لمحات من حياة الراحل الكبيرالعلّامة الشيخ إبراهيم غنيم رحمه الله تعالى

فضيلة الشيخ المرشد، المجاهد ، الفقيه السالك إبراهيم أمين غنيم ، عالم وداعية ومربّ كبير في المخيمات الفلسطينية والجوار اللبناني ، ولد في بلدة صفورية قضاء الناصرة عام 1924م ، تلقى علومه في الكُتّاب بفلسطين ، وبعد خروجه منها سنة 1948 ، لازم الشيخ العارف بالله جنيد العُمَري النقشبندي – رحمه الله - في شمال لبنان ، وكان يقول له الشيخ: " أنت ورثت علمي يا إبراهيم"، وبعد ثماني سنوات قال له :" لقد استوفيت العلوم مني فارجع إلى أهلك حتى تنشر هذه العلوم".

فرجع الشيخ إبراهيم إلى مخيم نهر البارد فبدأ بأهله يعلمهم أحكام الدين ويحثهم على طاعة ربّ العالمين ويشجعهم على إخراج الزكاة - وكانوا بفضل الله من الميسورين - قائلا لهم :" الزكاة هي النماء"، ثم بادر بالدعوة في مخيم نهر البارد حتى نهاية الخمسينيات، كما أقام حجرة في منزله يجمع فيها الناس لتعليمهم العلوم الدينية.

وفي سنة 1962 انتقل إلى مخيم عين الحلوة ، وعند وصوله إليه، ألقى أول خطبة جمعة في عين الحلوة ، وبدأ بنشر الدعوة ، من منزله حيث أقام حلقات التوحيد والفقه والتزكية ، ولما ضاقت بهم حجرة منزله المتواضع ، أقيمت له حجرة للتدريس في مسجد النور ( الذي كان معروفا بالشمالي الكبير ) فضلا عن الدروس العامة والإمامة فيه ، إضافة للخطابة في مسجد الجميزة . كما كان له دور كبير وكلمة مسموعة في إصلاح ذات البين وتوحيد الصف ، ونشر الوعي الإسلامي والالتزام الديني وفي أعمال الخير ونصرة قضايا الأمة لا سيما قضية فلسطين والمسجد الأقصى الأسير والصدع بكلمة الحق دون أن يخاف في الله لومة لائم. وتميز بجولاته على مواقع الفدائيين والمجاهدين للوعظ والإرشاد ومشاركتهم في الرباط على الثغور ، إضافة إلى الدعوة في الطرقات والمقاهي والسجون.

وعندما انتشرت سيرته الطيبه ، استدعي من قبل صاحب مسجد الزعتري في مدينة صيدا الحاج عليّ الزعتريّ – رحمه الله - للإمامة في المسجد، وحصل على الرخصة من الأوقاف اللبنانية (من سماحة المفتي حسن خالد – رحمه الله تعالى - ) للخطابة في مسجد الصّديق في (صيدا) ، ومن ثم أصبح مرجعًا في القضايا الفقهية وتتلمذ على يديه عشرات الدعاة والمشايخ والعلماء من صيدا والجنوب والمخيمات والمئات من الشباب المؤمن المجاهد، فكان المرشد الديني لتنظيم جند الله ثم للحركة الإسلامية المجاهدة في لبنان.

تعرّض للاختطاف والتعذيب عدة مرات بسبب عدم مداهنته للظالمين وجهوده في العمل الإسلامي واتجاهه الجهادي.

عام 1982 كان الاجتياح الاسرائيلي الظالم على لبنان، بينما كان الشيخ مع بعض إخوانه خارج لبنان في مهمة دينية، فقام أبناؤه وتلاميذه بواجب الجهاد ضد الغزو الصهيوني، وقضى ابنه عبد الحكيم شهيدا – بإذن الله - في ساحة الجهاد دفاعا عن مخيم عين الحلوة ، كما قضى ابنه الآخر عبد الحميد دفاعا عن مخيم نهر البارد، وأبلى تلاميذه بلاءً حسنا في مقاومة العدوان في صيدا ومخيماتها ، وبعد الاجتياح عاد الى مخيم نهر البارد وأصبح خطيبا لمسجد الجليل ثم لمسجد القدس، وأقام حلقات خاصة للنساء لتدريس الفقه وما يتعلق بالعلوم الأخرى، وبعد ذلك أسس مع إخوانه العلماء الفلسطينيين مجلس رعاية الشؤوون الدينية ( مرشد ) للنهوض بالوضع الديني في مخيمات لبنان ، كما ساهم الشيخ في بناء مسجد القدس، وتـفرّغ للمسجد إمامًا ومدرسًا وخطيبا ، حتى نكبة نهر البارد عام 2007 حيث انتقل للإقامة في مدينة طرابلس ، حيث تقدم به السن وأقعده المرض ، وهو في عناية الله وألطافه صابرا محتسبا ذاكرا شاكرا لمولاه، مقبلا عليه ،لا ينقطع عن عبادته وأوراده ، ملازما لكتاب ربّه معظم أوقاته ، ومؤنسا لأهله وإخوانه وزوّاره ، ينصحهم ويدعو لهم ويمازحهم ، رغم تدهور حالته الصحية ، إلى أن توفاه المولى عزوجل يوم الثلاثاء 10 ربيع الاول 1442 هجري الموافق 27/تشرين اول/2020 ميلادي . ودفن في مقبرة الشهداء الخمسة بمخيم نهر البارد، نسأل الله تعالى له الرحمة و القَبول .

من أقواله ووصاياه :

• علينا أن نوجه الأخ دائما إلى طاعة والديه ومحبة أقاربه وأسرته .. لأن الذي لا يكون فيه خير لأهله ووالديه فلا خير فيه لوطنه ومجتمعه ... وعلينا كذلك أن نحب كل المسلمين وأن لا ننتمي إلا إلى الإسلام وأن نتوافق مع كل فئة من فئات المسلمين بإيجابياتها ، وأن نربي إخواننا على عدم التعلق بشيء من الدنيا يحرفنا عن الطريق إلى الله .

• إلى إخواني وأحبابي الذين يسمعون صوتي الضعيف ، الذي نرجو من الله تعالى أن يحفظه على الإيمان ولا يحرفه ، أنصحهم أن يضعوا في قلوبهم الحنان والرأفة والمحبة لجميع إخوتهم ، وأن يحرصوا على إيصال الدعوة إلى كل إنسان ومكان يحتاج إلى الدعوة ، وأن يُخلِصوا في دعوتهم و يَقلَعُوا حبّ الدنيا من قلوبهم ، لأنّ حبّ الدنيا إذا سرى في القلب أفسده وجعله قاعا صفصفا ، فإنّ أعمالنا إن كانت خالصة لوجه الله تعالى فإنها ستصل إلى قلوب الناس وإن كانت قليلة ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) مريم :96.

• وأرجو من إخوتي الدعاة أن يحفظوا ألسنتهم وأفكارهم وأن لا يطعنوا في ظهور إخوانهم فهذا الذي قصمنا وفرّقنا وحيّر شبابنا وأبعدهم عن الدعاة والجماعات.

• كما أرجو من إخواني ... أن يجعلوا الحبّ والزهد والإخلاص رائدهم وأن ينظروا إلى جميع الإخوة نظرة الإيمان ولا نسعى إلى التكفير والتنفير ، ومن هنا تجتمع علينا الأمة و نكون دعاة مخلصين ، قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) الشورى : 20 " .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين