أحمد بدر الدين سالم

اسمه ونسبه:

هو أحمد بدر الدين بن الشيخ نجيب بن أحمد بن سالم بن محمد بن الحاج أبي بكر البأس.

وكانت كنيته: أبو نجيب.

ـ تاريخ ولادته ومكانها:

ولد في 27/1/1958م في بلدة أريحا الواقعة في سفح جبل الزاوية (جبل الأربعين) وهي مصيف جميل في محافظة إدلب في الجمهورية العربية السورية.

أبوه هو الشيخ نجيب أحمد سالم عالم من علماء أريحا المشهورين، صاحب الذكر الطيب والأثر الكبير، فقد كان شيخ بلدته ومفتيها وعالمها ومحط أماناتها، توفي والده عام 1974م، وكان الشيخ أحمد بدر الدين وقتها في المدرسة الكلتاوية طالباً.

أما أمه فهي الحاجة عائشة بنت محمد بن أحمد بن سالم بن محمد بن الحاج أبي بكر البأس

كانت من الصالحات التقيات المعروفات، وكانت تدرس نساء بلدتها وتعظهن وتعلمهن في دروسها في أحد المساجد وفي بيتها وفي لقاءاتها المستمرة، وقد حملت العلم بعد أن تتلمذت على مفتى إدلب في زمانها الشيخ طاهر الكيالي، ومن بعده التزمت عند شيخنا النبهان فقد أخذت عنه العلم والفهم والسلوك إلى الله.

ولقد كانت الحاجة عائشة تلقب ابنها أحمد بدر الدين – الذي هو الرابع بين بنيها من زوجها الشيخ نجيب - بـ( الجُوَيّد ) أي الكريم صاحب الهمة، لما كان يساعدها في خدمة البيت قبل أن يخرج ليلعب مع أقرانه، فقد كان باراً بها محباً لها مكرماً غاية الإكرام لمقامها.

ـ نشأته:

نشأ في بلدته أريحا التي عشقها وأوصى عدة مرات آخرها قبل وفاته بأيام أن يدفن فيها.

وله في طفولته في أريحا مواقف لا تنسى طالما حدثنا عنها، كلها تدل على لطيف أخلاقه ودماثتها وخفة ظله، كان أحياناً يستعير دواب الجيران ليلهو بها متذرعاً بأن والده شيخ البلد يطلبها لقضاء حاجة عليها، وهذا ما يدفع الناس ألا يردوه احتراماً وحباً لوالده، ولكم كان يشرب اللبن الذي يرسله أهله لإحضاره بحجة أنه هو الذي أحضره، ومرة أكل اللحم المشوي عند البائع ثم يدع الدفع لوالده وهو لا يعلم.

ـ دراسته:

بدأ الشيخ أحمد بدر الدين تلقي معارفه وعلومه على يد والده ووالدته في البيت، ثم انتقل إلى كتاب الشيخ مصطفى عبدالرزاق سالم، وهو من علماء أريحا المشهورين، ومن قرابة آبائه.

ثم دخل المدرسة الابتدائية عام / 1963م/ وكان اسم مدرسته المدرسة الغربية وكان من أشهر مدرسيه فيها الأستاذ محمد أديب عبيدو والأستاذ أحمد الجسري والأستاذ صبحي قزموز والأستاذ صديق البس والأستاذ محمود منون. وكان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ المربي المعروف محمد بشير سالم رحمه الله.

ولما وصل إلى المرحلة المتوسطة انتسب لدار نهضة العلوم الشرعية في عام /1969م/ وانتظم بين طلابها، وتلقى العلوم الشرعية والعربية فيها، كما بدأ تكوين شخصيته الدينية والأخلاقية فيها. فدرس فيها على علماء أجلة منهم الشيخ محمد لطفي الذي كان مديراً للدار حينها، فقد درس عليه علم التفسير والعقيدة، ومنهم الشيخ عبدالرحمن حوت الذي درس عليه الفقه الشافعي، ومنهم الشيخ المقرئ بشير حداد الذي درس عليه علم التجويد، ومنهم الأستاذ حسان فرفوطي الذي درس عليه السيرة النبوية والخطابة وقصص الأنبياء، ومنهم الشيخ محمد أديب حسون، الذي درس عليه علم الحديث الشريف وعلم الأخلاق، ومنهم الشيخ صالح بشير المارعي الذي درس عليه الفقه الشافعي، ومنهم الشيخ محمود فجال الذي درس عليه النحو والصرف، ومنهم أخوه الأكبر الشيخ محمد نبيه سالم الذي درس عليه الخطابة والتعبير والنحو والصرف والفقه الشافعي، ومنهم الشاعر ضياء الدين الصابوني الذي درس عليه العروض والتعبير، ومنهم الأستاذ علاء الدين علايا الذي درس عليه المصطلح والأصول، وغيرهم من العلماء الأجلة رحمهم الله تعالى وجزاهم خيراً.

كما درسه بعض المدرسين المنتدبين من الأزهر في جمهورية مصر العربية منهم الشيخ محمود الجوهري والشيخ عبدالفتاح الشيخ. وكان مدير الدار حينها العالم المربي الشيخ محمد لطفي رحمه الله، وكان الشيخ محمد حسن حمو والشيخ عبداللطيف عتر والشيخ صالح بشير من الموجهين في الدار حينها.

ومما يذكر هنا أنه في حياة والده أراد ترك الدراسة والتوجه للحياة العملية، وما أن علم والده بالأمر بعد أن رآه في بيته في أريحا، حتى أخذ بيده وأتى به إلى السيد النبهان، وبين له أن ابنه أحمد بدر الدين يريد أن يترك طلب العلم، عندها تبارك خد الشيخ أحمد بدر الدين بكف السيد النبهان مؤنباً له على تركه لطلب العلم، وما أن عاد الشيخ أحمد بدر الدين إلى صفه حتى قال السيد النبهان للشيخ نجيب سالم: هذا الكف كف محبة.

وقبل التخرج بسنة انتقل إلى المدرسة الشرعية في حماة وحصل منها على شهادة الثانوية الشرعية عام/1975م/.

ثم سافر بعدها إلى جمهورية مصر العربية لمتابعة دراسته الجامعية في الأزهر بكلية اللغة العربية، فدرس فيها سنتين، ولم يكمل دراسته الجامعية لالتزامات مادية مرهقة تراكمت عليه نتيجة دين استدانه لأحد أصدقائه.

ـ عمله:

عمل الشيخ أحمد بدر الدين إماماً في حلب في جامع حمزة بك في منطقة قاضي عسكر عام / 1974م/ وفيه تعرف على الرجل الصالح جار المسجد الحاج عبدالله كسحة، والحاج الصالح علي طحان الذي خطبه لابنته وزوجه إياها في 1/4/1976م.

وكان في هذا الأثناء يعمل بتجارة الكرز من أريحا إلى حلب في موسمه.

وبعد زواجه عاد الشيخ أحمد بدر الدين إلى أريحا إماماً وخطيباً في الجامع الكبير – وهو جامع أثري واسع - خليفة لوالده - الذي كان يؤم ويخطب فيه من قبل - الشيخ نجيب، وكان راتبه آنذاك /200/ ليرة سورية. ومع إمامته للمسجد استأجر دكاناً بجانب المسجد ليبيع فيه الأواني المنزلية.

وفي فترة إقامته هذه في أريحا قام برعاية والدته وأخته إضافة إلى عائلته، وتوثقت علاقته الطيبة بأهالي أريحا، فأحبوا فيه بساطته وطيبه، وتعلقوا بصوته الجميل الندي في الأذان والقرآن ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ونشأت بينهم علاقات ود ومرح وتواصل.

وفي عام /1980/ هاجر إلى الكويت مع عائلته ليعمل فيها بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية إماماً وخطيباً ومؤذناً ومدرساً للقرآن في مساجدها، ولما وقع الغزو العراقي على دولة الكويت عام /1990م/ اضطر للإقامة في سورية، وعمل خطيباً في منطقة الواحة بجانب السفيرة في هذه الفترة.

وبعد تحرير الكويت عاد إلى عمله فيها في مسجد خبيب بن عدي ثم في مسجد معقل بن يسار رضي الله عنهما.

ـ عودته إلى وطنه:

وفي عام / 1997م/ حمله الحنين إلى وطنه إلى الرجوع إلي سوريا، فأقام في حلب، وعين خطيباً لجامع أبي بكر الصديق في حي الحمدانية في حلب، وبعد فترة انتقل ليكون خطيباً لجامع الرحمن الشهير في حلب، واستمر فيه لمدة تزيد على العامين، ثم انتقل ليعمل خطيباً في الجامع المسمى باسم والده الشيخ نجيب في أريحا بعد أن ألح عليه أحد سكان أريحا مطالباً بقوله: إن لنا حقاً في زهرة من زهرات الشيخ نجيب الخمس ( يقصد أبناء الشيخ الخمسة ).

واستمر في ذلك المسجد إلى يوم وفاته، بل وإن من العجائب أنه كتب خطبة الجمعة لليوم الذي تلى وفاته بخط يده وكانت بعنوان: (كل نفس ذائقة الموت).

ولقد كان في فترة إقامته في حلب لازم أخاه الشيخ العالم الجليل الموجه محمد نبيه سالم، ويساعد في مسجده، فيؤم معه أحياناً المصلين في رمضان في جامع عمار بن ياسر.

كما أنه في تلك الفترة عمل مشرفاً على معونات بعض المدارس الشرعية كثانوية إعزاز الشرعية وثانوية السفيرة الشرعية وثانوية تركمان بارح ومن قبل أحد المحسنين، ولقد كان هذا العمل من أحب الأعمال إلى قلبه وآثرها عند نفسه، رغم ما كان يقاسيه من بعد مسافة المدارس عن حلب، وصعوبة الوصول إليها في الريف، فلم يكن يراه إلا أنه خدمة للعلم وأهله، وأنه عبادة وقربة إلى الله عز وجل.

وكما عين بجمعية صندوق العافية الخيرية بحلب للكشف على حالة المرضى ومساعدتهم في إجراء العمليات الجراحية.

وإضافة إلى مشاركته في جمعية البر والخدمات الاجتماعية بأريحا فكان من أعضائها النشيطين.

كما أنه كان يساعد على إيصال معونات المحسنين والمتبرعين الشهرية لكثير من العوائل المستورة، فقد كان موضع ثقتهم واطمئنانهم.

لقد عاد إلى وطنه ليكون بجانب أبنائه أخاً كبيراً وأباً موجهاً، ومعيناً لهم بعد الله ومشجعاً على متابعة دراستهم الجامعية التي لم تكتب له، فقد كان يوجه لهم النصائح والتوجيهات التي سبق وتعلمها من والديه ومن حياته، ويضع بين أيديهم ما يملك - مع قلته - لمتابعة دراستهم.

وفي هذه الأثناء عمل في مجال التجارة فكان يتاجر في أنواع الحبوب وزيت الزيتون وغيرها من الأمور التي تشرى في مواسمها وتباع بعده.

ـ عمله بالكويت:

دخل الشيخ أحمد بدر الدين الكويت عام /1980/ وبقي فيها إلى عام /1997/، أي قرابة /17/ عاماً، وعمل في مساجدها إماماً وخطيباً ومؤذناً ومرشداً، وتنقل بين عدة مساجد فيها كان من منها: مسجد خبيب بن عدي ومسجد الحمضان، وكان آخرها مسجد معقل بن يسار حيث كان هو مؤذن المسجد وأخوه الأكبر منه الشيخ عبدالله إماماً وخطيباً.

كما أنه في الفترة التي سبقت غزو الكويت – من عام /1983 – 1990/ عمل في أوقات فراغه أميناً للصندوق في شركة المركز الدولي للمواد الغذائية وكان مثالاً للأمانة وحسن الخلق ومناصراً للعمال الذين كانوا من جنسيات مختلفة.

لقد كان صاحب خلق حميد وكريم وهمة عالية يخدم الصغير قبل الكبير، والفقير قبل غيره، وبذلك كون علاقات كثيرة مع طبقات مختلفة من الناس.

كما أنه رحمه الله كان على علاقة حسنة طيبة، مع سائقي سيارات النقل بين الكويت وسوريا من أبناء بلده وغيرهم، يخدمهم ويقضي لهم حوائجهم، وكم كان يستدين ليفرج عن أحدهم كربة ألمت به في غربته، وكم سهر الليل معهم، وحمل همومهم.

وكان همه في عمله وحياته التي عاشها أن يسعد زوجته وأولاده فلم يكن يتأخر عن طلب من طلباتهم ولا رغبة من رغباتهم، ولكم وقف بجانب أحدهم إذا مرض حناناً وعطفاً، ولكم دمعت عينه عند وداع أحدهم إذا ما سافر أو ابتعد. 

ـ كفاحه مع المرض

بدأت معاناته مع المرض في سنواته الأخيرة في الكويت، فقد أصيب بجلطة مرت بسلام، وما أن عاد إلى سوريا حتى اكتشف الأطباء أن لديه انسداداً في شرايين القلب وأنه لا بد من إجراء عملية جراحية، إلا أنه كان يعتمد على ربه دائماً ويعتبر حجه لبيت الله الحرام وزيارته لرسول الله - اللذان تكررا لسنوات عديدة متتابعة – كان يرى فيهما الدواء الشافي لما هو? فيه.

وفي عام /2005/ أجرى العملية الجراحية لتبديل شرايين القلب، وكانت عملية ناجحة، إلا أنه من بعدها كان يضطر كل عام لدخول المستشفى لسحب السوائل المتجمعة في الرئتين نتيجة لضعف القلب، وهذا ما كان سبباً في وفاته رحمه الله.

ومما ابتلاه الله به أيضاً أن قطعت بعض أصابع قدميه قبل وفاته بعام تقريباً نتيجة لتضيق شرايين القدمين، نتيجة مرض السكر وضغط الدم.

ـ أخلاقه وسجاياه

- حبه للضيوف وكرمه:

من أبرز صفات الشيخ أحمد بدر الدين سالم رحمه الله أنه كان مضيافاً كريماً، يفرح بالضيف ويبحث عنه، ويحرص عليه، ويتفنن في إكرامه وإدخال السرور على قلبه. لم يخل بيته يوماً من الأيام من صديق قريب، أو مسافر غريب، أو زائر أو عابر، ينسى نفسه ووقته وربما أهله إذا حل به ضيف.

وكان أهون شيء عليه أن يستدين لإكرام ضيوفه، ثم يقوم بعد ذلك بالوفاء معتقداً أن الله سبحانه وتعالى لن يبخل عليه بما يحبه منه ويرضاه وهو إكرام الضيف.

ـ الهمة العالية في خدمة من يعرفه ومن لا يعرفه:

وكان الشيخ أحمد بدر الدين سالم صاحب همة عالية ونجدة حاضرة لا يتوانى عن تلبية ملهوف، أو إجابة مغيث أو محتاج. وله في ذلك قصص عجيبة وغريبة.

حدث مرة أن كان مع والدته في أريحا فإذا بها تستنجد به، ولما سألها عن السبب قالت له: إن أخاك الشيخ عبدالمنعم نسي محفظة نقوده وفيها هويته العسكرية وتصريح إجازته ( وكان حينها في خدمة العلم ) وطلبت منه أن يتبع أخاه الذي لم يمض على مغادرته للمنزل أكثر من ساعة، فأجابها بلا تردد، وتبع الشيخ عبدالمنعم إلى قطعته العسكرية التي كانت في منطقة الصنمين، قريباً من دمشق، ولم تكن المواصلات متوفرة آنذاك، وما أن وصل وسأل عن الشيخ عبدالمنعم حتى أتاه مسرعاً ظاناً أن أحداً من العائلة قد أصيب بمكروه، وسأله عن سبب مجيئه، وما هو الأمر الجلل الذي جعله يأتي بهذه السرعة، فسأله الشيخ أحمد بدر الدين مداعباً: هل نسيت شيئاً في أريحا؟ فأجابه: بأنه لم ينس شيئاً – ولم يكن الشيخ عبد المنعم قد اكتشف نسيانه لمحفظته – فإذا بالشيخ أحمد بدر الدين رحمه الله يفاجئه ويخرج المحفظة من جيبه ويعطيها للشيخ عبد المنعم، ليعود بعدها إلى أمه لتخصه بوابل من الدعوات بالرضا والتوفيق.

و مرة في رمضان وكان مسافراً مع أخوية الشيخ عبد الله والشيخ محمد مصباح إلى حلب لقضاء عطلة عيد الفطر، وقد وصلوا قبل الفجر إلى إحدى الاستراحات الكثيرة بين حلب ودمشق قرب منطقة حمص. وكانت المحطة مليئة بالسيارات والناس الذين يتناولون السحور استعداداً للإمساك. ولما انتهى رحمه الله من سحوره وخرج من المطعم، وجد شاباً جالساً على حافة الطريق يبكي بحرقة، فأثر في نفسه ذلك. ولما سأله عن السبب أخبره أنه عسكري مجند مسافر إلى دمشق وقد توقف باص السفر في هذه المحطة للاستراحة، إلا أن السائق تحرك بمن معه من الركاب وانطلق مسرعاً إلى دمشق ناسياً هذا الشاب خلفه، وكان للشاب في السيارة أغراضه ولباسه ووثائقه وكلها مهمة جداً بالنسبة له.

فما كان من الشيخ أحمد بدر الدين إلا أن أخذته النخوة فقال له: اركب معي في سيارتي. ثم انطلق به يهوي مسرعاً خلف الباص المسرع حتى استوقفه بعد جهد جهيد ومسافة طويلة، وأركب الشاب المنقطع وعاد إلى أسرته وإخوته مسروراً مبتهجاً.

لقد كانت أسعد لحظاته عندما يقدم خدمة إنسانية لشخص ما.... عرفه أم لم يعرفه.

صوته الجميل ، ومديحه للنبي صلى الله عليه وسلم وابتهالاته:

اشتهر الشيخ أحمد بدر الدين بصوته الجميل الرخيم الندي الشجي، الذي كان يعطر به المجالس ويهز به القلوب، ويدخل السرور على الأرواح، وينشط الجميع لذكر الله وشكره وحبه، والتغني بمآثره وخصاله وشمائله، ولدعوة الناس إلى الأخلاق ولمديح رسول الله الحميدة والمحبة فيما بينهم، وإيثار طاعة الله ورسوله على كل شيء.

ولقد كان الشيخ أحمد بربور رحمه معلمه في فن الأصوات منشد أريحا ومادح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان يحفظ كثيراً من المدائح النبوية والابتهالات الربانية والقصائد الإيمانية... إضافة إلى تلاوته العطرة لكتاب الله عز وجل التي لم يخل منها مجلس حضره.

ولصوته الجميل فقد سجلت له إذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت عدة أذانات وابتهالات بصوته الشجي، ولا يزال الأذان يذاع في تلك الإذاعة أو في إذاعة البرنامج العام أو تلفزيون دولة الكويت بين الفينة والفينة، فتعود ذكراه بين من يسمع صوته يصدح بذكر الله، فما أجمله من تذكير بشخصه رحمه الله.

ـ صلته للأرحام وخاصة عماته وأقاربه:

لم ينس الشيخ أحمد بدر الدين يوماً من الأيام أرحامه وأقاربه، فقد كان يتفقدهم ويصلهم، ويحرص على زيارتهم في المناسبات وغيرها، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم بوجه بشوش وهمة عالية.

بل إنه رحمه الله كان يضفي على المجلس روحاً من المرح والسرور بتعليقاته اللطيفة وابتسامته التي لا تنسى.

ـ سعيه لفعل الخير عامة:

أما حبه لفعل الخير ونفع الناس والمشاركة في الأعمال التطوعية الاجتماعية فكان سبّاقاً لذلك، مبادراً إليه، معيناً كل ساع فيه، يشارك في الجمع لبناء المساجد ويحرض على مساعدة الأسر الفقيرة، ويفرح لكل دعوة إلى التعاون على البر والتقوى.

ـ مرحه وحبوره وابتسامته ونكاته:

وقد اشتهر الشيخ أحمد بدر الدين رحمه الله بالنكات والقفشات التي يفاجئ بها بعض محبيه، فيدخل السرور على قلوبهم بعد أن يكتشفوا المقالب وتأخذهم الضحكة.

مرة يستخدم الهاتف فيغير صوته، ومرة يبادر فيصطنع موقفاً محرجاً، ومرة يبدو بصورة غريبة، وأحياناً يمازح شخصاً مهموماً أو يتبسط مع طفل صغير ... وهكذا.

إلا أنه رحمه الله سرعان ما يكشف المخبوء من أمره بعد أن يدخل السرور والبهجة على قلوب أحبابه وأخواته، وما من فرد منهم إلا ويذكر بعض مقالبه ونكاته.

ـ خلقه ووصفه:

كان الشيخ أحمد بدر الدين حنطي اللون، يميل إلى السمرة قليلاً، ضخم الجسم ممتلئ البدن، جميل الوجه بشوشه، ذا لحية تامة، غير طويلة ولا قصيرة، حديد النظر، متوسط الطول، يملأ عيني الناظر إليه مهابة واحتراماً.

صوته جهوري، يعتني بملبسه وثيابه دون إسراف أو تبذير، مرحاً، اجتماعياً، بطيئ الغضب، سريع الرضا، لا يحقد على أحد ولا يعرف الخصام، هادئ الطبع رضي النفس... يقنع بالقليل ويشكر على المعروف.

ـ حبه لبلده وعدم صبره عنها:

عرف الشيخ أحمد بدر الدين بتعلقه الشديد وحبه لبلدته أريحا، بل وتعصبه لكل ما فيها من ناس وأجواء وعادات وأطعمة وثمار.

كانت أريحا حلمه ومغناه، لا يكاد يفارقها حتى يحن إليها، ولا يكاد يغيب عنها حتى يعود سريعاً إليها، كأنه عاشق لا يطيق الفراق ولا يحتمل البعاد.

رفض بيع بيته بأريحا على الرغم من حاجة إلى المال للمعيشة، وكانت أحلى ساعات يومه حينما يجلس على الشرفة مقابل جبل الأربعين، فيلقي بجسده على الأريكة وهو لا يمل النظر ولا يشبع من الاستمتاع.

ولكم كان أهله يستيقظون من نومهم ولا يجدونه، فإذا هو في أريحا يشتري متطلبات بيته، وإذا ما سألوه عن سبب ذهابه، فالذهاب إليها يحتاج إلى سفر، وشراء الأغراض من حلب أيسر وأسهل فيقول: أحب أن ينتفع أولاد بلدي.

ونتيجة لحبه الشديد لبلده فقد أمضى آخر أيامه فيها وكأنه يودعها قبل أن يرجع إلى حلب فتوافيه المنية فيها. وكانت من أحلى الأيام التي قضاها في بلده أريحا وهذا ما قاله من كان معه.

ـ أعماله الدينية:

ـ حلقات تحفيظ القرآن الكريم في الكويت وفي سوريا في جامع عمار بن ياسر:

أمضى الشيخ أحمد بدر الدين شطراً من حياته معلماً لكتاب الله بحكم كونه حسن التلاوة جميل الصوت، وبحكم عمله في المساجد.

وقد تربى كثير من الشباب الصغار على يديه، فحفظوا سور القرآن، وتعلموا أصول القراءة، وداوموا على الصلة بكتاب الله.

وكم كان يفرح عندما يلتقي برجال يذكرونه أنهم في صغرهم كانوا تلاميذاً له في حلقات القرآن الكريم، بل إن أحدهم مرة أتاه بمصحف كان الشيخ رحمه الله قد أهداه إياه عندما كان إماماً وخطيباً في أريحا قبل أن يسافر إلى الكويت، ففرح الشيخ بهذه الذكرى الطيبة وحمد الله عليها.

هذا إضافة إلى الدروس التي كان يلقيها في المساجد التي عين فيها في مواضع الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله.

بعض الأعمال الكتابية المساندة في وزارة الأوقاف

ومما قام به رحمه الله أثناء إقامته في دولة الكويت مشاركته في بعض الأعمال الكتابية في قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية مثل تصحيح محاضر الفتوى، وقراءة بعض الفهارس الفقهية لترتيبها واستكمالها. وذلك لفترة قصيرة لم تطل.

ـ حجه وإرشاده للحجاج والقيام بخدمتهم:

كتب الله له الحج أول مرة يوم عام / 1978م/ وكان حينها إماماً في بلدته أريحا، وفي عام /1985م/ اصطحب عائلته إلى الحج، وكان عنده خمسة أولاد، وما أن عاد إلى سوريا حتى أصبح الحج وخدمة الحجيج من أكبر اهتماماته كل عام، فعاماً يذهب بمفرده ليبحث عن أهل بلده في مكة علّ أحدهم بحاجة لفتوى أو جواب سؤال أو معونة، ومرة يذهب بصحبة أخيه الأكبر الشيخ محمد نبيه ليساعده في توجيه الحجيج وإرشادهم، وكان حجه الأخير بصحبة زوجته وولده محمد يمان، حيث كان مرشداً لقافلة السيد عبدالرحمن حلاق. فأرشدهم ورافقهم في مناسكهم وكان كل هذا حسبة لوجه الله تعالى من غير أن يأخذ منه شيئاً.

ـ أسرته وأولاده وإخوته وأخواته:

تزوج بزوجة واحدة هي السيدة الفاضلة/ فاطمة ابنة الحاج علي طحان، الذي كان من حلب من منطقة حارة الباشا.... وكانت حياته معها سعيدة هادئة وكانت نعم الزوجة الصالحة. فقد عرفت بحبها لزوجها وأسرتها والضيفان، وسعيها في إكرامه، ومساعدة النساء في مناسباتهن وحثهن على الخير والمحبة والتعاون.

ولدت له السيد فاطمة خمساً من الذكور هم: محمد نجيب، والشيخ محمد يمان، والشيخ محمد موفق، وعبدالرحمن، وبشر. كما ولدت له بنتاً واحدة هي: هدى.

أما إخوته الأشقاء فهم: الشيخ محمد نبيه، والشيخ عبدالله، والشيخ عبدالمنعم، والشيخ محمد مصباح.

وله إخوة من والدته: هم القاضي مصطفى بركات رحمه الله، والحاج محمد ناصر بركات.

وله أختان اثنتان من والده، وثلاث أخوات من والدته أيضاً، وأخت شقيقة واحدة.

ـ أحداث قبل الوفاة:

قبل وفاته بثلاثة أسابيع ألقى سلسلة من خطب الجمعة في جامع والده الشيخ نجيب في بلدته أريحا عن الموت والقبر وحياة البرزخ، وكأنه أحس بدنو أجله، وكانت خطبة الجمعة التي تلت يوم وفاته قد أعدها ليلقيها في اليوم التالي مكتوبة بخط يده وكان عنوانها: كل نفس ذائقة الموت. إلا أن ابنه الشيخ محمد موفق الذي خلف والده الشيخ أحمد بدر الدين في خطبة مسجد الشيخ نجيب هو الذي ألقاها.

توفي رحمه الله يوم الخميس، ومن اللطائف أنه في يوم الجمعة الذي سبق وفاته زار قبر والده في مقبرة أريحا، وجلس مع حفّار القبور وقال له ممازحاً: إذا أنا مت فاحرص على أن يكون قبري من جهة الغرب وأن يكون على شارعين. ولقد كان له ما أراد. فما أسهل مكان قبره وما أجمله.

وقبل وفاته بأيام ثلاثة دخل على أصدقائه وهم جلوس فقال لهم دون سابق حديث: أوصي بعد وفاتي بأمور ثلاثة: أن لا يحزن علي أحد منكم أكثر من ثلاثة أيام، وأن لا يطبخ أحد في وفاتي طعام الملوخية ( وهي أكلة معروفة شهيرة لم يكن يحبها رحمه الله)، وأن توزع حلوى شعيبيات على روحي ( وهي من الحلويات المعروفة في أريحا) فقد كان يحبها كثيراً رحمه الله.

وقبل وفاته بساعة تقريباً وكان الوقت بعد منتصف الليل أصر على أن يذهب إلى أريحا، وأن الصباح لن يطلع إلا وهو في بلده ومهوى فؤاده، وقد عاجلته منيته رحمه الله قبل ذلك. ولكن كان له ما أراد، فقد ذهب إليها محمولاً على الأعناق ليجاور والده في تربة بلده التي كانت مسرح طفولته وبداية حياته، ومهواه ومغناه.

أما آخر الأحداث فإنه وهو خارج إلى المشفى الذي توفي فيه، وكان يشكو من الآلام المفاجأة بشدة ومن ضيق التنفس، سألته ابنته الوحيدة عما به فلم يزد على أن أوصاها بأن تقول: يا صبور يا صبور.....، و كان يرددها في كل ضائقة وشدة.

وفاته:

توفي رحمه الله فجر الخميس 27 من جمادى الثانية 1428هـ الموافق 12/7/2007م في مشفى الزعيم بحلب. ونقل إلى أريحا حيث غسل وكفن وصلي عليه بعد صلاة الظهر في نفس اليوم بمشاركة أعداد هائلة من أهالي البلد وأهالي حلب والقرى المجاورة وطلاب العلم، ودفن في مقبرة أريحا الكبيرة.

ـ الخبر الحزين في أريحا وحلب والكويت:

وقع خبر وفاته كفاجعة على الجميع ممن عرفه في أريحا وحلب والكويت وهم كثر، لم يصدق أحد ما حصل، فلقد كان قبل وفاته بساعات يداعب هذا ويكلم ذاك كعادته، ولكن لا رادّ لقضاء الله وقدره، فلقد وقع القدر وتوفي الشيخ أحمد بدر الدين بسبب تجمع السوائل في الرئتين، فأصبح كغريق لا يستطيع التنفس، ونسأل الله أن يكون بذلك شهيداً مع النبيين والصديقين.

حزن عليه الغريب قبل القريب، حتى إن الدكتور أحمد الحجي الكردي وهو ممن عرف الشيخ أحمد بدر الدين بالكويت قال يوم وفاته: لقد حزنت عليه أكثر من حزني على والدي يوم توفي، ووالده من علماء حلب المعروفين، وهذا أيضاً ما جعل الدكتور الفاضل محمد فوزي فيض الله حفظه الله - والذي عرفه بالكويت أيضاً - يقول لولده محمد يمان: إني أخص والدك بالدعاء كل يوم في السحر، لحبي له رحمه الله، فلم يكن يتأخر عن طلب أطلبه منه أو خدمة أطلبها.

ـ جنازة حاشدة لا مثيل لها في أريحا:

شهدت أريحا يوم وفاته جنازة لا تنسى ولم يسبق لها مثيل، فقد عجَّت بالناس الذي أتوا ليشاركوا في جنازة الشيخ أحمد بدر الدين، فمنهم أقرانه، ومنهم أصحابه، ومنهم تلاميذه ومنهم رجال من موظفي الدولة، فالكل حفظ للشيخ وداً وسارع ليشارك في جنازته، ويودعه ويلقي عليه نظرات الوداع، ويترحم عليه ويدعو له.

نشرت هذه الترجمة 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم