الأستاذ الشيخ حميدي حميدي بن أحمد العالم الضابط

1360هـ-1942م/1429هـ-2008م

اسمه:

حميدي حميدي بن أحمد، من مواليد عام 1360هـ/1942م، مدينة تلرفعت شمال محافظة حلب/35/كم.

تحصيله العلمي:

أنهى المرحلة الابتدائية في مدينته عام1376-1957، وعندما انتقل إلى المرحلة الإعدادية التحق في الثانوية الشرعية(الخسروية) في حلب، لمتابعة دراسة العلوم الشرعية، وفعلاً درس فيها إلى أن تخرّج فيها عام1384-1965، وتابع دراسته في كلية الشريعة جامعة دمشق، وتخرج فيها عام1969-1970حاملاً الإجازة الجامعية.

ثم تعين في سلك وزارة التربية، مدرساً مادة التربية الدينية عام1391-1972، وفي عام 1407- 1987حصل على درجة الدبلوم في التأهيل التربوي، وبقي مدرساً في الثانويات العامة ما بين محافظة حلب، وثانويتي مدينة تلرفعت إلى أن بلغ السن القانونية أحيل إلى التقاعد.

مكانته العلمية:

هو العالم الضابط، والمعلم المتعلم، طالب العلم من المهد إلى اللحد، هذه كلمات لا مجاملة أو مبالغة فيها.

أما العالم الضابط:

فقد كان المرجع الديني لطلاب العلم قبل العامة، فيوم يكون المرء مرجعاً لطلاب العلم فهذا يعني: تحديد الكتاب، وضبط الدليل، والعبارة، وربما ضبط الصفحات، فإذا سئل عن مسألة ما، أو موضوع ما، يقول: في كتاب كذا لمؤلفه فلان، وفي الموضع الفلاني، ولهذا يتهيب أي طالب علم مناقشته، لأنه يقول له: أنا أعطيك المعلومة في أماكنها، ومظانها من الكتب، فما تحفظ أنت؟ أتقول: قرأتَ ولم تتذكر أين قرأتَ، وسمعتَ، وظننتَ، (هذه عبارات تمريض، لا تصلح لضبط العلم).

حفظه القرآن الكريم:

عالم ضابط مثله لا عجب إن قلنا أنه يحفظ القرآن الكريم، نعم كان حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وفي عام1418-1998التحق بمدرسة الشعبانية-قسم تحفيظ القرآن الكريم، لضبط حفظه أولاً، ثم الحفظ على القراءات.

فكان بحق، وبشهادة الجميع عامة، وطلاب العلم خاصة، عالماً ضابطاً في علمه.

وأما ضبطه في عمله: لم يُسجل عليه أي تقصير، إن كان في إتقانه لعمله، أو التزامه فيه، فلم يُسجل عليه طيلة خدمته في الثانويات غياب يوم غير مشروع، أو تأخير عن حصة درس، وأما في المسجد فيقول: منذ خمس سنوات لم أغب عن المسجد سوى ستة أوقات متفرقات، بمعنى(365×5×5=9125وقت صلاة في المسجد لم يغب منها سوى ستة أوقات، في أوقات متفرقة) فأي التزام أقوى من هذا الالتزام؟

وأما المعلم المتعلم:

خلال تدريسه في الثانويات العامة، كانت له مشاركات في تبليغ الدعوة من خلال الكلمات في المناسبات، أو خطبة الجمعة، وعندما أنهى خدمته في وزارة التربية، استلم مسجداً في مدينته، والذي يبعد عن بيته مسافة لا بأس بها(إماماً، وخطيباً، ومدرساً).

وفي بداية العام الدراسي1427-1428/2007-2008طلبته إدارة الثانوية الشرعية للبنين بأعزاز ليدرس فيها، فدرّس العام كله، وبداية العام التالي حتى وافته المنية.

وأما كونه متعلماً فأبينها في فقرتين:

الفقرة الأولى: رغم كبر سنه، وضعفه الصحي، كان ينزل في الصباح إلى مدرسة الحفاظ في الشعبانية لتأدية واجبه، ثم يعود إلى بلدته ليؤدي صلاة الظهر إماماً في مسجده، هذه الحالة استمرت معه أكثر من ثلاث سنوات لم يتخلف يوماً واحداً بدون عذر شرعي.

ولما بدأ الدكتور فخر الدين قباوة بإعطاء درس إعراب القرآن الكريم في مسجد سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في حلب، كان الشيخ رحمه الله ينزل في الصباح إلى مدرسة الحفاظ، ثم يعود إلى بلدته لأداء صلاة الظهر في مسجده إماماً، وبعد صلاة العشاء ينزل مرة ثانية إلى حلب لحضور درس إعراب القرآن الكريم. فقلت له يوماً: إنك تتعب كثيراً، فقال: العلم يؤخذ من الصدور لا من السطور، فإنني أطمع بما في الصدور.

وأما الفقرة الثانية:

كان مصراً على متابعة الدراسة في مرحلة الماجستير والدكتوراه، وشعاره: يجب على طالب العلم أن لا يضع سقفاً لدراسته وتحصيله العلمي، يجب أن يكون طلبه للعلم من المهد إلى اللحد، وفعلاً لا زال يواصل طلب العلم إلى أن وصل إلى اللحد.

مكتبته:

تعتبر من أضخم المكتبات المنزلية الشخصية في منطقته، وهي متنوعة ما بين العلوم الشرعية والأدبية والعلمية، كما تضم المجلات، والكتب الدورية، وألحق بها مؤخراً الحاسب الآلي. ويعرف كل كتاب أين موضعه،

وسبب ذلك: أنه بدأ بتكوين مكتبته مذ هو طالب، إلى وفاته، فأعطي مثالاً على ذلك:

يقول أحد طلاب العلم في مجلس عزاء الشيخ رحمه الله: ذهبت والشيخ حميدي إلى معرض الكتاب في دمشق لشراء الكتب فاشتريت بـ/8000/ل.س، وسألت الشيخ فقال: لم أشتر كثيراً، فقط اشتريت بمبلغ/35.000/ل.س، وكما ذكرت من قبل ليست هواية لجمع الكتب بل لقراءتها ومطالعتها.

مكانته الاجتماعية:

كان شيخنا رحمه الله بحق مرجعاً عاماً للناس من حوله، وللقرى المحيطة به، ومرجعاً دينياً، ومرجعاً اجتماعياً، حتى يكاد يصدق عليه القول:" قضية ولا الشيخ حميدي لها"، الناس بشكل عام مطمئنون له، واثقون منه، وهو بدوره لم يُخيب أمل أحد، ولم يرد طالباً أو طارقاً، حتى قبل وفاته بيوم واحد، حيث كان متعباً جداً ومريضاً، طُلِب منه أن يذهب في قضية، فقال: انظروا فإن وجدتم غيري، وإلا فأنا بانتظاركم.

تواضعه:

هو الجبل المتواضع، جميع المتكلمين من طلاب العلم في مجلس عزائه كانوا يركزون على صفتين بارزتين فيه: كان متواضعاً، وكان عالماً.

كنا إذا اجتمعنا في مجلس ما فيُطلب منه التحدث، فيقول: وما عساي أن أتكلم بحضرة طلاب العلم، فهم أشياخنا، فإذا تكلم أنبأ حديثه عن رجل عالم ضابط للعلوم الشرعية، ورجل أديب، بشتى فنون الأدب والبيان، يعرف كيف ينظم المقدمة، ثم البيان والتفصيل، إلى أن يصل إلى الخاتمة التي يلخص فيها حديثه كاملاً، وخاصة عندما يقول: إذن.

أول حديث سمعته منه:

أول حديث سمعته منه في حفلة دينية بمناسبة ذكرى ولادة الحبيب عليه الصلاة والسلام، بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى وسلّم علي الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، قال: أخي المسلم، هل سَمُرتَ ليلة فأقلقك السمر، وعاينت ظلمة الليل البهيم، فأطل عليك القمر بجماله وبهائه، هل عددت نجوم السماء، وحرت في أمرك هل يطل عليك فجر جديد، هل تعبت وتعبت من الليل وطوله، وقد سُلب من عينيك الكرى، فهبّت عليك نسمات السحر والصبا، وداعبت عينيك حتى أتعبتها وهي تصارعها، وفجأة أذن المؤذن بإيذان فجر جديد، هل أحسست بهذه المعاني، بل هل استطعت أن تتفكر بالصورة البيانية التي رسمها القرآن الكريم لحالتك، حيث قال مولانا عزوجل: ( كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر)، إنه الفجر الذي انتظره حنفاء مكة، مؤذناً بفجر جديد، ورسول جديد، ودين جديد....الخ.

وفاته:

هذا هو الرجل العالم الضابط ، العالم المتعلم المعلم، من المهد إلى اللحد، المتواضع.

ومما يُذكر عنه رحمه الله تعالى: 

كان دائم الأحزان، يقلقه كثيراً ما يجري في الأمة من مصائب ومتاعب، كان جُلُّ ضحكه التبسم، إلا أنه كان يتعالى على الجراح، فيلاطف كلَ من يحادثه ويؤانسه.

أصيب رحمه الله تعالى، بمرض قلبي أتعبه وأجهده، فلم يعد يستطع التدريس ولا المشي لمسافة قريبة، وفي مساء يوم الخميس 15/11/1429 الموافق 13/11/2008 الساعة 9.30مساء، اختاره الله تعالى إلى جواره عن عمر يناهز /69/سنة. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه..

مصير المكتبة:

إن سألتموني عن مصير المكتبة، فأقول لكم: وُجِدَ في وصيته أنه أوقفها لخدمة طلاب العلم الشرعي، فاستلمها ابنه الأكبر أحمد وقام على خدمتها ورعايتها.

نشرت 2009 وقد أعيد نشرها وتنسيقها اليوم