نفحات من سيرة عطرة، فضيلة الشيخ الرباني محمد عدنان السقا

كان الشيخ رحمه الله مدرسة دعوية تربوية فريدة في مجالها، وقد صقلتها الخبرات من مختلف المشارب، وزاد ثراءها أسفار الشيخ المتكررة، ومعايشته لمدارس فكرية متنوعة؛ حيث الاستفادة من مجمل الخبرات المحيطة.

انعكس انتقال الشيخ رحمه الله من بيئة صوفية المشرب، والاستقرار في بيئة سلفية، انعكاسا إيجابيًّا على شخصيته رحمه الله، ولم يزده تعصبًا للمدرسة التي نشأ وترعرع ضمن جنباتها، وبالمقابل لم نجده مغيِّرًا للون مدرسته الأم، بل كانت النتائج تخصيب المدرسة الأولى من خلال المدرسة الثانية، وهذا ما فتح بين يديه آفاقًا دعوية قل نظيرها، ومهد لكثير من العلاقات مع مختلف الدعاة والعلماء.

يمتاز بحدة في الذكاء، وقد كان معدل درجاته يخوله الدخول إلى كلية الطب، فآثر كلية طب القلوب والعقول، كلية الشريعة بجامعة دمشق.

لم يمنعه عشقه لمشربه ومدرسته الصوفية من تصويب ما يراه غير سديد، فعلى سبيل المثال كان أول من بدل في مراسم "الحضرة" الأسبوعية التي كانت تقام بشكل دوري في مسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد في مدينة حمص، حيث طلب من الحضور ألا يكون ذكر الله من خلال الوقوف، فبقي جالسًا، وأجلس الجميع، وهذه “البدعة” في المدرسة الصوفية صدعت رأسه من قبل المدرسة الصوفية نفسها؛ إذ لم يرق لها هذا التغيير.!

ومن جميل أعماله تعميق العلاقة بين العلماء في مدينته الأم حمص، مع علماء العاصمة دمشق، حيث كان صلة وصل بين العلماء في المحافظتين، من خلال اللقاءات العلمية المنتظمة.

ومن شفافية قلبه ورقة إحساسه دموع عينيه، فهي حاضرة بقوة في أغلب مجالسه رحمه الله؛ ولا ريب في ذلك فهي انعكاس لرصيد جلسات ذكره بين يدي الله عز وجل.

يجذب الحضور بكلماته الصادقة، التي لا تشك بأنها تخرج من قلب صادق؛ وقال تعالى في سورة المزمل: “وأقوم قيلا”.

فرض محبته بسلوكه بين طلبته وأقرانه: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}، كما قال تعالى.

إذا رأيته ذكرك نور وجهه بالله عز وجل، وبارك الله في أمثال تلك الوجوه.

لا تسمع غيبة في مجلسه، ولا يسمح لأحد بأن يلوث المجلس بعرض أي أخ مهما كان.

له أياد بيضاء على جل طلاب العلم في مدينة حمص؛ رعاية ودعما وتمكينا وتشجيعا.

لم ترض عنه المؤسسة الأمنية القمعية، فهو ليس صوفيًّا خالصًا مستسلما بكليته للجهاز الأمني كحال شريحة لا بأس بها، بل نجده أقرب للحركيَّة الفاعلة ذات الخلفيَّة الصوفية العلمية، وهو ما يزعج النظام الأمني، والبيان السياسي الذي خطه في وقت مبكر من بداية الثورة المجيدة، والذي طبخ في منزله خير مثال على ذلك، فهو ينمُّ عن أفق واسع، ورؤية نوعية بين قرنائه، تصرخ بكل وضوح بالخروج على ظلم السلطان، وكسر الرتابة المشيخية التي تأخرت كثيرًا في قرارها الثوري.

تشرفت بنشر كتابين له ضمن سلسلة البناء والترشيد:

الكتاب الأول: القيم الروحية وأثرها في العمل الخيري نشرت الطبعة الأولى منه عام 2003، والطبعة الثانية عام 2009، وأثبت في مقدمته تعريفًا مختصرًا عن سيرته العطرة رحمه الله.

الكتاب الثاني: الحوار الهادئ، حيث نشر عام 2007 وساهم في إعداده د محمد عيد المنصور

، وأثبت الدكتور محمد عيد في مقدمته تعريفًا موسعًا عن سيرته العطرة رحمه الله.

وبين يديكم ملخص عن سيرته:

* • محمد عدنان فهمي السقا.

* • من مواليد مدينة حمص، عام: 1942

* • من أهم المرجعيات الإسلامية الدعوية في مدينة حمص.

* • تتلمذ على عدد من الأساتذة الأفاضل؛ ومنهم: مفتي حمص فضيلة الشيخ طيب الأتاسي، وفضيلة الشيخ المُقرِئ عبد العزيز عيون السود، والشيخ محمود جنيد، والشيخ سعيد البُرهاني، والشيخ محمد الهاشمي والشيخ عبد القادر عيسى، والشيخ علي الطنطاوي. رحمهم الله.

* • حصل على الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة، جامعة دمشق، عام: 1966

* • مارس العمل الدعوي والتربوي في الثانويات العامة والشرعية، والمعهد الشرعي في مدينة حمص.

* • مارس العمل الدعوي والتربوي في مدارس السعودية بمنطقة القصيم، والجوف، والرياض.

* • خطيب مسجد الهُدى في جدة (السعودية) لأكثر من سبعة عشر عاماً.

* • خطيب مسجد قُباء في حي الإنشاءات، في مدينة حمص.

* • أستاذ مادة الدعوة في معهد الفتح، قسم الدراسات التخصصية.

* • ألقى العديد من المحاضرات الدعوية في: أمريكا، وإندونيسيا، وباكستان.

* • درَّس الكثير من الكتب؛ ومنها: الرسالة القشيرية، رسالة المسترشدين، مدارج السالكين، الحكم العطائية..

* • له كتاب مقاصد الرسالة القشيرية؛ قام فيه بتهذيب الرسالة القشيرية، واستخلاص فوائدها.

* • من أهم المبادئ التي يدعو إليها: الوحدة، والوسطية، والاعتدال، والتثبت، والحكمة في الدعوة، الانفتاح.

* • له فضل كبير وملحوظ في ترشيد الفكر الدعوي الإسلامي في مدينة حمص.

لم تخط يداه الكتب الكثيرة، لكنه سطر من مدرسته الدعوية العملية خطوطا أساسية لكثير من المؤلفات..

أحسن الله عزاءنا جميعًا بفقده، فالمصاب جلل بلا ريب، لكن هذه السنة الإلهية، فكل نفس ذائقة الموت.

توفي الشيخ ودفن في مقبرة تركية، يرقد فيها صحابي جليل من المدرسة المحمدية، أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وهنيئا للشيخ هذا الجوار.