العالم الصالح فضل ربي الندوي

 

توفي يوم الأربعاء 9 جمادى الأولى سنة 1442هـ الموافق لـ 23/12/2020 م، العالم الصالح الشيخ فضل ربي الندوي في بلدته كراتشي، بباكستان، عن عمر حافل بالأعمال، وما الحياة إلا لمن استهلكها، وما أقلهم! وما الموت إلا لمن استوفر أسباب العيش مستبقيا لها، وما أكثرهم!، فما رحيل الكبار إلا إيذانا بتمام فضائلهم وكمال إنجازاتهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

هاجر الشيخ فضل ربي بن الحاج عارفين الندوي بعد تخرجه من دار العلوم لندوة العلماء إلى كراتشي، بباكستان، وأنشأ بها دارا للنشر والتوزيع في السبعينات من القرن الماضي الميلادي، عنيت بطباعة مؤلفات شيخه العلامة أبي الحسن علي الندوي رحمه الله، وذلك بتشجيع من الشيخ وترغيب منه، وخلال مدة قصيرة من إنشائها اشتهرت المؤسسة، وملأت أرجاء باكستان بكتب الشيخ الندوي في ثياب قشيبة، وأشرف على تلك البلاد نور جديد استنارت به أندية الثقافة والأدب، واستضاءت به المكتبات ومعاهد العلم، ولما زار الشيخ الندوي باكستان بعد سنتين من إنشاء تلك الدار وجد المثقفين والطلبة مغرمين بكتبه، متداولين مضامينها، ومؤمنين برسالتها، ففرح جدا بهذا الترحاب المربي على حلم الحالمين، واستغرب صوته مدويا في أرض الدولة الحديثة وسمائها ما لم يعهد مثله في الهند.

يرجع تعرفي على الشيخ فضل ربي إلى أيام طلبي في دار العلوم لندوة العلماء، حيث يردد اسمه إذا ذكرت إصدارات الكتب، وسمعت شيخنا أبا الحسن الندوي في مجالسه يثني عليه ثناءا عطرا، وينوه بشأنه تنويها يحسده عليه الحاسدون.

ثم اتفق أني وافيت باكستان صحبة الأخوين الكريمين خطيب عالم الندوي، ومحمد حشمت الله الندوي، فاستضافنا الشيخ فضل ربي الندوي، ونزلنا عنده يومين أو ثلاثة أيام، استمتعنا بضيافته، واطلعنا على نشاطاته وأعماله في مجال الطباعة والنشر، ورأيناه رجلا صالحا متواضعا كبيرا في الأخلاق والفضائل ومعاني اللطف والظرف والمرح.

ولما استقر بي المقام في أوكسفورد، المملكة المتحدة جرت بيني وبين الشيخ مراسلات ومهاتفات، وهو يهمه أن يوسع نطاق منشوراته وتوزيعها في بريطانيا، كما أبدى رغبته أن ينقل مقدمة كتابي (الوفاء في أسماء النساء) من الإنكليزية إلى الأردية، ولكن لم تتحقق تلك الأمنية.

وأعجب الشيخ بكتابي (يوم في ندوة العلماء) باللغة الأردية، فقدم له وطبعه، وكانت طباعة الكتاب في باكستان من أعز أماني، وانتشر الكتاب انتشارا واسعا في الأوساط العلمية والأدبية بها، وهو كتاب لطيف في حجمه غزير في معانيه، ألفه صاحبه من نفس جياشة بحب دار العلوم لندوة العلماء ومنهجها وشيوخها وبيئتها وطلابها، ألفه وقد استجمع أفكاره ومشاعره وأحلامه، في وقت من حياته هادئ، وكأن الناس حوله آوون إلى مضاجعهم، وكأن عقارب الحياة مستكنة في أجحارها.

لقد أنجز الشيخ ما تعجز عنه الهيئات والمؤسسات، قاضيا حياته في أفكار تتحقق، بين أمم لاهية في أحلام تتبدد، فرحمه الله وأعلى درجاته وجزاه أفضل ما يجزي به عباده الصالحين.