الشيخ محمد البكار - محمد البكار التادفي

 

1331هـ ـ1416هـ 1910م-1995م

 

 

 

عالمنا في هذه الحلقة هو الشيخ ( محمد البكار ) من أهالي مدينة تادف، وهي من قضاء منطقة الباب- محافظة حلب، تبعد عن حلب حوالي/35كم/، وكانت تبعد عن منطقة الباب حوالي/3كم/، أما اليوم فما يفصل بينها وبين الباب سوى حديقة دائرية ضخمة على طريق الاوتستراد العام الذي يوصل ما بين محافظة حلب وبين منطقة منبج وما بعدها وحولها.

ولادته ونشأته:

وُلِد في مدينة تادف عام/ 1910م/ في عائلة متوسطة الحال، تحبُّ العلم وتعمل على نشره، وتتمسك به، وتتفانى في خدمته.

كان والده رجلاً صالحاً لم تتهيأ له الفرصة لدراسة العلوم الشرعية في المدرسة، فالتزم مجالس العلماء ودروسهم، حتى غدا عالماً فذاً، وأهلاً لإمامة المسلمين، وخطيب المسجد الكبير في تادف قرابة نصف قرن. وعزم أن يُعوِّض ما فاته، وأن يجد ما فاته في ابنه ( محمد ) فدفعه إلى دراسة العلوم الشرعية في المدرسة الخسروية .

دراسته في المدرسة الخسروية:

إذن: بدأ الشيخ محمد دراسته للعلوم الشرعية في المدرسة الخسروية بحلب، فكان من زملائه في نفس الفصل الذي يدرس فيه الشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ معروف الدواليبي، والشيخ صبحي الصباغ، وقد كان متواصلاً معهم بعد تخرجه من المدرسة.

تخرجه وإقامته في بلده تادف:

اجتاز سنوات الدراسة الشرعية بنجاح، ونال شهادة التخرُّج فيها، لكن ظروف المعيشة لم تتح له متابعة الدراسات العليا مع زملائه, فاكتفى بما وصل إليه وهو شهادة التخرج في الخسروية، وأقام في بلدته تادف، ليتحمَّل مسؤولية تثقيف وتعليم أهلها العلوم الشرعية، وأحكام الحلال والحرام.

المفتي والقاضي:

غدا الشيخ موضع ثقة الناس به، فكان مفتيهم في أحكام الدين، وكان قاضيهم الشرعي في الخصومات، فالحكم والقول ما حكم به وقاله الشيخ محمد.

وممَّا زاد الناس ثقة به: أنه كان يكتب لهم نص السؤال والفتوى، أو نص الخصومة والحكم، ليتسنَّى لهم عرضها على مَنْ شاؤوا من العلماء الآخرين، إذا لم تطمئن قلوبهم للفتوى، أو الحكم، ولكن في كل مرة كان الجواب: ( الفتوى كما كتبها الشيخ، أو الحكم).

الجامع ( مدرسة وجامعة):

جعل الشيخ محمد البكار –رحمه الله تعالى- من جامعه مدرسة على نمط أشياخه القدامى، فجعل فيه دروساً منتظمة بعد صلاتي العصر والفجر ( دروساً في الفقه والتفسير).

مدرسة الإخلاص:

وانتظم عنده بعض طلاب العلم لدراسة ( علوم اللغة العربية، والنحو، والحديث الشريف، والتجويد، إضافة إلى الفقه والتفسير) حتى سُمِّيَ جامعه ( مدرسة الإخلاص) .

كان يبذل كل جهده، وينفق صحته وعافيته على تدريس طلابه، حتى أشفقوا عليه، وبدؤوا يطلبون منه أن يخفّض أوقات الدروس إشفاقاً على صحته، فكان يقول: يا بني! بلغنا عن رسول الله r أن قال: ( من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار)[مسند أحمد عن أبي هريرةt].

وإضافة إلى تدريس الطلاب والرجال، جعل وقتاً مخصصاً لدورس النساء.

ثم طُلب منه أن يدرس في قرية مجاورة لبلدته وهي(قرية أبو طلطل) فلم يمتنع ولم يقصّر.

والملفت للنظر:

إذا كان مبدؤه في نشر العلم (من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار)، فمن أين يعيش ويؤمن نفقات الحياة ومطالب الأسرة؟

عفته وزهده:

فأقول: لقد كان عفيفاً، لا يسأل الناس ولا ينتظر منهم صدقة أو معونة، بل كان يردد كثيراً: "أفضل الكسب ما يكسبه المرء من عرق جبينه" لهذا كان يعمل في الزراعة بيده، ويعمل في موسم حصاد الزروع كغيره من العمال، وربما مارس التجارة في الخضار والفواكه، ومبدؤه في أمور المعيشة: (ازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس).

سيرته في بيته:

أما سيرته في بيته، فقد كان حريصاً على تربية أولاده التربية الصالحة، ويؤدبهم بالآداب النبوية الشريفة، وكان يوجههم للسير في طريق العلم (بنيناً وبنات)، وذلك حسب إمكاناته المحدودة.

مرضه ووفاته:

وهكذا كانت سيرة ( الشيخ محمد بكار ) السيرة الطيبة العطرة، وهكذا بقي تواصله وعطاؤه، إلى أن أنهكه المرض فأضعف جسده، وقطعه عن العمل والناس والتزم بيته وفراشه، دون أن ينقطع عن العلم والتعليم والإرشاد لكل من زاره وعاده.

هكذا إلى أن وافته المنية رحمه الله تعالى في 28/رمضان المبارك/ من عام 1416هـ/ الموافق28/شباط/ 1995.

أبناؤه:

من أهم وألمع أولاده: ابنه الأكبر (حسن) الذي ورث من أبيه كل تلك العلوم والآداب والأخلاق ودرس العلم الشرعي وتابع دراسته في كلية الشريعة-جامعة دمشق، ثم حصل على الدبلوم العامة في التربية، وعمل في التدريس في ثانويات حلب ما بين مدرس ومدير وإداري، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية ودرَّس فيها طيلة تسعة عشر سنة، فكان أخاً وصديقاً للأستاذ (محمد خير عليطو_الذي سبق ذكره في ترجمة الشيخ بشير عليطو).

وفي الختام أقول: رحم الله تعالى الشيخ محمد البكار، ومدَّ الله تعالى في عمر ابنه بالصحة والعافية والإيمان.

وإلى لقاء آخرفي حلقة قادمة مع ترجمة جديدة إن شاء الله تعالى.

المشايخ الواقفون من يمين الناظر: علي الجيني، صالح الرفاعي، فوزي فيض الله، رشيد عساف، الشيخ فياض (من المسلمية).

المشايخ الجالسون من يمين الناظر: حسن مكتبي، عبدالفتاح أبو غدة ، حسن رزوق ، عبدالله خطيب (من كفرنبل)، محمد البكار، موسى الزيادي، رحم الله من مضى، وبارك في عمر من بقي .
طلاب الدفعة السابعة عشرة : ( 1362هـ - 1942م).

تم نشر هذه الترجمة في 8/ربيع1/1429هـ وتم إعادة نشرها وتنسيقها اليوم