كلمات في رثاء العالم الداعية مربي الأجيال الشيخ محمد أمين سراج (3)

كتب الأخ الكريم الشيخ محمَّد مجير الخطيب:

إن الشجى يبعث الشجى

انتقل بالأمس إلى رحمة الله تعالى في مدينة إستانبول 7 رجب 1442 فضيلة العالم العامل، الرجل الصالح، ملحق الأحفاد بالأجداد، حجة الحق على الخلق:

الشيخ محمد أمين سراج... رحمه الله، آنسه الله، عوضه الله الجنة، ورفعه في الدرجات العلى، وجمعنا به تحت لواء سيد المرسلين حبيب رب العالمين كما جمعني به أول مرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وإنما قلت:

هو حجة الحق على الخلق لأنه ولد ونشأ وترعرع في أحلك الظروف وأشد الأيام على الإسلام وأهله في هذا البلد المسلم الطيب المبارك حيث كان يُحارب كل شيء يمت إلى الإسلام بصلة بدءً من المظاهر وانتهاء بالعقائد...

كان الحرف العربي جريمة يعاقب عليها القانون، كانت العمامة جريمة تصل إلى حد الإعدام، حجاب النساء ممنوع...، السفر إلى الحرمين الشريفين حجا وعمرة ممنوع، السفر لطلب العلم في مصر أو في الشام ممنوع....

حتى الأذان بلغة القرآن ممنوع...

ذلك كله لم يمنع الشاب الناشئ في طاعة الله: محمد أمين سراج أن يحفظ القرآن وأن يتعلم دينه وأن يتجاوز تلك المحظورات...

هذا حجة من حجج الحق على الخلق... هي من حجج الحق على ملايين من الشباب المسلم يضيعون دينهم ودنياهم تحت وطأة القوانين الظالمة التي لم تبلغ في أي بلد ما بلغت ما كان في تلك السنوات التي نشأ فيها شيخنا رحمه الله وأعلى في عليين درجاته.

هذا الشجى بوفاة شيخنا حرك ذلك الشجى بالظلم الذي كان - مما لا يتصوره كثير من الشباب المنعم المرتاح من أبناء المسلمين فضلا عن أبناء اللائكيين -

كان من الظلم أن لا يلتقي شيخنا محمد أمين سراج بكبار علماء بلده: شيخ الإسلام مصطفى صبري أفندي، والعلامة محمد زاهد الكوثري رحمهم الله (وهذا من مفاخر الشيخ محمد أمين سراج) إلا في دار غربتهم في مصر بعد هجرتهم إليها بثلث قرن!!

وذاك المشهد تكرر مرات في كثير من بلاد المسلمين...

كثير من علماء بلدي سورية لم ألتق بهم إلا في دار غربتهم بعد عشرات السنين من فراقهم أوطانهم بسبب جور الظلمة المتسلطين على البلاد والعباد...

واليوم يتكرر المشهد بأبشع صوره، وتفقد بلاد الشام خيرة علمائها وصادقيهم، ويتفرقون في البلاد ينتفع بهم أهل الأرض ويحرم منهم الأقربون.... كما حُرمت تركيا من علمائها قبل قرن...!!

معذرة على الإطالة، فإن الشجى يبعث الشجى كما قدَّمت، وقديمًا قيل: ويل للشجي من الخلي...

اللهم ارحم عبدك محمد أمين سراج وأنزله عندك في المقعد المقرب، واجبر كسر المسلمين بفقده، وعوض اللهم الأمَّة خيرًا.

وكتب الأخ الشيخ محمَّد وائل الحنبلي:

توفي مساءَ الجمعة 7 رجب 1442هـ، 19 شباط 2021م:

العلامةُ الداعية، والمجاهد الصامتُ، الشيخ المعمَّر محمد أمين بن مصطفى سراج التوقادي ثم الإصطنبولي، وريثُ شيوخِ الدولةِ العثمانية، ومدرسُ مسجد السلطان محمد الفاتح

وهو أحدُ أكبرِ المؤثِّرين على إعادة الوجهِ الإسلامي لتركيا، وله كثيرٌ مِن الطلبة حازوا أعلى المراتبِ العلمية والسِّيادية

أكرمني الله بالأخذ عنه في إصطنبول عامَ (1421هـ)، ثم ترددتُّ عليه كثيرًا، وحضرتُ دروسَه في مسجد السلطان محمد الفاتح

وعندما قرأتُ عليه قصيدةَ شيخِه الكوثريِّ في رثاء الدولةِ العثمانية المسماةِ بـ: (حنين المتفجِّع وأنين المتوجِّع)، التي مطلعها:

ضاعَتْ بلادٌ لنا والجيشُ مَفْلُولُ=فالعينُ دامِعةٌ والجسمُ مَنْحولُ

لقد أُصِبْنا بِرُزْءٍ ما أُصِيبَ به قَومٌ=فَـمَنْ مِثْلُـنا بالـرُّزْءِ مَشْمُولُ

فقال لي وهو يبكي بدموعٍ: (ما كنتُ أُفكر في حياتي أنَّ واحدًا مِن العرب سيَقرؤها عليّ).

رحمه الله وجعله في جنات النعيم...

وكتب أيضًا:

- كان محافظًا على الصلاة في المسجد

- يجلس مع العامةِ والخاصة، ويُدرِّس العاميَّ والجاهل، والمثقَّفَ والعالم

- لم يُغلقْ بابَه في وجهِ أحد، أو يَحصرْ دروسَه بالجامعيين أو الوجهاء

- يدعو إلى الله بهدوءٍ ولُطف، وبالحكمة والموعظة الحسنة

- لم يتركْ تعليمَ دينِ الله رغمَ أحلكِ الظروف، وأشدِّ الأيام قسوةً

- يفرح بإنجازاتِ طلبةِ العلم، ويُظهر الإكبارَ والإعجابَ بأعمالهم العلمية، ولو كانت صغيرةَ الحجم أو قليلةَ الفائدة

- يكره الظلمَ والطغاةَ والمجرمين، ويَبتهج في وجهِ الشعوب المنكوبة

- يعتني بأحوالِ العالم الإسلامي، ويُشارك الناسَ أفراحَهم وأتراحَهم

يقول محمد وائل: لأجل ذلك تألَّمت الأمةُ - على مختلف مدارسها - بوفاته!

هو العالم الحكيم، والمجاهد الصامت، الشيخ محمد أمين سراج، رحمه الله وجعله في جنات النعيم.

وكتب الأخ عبد الله اللبابيدي:

وفاة العلامة الشيخ محمد أمين سراج بقية السلف وعالم الحديث الكبير في تركيا...

زرته لأول مرة عام 2009 م في جامع الفاتح بإستانبول، وسألني حينها عن مشايخ دمشق وحلب وعن شيخنا الشيخ عبد الرزاق الحلبي وأوصاني بوصايا عديدة وأكرم ولدي الكبير عبد الغني كما في الصورة إكرامًا كبيرًا...

وبعدها تكررت الزيارات وآخرها بعد أن أكرمني الله تعالى بنيل شهادة الدكتوراه في السنة النبوية وطلب مني تصوريها...

يتبع...