الشيخ عبد القادر الرحباوي عالم فقيه

محطّتنا اليوم عند الشيخ عبد القادر الحاج مطلق الرّحباوي _ رحمه الله تعالى _ من مواليد قرية (القوريّة) من قرى منطقة الميادين شرق سوريا، وبجانبها قلعة (الرّحبة)، وهي قلعة رومانيّة قديمة، فيها سُجِن الإمام أحمد ـ ـ رحمه الله تعالى ـ 

إبّان محنة خلق القرآن- ولعل تسميته بالرّحباوي كانت نسبة إلى تلك القلعة.

عرفتُ الشيخ (الرّحباوي) وهو في الأربعينات من عمره، وقد كان قصير القامة، تكسوه جبّة، وتكلّل رأسَه عمامة، وكان سريع البديهة، حادّ الذّكاء، وكان تاجراً، يعمل في حانوت له في سوق الميادين، ويقطن في بيت في المنطقة بعد استقراره فيها.

وعرفته عالِماً فقيهاً، وواعظاً بليغاً، تشرئبّ له الأعناق، وتصيخ لقوله الآذان.. وكانت خُطبة مزيجاً بين العلم والموعظة، وكان إذا خطب تفاعل حركة مع الكلام، حتى لكأنّ كيانه كله يتكلم.. وكان صادق اللّهجة، قوي الحجة، جريئاً في الحقّ.. ناب فترة من الزّمن عن الشيخ (أبي طريف) في مسجده (مسجد المشوّح) وإبّان تلك الفترة كان الاستعداد في البلاد لأجل تجديد فترة جديدة لبعض الأشخاص، وكان مما قاله_ رحمه الله تعالى _ في خُطبته _ وهو يعقّب على معنى كلمة التوحيد: ( لا: نافيه.. لا رئيس، ولا زعيم، ولا أيّة قوّة فاعلة إلا: للإثبات.. لا إله إلا الله.....)

وفي يوم من الأيام حدث حادث كبير في البلد، فجعل حديثه في خطبة الجمعة في (الجامع الوسط) عن (غزوة مؤتة) ليدخل من خلال قول رسول الله_ صلى الله علية وسلم_ وقد آلت قيادة الجيش إلى (خالد بن الوليد) _ رضي الله عنه_:« تسلّم الرّايةَ سيف من سيوف الله» مشيداَ بموقف الثابتين في الحدث، حيث قال: (وبفضل الله، إنّه لا يزال في الأمة سيوف سلّها الله على أعدائه أمثال خالد).

وذات مرّة وزّعت بعض الجهات على خطباء المساجد خُطباً مكتوبة، تشيد بشخص وتذكر إنجازاته في البلد، فكان يقرأ، ويتوقف عند بعض العبارات، موهماً السّامعين أنة لا يحسن قراءة الخط، ليتجاوز بعض العبارات فلا يقرؤها.. وقال لي على إثرها: (يا بنيّ، إن هم ألزمونا بخطب مكتوبة، فإني سوف أعتزل الخطابة).

وكان في دروسه مرحاً، يحمل النّكتة في ثنايا حديثه.. و قد كان يدرّس أكثر ما يدرّس الفقه، حيث كان يشرح كتابه (الصلاة على المذاهب الأربعة ) وهو واحد من مؤلفاته التي عُرف منها(اليوم الآخر) و(سلوان الحزين في وفاة سيّد المرسلين)، وكان يشرحه بأسلوب ميسّر، ويضرب الأمثال لتقريب الفكرة، وكان حَسَنَ التلاوة لكتاب الله، فضلاً عن صوت وهبه الله إيّاه، فيه بحّة تضفي عليه جمالاً وروعة.

حمل الشيخ الرحباوي الفكر السلفيّ ردحاً من الزّمن، ثم مَالَ إلى التصوّف النقي، ومضى عليه إلى أن وافاه الأجل، عن ثمانية وخمسين عاماً رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه. 

خلاصةُ حياة الشيخ الرَّحباوي

ـ من مواليد القورية _ قرب الميادين_ 1935م.

ـ تلقى تعليمه الأوَّلي على يد والده.

ـ عمل إماماً وخطيباً في عدة أماكن منها:

- في مسجد محكان.

- في (المحطة الثانية ) التابعة لشركة العراق.

ـ استقر أمره في مدينة الميادين، مُدِّرساً وخطيباً وإماماً.

ـ خلف نتيجة هذا الجهد عشرات أشرطة (الكاسيت) المليئة بالخطب والدروس والمواعظ.

ـ ألف عدة كتب ، ولقيت قبولاً ورواجاً ، أشهرها: الصلاة على المذاهب الأربعة ، واليوم الآخر.

ـ كما ترك جملة من المخطوطات منها:

- الإمام الروَّاس.

- حقائق من القرآن.

- بيان من القرآن في نكسة حزيران.

ـ توفي في الميادين عام1993م ودفن فيها، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

نشرت في 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم