الشيخ  محمد الرشيد - عالم عامل فقيه حنفي، وصوفي زاهد متسنن

1316ـ 1380هـ

1899ـ 1961م

الشيخ محمد بن السيد محمد علي الرشيد.

عالم عامل، فقيه حنفي، وصوفي زاهد متسنن.

ولادته ونشأته:

ولد في مدينة حلب، سنة 1316هـ، ونشأ محباً للعلم والعلماء، فحفظ القرآن الكريم، ولما يتجاوز العاشرة من عمره، ثم انصرف إلى طلب العلم، وأخذ بحفظ متون الفقه، والحديث واللغة العربية، وتلقى هذه العلوم على شيوخه في المدارس الشرعية.

شيوخه:

ثم لازم شيخه الشيخ أحمد المكتبي، (ت1342)، وحضر عليه دروس الحديث الشريف والفقه والتفسير، والنحو والصرف والبلاغة، في المدرسة (الدليواتية)، وقرأ على شيخه الشيخ محمد العالم (1322)، الفقه الحنفي،والحديث الشريف في المدرسة( الشعبانية). (انظر الملاحظة آخر الترجمة)

كما لازم شيخه الشيخ محمد الزرقا (ت1343)، وقرأ عليه في الفقه الحنفي (حاشية ابن عابدين)، وحفظها عنه، وكان شيخه هذا يحبه كثيراً، ويقدمه على أقرانه، وربما أوقف دروسه إن غاب عنها، ولما توفي شيخه الشيخ محمد الزرقا، تابع قراءة الفقه على ولده الشيخ أحمد الزرقا (ت1357).

ذهب لأداء فريضة الحج ولما رجع جاء لزيارة الشيخ محمد الزرقا، فقالت له الخادمة: إن الطبيب مانع من زيارته فعاد حزيناً، لكنه رأى ابنه الشيخ أحمد وأخبرْ بما قالت الخادمة، فقال: قل لها: إن الشيخ يريدني، وهكذا دخل لزيارته، فأخبره الشيخ أنه مدة ذهابه إلى الحج لم يقرأ لأحد، ثم عاد يقرأ دروسه عندما حضر من الحج.

كما أخذ الفقه الحنفي على شيخه الشيخ محمد نجيب سراج الدين (ت1373) حيث قرأ عليه كتاب (ملتقى الأبحر).

وتلقى علم الفرائض والحساب على فرائضي حلب، الشيخ عبد الله المعطي (ت1353)، في المدرسة( الأسدية الجوانية).

رحلته إلى مصر:

وقد دفعه حرصه على طلب العلم، والاستزادة منه، إلى شد الرحال إلى مصر، ليلتحق بأزهرها، ويأخذ عن علمائها، لكنه لم يطل المقام فيه فعاد إلى موطنه، لينصرف إلى المطالعة، والتحصيل من جهة، وإلى نشر العلم وإفادة الطلاب و العامة من جهة ثانية.

تدريسه:

فكان يمضي سحابة نهاره بين طلاب العلم في مدارسهم الشرعية، حيث كانت دروسه في الفقه والحديث موزعه بين المدرسة (الأحمدية) والمدرسة (الخسروية) والجامع الأموي الكبير، فإذا أقبل الليل، انصرف إلى كتبه، يطالع فيها، ويحضر منها دروسه إلى الفجر.

دخل عليه أستاذه الشيخ محمد العالم (ت1322) ( ولعل الصواب ابنه علي المتوفى سنة 1363هـ)قرب صلاة الفجر ، فرآه مستيقظاً ، منكباً على كتبه يطالعها، وقد انتثرت الكتب من حوله، فقال له مداعباً: يا شيخ محمد، تسهر هذا السهر لتكون قاضياً أم مفتياً؟ فأجابه بكل تواضع: لا يا سيدي إنني أدرس لأنني طالب علم ، و(طلب العلم فريضة على كل مسلم) بهذا الإخلاص وصل الشيخ إلى ما وصل إليه في العلم ،وبلغ في الفقه مبلغاً قل أن يدركه أحد، واستحق أن يكون فقيه حلب، وأن يقول عنه أستاذ الشيخ أحمد الزرقا(ت1357): ( ما يقوله الرشيد هو الرشيد، وما يقوله خلاف الرشيد فليس برشيد) هذا الانصراف إلى تحصيل العلم ونشره لم يترك للشيخ وقتاً للكتابة والتأليف، لذا كثر طلابه والآخذون عنه، ونبغ منهم كثير من العلماء العاملين الذين تفاخر بهم مدينة حلب، نذكر منهم الشيخ عبد الله سلطان، والشيخ محمد الملاح، والأستاذ الدكتور فوزي فيض الله، والعلامة المحدث الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة، والأستاذ أحمد مهدي الخضر، والشيخ محمد علي مراد الحموي، والشيخ أحمد الإدلبي، وأخاه الشيخ أمين وغيرهم كثير.

أخلاقه وصفاته:

كريم النفس ، سخي اليد ، جواد معطاء ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، سراً وعلانية ، كل هذا مع زهده في الدنيا وانصرافه عنها، عالي الهمة، جمّ التواضع ، محب لطلابه ، وفيٌّ لأساتذته ، يكثر من ذكرهم معترفاً بفضلهم عليه، كثير الدعاء لهم والثناء والترحم عليهم.

كثير الصدقات، لا يرد سائلاً على ضيق ذات يده، يصغي لسائله ويصبر عليه حتى يفصح عن سؤاله، ويجيبه عليه بكل تواضع، سواء كان السائل في الدرس أم في الطريق أم في البيت، وكان كثير من الناس ينصرفون عن سؤال المفتي إليه، لما يجدون فيه من العلم والتواضع.

شديد الخوف من الله، دائم الذكر وتلاوة القرآن، حتى في الطرق، كثير النسك والعبادة، وإنك لتدهش من شدة ورعه، وخوفه من الله وتمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن توضأ فلا تسأل عن إسباغ وضوئه، وإن سمع الأذان بادر للصلاة مسرعاً، خشية أن يدركه الموت قبل أدائها، وإن سار في الطريق، أو ركب حافلة غض بصره، واجتهد ألا يمس امرأة، أو تجلس بجانبه امرأة أجنبية.

جريء لا تأخذه في الله لومة لائم، يجهر بالحق، ويدعو له في دروسه العامة، وفي خطبة الجمعة التي كان يحرص أن تكون قصيرة ومفيدة.

مرضه ووفاته:

ألمَّ به مرض في آخر حياته، فتلقى قضاء الله صابراً محتسباً إلى أن أدركته المنية، سنة 1380هـ ـ رحمه الله تعالى ـ

رثاؤه وقصة نادرة له تدل على صدقه وإخلاصه:

عندما توفي الشيخ محمد الرشيد ، وقف تلميذه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ـ رحمه الله تعالى ـ على قبره لتأبينه ، فذكر أنه في عام 1947م قام بعض الشباب المسلمين بجمع التبرعات لتجهيز جيش المجاهدين في فلسطين، وطلب الشيخ عبد الفتاح من أستاذه أن يحث الناس في دروسه على التبرع ، فدعاه لزيارته في الأحمدية، ولما دخل عليه غرفته فيها طلب الشيخ منه أن يناوله صحناً من على الرف، ودهش الشيخ عبد الفتاح عندما رأى الصحن مليئاً بالليرات الذهبية ، ثم قال له: هل معك منديل؟ قال: نعم قال: افتحه فلما فتحه أفرغ الشيخ الصحن في المنديل، قائلاً خذ هذا للمجاهدين، ورفض أن يأخذ إيصالاً بالمبلغ قائلاً: يا ولدي أنا لم أعطك المال لتكتب لي وصلني من المحسن الكريم، ، بل يبقى لي ذخراً عند الله، وإن كان لا بدَّ من الوصل فاكتب فاعل خير، لقد وقفت هذا المال لله، لأنني أخذته من بعض التجار الأغنياء الذين طلبوا مني أن أخصَّهم ببعض الدروس في الفقه، فاشترط عليهم ليرة ذهبية يضعونها في هذا الصحن عن كل درس ، وما كان هذا رغبة مني بالمال، بل لأعرِّف هؤلاء الأغنياء قيمة العلم، أما أنتم ـ طلاب العلم ـ فمعاذ الله أن آخذ منكم شيئاً، ثم أمره أن يخفي هذه القصة ولا يذكرها لأحد حتى لأولاده، وفعلاً لم يذكرها الشيخ عبد الفتاح حتى توفي الشيخ الرشيد).

المصادر والمراجع:

علماء من حلب في القرن الرابع عشر الهجري ص256ـ 259، للأستاذ محمد عدنان كاتبي.

ملاحظة:

ذكر الأستاذ محمد عدنان أن مولده سنة 1896، والصواب 1899 وهو الذي يوافق تاريخ مولده سنة 1316.

كما ذكر أيضاً أن من شيوخ الشيخ محمد الرشيد العلامة الشيخ محمد العالم المتوفى سنة 1322هـ ، وعمر الشيخ الرشيد حينذاك ست سنوات، ولعل الصواب أن شيخه هو علي بن محمد العالم المتوفى سنة 1363هـ ,والله أعلم.

تم نشر الترجمة في 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم