هند شلبي عالمة فاضلة فقدناها

رحم الله المتنبي يوم قال:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر= فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

وذلك يوم وصله خبر وفاة جدته التي كان يحبها كثيرا، واليوم بلغنا خبر وفاة العالمة التونسية الفاضلة الدكتورة هند شلبي أستاذة الدراسات القرانية في جامعة الزيتونة.

هذه العالمة الفاضلة التي ثبتت على دينها ومبادئها الشرعية يوم عصفت التيارات العلمانية بتونس وأهلها، وهي من النساء القلائل التي حافظت على حجابها على الرغم من الحرب الشعواء التي أثيرت حوله في تونس، فكانت مثال العالمة الصابرة المثابرة، كان لتحقيقها بعض كتب التراث الإسلامي ما يعد حافزا ينادي على أهل المشرق بأن في بلاد المغرب من يهتم بتراث هذه الأمة ويعنى به أشد العناية.

وقد كتب السيد الحبيب بن طاهر في رثاء هذه العالمة الفاضلة ما نستسمحه في نقله هنا، قال:

وفاة امرأة الالتزام بالمبادئ

السيدة الفاضلة الدكتورة هند شلبي

وافت المنية اليوم 24 / 06/ 2021 الدكتورة هند شلبي ابنة الشيخ أحمد شلبي، بعد معاناة بوباء كورونا، (كلّ نفس ذائقة الموت)، رحم الله تعالى الفقيدة، ورزقها جوار سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم، وأفاض على أهلها وذويها حسن الصّبر والاحتساب.

نشأت هذه السيدة الفاضلة في عائلة معروفة بالدّين والعلم، فوالدها هو الشيخ أحمد شلبي أحد علماء جامع الزّيتونة ومدرسيه. وعرفت بتمكّنها من علوم الشريعة، وخاصّة في مجال علوم القرآن، تحصّلت على شهادة الدكتوراه سنة 1981، والتحقت بكلية الشريعة وأصول الدّين للتدريس، إلى أن تقاعدت. كما عرفت بتشبّثها بقيم الإسلام ومبادئه وأحكامه، فعرفها النّاس وهي في سنّ الشّباب بلباسها السّاتر لما عدا وجهها وكفّيها، كما عرفوها مدافعة عن حقوق المرأة من مرجعية الإسلام ومبادئه، وداعية إلى التّمسّك بهذه المرجعية، وقد دعيت لإلقاء محاضرة في الغرض أمام رئيس الدولة وطاقم حكومته آنذاك سنة 1975، وهي المرّة الأولى التي تدعى فيه امرأة للحديث عن الإسلام بمناسبة ليلة 27 من رمضان، فكانت المحاضرة سببا في إثارة الضغائن عليها؛ لأنّها لم تذكر فيها المزايا التي يدّعيها هذا الرئيس لنفسه في ما يتعلّق بالمرأة، ولم تلتفت إلى فضله المزعوم ولو بالإشارة، وكان موضوعها مركّزا على بيان فضل الإسلام وفضل نبيّ الإسلام محمّد صلّى الله عليه وسلّم على المرأة، بإخراجها من الذّلّ والهوان الّذي كانت تعانيه في الجاهلية، والنّظرة الدّونية والقيمة السّلعية التي كانت تعامل بها، قالت ذلك في الوقت الّذي كان يسعى هذا الرئيس إلى أن يصنع من نفسه صنما تعبده المرأة، وتقدّم قوانينه على شريعة الله تعالى.

وحين ضُرب الحصار على لباس المرأة الذي أمر به الإسلام، وصدر سنة 1981 منشور عدد 108 بإمضاء الوزير الأول مزالي يمنع ارتداءه، وطال التضييق على النساء في الإدارات والمعاهد والجامعات بل وفي الطريق العام، ضَرَبتْ الدكتورة رحمها الله تعالى أروع موقف برهنت به على تحدّيها القوي للمنشور المشؤوم، المناهض لحكم الله تعالى المنصوص عليه في القرآن الكريم، وذلك أنّها لبست لباس المرأة التّونسية التقليدي (السّفساري)، فأُسْقِط في أيدي الطغمة المعادية للدّين؛ لأنّهم كانوا يروّجون على التونسيين بالباطل أنّ ما يرتديه المتديّنات إنّما هو لباس طائفي وليس له صلة بلباس المرأة التونسية، فأرتهم كيف أنّ العبرة بمقصد الستر لا بشكل اللباس، وكشفت أنّ عداءهم للمقصد لا للشكل؛ إذ واجهها زملاؤها المنخرطون في معاداة اللباس الشرعي في كلية الشريعة وأصول الدين بكلّ أصناف التضييق، حتّى وصل بهم الأمر أنّهم كانوا يعادون ويضيّقون على الطلبة الذين كانت تشرف على رسائلهم الجامعية، رغم أنّ الجميع كان يعلم أنّها لا تنتمي لأي حزب أو اتّجاه سياسيّ؛ لكنّ خصومها ذهبوا بوصمة العار، وتألّقت الدكتورة هند شلبي ـ بسلوكها وهدوئها ومهابتها ـ كوكبا منيرا ينير طريق كلّ امرأة مسلمة ثابتة على إسلامها، معتزّة بشريعته.

فإلى ربّ كريم، رحلت المرأة رمز الثبات على المبادئ الدكتورة هند شلبي، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فرحمة الله على هذه العالمة الفاضلة وغفر لها وأسأل الله أن يعوض المسلمين خيرا بفقدها