الشيخ محمد جندل الرفاعي

حياته:

ولد الشيخ محمد جندل الرفاعي في مدينة حمص يوم الجمعة الموافق 20 رجب سنة 1330 هجرية الموافق لسنة 1914 ميلادية .

والده: العالم الكبير الشيخ يوسف وجده: الشيخ جندل، والد جده: الشيخ محمد ( فاتح باب الدريب).

توفي والده الشيخ الجليل يوم الأربعاء الثالث عشر من شهر ذي الحجة سنة 1336 هجري، وله من العمر ست سنوات , فكفله شقيقه العالم والفقيه الشيخ عبد الله فقام بكفالته حق القيام.

للشيخ محمد ولدان وهما: الدكتور منصور, وعبد النافع جندل الرفاعي
وزوج بناته الأربعة على التوالي إلى الأستاذ تحسين الرفاعي، والدكتور محمد ناصر السباعي، والسيد العميد الدندشي، والمهندس منير الأتاسي.

تعلمه:

تعلم المترحم له مبادئ القراءة والكتابة على يد الشيخ مصطفى الترك، ثم على يد والده الشيخ أحمد، وكذلك تعلم حسن الخط على يد الأستاذ صالح الدقاق , ثم انتسب إلى إحدى المدارس العامة ليتمَّ تلقيه العلم منها إلى جانب تعلق قلبه بالعلم الشرعي.

حيث توجه للمدرسة العلمية ليتعلم فيها العلوم الشرعية بتوجيه من الشيخ الأديب النحوي أحمد عبد السلام، حيث قال لشقيقه الشيخ عبد الله : إن أخاك محمد فيه خير كبير، وكان يقوم على التدريس فيها الشيخ زاهد الأتاسي والشيخ أنيس كلاليب .

كان له من قوة الإرادة والعزيمة ما جعله يحفظ القرآن الكريم كاملاً في مدة ستة أشهر أو أقل من ذلك.

شيوخه:

الشيخ أحمد عبد السلام في مبادئ القراءة والكتابة والحساب
العلامة الشيخ محمد الياسين عبد السلام والد المرحوم الشيخ أبو السعود عبد السلام في الفقه الشافعي

الشيخ أحمد صافي في التفسير والنحو والصرف وأصول الفقه.

الشيخ عبد القادر الخوجة في الحديث والتفسير، حيث قرأ على يديه صحيحي البخاري ومسلم .

وهذه الفئة من الأعلام على سبيل المثال لا الحصر .

وقد وضع العمامة على يد الشيخ بدر الدين الحسني عند قدومه من الشام إلى حمص في 11 ذي القعدة سنة 1343 هجري وله من العمر ثلاث عشرة سنة .

أعماله:

افتتح مكتباً لتعليم أبناء حي باب الدريب في الزاوية الرفاعية المقابلة لبيته , وبعدها انتقل إلى قرية الحميدية، ثم إلى قرية نقيرة لتعليم أبنائها هنالك .

ثم عُيِّن خطيباً عام 1939 في جامع كعب الأحبار بعد وفاة خطيبه السابق المرحوم الشيخ محمد الياسين، وبقي فيه خطيباً لنصف قرن من الزمان حتى توفاه الله تعالى عام 1989م.

ثم عُيِّن إماماً لجامع كعب الأحبار بعد وفاة شقيقه المرحوم الشيخ عبد الله سنة 1963، ثم انتقل إلى جامع وحشي وثوبان عام 1986، ميلادية حيث استقال من وظيفة الأمامة عين مدرساً عاما ً في مساجد حمص عام 1951 وحتى توفاه الله تعالى.

كما عُيِّن مدرساً في المعهد العلمي الشرعي، ثم مديراً له مدة طويلة وبقي مدرساً فيه حتى توفاه الله.

أخلاقه:

أخلاقه عظيمة ,كثير التواضع مع الصغير والكبير ومع أقرانه, يحترم الجميع على اختلاف ديانتهم ومذاهبهم, يناقش العالم والجاهل بكل ود ولا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله, كان كثير الاهتمام بأمور الطهارة والنجاسة يهتم بمظهره ولا تفوح منه إلا روائح المسك, رحيماً عطوفاً لم يعنف صغيراً ولا كبيراً, حازم في حدود الله, لين في النصح, يحاول أن يبتعد عن الفتوى قدر الإمكان بإرساله السائلين إلى دار الإفتاء, لطيف المعشر, دمث الأخلاق, لا يمل حديثه ولا يشبع من مجالسته, وعلى الرغم من كل الأعباء التي أوكل بها من خطابة وإمامة وتدريس في المعهد والمساجد, ودروس الدين التي لا تنقطع بشكل يومي, كان الشيخ الجليل يلاطفنا نحن أحفاده, طالما استمتعنا بحكايات الجد التي تحمل المتعة والعبرة, بأسلوب محبب قريب من قلوب الأطفال.

يقرأ كل يوم ستة أجزاء من القرآّن الكريم عدا السور الواردة بعد الصلاة، وقد سمعت منه شخصياً أنه في بعض الأحيان كان يختم القرآن الكريم في ثلاثة أيام, ربما كان ذلك صعب التصديق, لكن من يرى الشيخ الجليل ولسانه لا يَفْتُر عن قراءة القرآن, ماشياً أو راكباً, في البيت أو في السوق أو في استراحات العمل بسلاسة ملفتة للنظر، وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح يوقن أن لهذا الرجل شأناً عظيماً ومكانة رفيعة عند ربه.

من أكثر ما كان يسعد الشيخ محمد جندل الرفاعي, رؤيته لطلابه وقد أصبحوا في مراكز مهمة, خطباء وأئمة, كان من محبته لهم رحمه الله, يقدمهم مكانه في الصلاة, ويمنحهم فرصة إلقاء خطبة مكانه, أو إمامة صلاة بحضوره, يصحح لهم أخطاءهم بسرية وبكل ود, ويمازحهم ويقلل من توترهم قبل أداء تلك المهام.

تلاميذه:

تلاميذه كثر ـ والحمد الله ـ أذكر منهم: الشيخ وحيد بحلاق، والشيخ سبيع مبارك، وزهير الأتاسي، والشيخ محمد الحسواني، وكاتب هذه الترجمة.

ثناء أقرانه عليه:

وقد نقل عن العالم الشيخ محمود جنيد في أحد دروسه يقول:

»الشيخ محمد جندل الرفاعي فقيه شافعي ورع مثبت في الأحكام يطلب منه الدعاء ويؤخذ عنه العلم«

وكان من زملائه في المعهد الشرعي الأساتذة : الشيخ أحمد الكعكة، والشيخ جميل مدور، والشيخ وصفي المسدي، والشيخ طيب الأتاسي، والسيد فتح الله القاضي، وعبيد دعاس، والشيخ مطيع شمس الدين .

وفاته:

لا زلت أذكر بكثير من الأسى اللحظات الأخيرة من حياة الشيخ محمد جندل الرفاعي, أدى الشيخ خطبة الجمعة في جامع كعب الأحبار في باب الدريب يوم الجمعة, لاحظ جميع من كان في المسجد التعب البادي على وجه الشيخ, ولاحظوا اختصاره الشديد للخطبة, ولكنهم لم يكونوا يعلمون أنها خطبة الوداع, وأن تلك كانت المرة الأخيرة التي يقف فيها شيخهم على هذا المنبر، عانى الشيخ محمد أمراض القلب لفترة طويلة, كانت نوبات القلب تضنيه باستمرار, لكنه لم ينقطع عن العمل, ولم يجلس في بيته بداعي المرض, كان شديد الحيوية والنشاط, حتى قبل وفاته بيوم واحد كان في السوق يشتري لوازم البيت..
صباح يوم الثلاثاء في 31/10/1989 الموافق 1 ربيع الثاني سنة 1410 هجري وكعادة الشيخ, استيقظ مبكراً لأداء الصلاة, توضأ, ووقف يؤم أهل بيته كما جرت العادة منذ استقال من وظيفة الإمامة, أقام الصلاة, وأوشك أن يكبر, إلا أنه شعر بإعياء منعه إكمال صلاة الفجر, جلس ثم استلقى, وقال يبدو أنها النهاية, نطق رحمه الله الشهادتين, ولهج لسانه بكلمة التوحيد لا إله إلا الله إلى أن فاضت روحه الطاهرة إلى السماء, إلى الرفيق الأعلى...

صورة تجمع : الشيخ أحمـد الكعكة أبو موفق رحمه الله ..
مع الشيخ محمد جندل الرفاعي رحمه الله يمين الصورة ..
أُخذت الصورة لهما على باب المعهد الشرعي في مسجد سيدنا خالد

جنازته:

خيَّم الحزن على مدينة حمص في ذلك اليوم, لقد فقدت حمص أحد أهم علمائها, تقاطر المحبون لتوديع الشيخ الجليل, وسارت الجنازة بصمت رهيب, وسكينة إلى حي باب الدريب, الحي الذي ترعرع فيه وخدمه طيلة سني عمره, كان المشهد في باب الدريب أشد حزناً, أقفلت جميع المحال, خرج الجميع لوداع شيخهم الجليل.

وصلي عليه عقب صلاة الظهر في جامع كعب الأحبار وبعد الصلاة رثاه تلميذه الشيخ محمد سبيع المبارك حيث تكلم عن حياته العلمية وحبه للعلم والعلماء وحرصه على طلب العلم وأنه ما تغيب عن إعطاء الدروس حتى وهو مريض.

رفع جثمان الشيخ على الأعناق, وسارت الجموع بصمت حتى مقبرة أولاد جعفر الطيار رضي الله عنهم ودفن بجوار جده ووالده وشقيقيه رحمهم الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وجزاه الله عنا خير الجزاء وجزاء الخير.

نشرت الترجمة بتاريخ 2009 وقد أعيد نشرها وتنسيقها اليوم