العالم الفقيه الدكتور حسن عبد الغني أبو غدة رحمه الله

منذ سبعة أيام ودعنا الدكتور عبد الستار بن عبد الكريم أبو غدة في مونتريال بكندا مصابا بالكورونا ..

وكان ابن عمه الدكتور حسن بن عبد الغني أبو غدة في العناية المركزة في إحدى مشافي إستنبول إثر إصابته أيضًا بڤيروس كورونا ...

وكان الأمل بالله سبحانه أن تعود إليه عافيته، وأن يتجدد عطاؤه في البحث والفتوى والإشراف العلمي ..ولكن حال الأجل دون الأمل الذي كنا نرجوه ...

فبلغنا نبأ نعيه صباح هذا اليوم الخميس ١٢ من ربيع الأول ١٤٤٢ الموافق

٢٩/١٠/٢٠٢٠ عن أربعة وسبعين عاما.

وتعود صلتي به في السبعينيات في حلب، ثم غادرنا وتنقل في عدة بلدان وحصل على الدكتوراه عن "أحكام السجن ومعاملة السجناء" من جامعة الزيتونة في تونس والتي سماها فيما بعد:"فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون" .

وأقام في الكويت وكان وثيق الصلة بأستاذه العلامة محمد فوزي فيض الله بارًّا به مسارعًا لخدمته.

ولما أقام في الكويت وطبع رسالته الدكتوراة تعاونت معه في فسحها بالسعودية وتوزيعها .. وتجدَّدت الصلة به لما أقام في السعودية مدرسا للثقافة الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض ..

ولما انتقل إلى تركيا مدرسا في جامعة صباح الزعيم زرته في منزله 

وتجدد لقائي به قبل عشرة أشهر في عرس حفيد ابن عمه عبد الستار أبو غدة وكان اللقاء الأخير.

وكنت على تواصل معه عبر وسائل الاتصال المتنوعة، ونشرت له عشرات المقالات في موقع رابطة العلماء السوريين.

اتسم الفقيد الراحل بالعلم الغزير، وبسعة الصدر والطمأنينة، وكان سهلاً متواضعا بشوشا، لا تكاد الابتسامة تفارق وجهه. 

وهذه ترجمته لمن أحب الاطلاع عليها: 

ولادته ونشأته ودراسته:

ـ ولد في مدينة حلب في 21 ربيع الأول عام 1366هـ الموافق لـ 12 فبراير 1947م في أسرة علمية مرموقة، فعمه العلامة المحدّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وابن عمه الفقيه أ.د. عبد الستار أبو غدة رحمه الله تعالى.

ـ حصل على الإجازة " البكالوريوس " في الشريعة من جامعة دمشق سنة 1972، ثم " الماجستير " في الفقه والسياسة الشرعية من جامعة الأزهر كلية الشريعة والقانون، عام 1978م، وعنوان رسالته: (وحدة رئاسة الدولة وحكم تعدد الخلفاء). بإشراف أ.د. محمود شوكت العدوي، 

ثم رحل في طلب العلم إلى تونس وحصل على الدكتوراه في الفقه والسياسة الشرعية، عام 1986م من الكلية الزيتونية بالجامعة التونسية وعنوان رسالته: (أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام). بإشراف أ.د محمد الحبيب ابن الخوجه.

حياته العملية:

بدأ حياته العملية مع التربية والتعليم في سوريا ثم في الكويت وفي جامعتها، كما عمل بالجزائر أثناء حرب الخليج الأولى في معهد الشريعة بباتنة الذي كان تابعا لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، ثم انتقل للعمل بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض، ثم انتقل لاسطنبول وعمل بقسم العلوم الإسلامية وبمركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة صباح الدين زعيم باسطنبول، كما تحصل على الجنسية التركية في منتصف سبتمبر عام 2018 والتي سهلت له كثيرا من العقبات الإدارية في إقامته بتركيا. 

ـ درَّس أكثر من عشر سنين مقررات الثقافة الإسلامية، واللغة العربية، في مراحل التعليم العام.

ـ درَّس في التعليم الجامعي والعالي أكثر من خمس وعشرين سنة، في جامعة الكويت، وجامعة باتنة التابعة لجامعة الأمير عبد القادر في الجزائر، وجامعة الملك سعود بالرياض، وجامعة صباح الدين زعيم باسطنبول .

ـ درَّس حوالي ( 20 ) عشرين مقرراً في مراحل " البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه "، منها: مناهج الفقهاء المجتهدين، والقضايا الفقهية المعاصرة، وتفسير آيات الأحكام، والاقتصاد الإسلامي، والعلاقات الدولية، وفقه النُّظُم، وفقه العبادات، وفقه المعاملات، وفقه العقوبات، والفقه المقارن، ونظرية الضمان، وعقود التوثيقات. 

فهرسة الكتب العلمية :

شارك في فهرسة خمسة كتب فقهية مذهبية ، بطلب من الموسوعة الفقهية بدولة الكويت،، وهذه الكتب هي : 

1- مطالب أولي النهى، للرحيباني (في الفقه الحنبلي) في عامي 1982 / 1983 م.

2- الفروع، لابن مفلح ( في الفقه الحنبلي) في عام 1986 م. 

3- تحفـة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، مع حاشيتي الشرواني وابن قاسم (في الفقه الشافعي) في عام 1988 م.

4- البناية شرح الهداية، للعيني ( في الفقه الحنفي ) في عام 1988 م

5- المبسوط، للسرخسي ( في الفقه الحنفي ) في عامي 1989 /1990 م.

كتابة مصطلحات علمية موسوعية 

كتب خمسة مصطلحات علمية موسوعية عام 1995 م، بطلب من (الموسوعة العربية العالمية) . التي صدرت في (33) مجلداً، بمدينة الرياض بالسعودية عام 1996م، وكل مصطلح في حوالي عشر صفحات، وهذه المصطلحات هي : 

1- الزواج في الإسلام. 2- الطلاق في الإسلام. 3- صلاة الجنازة. 

4- الوقف في الإسلام. 5- الرقّ في الإسلام.

ـ كتب ونشر عدداً من البحوث العلمية المحكَّمة، بلغت ( 17 ) سبعة عشر بحثاً علمياً. 

ـ حُكِّم من قِبَل إداراتٍ جامعية ومؤسسات ومراكز ومجلاتٍ علمية، في أبحاث ترقيةٍ لأساتذةِ جامعات، بلغت أكثر من ( 300 ) ثلاثمائة بحث علمي محكَّم.

ـ أشرف وناقش العديد من رسائل الماجستير، والدكتوراه، بلغت أكثر من مائة وعشرين رسالة.

ـ قدم استشارات وإرشادات علمية لإكمال مشاريع دراسية وبحثية، ومراجعة كتب، وبحوث، وخطط رسائل علمية، لبعض المجالس العلمية الجامعية، وللمراكز والمجلات العلمية المحكمة، ولعدد من الأساتذة والباحثين، ولطلاب وطالبات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

ـ شارك في كتابة العديد من الموضوعات والمقالات والبحوث الفقهية في موقع " الملتقى الفقهي ".

ـ كتب ونشر عدداً من المقالات الثقافية: الإسلامية، والتربوية، والاجتماعية، المتنوعة، المنشورة في المجلات المتخصصة والثقافية، بلغت أكثر من ( 700 ) سبعمائة مقالة.

ـ أذيع له أكثر من ( 700 ) سبعمائة حديث إذاعي وتلفزيوني في بعض الدول العربية.

ـ صدر له الكتب التالية:

1ـ رسائل إلى المسلم المعاصر. في (170) صفحة.

2ـ قبسات تربوية من السيرة النبوية. في (160) صفحة.

3ـ قطوف نبوية للنساء. في (160) صفحة.

4ـ فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون. في (780) صفحة.

5ـ مباحث في فقه العبادات ومسائلها المعاصرة. في (290) صفحة.

6ـ قضايا فقهية في العلاقات الدولية حال الحرب. في (350) صفحة.

7ـ حق المرأة في اشتراط عدم الزواج عليها. في (140) صفحة.

8ـ هل للقاضي الحكم على الغائب؟ في (140) صفحة.

9ـ الأسرة السعيدة في رحاب الإسلام. في (220) صفحة.

10ـ الإسلام وبناء المجتمع (بالاشتراك). في (280) صفحة.

11ـ فتاوى... للنساء فقط. في (290) صفحة.

12ـ المزاح في الإسلام. في (150) صفحة.

13ـ حقوق المسجون في الفقه الإسلامي. في (120) صفحة.

14ـ الثقافة الإسلامية والتحديات الفكرية المعاصرة وحقوق الإنسان في ( 230 ) صفحة.

15ـ معجم العلاقات الدولية في الفقه الإسلامي في (1200) صفحة.

16ـ الحج عبادة وسلوك حضاري ( معد للطبع ) في (130) صفحة.

17ـ جليس النساء. ( معد للطبع ) في (160) صفحة.

18ـ حقوق المرأة في المواثيق والمؤتمرات الدولية ـ عرض ونقد ـ في ( ١٨٠) صفحة.

19- الأسرة والشباب والمجتمع في ( ٢٥٠) صفحة.

رثاه تلميذه أمين المجمع الفقهي قطب سانو:

حقا، إنه عام ليس ككل الأعوام، وشهر ليس ككل الشهور، بل أسبوع ليس ككل الأسابيع..

كم فجعت الأمة بنبأ انتقال كوكبة من الأعلام الكبار العظام إلى رحمة ربهم ورضوانه خلال هذا العام..

أعلام من الموقعين عن رب العالمين نذروا حياتهم لخدمة العلم عامة ولخدمة الفقه الإسلامي خاصة..

أجل.. لم تجف بعد مآقينا من الحزن الشديد على فراق فقيهنا وأستاذنا العلامة الشيخ عبد الستار أبو غدة..

ها هي تي المنية تحرمنا وتحرم المتفقهة في أقل من أسبوع من ذي فقه رصين، وصاحب إبداع رزين.. إنه أستاذنا الفقيه المحقق المدقق المبدع البارع الدكتور حسن أبو غدة -رحمه الله-..

جير، كان الإبداع والابتكار حاضرين دوما وأبدا في محاضراته ودروسه، ومناقشاته..

أشهد بأنني ما زرته قط في مكتبه بجامعة الملك سعود إلا أفادني بنفحة فقهية عميقة جزلة..

لقد كان دائم التبسم نلمس فيه هيبة العالم، ووقار العابد، وسكينة الناسك، وحصافة المربي.. كان قريبا إلى قلوبنا، حاضرا في أذهاننا، مؤثرا في سلوكنا..حريصا على تحصيلنا العلمي، ومتفقدا لأحوالنا..

إن أنس فلن أنسى ذلك اليوم المبارك عندما تشرف بحضور مناقشة رسالتي للماجستير بصحبة أستاذ الجيل العلامة الفهامة الأستاذ الدكتور نعمان السامرائي..

لن أنسى إصراره وإلحاحه علي على ضرورة مواصلة دراسة الدكتوراه بجامعة الزيتونة.. وسعى بنفسه في تحقيق ذلك، حتى من الله علي بنيل شرف الحصول على دكتوراه الدولة من تلك الجامعة العريقة في أرض تونس الخضراء..

رحمك الله يا أستاذي، وجزاك عني وعن جميع طلابك ومحبيك خير ما جزى أستاذا عن تلميذ.. ورضي عنك المولى العظيم، وعن شيخك وشيخ الجميع العلامة محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين المؤسس لمجمع الفقه الإسلامي الدولي..

إي، حقيق علي وعلى كل من نال شرف التتلمذ والنهل من فقهك الأصيل، وخلقك الأثيل أن ندعو لك بالرحمة والمغفرة والرضوان.. عسى الله أن يتقبلك ومن سبقوك من مشايخنا وأساتذتنا وأحبتنا في هذا العام في النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر

تعازينا الخاصة، وتعازي المجمع رئيسا، وأمينا، وأعضاء، وخبراء..

عظم الله أجرنا وأجر كل من أحب أستاذنا، ودعا له بالرحمة والغفران، وألهم أهله وذويه ومحبيه وطلابه الصبر والسلوان والرضوان بما قضى المنان.."

تلميذك/ قطب سانو

ورثاه صديقه أحمد تيسير كعيد :

أخي وصديقي الشيخ حسن أبو غدة

قف ْ واعتبرْ عند المنازل والدِّمَنْ=ما هذه الدنيا بدارٍ للسكنْ

أين الذين بنوا ... أقاموا... زيَّنوا ؟!!=أَوْ مَنْ أجادوا ... أبدعوا في كل فَنْ ؟!!

قد ضلَّ من ظنَّ الحياة طويلةً=أَوْ أَنَّ صحته ستبقى في البَدَنْ

هذي هي الدنيا قطارٌ مسرعٌ =نأتي ، ونرحلُ ... هكذا يمضي الزمنْ

كم من حبيبٍ كان يحيا بيننا=يدعو ...ولا يشكو المصاعبَ والمحنْ

يبني من الأبناء جيلاً مؤمناً=ويعيش يأملُ أن نعودَ إلى الوطنْ

واليوم فوجئنا بنَجْمٍ قد أَفَلْ=كان الأمين على الشريعةِ مؤتَمَنْ

جمع العلوم ، مع الفضائل ، والتقى=وامتازَ بين القومِ بالخلقِ الحَسَنْ

حملَ الرسالةَ داعياً ، ومعلماً =لا يعرف الوقتَ المُضَيَّعَ ، والوَسَنْ

أدعوكَ رَبي أَنْ تُكَرِّمَ صاحباً=في مولد المختار أُدْرِجَ بالكَفَنْ

في جنَّةِ الفردوسِ يسكنُ هانئاً=وهناكَ عِنْدَ الحوضِ أنْ نلقى / حَسَنْ / 

وكان آخر ما كتبه على صفحته الفيسبوكية( حسن أبوغدة)بعد أن علم بإصابته "اللهم تولني فيمن توليت، واصرف عني وعن المسلمين ما أنت به أعلم. يا حي يا قيوم السموات والأرض".

وأختم هذه الكلمة في رثائه بالدعاء الذي كتبه على صفحته قبل أيام يسيرة من إصابته بمرضه الذي توفي به شهيدًا سعيدًا تحت عنوان:" دعاء ورجاء":

( اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك: فواتحَ الخير وخواتمه، أولَه وآخره، ظاهره وباطنه، ونسألك الفردوس الأعلى في الجنة.

اللهم ليس لنا من الأمر إلا ماقضيت، ولامن الخير إلاما أعطيت، فاجعل لنا في كل لحظة حظاً من رضاك، ونصيباً من شكرك، واحفظنا مما حولنا حفظاً عاصماً من معصيتك، هادياً إلى طاعتك، واجعلنا مِن أرضى خلقك بك، وأشكرهم لك، وأقربهم منك، وأحبهم إليك ..

اللهم واجعلنا من أهل الزيادة، ممن تنظر إليهم وينظرون إليك يوم القيامة، وتشرق عليهم بنور وجهك الكريم ،،،

وصلِ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...).

رحم الله أخانا الحبيب حسن أبوغدة، وتقبل دعاءه، وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين