتى محاسنهم=تتلى – فذو الحاجة الملهوفيدنيه

في نفسه رقة يبكي لذي ألم=في كفه رهق للم ال يعطيه

ما كان أقساه من يوم على كبدي=وليس ثَمَّ أبو سعد يواسيه

وكيف أمسك نفسي دونما ألم=وقد وقفت على رمس يواريه

توافد الإخوة الأحباب في جزع =ما أتاهم بريد ا لموت ينعيه

أحاط بالجدث الغالي أحبته=والهف نفسي على من قد غدا فيه

الكل يرنو إلى الجثمان يخنقه=فيض من الدمع يجري في مآقيه

قالوا وقالوا فما وفت مقالتهم=وهل يحيط بسف ر الفضل تاليه

لكنه ألم في كل جارحة=وليس كالألم المعصار يرثيه

وقد جف زيت سراج النور=وانطفأت شعاعة البيت و اربد الذي فيه

فليس يجدي إذا ما قيل كان هنا=نور وقد عمت الظلماء في التيه

لكنها لوعة في القلب ينفثها=من كان في قلبه وقد وفى فيه

فلا تلوموه أن سالت محاجره=دمعاً هتوناً لعل ا لدمع يشفيه

فقدت يا إخوتي في فقده كنفاً=يأوي إليه أخ وهم فيؤويه

عرفت فيه الجبالُ الشم راسية=ماض مع الدهر لا يخش ى عواديه

يرنو بهمته القعساء في جَلَدٍ=إلى العظائم ليس ا لخوف يثنيه

أقضَّ مضجعه آلام أمته=وهاله الشر يستشري بناديه

يثور لله لا يخشى به أحداً=يسعى إلى الحق صلباً في تبنيه

يمشي لغايته المثلى على ثقة ما=كان غير ركوب الصعب يرضيه

توجهت نحوه الأنظار في حلبٍ=والتف من حوله التأيد يحميه

سل المساجد فيها سل مدراسها=والكل مصغ لدرس قام يلقيه

ما كان يجهل أن العين ترقبه=حتى تَحَرُّكه في الحي تحصيه

ما ضره كثرة التضييق إن سلكوا=في منعه جبلاً أفضى لواديه

حتى إذا لم يعد في الأمر متسع=وأوشك المكر والإرهاب يرديه

مضى لهجرته في الله لا=هرباً وإنما قدر لله يمضيه

مستأنفاً سيره ما حل في=بلد فليس يفتر عن جهد يؤديه

المبدأ الحق لا يختص في وطن=ماجدَّ أمر فرأي الشرع يبديه

حتى إذا اكتملت لليث صولته=وكان مثل منار الهد ي في التيه

رماه داء عضال فت في كبد=حتى غدا هيكلاً من غير تشويه

لكنه لم ينل من نفسه مرض=ولم يلن عوده ل لداء يرميه

مازال يعطي و يعطي لا يؤخره=عن واجب البذل أدواء فشت فيه

حتى رمته سهام لا مرد لها=فأسلم الروح للب اري تحييه

قضى وعيناه ترقى في تطلعها=ترجو وقد جف ماء الن طق في فيه

حياك ربك عبدالله من=رجل أفضى قريراً فلا قرت عواديه

وقد رثاه شاعر طيبة الأستاذ محمد ضياء الدين الصابوني بأبيات:

عالم فقدناه

قالوا:قضى الشيخ (علوان) فقلت لهم=ذاكم (أبو سعد) ألا يا نفس فاعتبري

ما كنت أحسب أن الموت يرصده=حتى دهاه، ونمضي نحن بالأ ثر

إني لأذكر أعواماً بصحبته فأنثني=ودموع ا لعين كالنهر

عرفته فعرفت الفضل شيمته عف=الضمير، سديد الرأ ي والنظر

واحسرتاه على ماض برفقته فكان =- والله- ملء السمع والبصر

ونحن في (حلب الشهباء) في رغد=والعيش صاف بلا همٍ و لا كدر

كانت مجالسنا بالعلم عامرة كالروض=ما شئت أن تجن يه من ثمر

كانت مساجدنا بالدين زاخرة و =(خطبة) كم لها في القلب من أثر!

واليوم أبكيه من قلبي وعاطفتي=والحزن ما بين مكشوف و مستتر

أبكي الشمائل ما أسمى شمائله !=مستمتعين بخلق كالشذى العطر

أبكي الفضائل ما أحلى فضائله !=كأنما هي أنغام بلا وتر

لله أيام ود بيننا طويت طي =السجل، وفي أمن من الغير

قد عدته فرأيت الصبر شيمته=ولم يكن يظهر الشكوى إلى بشر

قد كان يحمده في كل آونة =وذا دليل على ا لتسليم بالقدر

لم يشك ضراً وعين الله تكلؤه=بل كان في حمده دوما و فيشكر

الصبر شيمته والحمد عادته=والشكر معقله والنفس في خبر

دعني أرق عبرات بت أكتمها=تؤجج النار في الأضلاع ب الشرر

وكل نفس تذوق الموت راضيةً=فإنها في جنان الخلد مع (عمر)

سألتني لأخي (علوان) مرثية=خذها من القلب لا قولاً بمستطر

أنا المقيم على حفظ الوداد إذا=تنكر الصحب أو حال ت رؤى الغير

ما قلته اليوم من فيض الإخاء=ومن محض الوفاء ومن قلبي و من فكري

أمضى (بتربية الأولاد) أزمنةً=وكان يكتب في صدقٍ و في صور

مشاهد حية تأتيك رائعةً=فيها العظات وسلوان لمدكر

قضى(شهيداً) ولما يشك من ضرر =وما لمست به شيئًا من الضجر

(العالم العامل) المحمود سيرته=يسير وفق كتاب الله و الأثر

تبكيه (جامعة) ربى شبيبتها=على (الجهاد) و قول الحق والدرر

تبكي الشباب عليه أنها فقدت=فرداً، لقد كان ملء السمع و البصر

كم مقلة لفراق الشيخ دامعة=كأنما قد أصيبت فيه بالضرر

والموت كالأسد المهتاج يأكلنا=نحن الضحايا من بدو و من حضر

يسعى إلينا ونسعى نحو أحتفنا=فليس يطرقنا إلا على قدر

صبرًا جميلاً ، فما الشكوى بنافعةٍ=إلا بصبر كحد الصار م الذكر

إن غبت عنا فذكراكم بخاطرنا=ولم تغب صورة (العلوان) عن نظري

إن المصائب تنسي كل خاطرة=وكيف تنعم بالآمال و الفكر ؟

وكل نفس لكأس الموت ذائقة=وكلنا هدف للموت فاعتبر

هذا فراقك قد أضنى به كبدي=خلفتني للأسى و اله م والسهر

يموت من مات لا يبكي له أحد=وموتك اليوم أحزان لدى البشر

فيا له نبأ أوهى به جلَد=وإن فيه لذكرى لمعتبر

فأين (سعد) ولم يجزع لمفقده=وذا (شريف) قضى في رت ق iiالعمر

بيني و بينك ( عبدالله ) آصرة=من الإخاء وحبي سي د البشر

(شفيعنا) أحمد المختار قائدنا=وصفوة الخلق و الساد ات من مضر

وأسأل الله (للعلوان) مغفرةً=جنات عدن كما قد جاء في السور

صلى الإله على الهادي وشيعته=وصحبه الغر في الآصال والبكر

شاعر طيبة: محمد ضياء الدين الصابوني