رحمك الله يا شيخنا أبا مصعب!

 

 

الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه، والصلاة والسلام على النبي الصابر الأواه محمد بن عبد الله وآل بيته وصحبه الهداة التقاة ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فبقدر حجم الحزن على شيخنا الدكتور مصطفى مسلم كنت قبل قليل مستمتعا بما قاله المشايخ الأخيار الفضلاء في مجلس التأبين والعزاء لأن هذا من عاجل البشرى له بالخاتمة الحسنة إن شاء الله.. فأحسن الله عزاءكم يا أختنا أم مصعب ويا أعزاءنا عمار وأسامة وكريمات الشيخ وأحفاده وأسباطه، وأرجو لك حسن اللقاء بوالدك يا مصعب في جنات النعيم إن شاء الله تحت ظلال المصطفى عليه أزكى صلوات الله والعزاء للأمة الإسلامية بوفاة علم شامخ من أعلامها يرحمه الله ويكرم مثواه ويحسن في الفردوس مأواه ولا نزكي عبدا على مولاه.. عرفت الشيخ قبل أربعين سنة عندما انتقل عملي إلى مدينة الرياض وبيننا صحبة وجوار وتزاور وضيافات.. ومن باب ذكر محاسن موتانا سأحصر كلماتي فيما لم يقله من تحدثوا من إخوتي وأساتذتي: لقد عصفت العاصفة بالشعب السوري الجريح أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ونزحت جموع كثيرة إلى بلدان الجوار وتخطى جمع غفير منها إلى المملكة العربية السعودية ولما كان الشيخ مصطفى مسلم محل ثقة المسؤولين فيها ولا سيما سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - يرحمهما الله – والدكتور صالح العلي والدكتور عبد الله التركي والدكتور عبد الله السعد والدكتور حمد الصليفيح والدكتور خالد العجيمي والدكتور ناصر السعيد والدكتور عبد الله عمر ناصبف والدكتور زاهر عواض الألمعي وله طلبة أمراء وعلية كبراء وميسورون أثرياء وكان الشيخ مصطفى مسلم لا يني ولا يفتر مع ثلة من إخوانه المسلمين السوريين عبد القدوس والهاشمي وحسين قاسم والباشا والكابوري وشيخ هذه الثلة المباركة عبد الفتاح أبو غدة والسعوديين في خدمة النازحين فرب الأسرة يجد إقامة له ولأولاده، والطالب يجد مكانا في الجامعة بمساعي الدكتور مصطفى مسلم، وإخوانه والباحث عن عمل يجد نصحا وتوجيها وتزكية من الدكتور مصطفى مسلم وإخوانه فلا يخيب مسعاه، والطلبة الأكراد كانوا في حصن أمين وملاذ حصين لدى الدكتور مصطفى مسلم يرحمه الله تعالى وأذكر أنني كنت أزوره لحاجة ضرورية في وقت مبكر قبل الذهاب إلى عملي فيستقبلني فأرى بعض الضيوف نائمين في مجلسه العامر فأقول في نفسي أعان الله الشيخ وأهله على تحمل هذه الصعاب.. فإذا حججنا وجدت الشيخ مصطفى على رأس حملة الطلبة الحجاج من جامعة الإمام ومتابعة أنشطتهم وتربيتهم وكم كان يدعوني مع فرقة إنشادية صغيرة لحضور بعض السهرات عند أصحابه وتلاميذه السعوديين مثل عبد الرحمن النويصر وغيره قياما منه بواجب الدعوة وشغل الأوقات بما هو نافع إن شاء الله.. ولا تسل عن اعتنائه بالكتب وحرصه على اقتنائها ولا يبالي بما يبذله من أموال في سبيلها وله ذوق خاص في نجارة خزائنها وترتيبها - عليه رحمات الله -.. أما دقته وتنظيمه فأمر ظاهر لا يخفى ترى ذلك في جودة سيارته التي يمتطيها وربط حزامه عند قيادتها، وحسن تفقده لها وقودا وصيانة وما سوى ذلك، وما سافرنا معه من مدينة إلى أخرى أيام إقامتنا في الإمارات إلا وزع المهام بين رفاقه وعدل بينهم في نفقات السفر حتى لا يضار أحد أو يتكل أحد على أحد! وكان يشترط علينا في الجلسة العلمية الدوارة أن لا يقدم المضيف ضيافة سوى الشاي حتى لا يحرج زيد أمام عمرو أو يحصل التباري في تقديم الضيافات.. فماذا تقول في حسن وفائه لشيوخه؟ جاءت أسرة شيخه أبي الخير زين العابدين وبعض أبنائه إلى الإمارات فكانت للشيخ مصطفى مسلم الشغل الشاغل في تأمين احتياجاتهم ومستلزماتهم كل ذلك من وفائه لشيخه أبي الخير يرحمهما الله رب العالمين.. أما عن دعاباته وأسماره فحدث عن إمتاعها ورزانتها ولا حرج.. ولولا أن الجو مبلل بدموع الحزن على رحيله لذكرت من طرائفها أطرافا.. أما عن صبره فحدث عنه أيضا ولا حرج.. لقد فجع بمصرع ولده البكر مصعب - عليه رحمة الله - ونحن ومن يحب الشيخ كادت أن تتفطر قلوبنا والشيخ صابر محتسب يعلمنا كيف يكون جلد الرجال وكيف يكون ثبات الرجال أمام الأهوال.. ولما بلغه خبر وفاة أحد أشقائه ذهبنا لتعزيته في مسكنه بجامعة الشارقة فكان هو الذي يعزينا بكلماته المؤمنات الطيبات.. لكل منا في حياته مراجعات وقناعات قد ينفرد بها في وقت من الأوقات وللشيخ مصطفى مسلم مراجعاته واجتهاداته الفكرية أو الدعوية التي يراها ويقتنع بها وهذا ملحوظ في شيء من انقباضه بعد ذلك الانبساط؛ ونرجو أن يكون له في الوفاة غريبا وبسبب هذا الطاعون قد ختم له بالشهادة إن شاء الله.. لم يكن الشيخ مصطفى مسلم كثير الكلام ولم يكن محبا للتصدر شأن كثير من الناس العالمين أو المتعالمين ولكنه كان معلما ناجحا لطلابه ونديما مؤثرا في أصحابه؛ كل ذلك بكمال صمته وحسن سمته. اللهم! لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله واجمع بيننا وبينه في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين.. أجل يا أهل الشيخ ويا أبناء الشيخ ويا بنات الشيخ ومحبيه وتلامذته وتلميذاته! إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وما نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا شيخنا أبا مصعب! لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.