جمعية العلماء في حمص ويوم الاثنين (8)

اسمحوا لي بأسطر قليلة ولا تحسبوها عليَّ أنها من المنشور، أقول منبِّها: 

سامحوني انا حمصي، لكني لست متعصبا لحمصيتي وإذا رأيتموني أكتب عن حمص وعلمائها فليس معنى هذا أنه لا يوجد علماء إلا في حمص أو أنهم مميزون على علماء المدن السورية الأخرى بل لأنني أكتب عمَّن عايشتهم منهم أو كنت طالبا بين أيديهم أو سمعت أخبارهم من أهل مدينتي وكل ما أكتبه من ذاكرتي. 

وهنا أقول وأؤكد وأعتقد أن المدن السورية بل قراها كانت مليئة مليئة مليئة بالعلماء والأولياء والربانيين الذين نحن بحاجة اليوم إلى من ينقل لنا أخبارهم وعلمهم وفضلهم من أبناء مدنهم الأوفياء اللهم حقق ذلك يا رب العالمين. 

أعود إلى عنواني: جمعية العلماء ويوم الاثنين:

تأسست هذه الجمعية في مدينة حمص في منتصف القرن الماضي وأخذت على عاتقها نشر العلم والفضيلة ومحاربة الرذيلة وتأمين الفتاوى الصحيحة للناس وتوعيتهم في أمور دينهم، وكان معهدها العلمي الشرعي في مسجد خالد بن الوليد ولعدة عقود كان هو المنارة التي تنير للأجيال طريقهم

بعد خروج الفرنسيين من سورية شعر العلماء أن الناس بحاجة إلى من يبصرهم بأمور دينهم فأسسوا جمعيتهم وكان لها عدة نشاطات ومنها زيارة قرى المحافظة يوم الاثنين لتوعية الناس ولكثرة أموال المشايخ !!!!ومنذ سبعين سنة تقريبا اشترى المشايخ بواسطة الحاج حسين كلش رحمه الله سيارة باص قديمة بحيث يقومون في أشهر الصيف بزيارة القرى الإسلامية يوم الاثنين مساء، وكان العلماء يتناوبون في هذه الرحلة ومنهم غالبا الشيخ وصفي المسدي، والشيخ محمد جندل الرفاعي، والشيخ عبد الغفار الدروبي، والشيخ أحمد الكعكه وغيرهم رحمهم الله تعالى فيخرجون ومعهم الكبار من طلابهم كل أسبوع إلى قرية من قرى المحافظة، وكانوا يصلون القرية بعد العصر فيأتون مسجدها وغالبا ما كانت المساجد مهجورة يستخدمها أبناء بعض القرى لأمورهم الخاصة حتى إن بعضهم - وهذا ما رأيته بعيني - جعل المسجد اصطبلا للدواب فيقوم العلماء وطلابهم بتنظيف المسجد ورشه بالمياه وتشغيل جهاز الإذاعة الذي يأتون به معهم من حمص والذي يعمل على البطارية ويدعون الناس عبره وعبر طلابهم الذين يتجولون في القرية لدعوة الناس للمسجد فيجتمع الناس والأولاد والنساء من وراء حجاب وكأن في القرية عيدا فيقرؤون القرآن الكريم قبل المغرب وعند صلاة المغرب يكون الناس قد اجتمعوا وبعد صلاة المغرب تقام الندوة وتبدأ بوصلة إنشادية خفيفة ثم يقوم بعض العلماء متكلما وخطيبا يعظ أهل القرية ويحثهم على عمارة المسجد بالصلوات وعلى التمسك بالإسلام ثم يصلون العشاء ويجتمعون مع أهل القرية قليلا ثم يودعونهم و يغادرون إلى حمص.

رحلة كانت تكلف عدة ساعات لكنها تعطي ثمارا طيبة عند أهل القرى وكم كان يحن أهل القرى والأرياف إلى علمائهم فينزلون إلى المدينة ويطلبون لو تزورهم الجمعية زيارة ثانية وثالثة.

ولكن لماذا الخروج للقرى يوم الاثنين؟ ذلك لأن الناشطين في الجمعية من منشدين وقراء القرآن أكثرهم حلاقون، وعطلة الحلاقين في حمص يوم الاثنين، فكانت تكسب الجمعية عطلتهم لأن حضورهم في ذلك اليوم ينشط الرحلة بالإنشاد والأصوات العذبة ومن هؤلاء الحاج محمد خرسان وأخوه الحاج عبد الحفيظ، والحاج عبد الستار السبسبي الرفاعي وغيرهم رحمهم الله تعالى وحتى أُضحك سنَّكم أقول: ونظرا لقدم الاتوبيس وقلة ذات يد الجمعية كنا ندفعه أكثر مما كنا نركبه وأذكر مرة أنا كنا عائدين من قرية البريج تعطل الاتوبيس كما كان يتعطل كثيرا فصرنا ندفعه وندفعه ولم نصل حمص إلا في ساعة متأخرة من الليل والمشايخ صابرون محتسبون. 

هكذا كان علماؤنا ومشايخنا تعب ونصب وكله في سبيل الله عز وحل وحتى يعرف الناس دينهم.

اللهم ارحم كل من سبقنا إليك منهم، واجزهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء يا ذا الجلال والإكرام.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين