عبد الله سلطان (الجد)

1260 ـ 1324هـ

1844 ـ 1906 م

الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد القادر بن الشيخ محمد بن الشيخ صالح الشهير بسلطان.

محدّث، فقيه، أصولي، فرضي، نحوي وأديب شاعر.

ولد في بيت تسلسل فيه العلم والفضل، في مدينة حلب، في الخامس والعشرين من محرم، سنة: ستين ومئتين وألف للهجرة، وتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وهو صغير في أحد كتاتيب المدينة، ثم دخل المدرسة (الإسماعيلية)، وهي المدرسة التي درس فيها آباؤه وأجداده، وأخذ في تلقي العلوم فيها على والده الشيخ عبد القادر السلطان، الذي كان مدرسها في ذلك الوقت، وعلى العلامة المحدث الكبير الشيخ أحمد بن عبد الكريم الترمانيني، وعلى ابن أخيه العلامة المحدث الشيخ عبد السلام الترمانيني، كما كان يحضر في المدرسة (القرناصية) على العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الريحاوي، شيخ المدرسة (القرناصية)، كما أخذ عن الشيخ علي القلعجي والعلامة الفرضي الشيخ مصطفى الشربجي الشهير بفرضي حلب في ذلك العصر، وفي مدة وجيزة نبغ وظهرت عليه إمارات النجابة والفضل، ولم تعد مدينة حلب تتسع لطموحه العلمي وتطلعه إلى الاستزادة من العلوم الشرعية، فتوجه إلى مصر طلباً للعلم، وذلك سنة: إحدى وثمانين ومئتين وألف للهجرة، وجاور في أزهرها مدة عشر سنوات تقريباً، انقطع فيها إلى طلب العلم، وأخذه عن جلّ شيوخ الأزهر حينذاك منهم العلامة المحدث الشيخ إبراهيم بن علي السقا المصري، والعلامة الفقيه الشيخ محمد دمنهوري، والعلامة المحدث الشيخ محمد الإنبابي، والعلامة الشيخ حسين الطرابلسي.

وقد أجازه شيوخه هؤلاء إجازات وافية في الحديث الشريف

والتفسير والفقه والنحو وغيرها من العلوم.

 عاد المترجم له بعدها إلى موطنه حلب، سنة: تسعين ومئتين وألف للهجرة، فشمر عن ساعد الجدّ لبذل العلم ونشره بين الناس.

فعمل مدرّساً في المدرسة (الإسماعيلية) ـ مدرسة آبائه ـ ومحدّثاً في قاعة المدرسة العشائرية في الجامع الأموي الكبير، ومع هذا لم يتوان عن طلب العلم، فحصل بعض العلوم العصرية، وتعلم اللغة التركية، كما ألمّ قليلاً باللغة الفرنسية، ثمّ عين أستاذاً للغة العربية في المكتب السلطاني

(ثانوية المأمون الآن)، سنة: ثمان وثلاثمئة وألف، والذي تمّ بناؤه في محلة السليمانية ـ الجميلية ـ وافتتح في تلك السنة، كما عين عضواً في مجلس المعارف، وعضواً في محكمة الحقوق والجزاء، وبقي فيهما نحو عشرين سنة، وكان محمود السيرة فيهما، يقف مع الشرع والحق، وإن خالفه في ذلك كلّ الأعضاء، وكان الرؤساء يرجعون إلى ثاقب فكره، ويعتمدون عليه لدرايته واستقامته ورغبته في العدل.

حصل الشيخ على رتبة (أزمير المجردة) (1) من الدولة العثمانية، ثم على (رتبة الموالي)، ورشح عدة مرات لمنصب الإفتاء إلا أنه لم يتقلده.

لطيف المعشر، حسن الأخلاق، متصف بكل صفات النبل والشهامة وقد حاز على جلّ الخصال الحميدة.

كان مظهره لا يدل على ذلك، فقد كان ـ رحمه الله ـ أسمر اللون طويل القامة، من يراه من بعيد ير فيه أثر العبوسة، فإذا دنا منه وعاشره يجده قد عجنت طينته بماء اللطافة، وتجلت في محياه شموس البشاشة) (2).

وهو أحد شيوخ محدّث حلب ومؤرخها العلامة الأستاذ محمد راغب الطباخ، فقد قرأ عليه علم النحو من شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك.

ترك المترجم له عدداً من المؤلفات في الفقه والنحو والصرف والبلاغة والعروض منها:

1-            شرح على متن الإظهار في النحو، للعلامة محمد بن ميرعلي البر كلي.

2-            حاشيتان كبرى وصغرى على (إيساغوجي) في المنطق.

3-            حاشية على متن التهذيب في المنطق.

4-            تقريرات على حاشية (نسمات الأسحار على شرح المنار) في أصول الفقه الحنفي.

5-            مجموع في علم الحديث مرتب على الحروف الهجائية.

6-            مجموع في تعاريف الفلسفة الطبيعية والمنطق.

7-            مقالات في تفسير بعض الآيات القرآنية.

8-            عدد من الرسائل في الفقه منها: رسالة في المباحات، ورسالة في المحرمات، ورسالة في السنن المؤكدة، ورسالة في المكروهات، ورسالة في الفروض العينية.

9-            حاشية على (مرقاة الوصول إلى علم الأصول) لم تتمّ.

 وقد ضاعت هذه المؤلفات لأنها لم تطبع(3)، لكن العلامة المؤرخ الشيخ محمد راغب الطباخ اطلع على مجموع له، جمع فيه على حروف الهجاء مختارات شعرية، أورد بعضها في كتابه (إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء)، وقد اخترت منها هذه الباقة للاطلاع على تقدمه في هذا الفن منها قوله:

وأربعة ما فارقت منك أربعـا = ولا شـانها نقـص ولا حـازها ندّ

فقدك والقنا، وجيدك والدمى = ووجهك والضحى، وخالك والند

ومنها قوله:

إن كنت تروي حديث الحب عن دنف = في غامض القول مكني ومرموز

فالحسن يروي أحاديث الجمال لنا = موضحا عن علـيّ القدر نيروز

وله موشح يعارض فيه موشح ابن الخطيب الأندلسي، نختار منه بعض الأدوار:

يا غزال الحيّ من وادي الحمى= صاد بالأحاظ أسـد الحرس

وجـلا مــن وجهـه البدر كما= شقّ صبح الجيد ليل الغلس

دور

رقم الحسن على الغصن الدلال= بيد التصوير في الوجه الجميل

آيــة النمــل على خدّ الجمـال= يا لعمـري جـلّ هذا عـن مثيل

والعيون النجل بالسحر الحلال= قصرت للعمر بالهـدب الطويل

ونـــديّ الـــورد بالخـدّ نما= حـول ســوسـن بأبهى ملبس

وبه صــارم لحــظُ حرمـــا= نظــرة الوجــه على المختلس

دور

يا نبي الحسـن منك المعـجزات= قد أزاحـت ظلمـة الشــك المريب

فصبـاح الوجـه فيــه البينــات= أطلع الشمـس على الغصن الرطيب

وســماء الخدّ أنــدى البركـات= وبــه الخــال يــرى قطبـاً عجيب

وثنـــى الثغـــر نجـم رجمـا= مارد العـــذل بشـــهب القبــس

ونذيـــر الطــرف داع حكما= أن ديـــن الحــب قتــل الأنفـس

دور

يا نديم الأنس إن الشرب طاب= زمـزم الكأس فذا وقــت الربيــع

فعقيق الثغر بالكاســـات ذاب= وجرى الطلّ على الروض الينيع

فاجلها سراً فما أحلى الشراب= بيــن ورد صنــع مـولانا البديع

فأدار الكأس لمــا زمـزمــا= طيــّب الــراح بطيــب النفـس

وفــم الإبريق لمّا ابتســـما= بكـت الســحب بروض النرجس

دور

شـنّف السمع بأطراف الكلام= من وراء حجـب فـذا قلبـي كليم

واصطفاني بإشـارات المرام= فغــدوت عبــد رقّ مســـتقيم

وانجلــى لـي ثمّ حيّا بالظلام= فأفاض الحب في القلــب السليم

قرب الوصــل ولما استحكما= حاكــم الحــب بقلبي الهجـس

أسـبل السـتر وأخفى الحكما= فأنــا في تيــه وادي الهــوس

دور

بأبي أفديـه مـن ظبـي كحيـل= قام يســعى في بنــود وبـرود

وأتى يختال في الخصر النحيل= مثل غصن لاح في وادي زرود

غزلي في نقطة الخدّ الأســيل= ومديحي جـاء في بدر السـعود

من إلى المجد انتمى أصلاً كما= طاب فرعــا فخــلا عـن دنس

جاءه نظمـــي كــدرّ نظمـا= وســط ثغر ضــاء مثل القبس(4)

 

 - المدرسة الاسماعيلية -

وقد ظل المترجم له ـ رحمه الله ـ على هذه السيرة الطيبة في نشر العلم، والكتابة والتأليف، ونظم الشعر إلى أن وافته المنية، في السادس من شهر رمضان المبارك، سنة: أربع وعشرين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، وأسف عليه كلّ من عرف علمه وأدبه ومزاياه الحسنة، ودفن عند آبائه في تربة (الشيخ جاكير).

المصادر والمراجع

1-            إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء.

2-            مقابلة شفهية مع شيخنا الأستاذ أحمد سردار أطلعني خلالها على مجموع فيه ترجمات لعدد من علماء حلب ومحدّثيها، جرت في المكتبة الوقفية صيف عام 1994 م.

3-            مقابلات ومشافهات مع عدد من أساتذتنا أذكر منهم محمد زين العابدين الجذبه، والشيخ أحمد القلاش.

(1) هذه الرتب في الدولة العثمانية تشبه الأوسمة في عصرنا.

(2) إعلام النبلاء 7/502.

(3) ذكر هذه المؤلفات الشيخ محمد راغب الطباخ في إعلامه 7/502، ونقلها عنه الشيخ السردار في مجموعه الذي لم يطبع.

(4) كنت أسمع هذا الموشح يشدو به المنشد الحاج مصطفى الطراب في الزاوية الهلالية، وأعجب به، ولكني لم أعرف قائله حتى وقعت عليه في ترجمة الشيخ المترجم له، رحمه الله.