العالم المفسر الدكتور محمد محمود حجازي

هو الشيخ الدكتور محمد محمود يوسف حجازي محمد هندي، الشافعي الأزهري ويلقب بمحمد الزكي. 

وُلد الشيخ حجازي رحمه الله في يوم الجمعة: 20/6/1332هـ. الموافق: 15/5/1914م، في قريةِ شنبارة منقلا، التابعة لمركز دِيَرْب نَجْم بمحافظة الشرقية، بجمهورية مصر العربية، ونشأ في كنف أبيه ورعايته، فقد تعهده بالتربية الحسنةِ، وعوَّده على الأخلاق الفاضلة؛ وقد حفظ الشيخ حجازي القرآن على والده الذي كان يعمل بالفلاحة وزراعة الأرض، وقد كان لخاله الشيخ محمد أمين حسن الذي كان يعمل مدرسًا بمعهد الزقازيق الديني الأزهري، الأثرَ الأكبرَ في بناء شخصيته العلمية؛ فهو الذي وجهه إلى الدراسة بالأزهر الشريف

أتم الشيخ حجازي حفظ القرآن وهو في الثانية عشر من عمُره، ثم التحق بمعهد الزقازيق الديني، وكان مثالًا للطالبِ المُجِدِّ الذي لا شأن له بغير ما قَدِمَ إليه وهو العلم، فانصرف إلى المطالعة والتحصيل، وانتقل منه إلى معهد دسوق، ثم أكمل المرحلة الثانوية بمعهد طنطا سَنةَ 1935م، والتحق الشيخ بعدها بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، ونال منها شهادة العالِميَّةِ سنة 1939م، ثم شهادة العالية مع إجازة التدريس سنة 1941م، وأخذ في السنوات الأولى من تخرُّجه يعُدُّ نفسه لمستقبل علمي زاهر، واتجه على الخصوص إلى علم التفسير، وفى عام 1966م حصل على درجة الماجستير عن كتابه «التفسير الواضح» من قسم التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر ، الذي أعده الشيخ أثناء عمله بالتدريس في معهد الزقازيق الديني، ثم توج الشيخ حجازي جهوده المباركة في التفسير والدراسات القرآنية؛ بنيل درجة العالِميَّةِ «الدكتوراه» من كلية أصول الدين بالقاهرة في 15/4/1968م، واختار لها موضوعًا دقيقًا، هو: «الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم» ، وقد شكلت لجنة علمية لمناقشته تضم كبار العلماء آنذَاك، وهم الأساتذة والشيوخ:

- «العلامة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة – رئيسًا.

- العلامة الأستاذ الشيخ أمين أبو الروس – عضوًا.

- العلامة الأستاذ الشيخ أحمد السيد الكومي – مشرفًا.

وقد أُجيزت هذه الدراسة بتقدير مرتبة الشرف الأولى».

وَلِيَ الشيخُ حجازي العديد من الوظائف العلمية التي نهض بها، وكان فيها خير مثال للعالم الأزهري المتمسك بقيم العلم، والمصلح الملتزم بمكارم الأخلاق.

فقد تولى قبل نيله شهادة الدكتوراه وظيفة التدريس بمعهد الزقازيق الديني، ثم تدرج في الوظائف فأصبح شيخًا لمعهد فاقوس الديني، ثم شيخًا لمعهد الزقازيق الديني، وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه عمل بالتدريس في جامعة الأزهر الشريف، بكلية أصول الدين، قسم التفسير وعلوم القرآن، ولم يقتصر عطاؤه داخل أروقة الجامعة، بل كان لمحبيه من خارجها نصيبٌ من علمه في فن التفسير؛ وذلك من خلال أحاديث سجلها لإذاعة القرآن الكريم المصرية عن القصص القرآن، وقد يفهم من كلامه دعمه للجمعيات الإسلامية التي تنشط في المجتمع المصري، فهي في رأيه ضوء يسطع ليبصر من أراد السعادة في الدنيا والآخرة، ونار تحرق شياطين الإنس المحاربين لله ورسوله.

وقد انتُدب رحمه الله إلى العمل بمعهد القضاء العالي بالمملكة العربية السعودية في عام 1969م لمدة عام واحد، مدرسًا لمادة التفسير وعلوم القرآن، ثم ابتُعث بعد نيله الدكتوراه إلى جامعة أم درمان الإسلامية بجمهورية السودان في بداية العام الدراسي 1970/1971م؛ فدرس فيها قرابة العامين، وقد كان للشيخ مع وفد البعثة الأزهرية هناك كالشيخ محمد أبي شهبة والدكتور سليمان دنيا وآخرين صدًى واسعًا ليس في أروقة الجامعة فحسبُ، بل في المجتمع السوداني، خاصة في الأندية وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ينشرون العلم، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

قد أُتيح للشيخ حجازي الدراسة في الأزهر الشريف، وقد مكنه ذلك من أن يجالس كوكبة من أساطين الأساتذة المحققين، وكبار العلماء الراسخين ويتتلمذ لهم، فتلقى معارفه وعلومه عن كثير من جهابذة أهل النظر والاجتهاد؛ ومن هؤلاء الأعلام:

1. «والده: الشيخ محمود حجازي: حيث حفظ عليه القرآن وهو في الثانية عشر من عمره.

2. خاله الشيخ أمين حسن، وكان من علماء الأزهر، وهو الذي وجه الشيخ حجازي إلى الدراسة بالأزهر الشريف.

3. الشيخ محمد الأحمدي الظواهري (ت. 1363هـ/1944) شيخ الأزهر الشريف.

4. الشيخ محمد مصطفى المراغي (ت. 1364هـ/1945م) شيخ الأزهر الشريف».

5. «الشيخ أحمد السيد الكومي، وهو المشرف على رسالته في الدكتوراه: «الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم».

6. الشيخ محمد أبو زهرة (ت. 1374هـ/1974م) كان رئيس اللجنة العلمية التي ناقشت الشيخ في رسالة الدكتوراه.

7. الشيخ أمين أبو الروس، وكان عضوًا باللجنة التي ناقشت الشيخ في رسالة الدكتوراه».

8. الشيخ طاهر عبد المجيد، أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر، وهو أول من أطلعه الشيخ حجازي على بداية الكتابة في التفسير الواضح، فلم يتردد في تشجعيه على استكمال التأليف في فن التفسير.

ومما يجذب الانتباه أن الشيخ حجازي لما نقل عن العلامة الكبير مصطفى صادق الرافعي (ت. 1356ه/ 1937م) بعضًا من كلامه في كتابه «وحي القلم» ذكره وقال عنه: «أستاذنا»، وهذه الكلمة تَحتمل أن الرافعي أستاذه بالفعل، وأن المؤلِّفَ قد لقيه، وحضر له شيئًا من مجالسه، وتحتمل كذلك مجرد التوقير والإجلال للرافعي، وذلك لكونه أستاذًا لذلك الجيل من المشتغلين بالأدب والمعتنين به.

بعد رحلة طويلة قضاها الشيخ حجازي؛ في العلم والتعليم، والتأليف، والدعوة إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ ودَّع هذه الدنيا إلى جوار ربه، وذلك في يوم الإثنين: الثالث من ربيع الأول، سنة 1392هـ – 17/4/1972م، وهذا تأريخ ابنه لوفاته، ولكن تلميذه الدكتور أحمد عباس يذكر أنها كانت في أوائل سنة 1972م، بمدينة الخرطوم بدولة السودان، وقد احتشد طلابه وزملاؤه في داره بالخرطوم لأداء العزاء، يعزي بعضهم بعضًا ويتداولون مناقبه، إلى أن شيع الجثمان الطاهر من مطار الخرطوم حيث غادر إلى مطار القاهرة، ودفن بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

لقد كان الشيخ حجازي رحمه الله يتمتع بأخلاق فاضلة نبيلة مع أهله وأصدقائه، وأساتذته وتلامذته، فينزل الناس منازلهم، ويعطي كل ذي حق حقه. ولهذا كان لسيرة هذا العالم الصالح أثر في نفوس أقرانه ومعاصريه ومحبيه؛ وثناء الناس عليه يدل على مدى أثره في نفوسهم، ومدى تأثرهم بفقده.

يقول عنه الدكتور منيع عبد الحليم محمود (ت. 1430هـ/2009): «رحم الله الشيخ محمد حجازي، لقد عرفناه وأحببناهُ؛ أحببناهُ لخلقه السمح، وأدبه الجم، وعلمه الغزير، أما عن خلقه فإنه كان سمحًا صفوحًا لا تستثيره المهاترات، إنه كان يعرض عنها، وكان قلبه طاهرًا طُهر الماء الصافي؛ لا يحمل حقدًا لأحدٍ، ولا ضغينة لإنسان، وكان من الذين إذا مروا باللغو مرُّوا كرامًا، ولذلك قل أعداؤه، وانكمش هؤلاء الذين يَنفُسُون على العالم علمه، وعلى المؤلِّف تأليفه، وعاش حياته في هدوء نسبيًّ متفرغًا للعِلمِ، دائمًا على الدراسة.

ويقول أيضًا عن حب الناس للشيخ حجازي: لقد كان أبناء بلدتِه يعتزون به، ويعتز هو بهم، فيوجه إليهم النصح في صورة صديق، وفي صورة أخٍ أكبرَ، وكانوا يحمَدون فيه تواضعه، وعاطفته الجياشَةَ بحب الأزهَرِ ويحب أبناء بلدته».

خلَّف الشيخ إِرثًا مباركًا من التأليف في تفسير القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، فأسهم في إثراء المكتبة الإسلامية، وسد في وقته -ولايزال- فراغًا كان المهتمون بكتاب الله وتفسيره في حاجة إلى ملئه، وعلى الرغم من قلة مصنفاته من حيث العدد، إلا أن من يطَّلِعُ عليها يجد فيها جِدَةً وابتكارًا، وتأصيلًا وإبداعًا، وغزارة فيما اشتملت عليه من مسائل العلم، ويلحظ فيها إخلاص مؤلفها وجلَده على البحث والتحقيق، علاوة عما كان لها من عظيم الأثر في الدراسات العلمية التي لحقتها.

وما استطاع الباحثون أن يقفوا عليه من مؤلفاته هي خمسةُ كتب، وهي جميع ما ألَّف فيما أعتقد:

1. «التفسير الواضح»: وقد نال به الشيخ حجازي درجة «الماجستير»، ويقع في ثلاث مجلدات، وقد طبع اثنتا عشْرة طبعة، مما يدل على أن هذا الكتاب وجَدَ قبولًا بين طلبة العلم، وخاصة أهل التفسير، وعن أهمية هذا الكتاب يقول الدكتور نور الدين عتر (ت. 1442هـ/2020م): «هو كتاب هام وسهل لعامة القراء، ومفيد، يلائم بث رُوح النهوض في المسلم، وإيقاظ وعيه للعلوم والثقافات»، ويقول عنه أيضًا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: «والحق يقال: إن هذا التفسير يعد إسهامًا متميزًا في العصر الحديث في تقريب فهم كلام الله تعالى إلى جمهور المسلمين، وهذا ما كان يؤمِّلُه صاحبه رحمه الله، وقد بلغ في ذلك ما شاء الله له؛ فرُزق القبول الحسن في العالم العربي والإسلامي».

٢. «القصص القرآني في القرآن الكريم»: وهذا الكتاب لا يزال مخطوطًا، ومنه نسخة بخط الشيخ، وقد ذكر أحد الباحثين أنه حصل على هذه النسخة الفريدة.

٣. «أحاديث مختارة»: ذكره بهذا الاسم محمد علي أحمد مكي في رسالته: «الدكتور محمد محمود حجازي ومنهجه في التفسير»، وذكره تلميذُ المترجم أحمد عباس البدوي باسم: «الأحاديث المختارة في الصحيحين»، ولعل الأول أصح؛ فقد اطلع الأستاذ مكي على النسخة المطبوعة من الكتاب، ونقل عنه في رسالته المذكورة.

٤. «مشروعية القتال في الإسلام»: وهذا الكتاب ذكره المؤلف في «التفسير الواضح» عند تفسير قولِه تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]، وأشار إلى أنه اشترك في كتابته مع واحد من زملائه العلماء، ولم يذكر من هو، قال الشيخ: «وهذه الآية تدعونا إلى البحثِ في واجب المسلمين نحو دعوتهم ونشر دينهم، وماذا يكون موقفهم أمام معارضيهم وأعدائهم، في هذا الموضوع كتبت أنا وزميل لي بحثًا تامًّا كاملًا في مشروعية القتال، سيطبع قريبًا إن شاء الله»، ولا يُعرَفُ شيءٌ عن هذا الكتاب، وهل طبع أم لا؟

٥. «الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم»: وهذا الكتاب هو الرسالة العلمية التي نال بها الشيخ حجازي درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن؛ يقول الشيخ حجازي: "وبعدُ؛ فهذه رسالة أتقدم بها إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر لنيل درجة الدكتوراة، وعنوانها: "الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم" والحق يقال: إنني لست من رجال هذه الأبحاث الدقيقة العميقة المتصلة بالقرآن، ولكنها محاولة دفعني إليها حب البحث في كل ما يتعلق بكتاب الله؛ فإن أصبت فذلك الفضل من الله، وإلا فهي محاولة، والله يهدي إلى الحق، وهو نعم المولى ونعم النصير".

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين