عالم فقدناه: ماجد أبو رخية

عالم فقدناه ..

الأستاذ الدكتور الشيخ ماجد أبو رخية

الدكتور محمد ميسر ابن الشيخ محمد بشير المراد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي خيَّرَه ربه فاختار الرفيق الأعلى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

بعد مرور سنتين كاملتين على رحيل ثُلَّةٍ من كبار العلماء العاملين، أعيد نشر هذا المقال وبالله التوفيق:

ما لي أرى النجوم تتهاوى وتتساقط كل يوم، كانت تضيء السماء وتنير الأرض وتهدي الحيران، وإذا بها هوت من الأعالي إلى باطن الأرض؟، مالي أرى العلماء الفقهاء المحدثين المفسرين الذين كانوا نجوماً ومشاعل يُقتدى بهم في ظلمات الحياة، وإذا بهم يُفقَدون ويدفنون في القبور.

بالأمس القريب ودعت عمَّان شيخنا الفقيه الحنفي الشيخ أحمد الجمَّال الحموي، ثم بعد أيام ودعت دمشق الشيخ السيد محمد الفاتح ابن الشيخ السيد محمد مكي الكتاني، وبعده بيومين ودعت الأردن ابنَها وفقيهَها وعالِمَها وعلَمَها " الشيخ الأستاذ الدكتور ماجد أبو رخية "، ثم بعد يومين فوجئنا بفقد عالم حمص ومرشدها ومربي أجيالها الشيخ عدنان السقا الذي توفي في تركيا، ودفن في مقبرة الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وقبلَهم جميعاً فقدَ العالم الإسلامي عامةً وسورية خاصةً عالِمَها وفقيهَها ومحدثَها الفقيهَ المحدثَ الأستاذ الدكتور الشيخ نور الدين عتر، رحمهم الله تعالى وأجزل لهم العطاء وحشرهم مع سيد العلماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد.

وهكذا في كل يوم نسمع عن فقد عالِمٍ هنا وهناك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: نقصانها أي: خرابها، وذلك بموت علمائها وفقهائها وَأَهْلِ الْخَيْرِ مِنْهَا.

إنَّ العين لتدمع، وإنَّ القلب ليحزن، وإنا على فراق الأحبة النجومِ شيوخِنا وأساتذتِنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون"

رحمك الله أستاذي وشيخي الأستاذ الشيخ الدكتور ماجد أبو رخية، رحمك الله أبا محمد كنتَ أخاً كبيراً لي وموجهاً وناصحاً أميناً، كنتَ مُعيناً لي ومُنصفاً في مناقشتك لي في رسالة الماجستير.

عرفتك منذ عام /1401هـ-1981م/ عندما تعاقدتَ مع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان بيتك الذي تسكنه قريباً من العمارة التي نسكن فيها نحن الطلاب، فكنا نرافقك في الطريق لأداء الصلوات في المسجد النبوي الشريف، ومعي صديقي وأخي الذي صاهرني فيما بعد الدكتور أحمد داود شحروري، وكنا نزورك في بيتك المتواضع، وما كنا نرى منك تكبراً ولا غروراً ولا أنفةً من التواصل مع الطلاب أبداً، بل رأينا فيك الأدبَ والتواضعَ والمحبةَ والابتسامةَ الجميلةَ التي لا تفارق محياك.

عرفتك في مدينة العين في جامعة الإمارات مدرساً في كلية الشريعة والقانون، ثم عرفتك أكثر وأكثر في جامعة الشارقة حينما تعاقدتَ معها وأصبحتَ مدرساً في كلية الشريعة، ثم رئيساً لقسم الفقه فيها إلى أن انتهى عقدك بعد سنواتٍ طويلةٍ ورجعت إلى بلدك الأردن.

عرفتك من خلال برنامج فتاوى "شريعة النور" في إذاعة الشارقة، وكم كانت إجاباتك موفقةً ومسدَّدةً وفيها تيسير وتسهيل على المسلمين، وهذا من الفضل الذي حباك الله إياه مع الصدق والإخلاص في هذا الأمر.

عرفتكَ في مناقشة رسالة الماجستير التي كانت في القنصلية السودانية في دبي حيث إني لم أستطع السفر إلى السودان، فطلبتُ من إدارة الجامعة أن ترسل اللجنةَ المناقِشةَ إلى دبي وأتكفل بتكاليفها، فوافقتْ مشكورةً وأرسلتْ الدكتور المشرف " إبراهيم العاقب أحمد " رحمه الله ومعه مناقشٌ داخليٌ، ومن هنا من جامعة الشارقة وقع الاختيار عليك سيدي أبا محمد مناقشاً خارجياً، وحُدِّدَ يوم الأحد /3/ ذي الحجة /1424هـ/25/1/2004م/ للمناقشة، وصارت المناقشة وكنتَ أول المناقِشَين، وكنتَ منصفاً في مناقشتك، عرفتَ جهديَ الكبيرَ الذي بذلتُه في الرسالة، وبَيَّنْتَ فيها من إيجابياتٍ ومحاسنَ، ثم ذكرتَ السلبياتِ وأدَّيتَ النصائحَ، وكانت مناقشةً رائعةً موفقةً والحمد لله، وكم حاولتُ أن أعطيَكَ لقاء جُهدكَ وتعبكَ في قراءة الرسالة مثلما يُعطى الأساتذة في مناقشة الرسائل الجامعية، فرفضتَ وأَبيتَ بشدةٍ وإصرار.

طرحتَ اسمي لتقديم ترجمةٍ لفقيه المِلَّة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه في الدورة العلمية التكوينية ( المدخل إلى المذاهب الأربعة ) في الورشة الأولى ( مذهب الحنفية ) التي نظمها المنتدى الإسلامي في الشارقة من 24-28/4/2005م، وكانت محاضرةً موفقةً والحمد لله يرجع الفضل فيها لك بعد الله تعالى، فجزاك الله عني أحسن الجزاء.

بقيتْ صلتي بك مستمرةً، فكنتُ أزوركَ في بيتكَ العامر في الجامعة وأحياناً مع إخوتي، وتزورني في بيتي، وأزورك في مكتبك في كلية الشريعة، وتتكرم عليَّ بإهدائي بعضَ كتبك الجديدة التي قمتَ بتأليفها.

رحمك الله وأعلى مقامك كم نصحتني ووجهتني إلى ما فيه فائدتي، وكم نصحتَ ووجهتَ ولدي إبراهيم الذي درَّسْتَه في كلية الشريعة، وكم تمنينا أن تكون مشرفاً عليه في رسالة الماجستير، لكن قدر الله وما شاء فعل.

وبعد سفرك النهائي إلى الأردن بقي التواصل بيننا على الواتس دائماً، وفي المناسبات ترسل مقطعاً صوتياً للسلام والتهنئة بشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، واستمر التواصل إلى ما قبل مرضك بشهر تقريباً، ثم علمتُ من أحد أولادك الكرام بعدما كتب على صفحتك أنك أُصبتَ بهذا الوباء، ولم يمض أسبوعان إلا وسمعنا بانتقالك إلى جوار ربك الكريم، وذلك يوم الخميس 23/ جمادى الأولى/1442هـ الموافق 7/1/2021م.

تركتَ خلفك أكثر من ثلاثين كتاباً وبحثاً في الفقه المقارن، وستكون بإذن الله تعالى مع الذين لا ينقطع عملهم بعد الموت، وضمن من عناهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )

رحمك الله تعالى وكتب لك الشهادة، وجعل منزلتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

جمعني الله بك وبوالديَّ ومشايخي وأحبابي مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

سلام عليك في الأولين وسلام عليك في الآخرين وسلام عليك إلى يوم الدين وإلى أن نلتقي على حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

تم تحديث الترجمة بناءً على طلب المترجم بتاريخ 25-01-2023م