كلمات في رثاء الأخ الحبيب الأستاذ عبد الله زنجير -1-

في وداع الأخ الحبيب الودود عبد الله زنجير

حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري=ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار

بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً=حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ

فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ=وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري

استيقظت صباح هذا اليوم الثلاثاء 3 من ذي الحجة 1442 وطالعني هذا الخبر المؤلم الذي اعتصر قلبي حزنًا وغمًّا بنبأ رحيل الأخ الحبيب الأثير الطيب الأستاذ عبد الله زنجير الذي عرفته طفلا يافعا في مدينة حلب، ثم توثقت الصلة وتجددت بعد إقامته في مكة المكرمة أوائل القرن الخامس عشر الهجري بعد هجرتهم من حلب مع والدته وأسرته، وكان أخوه الكبير الشاعر المبدع سليم ( عبد القادر) مغيبا في سجون الطاغية المجرم حافظ الأسد، ثم منَّ الله عليه بالهروب من السجن مع ثلة من إخوانه واللحاق بأمه وأسرته..

منذ تعرفت على الأخ الحبيب عبد الله كان شعلة في الذكاء وعلو الهمة.. أقام في بيته بمكة المكرمة جريدة حائط ينشر فيها روائع الأفكار ونوادر الاختيارات ..

لم يقدر الله لأخي الحبيب أن يتم دراسته بمكة، ولكنه حصل من مطالعته ومجالسته للأدباء، وتجربته في الحياة ما لم يحصله الكثير من أصحاب الشهادات علمًا وحكمة وخبرة.

وبعد انتقالي إلى جدة سنة 1410 = 1990 تجددت الصلات بالأخ الحبيب عبد الله في لقاءات مستمرة، ونشاط دؤؤوب لا سيما بعد تأسيس شركة (سنا) الإعلامية التي أسسها الإخوة الكرام الثلاثة: سليم زنجير وسداد عقاد وعبد الله زنجير، وكانت منارة في جدة، شع ضياؤها وامتدَّ إلى أرجاء العالم الإسلامي.

وبعد انتقال شيخنا العلامة الأديب الكبير علي الطنطاوي من مكة إلى جدة كان الأخ الحبيب عبد الله من أكثر الناس قربًا منه، وبرًا به، ووفاء له، وقام بجمع نوادر دروسه ونشرت في (سنا). وكنت معه على صلة دائمة بشيخنا الطنطاوي إلى أن لقي ربه عز وجل.

كان الأخ عبد الله شديد الحفاوة بأهل العلم والأدب والدعوة، وثيق الصلة بهم، وحسبي أن أذكر صلته الوثيقة بأستاذنا عمر بهاء الدين الأميري، وبعشرات الأدباء والعلماء ...

مكث في السعودية أكثر من 35 عاما في عطاء ونشاط وإيجابية نادرة .. يزرع الأمل والبسمة في أحلك الظروف وأصعب الأوقات ..

ولما انطلقت الثورة السورية الأخيرة سنة 1421= 2011 بادر مع عدد من فضلاء إخوانه إلى تأسيس هيئة (علم) والتي انتهت بعد ذلك إلى المدرسة الرقمية التي كان يتعهدها ويرعاها ويسعى لانتشارها لسد الثغرة الكبيرة في ميدان التعليم للأطفال الذين شردوا وحرموا من متابعة دراستهم.

وتجددت هجرته إلى تركيا قبل خمس سنوات ليتابع نشاطه في المدرسة الرقمية، وفي التعاون مع إخوانه في كل الميادين التعليمية والتربوية ، وتجدد لقائي به في إستنبول في زيارات متعددة جميلة، وكنت أمنِّي النفس بلقائه في زيارتي القادمة إلى إستنبول ...ولكن حال الأجل دون تحقيق هذا الأمل..

ماذا أكتب عن هذا الأخ الحبيب والصديق الصدوق الحنون الوفي لدينه وأمته وإخوانه ودعوته...

لقد كنت في كل يوم أتواصل معه عبر عشرات الغرف في ( الوثاب) وعبر هذه الصفحة الفيسبوكية، وأسعد بتعليقاته الذكية وأخوته الوفية ..

وما يكاد يمر أسبوع إلا ويتصل بي ويبث لي نجواه وشكواه.. وبيننا تلاق كبير في الأفكار والمواقف ..

ليس باستطاعتي في هذه الأسطر أن أختصر صداقة امتدت أكثر من أربعين عامًأ .

وأنا إذ أرثيه أرثي نفسي التي فقدت ركنا من أركانها وأخا عزيزًا من أعز أصدقائها..

اللهم اغفر لأخي الحبيب الأثير عبد الله زنجير أبي راشد.. وكن عونًا لوالدته الثكلى بفقده، ولزوجته الكريمة الوفية ،ولابنه البار الوحيد أحمد ولبناته الصيِّنات الذكيات الكريمات ..

اللهم اجبر مصابنا بفقد هذا الأخ الحبيب

واربط على قلوبنا الحزينة ..

وإنا لله وإنا إليه راجعون

مجد أحمد مكي

وكتب صديق دربه الأخ سداد بن محمد جميل العقاد:

الأخ الفاضل الرقيق الودود استاذ عبد الله زنجير أبو راشد في ذمة الله

تقبله المولى الرحمن الرحيم في عليين وأسكنه جنة النعيم بصحبة سيد المرسلين عليه وآله وصحبه افضل الصلاة واتم التسليم

لحظات قبل الوداع الأخير الأديب النبيل عبد الله زنجير:

ثم ماذا بعد:

كنسمةٍ مضيتَ عذب الروح والفؤاد، كشمعة أضأت وأنرت طريق كثيرين بالكلمة الحسنة واللطف والود الشديد، كنت الأصغر من عائلة عميدها الشاعر والكاتب سليم الذي مضى الى ربه عام 2013 بعد أن ترك أثرا ذاخرا لثقافة اطفال الامة العربية والاسلامية ولشبابها نشيدا وشعرا، عائلة قدمت شهيدا لوطن الحب (شام الياسمين) عام 1980. غادرت سورية وانت ابن ثلاثة عشر، فلم تكمل التعليم المدرسي، لكنك نلت في الادب والمعرفة مراتب عالية، ظهر منها سبعة كتب مطبوعة، شاركت في إنشاء مشروع العمر (سنا) الحلم الذي تحقق، فنالت الجوائز وحققت الغاية، فناً سائغاً للطالبين، وأفكارأ و روحا راقية للسالكين. وعندما رحل المؤسس والاستاذ، سارعت مع ثلة من أهل الفضل الى مشروع للتعليم الرقمي ( المدرسة الرقمية السورية) لتكون بديلا لكل الطلاب في المهاجر والمخيمات وداخل الاوطان وفي المغتربات، الى ان وقف على ساقه وصار علامة تحتذى وتطلب.

لن أختصر سيرتك بهذين المشروعين العملاقين : سنا و المدرسة الرقمية، فأنت تاريخ للمعروف والود والحب والسكينة والألفة، خدوم للخلق متواضع، آلف مألوف، ساع للخير ما دام في الوسع والطوق، محب للتعارف وبناء العلاقات وخدمة أهل العلم والسابقة، وان كان لابد من ذكر، فهو لصحبتك المميزة لشيخنا وأديب العربية الشيخ علي الطنطاوي، فقد قضيت السنوات العشر الأخيرة من حياة الشيخ معينا له ومساعدا، أمينا لسره مفتاحا للوصول اليه، فتعلمت وآثرت.

في مناقب أخي عبد الله زنجير (ابو راشد) الكثير الكثير، من أهمها الدأب والاجتهاد وعدم اليأس والثبات على الصراط و الانفتاح نحو العالم مع الاعتدال والوسطية مما يقتضي مقالات ومقالات وجب على احبابه جميعا كتابتها ليفوح العطر ويضوع الياسمين منك حيا وتحت التراب.

رحمك الله واحسن مثواك وجمعنا معك في عليين

سداد عقاد

13/7/2021

وكتب الأستاذ أحمد إسماعيل سعود:

إنا لله وإنا إليه راجعون..

وترجلت يا فارس القلم..

عبد الله زنجير

عرفتك مذ عرفتك يافعا، ذا همّة واهتمام، ودماثة واحترام، وجدّ والتزام، وحب لله وغيرة على الإسلام..

كنت قريبا لطيف المعشر سهلا متواضعا محبا هادئ الطبع..

وكنت قلما صارما لنصرة الحق لم تكدّره الدلاء، وفكرا مشرقا معتدلا، وذوقا راقيا، ومزاجا صافيا، ووصلا دافئا لكل من عاشرك حتى يظن أنه ألصق الناس بك!

وكانت سورية بطفولتها وتعليمها أولويتك خاصة في آخر مسيرتك الحافلة بالعطاء..

جبر الله مصاب والدتك وزوجك وأبنائك وعائلتك الكبيرة التي تضم أهلك في مقاماتك بحلب ومكة المكرمة وجدة وإسطنبول، ومحبيك الذين توزعوا في أرجاء المعمورة..

جزاكم الله خيرا من عائلة بذل وأدب وفكر وعطاء..

وأخلف الله بك وبأخيك أبي الخير خيرا.. وأعظم أجرنا جميعا بك..

على مثلك يا حبيب نبكي فاجعتنا بخيرة رجال سورية، بينما يبتلينا الله ببقاء ذلك الطاغية الذي عاث وأبوه في سورية خرابا!

رضينا يا رب، ولك الأمر كله، والحمد لك بكل حال..

اللهم اكتب له أجر هجرته، وأجر غربته عن وطنه لأكثر من أربعين سنة، وأجر جهده واجتهاده في دعم الطفولة بقناة سنا، ودعمه التعليم في المدرسة الرقمية السورية، وأجر عموده الأسبوعي الذي كان يكتبه في جريدة المستقلة اللندنية قبل ربع قرن، وأجر قلمه الصارم الذي كان يكتب فيه بمجلة المجتمع مذ كان في سن المراهقة مقالات رصينة تنمّ عن فكر وثقافة عالية..

رحمك الله أبا راشد...

رحمك الله يا أخي.