الشيخ جمعة أبو زلام

(حتّى لا ننسى علماءنا)

حبر منبج وربانيها ومفتيها، الشيخ جمعة أبو زلام, طيب الله ثراه

(1321- 1406هـ = 1903- 1985م)

ترجمة مفصلة وموسعة له

*قال الله تعالى:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون...).(1)

*وقال حبيبنا ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما...", وفيه: "وإن العلماء ورثة الأنبياء, إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر".(2)

*وقال عليه الصلاة السلام أيضا:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا؛ فسئلوا, فأفتوا بغيرعلم, فضلوا وأضلوا".(3)

*وقال أبو سعيد الحسن البصري"ت110هـ" رحمه الله:

"العلماء سرج الأزمنة, فكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره, ولولا العلماء لصار الناس كالبهائم" كالبهائم".(4)

*وقال الشاعر الزاهد سابق البربري (5) ت بعد 132هـ", قال في الذكر والعلم:

و الذكر فيه حياة للقلوب كما يحيي البلاد إذا ما ماتت المطرُ

والعلم يجلوالعمى عن قلب صاحبه كما يُجَلِّي سوادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ(6)

- لهذا أحب في مقالتي المطولة هاته أن أتحدث عن أحد علمائنا الربانيين, من بقية سلفنا الصالح, وممن لهم مكانة كبرى في نفوس المنبجيين خاصة, وعارفيه عامة, ومن المؤثرين تأثيرا كبيرا في زمانهم ومكانهم "منبج وريفها خاصة"؛ هذا التأثير يعرفه الكثير ممن عاصره أو سمع عنه.

- إنه فارس هذه المقالة الشيخ جمعة أبوزلام رَحِمَ الله رُوحَه ونوَّرَ ضَريحَه.

*اسمه ونسبه: هو جمعة بن مصطفى بن ناصر آغا أبو زلام.

*والدته: مريم الجبلي؛ هي امرأة صالحة من أسرة صالحة, من أهل مدينة الباب.

*والده: هو العلامة الشيخ مصطفى بن ناصر آغا أبو زلام؛ (1848- 1944م) من كبار علماء الباب؛ كان عالما جليلا درس في حلب ثم في الجامع الأزهر بمصر, وأصبح من جلة علماء حلب الشهباء والباب, ومن كبار الدعاة إلى الله تعالى, وقد ظل يفتي الناس ويدرِّس ويعمل بعلمه في مدينة الباب ثم بمنبج حتى وافته منيته سنة

1364ه... 1944م في مدينة منبج ودفن فيها في مقبرة الشيخ عقيل المنبجي جنوبي منبج, رحمه الله رحمة واسعة.

*مولده: ولد الشيخ جمعة في مدينة الباب التابعة لحلب والتي تبعد عنها نحو 40 كيلا, وتتوسط بين حلب ومنبج.

*فقده والدته: في الرابعة من عمره فقد أمه فامسى عَجِيًّا(7) فعانى مرارة الحرمان من الأم والاستزادة من عطفها وحنانها, وتزوج والده من زوج أخرى كانت تظلمه أحيانا؛ لكنه لم يكن يخبر أباه بذلك؟!

*نشأته: نشأ وترعرع في كنف والده العالم الجليل الصالح"الشيخ مصطفى", وتربى لديه تربية إيمانية على الأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع.

*طلبه العلم: بُعيد سن التمييز تعلم القرآن الكريم, كما درس الشيخ جمعة في"المدرسة العلمية الحسبية" بالباب, بعد ان رممها والده وأشرف على التدريس فيها, وكان من منتسبيها ابنه جمعة الذي درس فيها لسنوات شيئا من اللغة العربية والفقه والتجويد وبعض علوم القرآن.

*انقطاعه عن العلم وعملُه: في الخامسة عشرة من عمره عمل مع أخيه عبد الوهاب كاتبا في"طاحونة قمح" بقرية مارع التابعة لأعزاز- حلب, ثم عمل بمهنة سروج الخيل مع زوج أخته.

*التحاقه بالخسروية: في عام 1349هـ = 1930م انتسب الشيخ جمعة إلى المدرسة الخسروية بحلب؛ "أزهر الشهباء وبلاد الشام آنذاك" لحبه الشديد للعلم الشرعي ورغبة والده الشيخ مصطفى بذلك أيضا.

وكانت الخسروية يومئذ رائدة بعلمائها ومنهاجها العلمي المتميز, وكانت تضاهي "الجامع الأزهر"بمصر. ويدل لذلك قول جدي لأمي العالم والشاعرالأعزازي الشيخ عيسى بن أحمد الخطيب ت 1994م رحمه الله؛ الذي كان أحد خريجيها؛ قوله عنها:

الخسروية لا توارى نجمها أكرم بها دارا مِنَ ابهى الدُّورِ

الجامعُ المعمور ثم المعهد الـ ـمشهور للشامِيِّ بَلْهَ السوري

ورأيت طلاب الشريعة في حمى ساحاتها ؛ كاللؤلؤ المنثور

يجنون أنواع العلوم بهمة علياءَ ؛ من فقه , إلى تفسير(8)

*درس الــــشــــيــــخ جــــمــــعـــة فـــــــــــي الـــخـــســـرويــة ســـــــــــت ســــــنـــــوات وتــــــخـــــرج فــــيــــهـــا ســــــنـــــة 1355ه... 1936م في القافلة "الدفعة" الحادية عشرة, حاصلا على الدرجة الأولى على زملائه, وحائزا شهادتها التي رُقِمَ عليها قول أساتذته ووصيتهم الرائعة الآتية:

"... وإنا نوصيه بتقوى الله في السر والعلن, والاعتصام بحبل الله, واتباع سبيل المؤمنين, وألا تأخذه في الله لومة لائم, وألا يألو جهدا في نشر العلم وبثه, وإرشاد الأمة إلى حيث الصلاح والفلاح في دينها ودنياها, والاهتمام بأمرها".

*هذا وقد درس الشيخ جمعة في الخسروية العلوم الإسلامية والعربية؛ من قرآن وتجويد وتفسير وعلوم قرآن, وفقه حنفي وأصوله وفرائض, وحديث ومصطلحه, وتوحيد وعقيدة إسلامية, ونحو وصرف وبلاغة وإنشاء وأدب عربي, وتاريخ وسيرة نبوية, ومنطق وحساب وجغرافيا وفلك.

*بعض أهم شيوخه: ومن أهم شيوخ الشيخ جمعة الذين نهل علمه منهم:

1- والده الشيخ مصطفى أبو زلام: وهو العلامة الكبير الشهيرالأزهري, وقد استفاد

منه ولده الشيخ جمعة كثيرا؛ حتى إنه رحمه الله, كان يعترف بفضل والده عليه

وعلمه الغزير, ويستصغر نفسه أمام علم والده ويقول عنه:"أنا نقطة في بحرعلمه".

2- محدث حلب ومؤرخها العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ ت1370هـ: الذي

درس عليه علوم الحديث والمصطلح والتاريخ.

3- المحب النبوي والشاعر الشيخ عيسى بن حسن البيانوني ت 1363هـ:

وقد درسه مادة الأخلاق. 4- العلامة النحوي الشيخ محمد الناشد الحلبي الحنفي ت

1362هـ: الذي درسه علمي النحو والبلاغة.

5- العلامة الفقيه المفتي الشيخ أحمد بن محمد عساف الكردي الحلبي الحنفي ت

1373هـ: درسه أصول الفقه.

6- الشيخ فيض الله الأيوبي الكردي الحلبي الشافعي: درس عليه العلوم العقلية

والتوحيد والمنطق. 7- الشيخ أحمد بن محمد الشماع الحلبي الحنفي

ت 1353هـ: درسه التفسير.

8- العلامة النحوي الفقيه الشيخ عبد الله حماد الشافعي ت 1390هـ:

درس عليه الصرف. 9- العلامة والفقيه ومفتي الشافعية بحلب

الشيخ محمد أسعد العبجي الحلبي ت 1392هـ: درسه النحو.

10- الشيخ عمر مسعود الحريري: درس عليه علم تجويد القرآن.

11- الأديب الخطيب الشيخ محمد بن عبد القادر الحكيم الحلبي الحنفي

ت 1400هـ: درسه الأدب العربي والإنشاء.

12- العلامة والفقيه الأصولي الأديب الحنفي الشيخ أحمد بن محمد الزرقا الحلبي

الحنفي ت 1357هـ: درسه الفقه الحنفي.

*زواجه ووفاة والده: في عام 1937م تزوج ابنة عمه الشيخ أحمد, وهي "فاطمة

أبوزلام", واستقر بمدينة منبج مع والده الشيخ مصطفى الذي كان يعمل فيها

بالتدريس والإفتاء, وصار يساعد والده في بعض أعماله حتى وفاته عام 1944م.

*تعيينه مدرسا دينيا في منبج: في عام 1364هـ = 1945م عين مدرسا دينيا متمرنا لقضاء منبج, وتم تعيينه بموجب كتاب من "دائرة الفتوى العامة" بدمشق, وبتوقيع الشيخ محمد شكري الأسطواني المفتي العام للجمهورية السورية آنذاك.

* ومما جاء في ذلك الكتاب: "أطلب منكم أعز الله تعالى شأنكم أن تنهجوا في أداء هذه الوظيفة الشريفة على تحري أقوال العلماء الراجحة , وتحاشي الأقوال المرجوحة, وإرشاد الناس لمعرفة الحلال والحرام, وما لهم وما عليهم ضمن حدود قوله تعالى: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن), وتجنب كل قول يثير الشغب والقلاقل بين الناس".

*مفت لمنبج ورئيس لأوقافها: وفي عام 1952م عين الشيخ جمعة مفتيا لمنطقة منبج ورئيسا للجنة "شعبة" أوقافها خلفا للشيخ محمود العلبي الذي توفي تلك السنة؛ فخلفه في ذينك المنصبين.

*حجه مع زوجه: وفي عام 1972م سافر حاجا بصحبة زوجه أم محمد ثابت إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة.

*عملية للشيخ في المُوثَة: وعقب عودة الشيخ جمعة من الحج أصيب بألم في المُوثَة"البروستاتة", فأجريت له عملية فيها كللت بالنجاح, وأبَلَّ الشيخ بعدها من مرضه ذاك, ورجع إلى عمله بنشاط.

*وفاة زوجه, ثم زواجه الثاني: في أواخر عام 1974م توفيت زوجه وابنة عمه فاطمة أم محمد ثابت وسائر أولاده, فحزن عليها حزنا شديدا.

* وفي عام 1976م وعقب وفاة زوجه الأولى بنحو سنتين تزوج الشيخ بـ "صبيحة ريحاوي" من حلب, وحَجَّجَها(9)معه عام 1978م, لتتوفى بعد وفاة زوجها بسنتين؛ أي عام 1987م, ولم تنجب أولادا.

*مرضه ووفاته: في السادس من رمضان سنة 1406هـ أصيب الشيخ جمعة باحتشاء في عضلة قلبه, فأسعف إلى المشفى ليوم واحد ليعود إلى بيته, وفاضت روحه إلى بارئها ليلة 27 رمضان 1406هـ = 14/6/1985م, عند الساعة الواحدة والنصف ليلا, رحمه الله تعالى.

*تجهيزه ودفنه وتأبينه: عقب وفاة الشيخ غُسِّل وكُفن وصَلَّى عليه الجَمُّ الغَفِيرُ من المسلمين؛ من محبيه وعارفيه, وقد أمَّهُم في الصلاة عليه ابن عمته وزميله في طلب العلم العالم والشاعر الشيخ كامل بدر الحسيني, وحزن الناس لفقده حزنا شديدا,-"وقد حضرت تشييعه ودفنه وتأبينه مع والدي محمد السيد رحمه الله"- وكان يوم تشييعه مشهودا؛ إذ خرج معظم أهل مدينة منبج مع كثير من ريفها, يشيعون فقيدهم وشيخهم الكبير الحبيب الأثير لديهم أبا ثابت بقلوب ملوعة مترعة بالأسى والحزن, وعيون دامعة هتانة؛ خرجوا بالشيخ محمولا على أكتافهم إلى مقبرة الشيخ عقيل المنبجي (10) جنوبي منبج, ووضعت عمامته المميزة المشهورة في مقدمة تابوته, ودفن في تلك المقبرة إلى جوار والده الشيخ مصطفى.

* هذا وقد ألقى على قبره كلمة تأبينية مؤثرة تلميذه البار الشاعر الإسلامي الشهير محمد منلا غزيل ت 2016م - رحمه الله تعالى- تكلم فيها عن بعض مناقبه و جهوده في الدعوة إلى الله عزوجل, وعلمه ووجوب نشره وتبليغه للناس, ومما أذكر من تلك الكلمة إيراده الحديث الصحيح:"إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا...", وحديث:"بلغوا عني ولو آية", وقال غزيل معقبا على هذا الحديث الأخير: قاس العلماء على هذا الحديث فقالوا: "بلغوا عن العالم ولو مسألة", ودعا الناس إلى نشرعلم الشيخ جمعة وما سمعوه منه في دروسه وخطبه ووعظه وفتاواه.

*أسرته ونسله: لقد تزوج الشيخ جمعة من زوجتين"مرتين منفصلتين"؛ أنجب من الأولى ولم ينجب من الأخرى.

- والزوجتان هما: الأولى: ابنة عمه, وهي بابية, واسمها: فاطمة بنت أحمد أبو زلام ت 1974م؛ وانجبت له 7 ذكور وبنتين اثنتين فحسب. والثانية: صبيحة ريحاوي,

وهي حلبية ت 1987م. - وهؤلاء أولاده مرتبون تباعا, مع تاريخ ميلاد كل منهم:

1- محمد ثابت 1939م. 2- أحمد فاتح 1941. 3- محمود باسل 1943.

4- مصطفى منير 1946. 5- مهند 1948. 6- أمان 1951.

7- مؤيد 1953. 8- مظفر1961. 9- هناء 1966.

*تلاميذه وطلابه: أما طلابه وتلاميذه فهم كثيرون؛ منهم من درَّسه في المدارس الحكومية النظامية, ومنهم من تلقى عنه العلم في حلقاته العلمية العامة أو الخاصة في "جامع منبج الحميدي الكبير", أو في غرفة المسجد الملحقة به.

* كما تخرج على يد الشيخ جمعة وأفاد منه عدد كبير من الدعاة والخطباء والمدرسين, ومن أشهر هؤلاء الطلاب:

1- العلامة المحدث والأستاذ الجامعي في جامعة الكويت وغيرها والمؤلف المشهور "في علم الحديث"الشيخ الدكتور محمود بن أحمد الطحان, صاحب كتاب "تيسير مصطلح الحديث", وغيره.

* وقد درس الدكتور محمود على الشيخ جمعة الفقه والنحو وبعضا من ألفية ابن مالك خلال 3 سنوات (1946- 1949م) قبل التحاقه بالخسروية.

2- الدكتور عبد السلام الراغب المدرس في كليتي الشريعة والآداب في حلب؛ درَّسه في المرحلة الابتدائية.

3- الحافظ لكتاب الله الصيت ندي الصوت؛ أستاذي -"لمادة القرآن, في دار الأرقم الثانوية الشرعية بمنبج"- العالم الجليل الشيخ محمد جميل كَسِّر ت 1999م: الذي كان مفتي مدينة جرابلس ومدرسها وخطيب جامعها الكبير, وهو النابغة المتوقد ذكاء, دمث الأخلاق, طيب المعشر, المرح وذو الدعابة.

4- الدكتور الشيخ أحمد شريف بلق الشركسي المنبجي: عالم الشريعة الذي درس في مكة وأقام فيها, وكان له نشاط مميز في "رابطة العالم الإسلامي".

5- نابغة منبج والشاعر الإسلامي الكبير والأديب والداعية الشهير الزاهد الأستاذ محمد منلا غزيل ت 2016م رحمه الله: الذي درس عند الشيخ جمعة وأخذ عنه العلم؛ لذلك فقد كان يكثر من ذكره, ويثني عليه الثناء العاطر الجميل, ويذكر بعض مواقفه وكلماته في كثير من المناسبات والأحيان.

6- الشاعر الإسلامي المنبجي الكبير البصير الشهير يوسف عبيد إبراهيم, أبو ضياء ت 2006م. 7- الأستاذ محمد ويس الشيخ ويس.

*أخلاقه وشمائله الحميدة, وجوانب من شخصيته الفذة:

1- ثقافته وعلمه الواسعان: لقد حبا الله الشيخ جمعة علما وثقافة واسعين, ومنحه ثقافة إسلامية عربية ثابتة أصولها, باسقة فروعها؛ فقد درس في المدرستين الحسبية والخسروية جُلَّ العلوم العربية والإسلامية, من قرآن وتجويد وعلوم قرآن وتفسير وحديث وفقه وأصولهما, وعقيدة مع علم الكلام والمناظرة, وسيرة نبوية وتاريخ ومنطق وجغرافيا وحساب "رياضيات", ونحو وصرف وبلاغة وأدب عربي وإنشاء وأخلاق, "كما سبق أن ذكرنا", درس هذه العلوم على يد والده العلامة الأزهري الشيخ مصطفى أبو زلام والعلماء الآخرين الأفذاذ الذين سلف ذكرهم, وكانوا خيرة وجلة علماء حلب وبلاد الشام يومئذ.

*كما كانت للشيخ - رحمه الله- مكتبة حافلة بالكتب الإسلامية الفقهية والتاريخية والسيرة النبوية وكتب الفتوحات الإسلامية, وغيرها.

*لذا فقد كان الأساس العلمي للشيخ جمعة متينا, بل متينا جدا.

*هذا ومما وسع في علم الشيخ وزاد من اطلاعه: حبه للمطالعة, وقراءته للكتب الدينية الإسلامية وغيرها, وقضاؤه الساع الطوال معها.

*ومع أنه كان حنفي المذهب إلا أنه كان يقرأ كتب المذاهب الأخرى, ويفتي منها بعض مستفتيه من الناس أحيانا.

*كما كان الشيخ جمعة يقرأ للمستشرقين أحيانا, وينقل عنهم كلام وشهادات المنصفين منهم عن الإسلام وحضارته والفاتحين المسلمين.

*ومن أواخر ما قرأ الشيخ قبل وفاته بـ 3 سنوات كتاب المستشرقة الألمانية المعروفة والمنصفة"زيغريد هونكِه"؛ كتابها البديع "شمس العرب تسطع على الغرب", واسمه الحقيقي" شمس الله...", لكن المترجمين غيروه إلى "شمس العرب..."؛ هذا الكتاب أهداه إلى الشيخ جمعة ابنه مظفر أبو زلام, فقرأه الشيخ بنهم وشغف واهتمام وإعجاب لإنصافه وصدقه, وعلق عليه بعض التعليقات, ووضع بعض إشارات التعجب والاستفهام عند بعض عباراته.

2- دعوته إلى الله تعالى وإصلاحه: لقد كانت أهم سمة للشيخ جمعة رحمه الله عُرِف بها هي دعوته إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة, وجرأته في ذلك وشجاعته, حتى أنه لم يكن يخشى في الله لومة لائم.

*كان يقضي أكثر أوقاته في الدعوة إلى الله تعالى في الجامع الكبير, في دروسه وخطبه وفتاواه, وفي الشوارع والطرقات العامة؛ فقد كان يخرج إلى أصحاب المحلات والدكاكين ليسألوه ويستفتوه, وينهاهم عن الغش بأنواعه, ويأمرهم بالصدق في البيع والشراء, كما كان ينهى الباعة بشدة عن وضع بضائعهم على أرصفة الشوارع ويقول معللا نهيه هذا: "هذا حَقُّ الناسِ المَارَّةِ, وليس للبلدية, وهو في أوربة غير موجود؟!" ولم أسمع من أحد من العلماء - غيره- من ينهى عن هذه الفَعلة القبيحة الجَشِعَة المنكرة؟ّ!

*كما كان يمر بالقصابين ويأمرهم بالرفق وينهاهم عن الغلظة والقسوة"بسبب طبيعة عملهم القاسية؛ في تقطيع اللحم وتكسير العظم", ويقول: إن قلوبهم تصبح قاسية بسبب عملهم هذا.

*كما كان يذهب إلى القرى بمناسبات جمع التبرعات للمساجد, أو الدعوات للموالد أو للطعام أو التعازي وغيرها؛ فكان في جلساته العامة و الخاصة ثمة يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر, ولا سيما المنكرات الخاصة بهم؛ من إقامة الأعراس و"الدبكات الجاهلية الحديثة"- حفلات الرقص- المختلطة بالشباب المتزينين بالألبسة الجميلة والعطور النفاذة الساحرة وبالبنات الخارجات -"لهذه الدبكة الماجنة"-المتزينات بأبهى زينتهن من الذهب والفضة, والمتجملات بمساحيق شتى والمحمرات والمصفرات, وبأبهى زينتهن وبالعطور الجذابة المغرية؛ فيمسك هؤلاء الشباب بأيدي أولئك الفتيات المبهرجات المتعطرات في تلك الدبكة وتلاصق

أجسامهم أجسامهن, وتهتز الأبدان والعقول على قرع الطبول والمزامير, ويغيب الحياء والغيرة والدين والتقوى, ويفرح "أبو مُرَّةَ" أيما فرح؟!

*فكان الشيخ جمعة رحمه الله ينهى عن هذا المنكر الشنيع الفظيع بشدة في دروسه وخطبه ومواعظه ويغضب منه أشد الغضب لدرجة أنه كان لا يسميه العرس, بل "العُرْص"؛ أي مكان المجون والعُهْر والدعارة, كما كان يقول عن المشاركين في هذا المنكر الكبير و"الحفلة الديوثية" من هؤلاء"المسلمين الجاهلين والمسلمات الجاهلات", كان يقول عنهم: إن كلا من الشاب والفتاة لا ينفصلان من هذا "العرص" وينتهيان منه إلا وقد وجب عليهما الغُسل؟! (11)

*كما كان ينهى أهل القرى أولئك عن المغالاة في المهور, وعن أكل الآباء لمهور بناتهم بالباطل, وهن إنما يتنازلن عن حقهن الشرعي هذا حياء أو خوفا. كما كان ينهى أهل القرى أيضا عن عادة جاهلية حديثة أخرى وهي منعهم من توريث بناتهم وأخواتهم ونسائهم الوارثات شرعا؛ منعهن من حقهن ووراثتهن أقرباءهن في الأموال والأراضي؟!

*كما كان الشيخ جمعة رحمه الله يصلح بين المتخاصمين, وينهى عن الشر والسوء, وكان يأمر بإزالة بعض المنكرات الظاهرة.

*وكان لا يسكت على منكر شرعي يراه أو مخالفة شرعية يبصرها دون أن ينكرها وينهى عنها؛ فقد كان إذا رأى امرأة متكشفة ريفية أو مدنية تُظهر بعض مفاتنها أو شعرها كان ينهاها برفق ويقول لها: "يا أختي هذا حرام".

- وقل مثل ذلك عن أمور: الاختلاط والتكشف للنساء"السفور", وانتشار الخمر والزنا والربا, وتضييع المال والوقت في المقاهي, وضرب وطرد الزوجات من البيوت من قبل أزواجهن الجهلة الظلمة؛ فقد كان ينهى عنها الشيخ وينكرها بشدة.

*كما كان الشيخ - عليه الرحمة والرضوان- ينهى عن التقليد الأعمى لفسوق أوربة وفجورها, وينشد قول الشاعر الرائع:

قَلَّدُوا الغَرْبِيَّ لكِنْ بالفُجُورْ وعَنِ اللُّبِّ استَعَاضُوا بِالقُشُورْ

*وكان كذلك حريصا على النصيحة للمسلمين, ويغضب كثيرا إذا نقلت عنه فتوى خاطئة أو كلاما مناقضا لشرع الله تعالى؛ فيتبرأ من ذلك ويصححه ويرد عليه.

*كما كان - لِله دَرُّهُ- يستقبل السائلين في بيته في أي وقت, ويجيب عن أسئلتهم في أي حين, ولا يسمح لأولاده بالاعتذار عنه, ولو كان نائما في قيلولة أو صباح باكر.

3- شدته على الفسقة الوَقِحين والمُطَلِّقِينَ المتسرعين المُتعسِّفين: كان الشيخ جمعة رحمه الله لا يغضب ويشتد غضبه إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى, أو رأى منكرا عظيما أو مخالفة شرعية كبيرة؛ لذا تراه عند ذلك يغضب غضبا شديدا يجعله يضرب السائل مؤدبا له ومُعزِّرا له تعزيرا, وكان الناس يقبلون منه هذا ويهابونه لحبه لهم وصدقه وإخلاصه في أمرهم ونهيهم؛ فمن ذلك"وهذه القصة تدل على ذكاء الشيخ جمعة وفطنته وحزمه": أنه جاءه رجل شاب مرة يسأله قائلا: إن أبي ترك فرسا وأريد امتلاكها؟! فقال له الشيخ: وضح سؤالك حتى أجيبك؛ هل تقصد أن والدك ترك زوجة وتريد أن تتزوجها؟! فقال نعم!! وما أن قال الرجل نعم حتى انهال الشيخ عليه ضربا وتأديبا و نهرا وتوبيخا.

*وكذلك كان يفعل الشيخ مع الرجال الذين يمتهنون نساءهم وأزواجهم ويطردونهن من البيوت"وأحيانا في أوقات متأخرة من الليل", وهن أزواجهم وأمهات أولادهم؟!

*ومثل ذلك فعل الشيخ برجل جاءه ليكون مُحَكَّمًا له في المحكمة في طلاق ابنته من زوجها, وأتاه بكبش غنم وبيض وسمن! فقال له الشيخ جمعة: لم كل هذا الكرم؟ ألك حاجة عندي؟ قال: نعم, وذكر حاجته تلك, فغضب الشيخ غضبا شديدا كاد منه أن يضربه, ووبخه بكلام شديد, ورد عليه "رشوته" المبطنة بالهدية.

4- رفقه ورأفته ورحمته بأهله وبالناس, وتواضعه: كان أبو ثابت رحمه الله حسن الخلق والكلام, طيب المعشر, طلق الوجه بسام المحيا, رؤوفا رفيقا بأهله: زوجه وأولاده وكل معاشريه؛ يحييهم ويرد التحية بأحسن منها, ويداعبهم,ويكلمهم في أمورهم الحياتية, كما كان متواضعا لين الجانب؛ فكان يخيط ثوبه, ولا يرضى لأحد أن يقضي له حاجته, كما كان - رحمة الله عليه- يهتم بأسرته ويهيئ لهم أحيانا طعام الفطور ويدعوهم إليه.

5- حبه للأطفال وتفريحه لهم: لقد كان الشيخ جمعة يرحمه الله يحب الأطفال ويشجعهم على الصلاة جماعة في المسجد, وكان يحمل النقود المعدنية في جيبه, وكلما مر بطفل أعطاه ربع ليرة كل يوم, فأحبه الأطفال وتعلقوا به, وكانوا ينتظرونه, كل يوم فيأتي فيُقَبِّلُّونَ يده ويأخذون ربع الليرة.

- وتصادف مرة أن مرض الشيخ آخر حياته فانقطع عن المسجد-"الجامع الكبير بمنبج"- ستة أيام بلياليها, فافتقده أولئك الأطفال الذين كانوا يُصَلُّون عنده في المسجد ولم يجدوه كل تلك المدة, فعلموا بمرضه فذهبوا إليه, فاستقبلهم بحفاوة قائلا لهم: لقد اشتقت إليكم كما اشتقتم إليَّ, وسألهم منذ كم يوم أنتم لم تروني؟ فقالوا: منذ ستة أيام,

فقال لهم: سأعوضكم عن تلك الأيام التي غبت فيها عن المسجد, فأعطى كل طفل ليرة ونصف الليرة!!

6- علاقته الطيبة بالعلماء والدعاة في زمانه: أما علاقته بالدعاة والعلماء في عصره فكانت علاقة طيبة ملؤها الاحترام والمحبة والإخلاص والوفاء.

*وممن كانت له علاقة حسنة بالشيخ جمعة: الولي الصالح والمرشد المعروف الشيخ عبد الباسط أبو النصرت 1982م رحمه الله.

*ومنهم: العالم المخلص والداعية الصالح - الشهيد"في أحداث حماة"- الشيخ محمد أديب الكيلاني ت 1982م رحمه الله.

*ومنهم: ابن عمته الشاعر الشيخ كامل بدر الحسيني ت 1990م رحمه الله.

*ومنهم: العلامة والمرشد الرباني المنور الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحمن الشاغوري الحمصي الدمشقي ت 1425هـ رحمه الله: الذي كان يزور الشيخ جمعة في حياته بمنبج, وزار منبج بعد وفاته؛ فوقف أمام بيته ثمة وقال لمرافقيه: اقرؤوا الفاتحة على الشيخ جمعة صاحب هذا البيت, وصاحب الفضل على هذه البلدة.

*ومنهم الشيخ سعيد الغانم المصري.

**هذا وقد كانت للشيخ جمعة علاقة مودة وتقدير وأخوة قوية في الله ومراسلات مع علامة حماة المجاهد الشيخ محمد بن محمود الحامد ت 1969م, وقد تعرفا ببعضهما في الخسروية بحلب أثناء طلبهما للعلم فيها, وقد كان الشيخ الحامد سبق الشيخ جمعة إليها بسنتين؛ أي عام 1928م, واستمرت أخوتهما وعلاقتهما الوثيقة هذه بعد الخسروية بالمراسلات, وقد أهدى الشيخ الحامد بعض كتبه للشيخ جمعة وعليها إهداءاته وتوقيعاته, وكان الشيخ جمعة يبادله حبا بحب وودا بود, ويجله ويذكره, ويسأل عن أخباره في مجالسه.

7- حبه للعلماء عامة, ولطلاب العلم خاصة, وتقريبهم وفرحته الغامرة بهم:

إن أنس شيئا فإني لا أنسى حب الشيخ جمعة العارم للعلماء وطلاب العلم خاصة؛ فقد كان يأتي إلى مدرستنا بمنبج"دار الأرقم بن أبي الأرقم" في أوائل الثمانينات الميلادية من القرن العشرين الماضي, وما أن تطأ قدماه أرض مدرستنا حتى يفرح فرح الأطفال وينفجر بالبكاء, وينشد وهو يبكي قول الشاعراليهودي الوفي المعروف

"السموأل بن عادياء"؛ ينشد قوله:

............................... شباب تسامى للعلى و كُهُولُ

*وينشد أيضا قول مجنون ليلى لله دره:

أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار و ذا الجدارا

و ما حب الديار شغفن قلبي و لكن حب من سكن الديارا

- وكم كانت فرحته عظيمة عندما يلتقي عالما شرعيا أو طالب علم شرعي؟!

- هذا وقد كان يهتم بطلاب العلم ويشجعهم ويحضهم على الإخلاص في طلب العلم, وكان يخاطبهم بكلمته المأثورة: "يا أبنائي العز في طلب العلم".

8- اهتمامه بأحوال المسلمين عامة, وبـ"درة المسلمين المغتصبة" خاصة:

لقد كان أبو ثابت رحمه الله يتابع أخبار المسلمين وأحوالهم في كل مكان؛ فيفرح لأفراحهم, ويتألم لجراحاتهم وأتراحهم, وخاصة قضية المسلمين الأولى ودرتهم المغتصبة"قضية فلسطين"؛ فقد كان يذكر بها دائما, ولشدة اهتمامه بها وبشعبها فقد شكل "لجنة للدفاع عن فلسطين" تتألف من ثمانية أعضاء, هو أحدهم.

ولنستمع إلى بعض خطبة له في أحد الأعياد قال فيها:

"إننا اليوم في عيد, وإن أيام العيد تفرح لها القلوب وتبتسم فيها الشفاه, ولست أدري كيف تبتسم شفاهنا اليوم وفي فلسطين أمة لم تلبس اليوم أفخر الثياب, ولا تحلت بأبهى الحلل؛ ولكنها لبست أكفان الموت, واتشحت بالدماء الحمراء, ووضعت أرواحها على أيديها رخيصة في سبيل الله لإنقاذ مسجده الأقصى".

9- من كلماته المأثورة عنه, وبعض استشهاداته الشعرية:

أ- "كُن مَعَ اللهِ ولا تُبَالِ تَرَ اللهَ معَكَ".

ب- "كنا في جولة ميدانية": كان يردد هذه الكلمة حين يُسأل أين كنتم؟ ويكون في مهمة للدعوة إلى الله تعالى في منبج أو بعض أريافها.

ج- "أنا نقطة في بحر علم الشيخ مصطفى أبو زلام"؛ يعني والده رحمهما الله تعالى.

د- "يا أبنائي ! العز في طلب العلم": كان يخاطب بها طلاب العلم الشرعي.

هـ - "محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظمُ العُظَمَاءِ": وهي كلمة النائب النصراني السوري الشهير الأستاذ فارس الخوري ت 1961م؛ الذي كان يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في سورية, كما نقل عنه أمير البيان الثاني الأديب الشيخ علي الطنطاوي ت1999م رحمه الله تعالى.

*و كان كثيرا ما يُنشِدُ ويُرَدِّدُ:

و- قلّدُوا الغَرْبِيَّ , لكن بالفُجورْ و عن اللب استعاضوا بالقُشورْ

ز- قد هبطنا من علو اِمتِثالًا للقضاء

وسكنَّا الأرضَ حينا لامتحان و ابتلاء

ح- أتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبَرُ

ط - و إذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمانُ

*وكان يُنشد في الصبر"على لسان الطَّاسِ المَرْبُوبَة":

ي- صَبَرتُ على النيرانِ و الضرب والأسى

فأوصَلَنِي صَبري لِلَثمِ المَبَاسِمِ

تَأنَّ , و لا تَعجَلْ لِأمرٍ تُرِيدُه

و كُن راحِمًا بِالنَّاسِ تُبْلَ بِرَاحِمِ

ك- لَعَمرُكَ ما الرَّزِيَّةُ فقدَ مالٍ و لا فرَسٌ تموتُ , و لا بعيرُ

و لكِنَّ الرزيةَ فَقْدُ حُرٍّ يَمُوتُ لفقدِهِ خَلْقٌ كثيرُ

"سمعتهما منه رحمه الله في خطبة جمعة له عن الهجرة النبوية, فيما لو أدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظفروا به يومها... ".

10- ظرفه ومزاحه وخفة روحه: لقد أوتي الشيخ جمعة رحمه الله الظرف وخفة الدم؛ فكان صاحب دعابة وطرفة ومزاح, وقد ذُكِر عنه كثير من المواقف الطريفة والنكات الظريفة, منها هذه الحكايات الخمس:

*الاولى: كان يمشي الشيخ مرة في الشارع مع جماعة فمر من جانبهم رجل راكب دراجة فأومأ إلى الشيخ برأسه مُطأطئًا ومُشيرًا بالسلام, ولم يسلم كلاما, فأجابه الشيخ جمعة برأسه رافعا إياه إلى فوق؟! فعجب رفقاء الشيخ منه ومن صاحب الدراجة ولم يفهموا شيئا! فقالوا للشيخ: يا شيخنا لم نفهم إشارتكما ماذا تعني؟! فأجابهم الشيخ: قال لي هذا الرجل سائلا: أتناطحني؟ فقلت له: لا أناطحك!! فضحك رفاقه ملء أفواههم.

*الثانية: جاءه يوما رجل يستفتيه قائلا: شيخي كان عندي تيس وعنز فمات التيس, فما أفعل بالعنز الآن؟ فقال له: ماذا تفعل بها؟ اتركها تقعد في العِدَّة!!

*الثالثة: دعاه الحاج إبراهيم الديبو, أبو محمود إلى مأدبة فيها بعض إسراف, فأعطى بعضُ المَدعُوِّينَ الشيخ جمعة مخ رأس الذبيحة"على عادة بلادنا إكراما للشيخ" قائلا له: تفضل هذا يا شيخي ! فقال له الشيخ: أنا عندي مخ, ولكن أعطوه لصاحب هذه الدعوة فهو بحاجة إلى مخ لكيلا يسرف هذا الإسراف؟!

*الرابعة: حُكِيَ له مرة عن اختصام رجلين مسلمين صوفيين وتهاجرهما لأجل دنيا؛ فقيل له: يا شيخي فلان وفلان تخاصما وتهاجرا من أجل دنيا مع انهما أبناء طريق؛ أي: "طريقة صوفية؟!" فقال: هؤلاء أبناء شارع لا أبناء طريق!

*الخامسة: في يوم من الأيام جاءه سائل فسأله سؤالا لم يعرف الشيخ جوابه؛ فقال له: لا أدري, فعجب الرجل واستغرب من الشيخ وقال له: أنت الشيخ جمعة العالم المعروف صاحب العمامة لا تعرف الجواب؟! فما كان من الشيخ جمعة إلا أن خلع عمامته من رأسه وقال للسائل المستغرب: هذه العمامة خذها وضعها على رأسك ثم أجب عن السؤال هَيَّا؟!!

*الهوامش:

(1) سورة الزمر 9.

(2) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن أبي الدرداء رضي الله عنه. الترغيب والترهيب للمنذري ص 43, رقم الحديث 106.

(3) رواه البخاري في صحيحه؛ ص: 37, برقم 100, عن عبد الله بن عمرو.

(4) يُنظر: تنبيه المغترين للشيخ عبد الوهاب الشعراني ص: 19.

(5) هو الشاعر الزاهد سابق بن عبد الله البربري الرقي ت بعد 132هـ , وهو الذي كان يتردد على عمر بن عبد العزيز, و يعظه وينشده بعض شعره, وهو صاحب القصيدة الوعظية المشهورة التي مطلعها:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها والتي تنسب خطأ إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه.

(6) رَ: شعر سابق بن عبد الله البربري. د. بدر ضيف ص: 27, 109.

(7) ينظر: معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا 4/42 مادة "عجي", بتصرف.

(8) عن: السيرة الشخصية المفصلة لجدي الشيخ والشاعرعيسى بن أحمد الخطيب ت 1414هـ المخطوطة بيده, والتي أرسلها للأديب علي الزيبق عام 1971م بناء على طلبه, وهي ضمن ديوان جدي الذي حققته وعلقت عليه, ص: 88.

(9) معجم النفائس الكبير. لنخبة مختصين ص: 339 مادة "حجج".

(10) هو الولي الصالح الكبير الشهير عقيل بن أحمد البطائحي العمري المنبجي (466؟- 550هـ) شيخ الشام في عصره, العالم والمرشد الجليل, تعلم وتربى على يد الشيخ مسلمة السروجي وآخرين. من تلاميذه الشيخ الصالح عدي بن مسافر و رسلان الدمشقي وغيرهما. كانت له مدرسة في منبج عرفت باسمه. أقام في منبج 49 عاما قضاها في التعليم والإرشاد والإصلاح والزهد والعبادة, وقبره معروف يزار بمنبج جنوبيها. ر: هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس للدكتور ماجد عرسان الكيلاني رحمه الله ص:231, قلائد الجواهر للشيخ محمد التاذفي الحنبلي 94- 95, بتصرف.

(11) اندثرت هذه العادة الشنعاءُ منذ نحو ربع قرن من أكثر بلدان وريف سورية؛ بفضل الله ثم بدعوة وبيان العلماء الربانيين الغيارى أمثال الشيخ جمعة رحمه الله.

*مراجع البحث

1- علماء وأعلام تركوا بصماتهم في تاريخ منبج القديم والمعاصر. د. إبراهيم الديبو, ص: 21,22,25, 38- 54, بتصرف, وقد أفدت منه كثيرا, جزى الله مؤلفه خيرالجزاء. والكتاب ط1- دار طيبة, دمشق - سورية, 1429هـ = 2009م.

2- بتصرف من ورقتين مخطوطتين عندي بيد مظفر بن الشيخ جمعة؛ إحداهما ترجمة لوالده والأخرى فيها ترجمة لجده الشيخ مصطفى, رحمهما الله تعالى, وجزاه الله خيرا.

3- الموسوعة التاريخية لأعلام حلب, على الشابكة, بتصرف.

4- = = = منبج , = = =.

5- من أعلام الطريقة النقشبندية في بلاد الشام المباركة. للشيخ محمد زكريا

المسعود 2/85, بتصرف. ط1, دار فصلت - حلب, 1430ه... 2009م.

6- ملتقى أهل الحديث على الشابكة, لمحة عن د. محمود طحان, بتصرف.

7- معلوماتي الشخصية عن الشيخ جمعة أبو زلام رحمه الله.

8- تنبيه المغترين. ش عبد الوهاب بن أحمد الشعراني ت 973هـ , تح أ. أحمد عبد الرحيم السايح, توفيق علي وهبة, ط 1, مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة, 1425هـ = 2005م.

9- شعر سابق بن عبد الله البربري. د. بدر ضيف, ط 1, دار الوفاء - الإسكندرية, مصر- 2004م.

10- معجم متن اللغة. للشيخ أحمد رضا العاملي ت 1953م, ط1, دار مكتبة الحياة بيروت, 1379هـ = 1960م.

11- الجامع الصحيح. للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ , تح أحمد زهوة وأحمد عناية, ط1؟ دار الكتاب العربي - بيروت, 1432هـ - 2011م.

12- قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر. للشيخ محمد بن يحيى التاذفي الحنبلي. ط 1؟ بالمطبعة الحميدية لعبد الحميد احمد حنفي, عند المشهد الحسيني - مصر, 1356هـ.

13- هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس. د. ماجد عرسان الكيلاني. ط3, دار القلم الإمارات المتحدة - دبي, 1423هـ = 2002م.

14- إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح. للشيخ محمد بن عبد الله الرشيد, ص:249-252 بتصرف, ط1, مكتبة الإمام الشافعي - الرياض, 1419- 1999م.

15- الترغيب والترهيب. للإمام عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ت656هـ, باعتناء أبي صهيب الكرمي, ط؟ بيت الأفكار الدولية, د.ت.

16- معجم النفائس الكبير. لنخبة مختصين بإشراف أ.د. أحمد أبو حاقة, ط1, دار النفائس - بيروت, 1428هـ = 2007م.

رَبَّانِيُّ مَنْبِجَ ومُفتِيها الشَّيخُ جُمعَة أبُو زلامٍ يَرحَمُهُ اللهُ

(1321- 1405هـ = 1903- 1985م)

جُدْ يا أُخَيَّ بِدَمعِكَ المِدْرَارِ لِلشَّيخِ جُمْعَةَ زِينَةِ الأحْبَارِ

هُوَ فَخْرُ مَنبِجَ تَاجُ مَفْرِقِ عِزِّهَا هو شَمسُهَا , هو بَدرُها المُتَوَاري

هو حَبْرُها و فقيهُها و خطيبُها هو بدرُ إفتاءٍ بها لِلسَّاري

هو شيخُ جامِعِها الكبيرِ و مُرشدٌ لقضائها , و لريفها الكُبَّارِ

نَجْلٌ لِحَبرِ البَابِ، بل عَلَّامِها المُصطفى لـ "زِلَامِهَا" الأخيارِ

*************

قد كُنتَ فينا داعيًا و مُبَلِّغًا بالصدقِ و الإخلاصِ , لِلغَفَّارِ

لم تألُ جُهدًا في النصيحةِ للوَرَى مع حِكمةٍ , و تَحَمُّلِ الأشرارِ

بلغت دين الله في صدق بدا و بحكمة , و بحرقة , و بِدَارِ

لم تخشَ في دينِ الحنيفةِ لائمًا و كذلكَ الرِّبِّيُّ من أحبارِ

*************

ذكراكَ بين الناسِ عاطرةُ الشَّذى كالزَّيْزَفُونِ , كأعطَرِ الأزهارِ

ما زال ذكرك عابقًا في منبج في أهلها ؛ بكبارهم و صغار

ما زلتَ حيًّا في الضمائر باقيا يُثني عليكَ الناسُ بالإكبار

إن كُفِّنَ المُثرُونَ في حُلَلٍ غَلَتْ فلقد كُفِنْتَ بِأفئِدِ الأبرارِ

*************

عَرَفَتْكَ مَنْبِجُ عالِمًا مُتَفانيًا في الوعظ والإرشاد باستمرارِ

عرفتك منبج مفتيا مُستمسِكًا بالحق ؛ لا تَعنُو لغير الباري

عرفتك قلبا حانيا لضعافهم بل مُحسنًا لصغارهم وكبارِ

كنتَ المُحِبَّ لطالبي علمِ الشريـ ـعة مكرما ومشجعا للقاري

لم نُلْفِ عِدْلَكَ مُنذُ واراكَ الثَّرَى لم نَلْقَ مِثلَكَ في تُقًى ومَسَارِ

فكأنَّ أرحامَ النساءِ تَعَقَّمَت من أن تجيء بمثلكم , و مُبارِ

*************

سُبحانَ من برأ الخلائقَ رافِعًا دَرَجاتِ بعضِ السادةِ الأخيارِ

لا سِيَّمَا العُلَمَاءُ وُرَّاثُ الهُدَى حُرَّاسُ دِينِ اللهِ في الأمصارِ

ما ماتَ فينا الشيخُ جُمْعةُ بل بَقِيْ بِمُفيدِ علمٍ - بَثَّ - أو آثارِ

سيظل في سفر العلى متألقا بحروف نور؛ طرزت بِنُضَارِ

سيظل في دنيا الدعاة مخلدا ذكرا , وأجرًا في حِمى الغفَّارِ

و تظل منبج بالوفا و محبة تثني عليه الخير في الأعصارِ

لا سِيَّمَا النُّجَبَاءُ من طلابه أو عارفو فضل له بِمَسارِ

*************

فجزاكَ ربِّي عن شريعةِ أحمدٍ خيرا , وأكرمكم بخير جوارِ

وحُشِرتَ مَعْ عُلمَاءِ صِدقٍ أتقيا بِلِوَا مُعَاذٍ ؛ صاحبِ المُختارِ

يا ربِّ أكرم نُزْلَهُ في قبره وارحمه في بُكَرٍ, وفي الأسحارِ

وارحم مُحبيه ؛ مُفيدي علمِه و مُبَلِّغِيهِ , أثِبْهِمُو يا باري