شيخي عبد الستار أبو غدة

 

فور انضمامي لبيت التمويل الكويتي عام 1993 عُقدت الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي. وفي أروقة تلك الندوة التقيته مع والدي رحمه الله، فلما سلم عليه الوالد - وكانت بينهما علاقة ود ومحبة منذ أن كان الشيخ أبو غدة مقيما في الكويت في الثمانينيات - قال له والدي رحمه الله: "هذا ابني عبد الستار اسمه على اسمك، ونريده أن يصبح مثلك إن شاء الله يا دكتور عبد الستار".. فتبسم الشيخ عبد الستار أبو غدة ونظر إلي بمحبة ومودة وأبرقت عيناه لي تساؤلا عن الاستعداد والجاهزية، فالتقطت الرسالة وشعرت - وربما أشعرني هو - أني أمسكت طرف الخيط.

لقد بقيت كلمات والدي ونظرة الشيخ في ذلك اللقاء العابر مطبوعة في ذاكرتي ونفسي لا أنساها ما حييت فقد *حددتا لي الهدف والقدوة.

ودارت الأيام وتعددت اللقاءات بشيخي وجمعتنا المجالس واللجان والهيئات والمؤتمرات والندوات بل المنصات، وكم مال علي قبل بدء بعض الجلسات هامسا فيقول مداعبا: يجلس على المنصة عبدا الستار، فأرد خجلان قائلا: بل الشيخ عبدالستار وعبيدالستار. 

اقتربت من شيخي فزرته وشرفني بزياراته، وعملت معه من مكتب واحد، ورافقته سفرا وحضرا فلزمت غرسه، ونهلت من علمه وخبرته وأدبه، وأفاض هو علي بحنانه ومحبته، وارتبطت به ارتباط المريد بشيخه والطالب بأستاذه والابن بوالده، وكان رحمه الله يذكرني بين الفينة والأخرى بذلك الموقف مع الوالد رحمه الله، وكأنه يجدد العهد ويؤكد الرسالة ويحفزني للمزيد.

ولما بلغني نبأ وفاة شيخي رحمه الله عزمت ألا أكتب عنه، فلا طاقة لي بذلك، ومهما كتبت عن شيخي فلن أوفيه حقه، ، *والصمت في رحيل أمثاله أبلغ من الكلام، ومهابة الموقف تلجم اللسان، ومنزلة الراحل ومكانته تجف في وصفها الأقلام.

كان شيخي رحمه الله عالما علما فقهيا محققا مدققا موسوعيا بارعا ومبرزا، صاحب همة عالية ونفس سامية ونظر دقيق وفقه عميق وذكاء حاد وفكر ثاقب ومنهج متميز، استوعب الفقه وأقوال الفقهاء، وتعمق في مناهجهم وحققمسالكهم وما يصدرون عنه في اجتهاداتهم، *فانتخب منها ما كان يجده أصلح للعصر وأوفق بحاجة الناس دون أن يخرج عن أقوال المذاهب أو أن يشذ عنها*، فلم يخالف ما أجمعوا عليه، ولم يفت بما اتفقوا على إنكاره. تشهد بذلك آثاره العلمية ومساجلاته الفقهية التي أثرى بها المؤتمرات والندوات والمجامع والمجالس والهيئات واللجان، فأصبح نتاجه العلمي منارا لكل طلاب العلم ومرجعا أساسيا وموئلا ثابتا ومصدرا رئيسيا لكل باحث، فصاروا عيالا عليه في فقه المعاملات المالية المعاصرة، يسندون إليه التكييفات والتخريجات، ويستشهدون بترجيحاته واجتهاداته التي سطرهافي كتبه وأبحاثه ودراساته ومناظراته.

عم أكتب في شيخي؟!

أأكتب عن تواضعه الذي قل أن تجده بين كثير ممن بلغ شيئا من شهرته ومكانته، أم أكتب عن زهده الذي يندر أن يتصف به كثير ممن وسع الله عليهم، أم أكتب عن تقواه وخشيته لله في مواطن فتنة الدينا والمال والمنصب، أم أكتب عن علمه الغزير الذي بز به كثيرا من أقرانه وشهد بفضله القاصي والداني والمخالف والموافق، أم أكتب عن همته العالية التي كانت مضرب المثل بين الناس ومثار تعجب وإعجاب، أم أكتب عن ذكائه الوقاد وذاكرته الحاضرة ونفسه الزكية وروحه المحببة، وعطائه الثر الذي لا ينقطع .. ؟!

بوفاة الشيخ عبد الستار أبو غدة فقدت الأمة جبلا من جبال العلم، وركنا من أركان الفقه، وعمودا من أعمدة الاجتهاد. لقد فقدت عالما قل بين العلماء نظيره، وفقيها ندر بين الفقهاء مثيله.

فقد شيخنا مصيبة من مصائب الزمان، وفجيعة تنوء بالصبر عليها قلوب الرجال.

ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي=بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّام تَفجعُهُ

قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً=فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ

باللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست=آثارُهُ وَعَفَت مُذ بنت أَربُعُهُ

هَل الزَمانُ معِيد فِيكَ لَذَّتنا=أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ

فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحت مَنزلهُ=وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ

مَن عِندَهُ لِي عَهد لا يُضيّعُهُ=كما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ 

وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرهُ وَإِذا=جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ

لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي=بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ

وَإِن تنل أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتُهُ=فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ!

رحل شيخي وأستاذي ومعلمي ولم أبلغ معشار ما كنت أروم منه

رحل ولما أرتوي من فيض علمه وفضله وأدبه

رحل ونحن ما زلنا بحاجة إليه

رحل عنا وبرحيله غابت شمس من شموس الفقه عن عيوننا

اللهم ارحم شيخي عبد الستار أبو غدة واغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

اللهم آجر الأمة في مصيبتها واخلفها خيراً واجبر كسرها ومصابها، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا

إنا لله وإنا إليه راجعون

 

ثبت مختصر بالإنتاج العلمي
لفضيلة الشيخ د. عبد الستار أبو غدة رحمه الله


الكتب التي ألفها:
1. الخيار وأثره في العقود. طباعة دلة البركة
2. بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية (14 جزءا)، طباعة دلة البركة
3. دور الفقه الإسلامي في العصر الحاضر.
4. بحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية من منظور إسلامي، طباعة دار الأقصى.
5. الدليل إلى الألفاظ والمصطلحات الفقهية.
6. الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية، طباعة دلة البركة
7. قرارات وتوصيات ندوات البركة في الاقتصاد الإسلامي ( بالاشتراك مع د. احمد محي الدين)، طباعة دلة البركة.
8. مسؤولية المراجع وسلوكياته في ضوء القواعد الفقهية، طباعة دلة البركة.
9. تجارة عن تراض مبادئ وممارسات، طباعة دلة البركة.
10. تعريف بالموسوعة الفقهية.
11. الاجارة، طباعة دلة البركة
12. اوفوا بالعقود، طباعة دلة البركة
13. دور الفقه الاسلامي في الوقت الحاضر.
14. البيع المؤجل (مطبوعات البنك الإسلامي للتنمية)
15. منهجية العلم في الإسلام، الطبعة 2003 - الدار المصرية اللبنانية
16. ابن النفيس الطبيب والفقيه والفيلسوف.
17. دليل المحاسبين للزكاة ( بالاشتراك مع د. حسين شحاته)
18. فقه ومحاسبة الزكاة للأفراد والشركات ( بالاشتراك مع د. حسين شحاته)
19. أجوبة تلاوة القرآن ، طباعة دلة البركة
20. رب زدني علما- منهجية العلم في الإسلام ، طباعة الدار المصرية اللبنانية.
21. اساسيات المعاملات المالية والمصرفية ( بالاشتراك مع آخرين)
22. البيان في معاني القرآن (مختصر محرر لتفسير العليمي) بالاشتراك مع الشيخ وليد هادي، طبع دار الصالحية ببيروت.
الكتب التي حققها:
1. تمييز الخلاف في مسألة مشكلة الأوقاف، تأليف: الامام الكرمي الحنبلي، تحقيق: د. عبدالستار أبو غدة ، طبع دار البشائر الإسلامية.
2. اتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف، تأليف: العلامة الشيخ عمر حلمي، تحقيق: د. عبدالستار أبو غدة ، طبع مجموعة دلة البركة
3. الفصول القواطع عند انقراض حملة الشريعة ، تأليف: امام الحرمين الجويني، تحقيق: د. عبدالستار أبو غدة ، طباعة مكتبة روائع المملكة.
4. أحكام المعاملات الشرعية، تأليف: الشيخ علي الخفيف، تحرير وتصحيح: د. عبدالستار أبو غدة، طباعة دلة البركة
5. سعادة الدارين في أخلاق سيد الكونين، تأليف: فاضل بك ظاهر بن علي الزيداني الصفدي تحقيق: د. عبد الستار أبو غدة ، الطبعة: 2011 - مكتبة روائع المملكة
6. العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية : تأليف ابن بدران الدومي الدمشقي، تحقيق: د. عبدالستار أبو غدة ، مكتبة السداوي للنشر والتوزيع، 1992
7. الأربعين في ارشاد السائرين (الأربعين الطائية)، تأليف: الطائي الهمذاني، تحقيق: د. عبدالستار أبو غدة، دار البشائر، 1999
8. أربعون حديثا من جوامع الكلم ، للامام علي بن سلطان الهروي، تحقيق وشرح د. عبدالستار أبو غدة ، مطبوعات البنك الأول للاستثمار
9. شرح القواعد الفقهية، تأليف: العلامة احمد الزرقا، تنسيق ومراجعة وتصحيح: د.عبدالستار أبو غدة، دار الغرب الإسلامي 1983
10. المواهب المدخرة في خواتيم سورة البقرة، تأليف: ابن ابي شريف المقدسي، وتحقيق د. عبدالستار أبو غدة، دار البشائر 1421
11. تحرير الاقوال في صوم الست من شوال، تأليف / الشيخ المحدث: قاسم بن قطلوبغا، تحقيق: د. عبد الستار أبو غدة
الكتب التي راجعها:
1. صناديق الاستثمار الإسلامية – د. عز الدين خوجة
2. المضاربة الشرعية ( القراض) – د. عز الدين خوجة
3. نظرية العقد في الفقه الإسلامي – د. عز الدين خوجة
4. زكاة المشاركات في الصناديق والاصدارات – د. عز الدين خوجة
5. الدليل الشرعي للمرابحة – د. عز الدين خوجة
6. الدليل الشرعي للإجارة – د. عز الدين خوجة
7. المستخلص الحديث في علم المواريث – د. عز الدين خوجة
8. فتاوى وتوصيات الهيئات الشرعية لمجموعة وحدات البركة المصرفية – د. عبد الله عجبنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين