رجل فقدناه: قطوف من سيرة ومسيرة الأخ الدكتور الشيخ حسن أبو غدة

1-تمهيد: الأخلاق الفاضلة

أ-جاء في الشمائل الشريفة للإمام الترمذي في وصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في سِيرَته بين جلسائه:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ ، وَلا عَيَّابٍ وَلا مُشَاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِي ، وَلا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيهِ وَلا يُخَيَّبُ فِيهِ.

2- عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ حُسْنُ الْحَدِيثِ ، إِذَا حَدَّثَ ، وَحُسْنُ الِاسْتِمَاعِ إِذَا حُدِّثَ ، وَحُسْنُ الْبِشْرِ إِذَا لَقِيَ ، وَوَفَاءُ الْوَعْدِ إِذَا وَعَدَ.

3-ولقد درَسنا في السنة الأولى من كلية الشريعة في جامعة دمشق -كتاب مختارات من أدب العرب -للعلامة أبو الحسن الندوي، وجاء فيها هذا الحديث ،وأنا أسوقه إليك -أخي القارئ- بطوله لنفاسته وحاجتنا إليه:

إِنَّ مِنْ أخلاقِ المؤمنِ قوةً في دينٍ ، وحزمًا في لينٍ ، وإيمانًا في يقينٍ ، وحرصًا في علْمٍ ، وشفَقَةً في مِقَةٍ، وإِنْ ظُلِمَ وبُغِيَ عليْهِ صبرَ ، حتى يكونَ الرحمنُ هو الذي ينتصِرُ لَهُ، وحلمًا في عِلْمٍ ، وقصدًا في غنًى ، وتَجَمُّلًا في فاقَةٍ ، وتحرُّجًا عن طَمَعٍ ، وكسبًا في حلالٍ ، وبِرًّا في استقامَةٍ ، ونشاطًا في هُدًى ونَهيًا عن شهوةٍ ، ورحمةً للمجهودِ ، وإِنَّ المؤمِنَ مِنْ عبادِ اللهِ لا يَحيفُ علَى مَنْ يُبْغِضُ ، ولا يأثَمُ فيمَنْ يُحِبُّ ، ولَا يَضِيعُ ما استُودِعَ ، ولَا يَحسُدُ ، ولا يَطْعنُ ، ولا يَلْعَنُ ، ويعترِفُ بالحقِّ ؛ وإِنْ لم يُشْهَدْ عليْهِ ، ولَا يَتَنابَزْ بالألقابِ ، في الصلاةِ مُتَخَشِّعًا ، إلى الزكاةِ مسرِعًا ، في الزلازِلِ وقورًا ، في الرخاءِ شَكُورًا ، قانِعًا بالذي له ، لا يَدَّعِي ما ليس لَهُ ، ولَا يَجْمَعُ في الغيظِ ، ولَا يَغْلِبُهُ الشُّحُّ عنْ معروفٍ يُريدُهُ ، يخالِطُ الناسَ كَيْ يعلَمُ ، ويناطِقُ الناسَ كَيْ يَفْهَمُ ، 

بعد هذه المقدمة -التي طالت عليك أيها القارئ الكريم- أحسب أنّ أخي الشيخ حسن أبوغدة أخذ من هذه الأحاديث الشريفة بالحظ الأوفر، وراثة لصاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم والعلماء ورثة الأنبياء. وهذا ما شهدناه ، -وما شهدنا إلا بما علمنا-، واستفاضت ألسنة طلابه ومعارفه فيه.. وألسنة الخلق من أقلام الحق..

2-البناء المعرفي

أ-المدرسة الخسروية (الثانوية الشرعية)

كانت المدرسة الشرعية الوحيدة بحلب التي تدرس العلوم الشرعية بشكل منتظم، وذلك لأنه في عام 1379هــ = 1959م أُعيد تنظيم التعليم في المدارس الشرعية ودُمجت المدرسة الشعبانية بالكليّة الشرعية ونُقل طلاب المدرسة الشعبانية إليها وأُطلق عليها اسم ( الثانوية الشرعية) وأُدخل على منهاجها بعض التعديل كما قدم إليها خيرة من العلماء والمدرسين . 

ب- كان راغب الانتساب يخضع لامتحان كتابي وآخر شفهي بعد أن يكون قد تجاوز المرحلة الإبتدائية بنجاح . مناهج ( الثانوية الشرعية) تماثل مناهج ( الكلية الشرعية) من حيث العلوم الشرعية والعصرية . ونتيجة لذلك أصبح لها شهادة تمنح من وزارة التربية، ويقبل طلابها في الصف الخاص من دار المعلمين. وكلية الشريعة في جامعة دمشق، وبعض دوائر الدولة. ج-الانتساب إلى المدرسة الشرعية : لقد انتسبنا إلى الخسروية(الثانوية الشرعية) بحلب عام 1961م في الصف الأول الاعدادي، شعبة الفقه الحنفي، وأذكر ممن كان معنا في الصف-الشيخ حسن أبو غدة، والشيخ محمد علي حماد رحمهما الله ، والشيخ نجيب سراج الدين - حفظه الله -وآخرون...

وتابعنا المسيرة في الحلقة الإعدادية والثانوية، وتخرجنا فيها عام 1967م 

3-المناهج والمدرسون: 

لقد أكرمنا بمدرسين أفاضل أعلام تزيَّنتْ بهم الشهباء، علماً، ونبلاً، وفضلاً، كانوا مشاعل هداية، وآباء قلبيين، لطلاب محبين، شموسٌ ساطعة، وأنوارٌ لا معة، أذكر أسماءهم الشريفة جانب المواد التي درسوها، هذا ما أسعفتي الذاكرة، بعد عقود عديدة، وأزمنة مديدة،

كانت مناهج الدراسة قويَّة ينوء بحملها الطالب حيث يدرس العلوم الشرعية والعربية، ومواد المدارس العامة العصرية . 

4-مناهج المدرسة العلمية (الخسروية) ومدرسوها: 

1-القرآن الكريم تلاوة وتجويداً وحفظاً: ومدرِّسه شيخ قرَّاء البلاد الشامية الشيخ محمد نجيب خياطة مدير دار الحفاظ رحمه الله.

2-التفسير: كتاب تفسير القرآن الكريم : تأليف محمود محمد حمزة وحسن علوان ومحمد أحمد برانق. المدرس الشيخ طاهر خير الله-رحمه الله.

3-الحديث النبوي الشريف: كتاب المنهل الحديث في شرح الحديث (أحاديث مختارة من صحيح البخاري) المؤلف : موسى شاهين لاشين.

4-مصطلح الحديث : الشيخ عبد الله سراج الدين-رحمه الله-

5-التوحيد شرح جوهرة التوحيد :الشيخ محمد زين العابدين جذبة -رحمه الله-

6-الفقه الحنفي: كتاب الاختيار لتعليل المختار المؤلف: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي (المتوفى: 683هـ)

الأساتذة: الشيخ محمد سلقيني، والشيخ محمد الملاح، والشيخ عبد الوهاب سكر-رحمهم الله.

8-الفرائض: شرح الرحبية، ومدرسه: الشيخ محمد نجيب خياطة رحمه الله. 

9-التربية والأخلاق: مختصر منهاج القاصدين ، الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، 

الشيخ محمد أديب حسون -رحمهما الله.

10-السيرة النبوية الشريفة : الشيخ عبد الوهاب سكر رحمه الله. 

11- علوم اللغة العربية النحو والصرف: 

في المرحلة الإعدادية: الشيخ بدر الدين أبو صالح.

وفي المرحلة الثانوية: من منهاجها: قواعد اللغة العربية ، حفني ناصف ، محمد دياب ـ مصطفى طموم ـ محمود عمر ـ سلطان بك محمد ( جامع الدروس العربية المؤلف: مصطفي الغلاييني.

المدرس العلامة الشيخ عبد الرحمن زين العابدين رحمه الله.

12-الأدب العربي والبلاغة : الأديب الشاعر الأستاذ ضياء الدين صابوني.

13-الخطابة: الشيخ بكري رجب رحمه الله.

14-أعلام الإسلام: الشيخ محمد أديب حسون رحمه الله.

التاريخ الأستاذ نجم الدين زين العابدين رحمه الله.

15-الرياضيات: الأستاذ محمد فتوح ،الأستاذ محمود شعبان زيدي رحمه الله.

بدر الدين علاء الدين 

16-الجغرافيا: الأستاذ نجيب الجبل رحمه الله. 

17-العلوم العامة والصحة: الدكتور محمد ريحاوي.

18-الفلسفة وعلم الاجتماع: الأستاذ رياض كمال ، الأستاذ زهير مشارقة.

19-اللغة الإنكليزية: المحامي أحمد حفظي عبد الحميد ،الأستاذ أديب أصفري.

20- الفيزياء والكيمياء :د محمد ريحاوي، و نسيت أسماء مدرسين آخرين، وكان في المدرسة مخبر...

هذه إطلالة على المواد الدراسية التي تلقيناها في ربوع المدرسة الشرعية (الخسروية) 

من أساتذتها الفضلاء، في ذلك العصر الغابر...وكأنّها شاهد على العصر..!

21-وكان خطيب الجمعة في جامع الخسروية: العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.

22-المدير: كان المدير للمدرسة عند انتسابنا لها: الشيخ محمد الحموي-الشامي- رحمه الله. 

وبعد وفاته: الشيخ الدكتور إبراهيم محمّد السلقيني -رحمه الله- 

ثم تتابع المدراء- منتدبين من التربية- وبعضهم لم يستمر طويلاً منهم: الأستاذ عبد البر عباس ،الدكتور بكري الشيخ أمين ، وكان المدير في السنة الأخيرة لوجودنا في المدرسة محمد رمضانلي-وهو مدرس لغة عربية.

-تخرجنا في المدرسة عام 1967 م.

5-كلية الشريعة -جامعة دمشق

أ-الكلية الجامعية الوحيدة -في سورية-آنذاك...والتي تقبل خريجي الثانويات الشرعية-ولكن بشروط قاسية-وذلك أن يكون معدل النجاح70% فما فوق...!!

بينما تقبل خريجي الثانويات العامة..!

والخريجون الآخرون عليهم أن يتابعوا دراستهم في الأزهر، أَو جامعات الدول الأخرى، التي لا تشترط هذه الشروط...أو ينقطعوا عن الدراسة الجامعية، ويكتفوا بما حصَّلوه في دراستهم في الخسروية.

ب-الرحلة الى دمشق

ولقد أُلزمنَا بالدوام في الكلية آنذاك، وهي من- الرحلة في طلب العلم -والمشقَّة على الأهل، فأخذ الميسورون يبحثون عن استئجار الغرف، أو يشترك الآخرون مع بعضهم، البعض الآخر ، والأكثرون كانوا يسعون للحصول على غرفة في المسجد -وهي في دمشق كثيرة-بفضل الله، فكان من نصيب الشيخ حسن أبو غدة-رحمه الله-غرفة مع زميل آخر لنا اسمه الشيخ أحمد حبوب بجامع التعديل في حي القنوات، في الطابق العلوي أَقصى اليسار..

ج-المناهج الجامعية القويّة: 

مناهج الدراسية في كلية الشريعة قوية، ولا أعلم أنَّ جامعة أو كلّية تضاهيها في العالم الإسلامي.

وذلك أنَّ طلاب كلية الشريعة يدرسون مناهج كلية الحقوق إضافة لمناهجهم الشرعيةحيث أنهم يدرسون القانون الدولي، والقانون الدستوري، و القانون المدني، و القانون الجزائي، وقانون الأحوال الشخصية، والاقتصاد....الخ

-والإختبارت تكون شفهية وتحريرية، في المواد التالية:

القرآن والتفسر، اللغة العربية[النحو والصرف]الفقه الإسلامي اللغة الأجنبية.

6-المناهج والمدرسون

لقد أكرمنا الله بمدرسين فضلاء جهابذة في كلية الشريعة، درسنا عليهم المقررات التالية :

1-التفسير والقرآن: الشيخ الد كتور محمد أديب صالح رحمه الله.

2-علوم القرآن : الدكتور عدنا ن زرزو حفظه الله.

3-الحديث الشريف: الدكتور محمد عجاج الخطيب حفظه الله.

4- فقه السيرة النبوية: الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله.

5- العقيدة الإسلامية: الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله.

6-الفقه الإسلامي: الأساتذة الفضلاء، الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله، الدكتور الشيخ نور الدين عتر، الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي رحمهم الله.

7-أصول الفقه: الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي، الدكتور الشيخ محمد فوزي فيض الله.

8- الفقه المقارن: الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله. 

9-اللغة العربية ( النحو والصرف ) الدكتور مازن المبارك، محمد فوزي فيض الله الدكتور فتحي الدريني.

10- حاضر العالم الإسلامي الأستاذ عمر الحكيم رحمه الله

11-الأحوال الشخصية: الدكتور محمد عجاج الخطيب حفظه الله

12-الاقتصاد : الدكتور عبد الوهاب الأزرق.

13-تاريخ الأديان: الدكتور فتحي الدريني

*هذه خريطة وصورة للبناء المعرفي الذي نُشِّئْنا عليه، والمشايخ الفضلاء الذين أكرمنا الله بالدراسة عليهم ، وهم كما ترى مصابيح الدجى، ومشاعل النور-رحمهم الله وغفر لهم- وجلّهم إن لم يكن كلّهم، قد أَصبحوا في الدار الآخرة فرحمهم الله رحمة واسعة، وعوّض المسلمين بفقدهم خيراً... 

-والمناهج جلّها مقارنة لأكثر من مذهب، ولا زلتُ أذكر مادة الفقه الإسلامي في السنة الأولى -فقه العبادات-بضخامته وهو على المذاهب الأربعة أعده العلامة الفقيه الأصولي الشيخ الدكتور محمد فوزي فيض الله، وهو كتاب ضخم جليل درسْناه على شكل مذكرات وأمالي، ولو طُبع هذا الكتاب لكان مرجعاً مهما لطلاب العلم، وشاركه في تدريس المادة قسم الحجّ -من فقه العبادات-العلامة الدكتور نور الدين عتر بشبابه ونشاطه ، وطبع كتابه الرائع باسم: كتاب الحج والعمرة في الفقه الإسلامي، هذا لمادة واحدة في السنة الدراسية الأولى....ويمكن القياس عليه لباقي المقررات، والسنوات.!

7-وقل ربّ زدني علماً

تتجلى زيادة الشيخ حسن أبو غدة -رحمه الله-في الازدياد من العلم، من مصادر أذكر منها:

1- المدرسة السيَّافية بحلب:

تقع في حيّ الفرافرة مقابل المدرسة الشعبانية، فيها غرفة للعلامة الشيخ محمد عوامة

كانت موئلا لشُداة العلم، ينهلون من معين الشيخ وكان الشيخ حسن أبو غدة أحد هؤلاء في مرحلة الدراسة في حلب. وحدثني أنه قرأ على الشيخ العوامة صحيح الإمام مسلم.

2-وبعد التخرج في الجامعة يمَّم شطره نحو الأزهر كمَّل الماجستير في الفقه المقارن و ( السياسة الشرعية )" عام ١٩٧٨ م من كلية الشريعة و القانون في جامعة الأزهر .

3- وختم مسيرته بدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة (الزيتونة) في تونس. فحصل على الدكتوراة عن "أحكام السجن ومعاملة السجناء" من جامعة الزيتونة في تونس والتي سماها فيما بعد:"فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون" .

4- شارك في فهرسة خمسة كتب فقهية مذهبية ، بطلب من الموسوعة الفقهية بدولة الكويت ، وهذه الكتب هي :

1- مطالب أولي النهى، للرحيباني ( في الفقه الحنبلي ) في عامي 1982 / 1983 م.

2- الفروع، لابن مفلح ( في الفقه الحنبلي ) في عام 1986 م.

3- تحفـة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، مع حاشيتي الشرواني وابن قاسم ( في الفقه الشافعي ) في عام 1988 م.

4- البناية شرح الهداية، للعيني ( في الفقه الحنفي ) في عام 1988 م

5- المبسوط، للسرخسي ( في الفقه الحنفي ) في عامي 1989 /1990 م.

هذا العمل يعدّه الدارسون من عطائه، وأنا أعده من بنائه، فإذا علمتَ أنّ آخر كتابين أربعين جزءاً، فالمبسوط للإمام السرخسي يقع في 30 مجلداً والبناية للإمام العيني في 10 مجلدات، فالذي يقوم بالفهرسة لا بدّ من الاطلاع على ما فيه، فضلاّ عن اطلاعه على المذاهب الأخرى ، حين فهرسة كتبها...!

8-مسيرة العطاء الكبيرة والكثيرة

لقد كفانا الحديث عنها سيرته الذاتية ،وثناء طلابه النجباء عليه ،وهي غنيّة جداً تضعه في مصاف كبار العلماء، في الكثرة والجودة، من حيثُ المؤلفات، والبحوث العلمية القيمة والنافعة...

9-السلوك الاجتماعي والعلمي:

أَطنب الزملاء والطلاب والمحبون في الثناء على سمته وسيرته ونُبل أخلاقه، ولكني سأتكلم عن جانب آخر من هذا وهو:

أ-عفّة لسانه وقلمه:

أخرج الترمذي - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء"

في النهاية: البذاء بالمد، الفحش في القول، وهو بذيء اللسان،

فلم يعهد عليه أحد من معارفه سوءً في أخلاقه..أو بذاءة في ألفاظه.

أما عفّة قلمه وجودة كتابته: ارسل لي رسالة يقول فيها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وأسعد الله أوقاتكم أخي الأثير الشيخ عبد الله، وفقك الله، وبارك فيك، وفي أوقاتك...

بكل سرور وارتياح قلبتُ النظر في كتابك : ( طالب العلم وفقه الحياة).

وقرأتُ العديد من موضوعاته وصفحاته... 

فوجدته قد حفل بالفوائد العلمية المعمقة، والثقافية النافعة، التي توسع الآفاق الفكرية لطالب العلم والمثقف وتضعه بعيدا عن التعصب والغلو ...

وهو يصلح أن يقرر ككتاب مطالعة مساند...

أدام الله توفيقك وأثابك ونفع بك...

لك تحياتي وتقديري...

-انظر الى هذا الأدب الجم في مخاطبة الزميل والصديق.

-كذلك عند إجابته عن الأسئلة التي ترد إليه، فيقول مثلا:

سؤال من أخ فاضل...

سؤال من أخت فاضلة..

وهذا يذكرني بأخلاق صلاح الدين الأيوبي-رحمه الله-:

كان طاهر المجلس: لا يُذكر بين يديه أحد إلا بالخير ، وطاهر السمع ،فلا يُحبُّ أن يَسمع عن أحد إلا بالخير ، وطاهر اللسان ، فما رأيته أُولع بشتمٍ قطُّ ،وطاهر القلم ، فما كتب بقلمه أذى لمسلم قطُّ ،وكان حسن العهد والوفاء.

ب-نموذج من المنهج العلمي والأدبي في إفتائه: 

هل تُكلِّم زملاءها في الجامعة وتحاورهم؟

وردني سؤال من إحدى الأخوات الفاضلات هو..؟

أنا طالبة جامعية أدرس في كلية العلوم، متحجبة وملتزمة بأحكام ديني، الذي يجري أنه في بعض المحاضرات العملية الميدانية وفي المختبرات، يكلمني بعض زملائي مستفسرين عن بعض الأمور العلمية والدراسية، فأجيبهم وأناقشهم فيها، وفي مرات أخرى أحتاج أنا إلى أن أكلمهم واستفسر منهم، فما حكم هذا التصرف؟ 

الجواب: يجوز للرجل أن يكلم المرأة والعكس، إن كان هذا الكلام بعيداً عن التهمة، والثرثرة المريبة، والخلوة، وكان لحاجة مشروعة، ويتصف بالجد والمسؤولية، والهدف الواضح..الخ فانظر الى هذه الفتوى التي تناسب حاجة العصر مع ضوابط الشرع ، يضع كل هذه القيود حتى لا تتخذ الفتوى ذريعة للإنفلات والميوعة.. وما لا يحمد عقباه.

10-زملاء الدراسة الثانوية والجامعية

من الوفاء ذكر الزملاء، الذين صاحبونا في المسيرة العلمية، على مقاعد الدراسة،

في سنوات الدراسة، في المدرسة الشرعية ( الخسروية) وفي كلية الشريعة في جامعة دمشق. 

وكنا نلتقي كلما سمَحت الظروف معهم.

لقد أَحصيتُ العدد فبلغ معي 15 شخصاً، واكبوا معه الدراسة الثانوية والجامعية، وأرجو أن لا أكون نسيتُ أحداً منهم، لطول الزمان، وتشتّت الخلان، وتفرقهم في الأصقاع والبلدان، فأقول مبيِّناً مكان إقامتهم عند كتابة هذه السطور:

1-في مدينة حلب: الشيخ أحمد حبوب، الشيخ أحمد مؤذن، الشيخ محمد فاضل السيد، الشيخ سعيد درويش، الأستاذ عبد الباري طرقجي.

2-مدينة استنبول التركية: الشيخ مصطفى نزار تمرجي، الأستاذ طعمة عبد الله طعمة.

3-الأستاذ سليم الخطيب-مدير أوقاف المعرة- يقيم في مدينة سرمين السورية.

4-الأستاذ عبد الكريم مشهداني -في دولة المغرب.

5-كاتب البحث: عبد الله مسعود، أقيم بفضل الله في المدينة المنورة.

هؤلاء على قيد الحياة :بارك الله فيهم ، وعمّ نفعهم البلاد والعباد، ومتَّعهم بالصحة والعافية.

وأما الذين سبقوا الى الدار الآخرة، رحمهم الله وأجزل لهم المثوبة:

1- الدكتور الشيخ حسن عبد الغني أبو غدة 12 ربيع الأول 1442 الموفق29 أكتوبر 2020م في مدينة استنبول

2- الشيخ عبد المنعم طاهر خير الله، عام 1442-2020م في المدينة المنورة

3- الشيخ محمد علي حماد توفي في حلب.

4- الأستاذ علي نعسان توفي في حلب.

5- الشيخ محمد ثابت تمرجي توفي بالسعودية.

رحمهم الله رحمة واسعة، وجمعنا بهم في مستقر رحمته تحت لواء رسول الله.

11-علاقتي الخاصة معه

أ-القواسم المشتركة:

الولادة في عام واحد ، والدخول الى المدرسة الشرعية في عام واحد، والتخرج في المدرسة الشرعية ،والزواج في عام واحد، والتخرج في الجامعة في عام، والتعليم في مدرسة ابتدائية، والسكن في حلب -في فترة ما -في حيٍّ وأحد: حيّ الجبيلة قرب جامع أبي ذر.

وبما أنه سبّاق ، فقد سبقني في الدراسات العليا، وأخيراً سبقني للدار الآخر، أكرم الله وفادته وقِراه، وجمعنا معه في أَعلى عليين تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم

ب-اللقاءات بعد الاغتراب

كنا نلتقي مع الأخوة الزملاء، في حلب الشهباء، وكان بيننا لقاءات وزيارات ورحلات، وكذلك كنا نلتقي عندما كان في الرياض، وفي المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وكان اللقاء الأخير في مدينة استنبول، وما حسبته كذلك، ولكن الله فعَّال لما يريد..!

هذه قطوف من الذكريات، أسأل الله أن يجعلها في ميزان الحسنات،

وصلى الله عليه وآله وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المدينة المنورة 18 ربيع الأول 1442 الموافق 4/11/2020م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين