وفاة كبير علماء تركيا ودعاتها شيخنا العلامة محمد أمين سراج

بلغني قبيل قليل مساء الجمعة 7 من رجب 1442 هـ الموافق 19 شباط "فبراير" 2021م نبأ وفاة شيخنا العالم الكبير والداعية الجليل المجاهد الصامت معلم الأجيال ومربيهم أستاذنا وشيخنا ومجيزنا الشيخ محمد أمين سراج عن عمر مبارك ناهز الثالثة والتسعين.

وهو آخر تلاميذ الإمام الكوثري، وقد تشرفت بلقائه في مطلع القرن الخامس عشر الهجري في الثمانينيات ميلادي عندما كان يزور تلاميذه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهم من خيرة الشباب المسلم الواعي الذين صحبتهم في جامعة أم القرى بمكة، وكان الشيخ دائم التعهد والرعاية لهم.

وما يكاد يمر عام إلا ويحضر الشيخ للعمرة أو الحج، ثم أكرمني الله بلقائه مجددا في أول زيارة لي إلى إصطنبول سنة1427هـ - 2007م ، وزرته في جامع محمد الفاتح بغرفته، وأجازني كتابة وشفاها أكثر من مرة ، وتشرفت بزيارته في بيته، وفي كل زيارة لإصطنبول أقصده للسلام والدعاء، وأهديته بعض مؤلفاتي ومنها تفسيري " المعين" وقد طالع فيه وقرره في بعض دروسه وكان يثني على عملي فيه تشجيعا لي.

وما عقد مؤتمر علمي أو دعوي إلا وكان الشيخ في مقدمة الحاضرين والمشاركين.

وهذه ترجمة مختصرة له :

هو العلامة الشيخ المحدث الفقيه محمد أمين سراج بن الشيخ مصطفى بن أسعد بن يوسف بن علي السراج.

ولدفي شرقي تركيا في أول يوم من شهر رمضان المبارك سنة 1348 هـ، عام 1929م، وتعلم القرآن الكريم على يد والده رحمه الله في عهد أتاتورك، وأكمل حفظه للقرآن الكريم وهو ابن عشر سنوات .

ثم تلقى العلم على بعض مشايخ مسجد الفاتح في استانبول:ا لشيخ محمد

خسرو أفندي، وهو من كبار مشايخ مسجد الفاتح، والشيخ سليمان أفندي، وكان رئيس قيمي المسجد، وقد حضر عليه قراءة مجلدين من صحيح البخاري ، وأجازه إجازة خطية.

ومن شيوخه أيضا: العلامة الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله، وقد أجازه بمروياته ومسموعاته، والشيخ علي حيدر أفندي من كبار المشايخ في المشيخة الإسلامية في هيئة التدريس والإفتاء.

والعلامة الشيخ مصطفى لطفي أفندي، وكان يلقب بالمكتبة السيارة لكثرة قراءته و مطالعته، فقد كان يعتكف في مكتبة مسجد السلطان محمد الفاتح من الصباح إلى المساء، وكان يوجد فيها اثنا عشر ألف كتاب .

وقد استعرض مكتبة مسجد السلطان محمد الفاتح مرتين، وكان يمشي على قدميه ولم يركب سيارة ولا باصا .

أما العلامة الشيخ مصطفى صبري ( شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ) فالتقى به في مصر عندما كان يزور الشيخ الكوثري .

وللعلامة الكبير محمد زاهد الكوثري أكبر الآثار عليه حيث درس عليه في بيته لمدة أربع سنوات، فناوله ثبته (التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز) مناولة مقرونة بالإجازة قبل وفاته بعشرين يوما.

وأجازه أيضًا الشيخ الفقيه محمد حسن محمد المشاط، وشيوخنا الشيخ المسند محمد ياسين الفاداني، والإمام أبو الحسن الندوي، والعلامة عبد الفتاح أبو غدة، والعلامة محمد عبد الرشيد النعماني، والفقيه العالم عبد الرزاق الحلبي، والفقيه محمد ديب الكلاس، رحمهم الله تعالى.

رحلته في طلب العلم إلى الأزهر:

ذهب إلى الأزهر في مصر وتخرج في كلية الشريعة بجامعة الأزهر عام 1958م .

ودرس السنة الأولى في تخصص القضاء الشرعي ولم يكمل .

شيوخه في مصر :

ومن شيوخه في مصر: الشيخ محمد عبد الوهاب البحيري ، وكان يدرسهم صحيح البخاري في بيته ، واستفاد منه كثيرا، وكذلك العلامةالشيخ أحمد فهمي أبو سنة، وغيرهم من العلماء .

ومن شيوخه وخواص أصحابه الحلبيين : العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة .

عمله ودروسه:

بدأ بتدريس العلوم الشرعية للطلاب متطوعا في جامع السلطان محمد الفاتح من عام 1958 ، منذ قرابة اثنين وستين عاما، ودرس عددًا كبيرًا من الطلاب في مسجد الفاتح ، وبعد صلاة الصبح في شهر رمضان، واستمر إلى آخر أيام حياته، وقد درس عليه عدد كبير من الطلاب، صاروا أساتذة في الجامعات، مفتين، واعظين، معلمين، مديرين، أئمة ودعاة، رؤساء بلديات، نوّابا في البرلمان، وتجارا.

وكان يوصي طلابه بتعلم اللغة العربية، ويمنحهم الأمل بالتغيير قائلاً: "ها قد أصبح لديكم رئيس جمهورية يقرأ القرآن.

مؤلفاته:

لم يهتم الشيخ كثيرا بالتأليف، وبعض تلاميذه يكتبون ما يقول في دروسه ، ولكنه ترجم مع آخرين ، بعض الكتب الإسلامية إلى اللغة التركية:

مثل كتاب" في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب رحمه الله ، وذلك بعد استشهاده ، في ستة عشر مجلدا ، واستغرق هذا العمل مدة سبع سنوات .

كما ترجم بعض كتب العلامة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى ، كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ وغير ذلك .

وبوفاة الشيخ العالم الجليل، انطفئ سراج من سرُج العلم والدعوة في تركيا والعالم الإسلامي.

جبر الله المسلمين بمصابهم، وعوضهم على تتابع فقد العلماء الكبار . وأخلف عليهم بخير.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.