الشيخ حسين الأحمد رحمه الله

توفي اليوم بحلب شيخنا العالم المتقن المعلم المربي التقي الخفي أستاذ التفسير والفقه الشيخ حسين الأحمد مصابا بالكورونا عن ثمانية وستين عاما قضاها في التعلم والتعليم والدعوة إلى الله والتعلق بأهل الله.

فرحمه الله وطيب ثراه وتقبله في الشهداء السعداء بمنه وكرمه..

درس لنا من تفسير النسفي سورة الفاتحة والصفحات الأولى من سورة البقرة [ودرس لغيرنا من الإقناع للخطيب الشربيني في الفقه الشافعي وكتاب تفسير آيات الأحكام]فكان يحضر من مراجع كثيرة ويتحفنا بالنقولات عن الفخر والزمخشري وغيرهما ويجيب عن الإشكالات في دقة وتمحيص لا يدع عبارة تمر إلا أوسعها بحثا ولا كلمة إلا تفحصها ودقق إعرابها وأبان إعجازها..

كان مدرسا رائعا محبا للتدريس يتعب نفسه في التحضير ويحتشد لدرسه احتشادا ويتفانى في عطائه وإلقاء درسه فيعطي بكل ذراته بلسانه وعينه وقسمات وجهه العريض ويده وأنحاء جسمه قائما لا يجلس إلا قليلا يتمايل يمنة ويسرة متفاعلا مع المعاني كأنه يريد أن يطعنا العلم بيديه كما تطعم الأم الرؤوم وليدها..مع البشاشة واللطافة والتقوى ومراقبة الله تعالى وهو ثمرة من ثمار الإمام العارف بالله محمد النبهان اشتراه من أمه ووهبه للعلم والتدريس فأفلح وأنجح وفاق أقرانه وأكب على التحصيل فكان لا يزور أحدا ولا يزار إلا قليلا ضنا بوقته أن يضيع في مجالس السمر والسهر وتفرغا للقراءة والتحضير..كما أخبرنا بذلك صديقه شيخنا العلامة المحقق الشيخ عبدالجواد العاشق أمتع الله به..كأنه يتمثل قول القائل:

لقاء الماس ليس يفيد شيئا=سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا=لأخذ العلم أو إصلاح مال

وأدعكم مع ترجمته وقصته المؤثرة في طلب العلم التي تبين طرفا من كمالات وكرم مولانا الإمام النبهان أعلى الله مقامه وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء..وكان شيخنا الفقيد حسين قد حدث بذلك ودون ترجمته وأهم احواله وأشياخه رحمه الله، فتوجه ابن عمي الفاضل الشيخ محمد عبدالله نجيب سالم إلى إعادة ترتيبها وتنسيقها وأضاف إليها بعض الفوائد كالوفيات فجزاه الله خيرا.

قال: (تعزية انتقل إلى رحمة الله تعالى في مدينة حلب صباح اليوم الخميس 1محرم 1442هجري / الموافق 20 / 8 / 2020 ميلادي الشيخ الجليل الفاضل ( حسين أحمد المحمد ) الشهير ب( الشيخ حسين الأحمد ) عن عمر 68 سنة ...بعد إصابته بمرض كورونا ( كوفيد 19) رحمه الله.

الشيخ حسين الأحمد من مواليد عام 1952م في منطقة ( مقطع الحجر صغير ) من القرى التابعة لمنبج _ ريف حلب الشرقي _ في ناحية أبو كهف .

نشأ وترعرع في طفولته في منطقة ( حي الميسر ) في مدينة حلب .

ثم انتسب إلى الكلتاوية _ دار نهضة العلوم الشرعية بحلب _، فهو من تلاميذها الأوائل حيث انتسب لها في الدفعة الثانية عام 1965م ( بعد إنشائها بسنة ) في عهد مؤسسها سيدنا الشيخ العارف بالله (محمد بن أحمد النبهان الحلبي) رحمه الله تعالى .

ولانتسابه قصة يرويها بنفسه فيقول :

" في العام 1965م جاء زوج أختي محمد علي العيسى إلى بيتنا في حلب ليسجل أخاه محمد محروس العيسى في الكلتاوية ،ودعاني إلى التسجيل فيها مع أخيه ، فذهبت معه وتم تسجيل اسمي واسم أخيه وحُدّد يومٌ معين للاختبار الخطي، وهنا بدأت معارضة والدتي على تسجيلي في الكلتاوية وأثّرت على والدي واشتدت المعارضة ، ويوم الإختبار التحريري هربت من البيت إلى الكلتاوية مشياً على الأقدام وحضرت الامتحان، ثم حُدد يوم معين آخر من أجل المقابلة، واشتُرط آنذاك حضورُ ولي الطالب لأخذ موافقته ، وكالعادة هربت من البيت لحضور المقابلة، ولحق بي والدي ليمنعني من الانتساب إلى الكلتاوية، وعندما نودي باسمي دخلت إلى غرفة المقابلة ودخل معي والدي وكان سيدي النبهان _ قدس سره _ جالساً وبجانبه الشيخ محمد أديب حسون والشيخ محمود فجال ، وسأل سيدُنا رضي الله عنه والدي : هل أنت موافق على دخول ابنك في المدرسة ؟ فقال : لا ياشيخي ماني موافق أي: ( لست موافقاً) ، فقال له سيدنا رضي الله عنه: ولماذا؟ فقال : أنا رجل كبير السن وابني هذا يساعدني في المصروف.

ولما سمعت ذلك سال الدمع من عيني خوفاً من أن أُرفض فقال الشيخ محمود فجال : سيدي انظر إلى الولد إنه يبكي، فأجهشت بالبكاء فتوجه سيدنا إلى والدي فاستسلم للأمر وقال : ياسيدي أنا موافق لكن أمه غير موافقة ، وبدها توجّع راسي ، ولاأقدر على إقناعها فقال له سيدنا رضي الله عنه : ابعثها لعندي ثم قال لي : اذهب فأنت مقبول ففرحت وشعرت أني ملكت الدنيا وعاد والدي وبقيت في الكلتاوية مع الطلاب المقبولين ونمت أول ليلة في المدرسة وكأني _ بل شعرت _ في الجنة ، وجاءت والدتي تريد أن تأخذني ، فخرج إليها الشيخ محمد أديب حسون ليقنعها فما أفلح ، وخرج غيره فما أقنعها ، فخرج سيدنا رضي الله عنه وقال لها: ليش ما بدّك يتعلم ابنك ؟ قالت : أبوه رجل كبير وابني سيعمل ليقدم لنا ، فقال لها سيدنا رضي الله عنه: كم يطالع في اليوم؟ قالت: ليرة أوليرتين فقال رضي الله عنه: اتركيه وأنا أعطيكِ كل شهر مئة ليرة، وأعطاها مئة ليرة، فقالت له : أبوه مريض فقال لها : ابعثيه حتى أرسله إلى الدكتور وأشتري له الدواء .

وفعلاً أرسلت والدي وبعثه سيدنا رضي الله عنه إلى الطبيب واشترى له الدواء . وبذلك أعتبر ولازلت أقر وأعترف أن سيدي وقرة عيني اشتراني من والدي ووالدتي ، وبقيت والدتي تأتي في كل شهر إلى سيدنا رضي الله عنه وتأخذ منه المائة ليرة لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر . وكان أخي الأكبر غير راض على تصرف والدتي حتى أقنعها بألا تأخذ من سيدنا رضي الله عنه شيئاً". [ مصدر القصة وكثير من التفاصيل الشخصية بالشيخ حسين من موقع أحباب الكلتاوية ] .

وكان من مشايخه في الكلتاوية : الشيخ محمد نذير حامد الأريحاوي ( توفي 2019م ) ، والشيخ رجب الهيب ( حفظه الله)، والشيخ محمود يوسف فجال ( توفي 2015م)، والشيخ صالح بشير المارعي ( توفي 2020م ) ، والشيخ المربي محمد أديب حسون ( توفي 2008م ) ، والشيخ محمد لطفي ( توفي1974م) والشيخ عبد الرحيم بن عبدالله الحوت ( توفي 1992م ) رحمهم الله جميعاً .

وبعد نهاية العام الخامس عام 1970م بقي عدد قليل من طلبة الصف الخامس ، فطلب منهم السيد النبهان الانتساب الذهاب للمدرسة الشعبانية ( التي كانت تحت إشراف الشيخ المحدث عبدالله سراج الدين الحلبي رحمه الله رحمة واسعة) وإكمال الصف السادس ( السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية) هناك ، فكان من مشايخه في الشعبانية : الشيخ العلامة عبد الله سراج الدين الحسيني ( توفي 2002م) ، والشيخ أحمد القلاش ( توفي 2008م) ، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين الكردي الأنطاكي ( توفي 1990م) ، والدكتورنور الدين عتر حفظه الله وأمدّ بعمره .

وكان من زملائه في دفعته : الشيخ بلال حمزة بلال _ حفظه الله وهو من مشايخي _ ، والشيخ أبو ضياء وليد عبدالباري الخطيب _ حفظه الله _ ، والشيخ فاتح البو جاسم المزود .

أكمل الشيخ حسين دراسته الأكاديمية في جامعة الأزهر الشريف ( كلية أصول الدين ) وتخرج منها عام 1976م ، ثم تنقل إماماً وخطيباً في جامع السلام بمنطقة الطبقة ( محافظة الرقة) و جامع محيي الدين بحيّ الميسر في حلب ، وكان أيضاً مدرساً لمادة التربية الإسلامية في وزارة التربية متنقلاً بين عدة مدارس في الطبقة وحلب حتى عام 2007م حيث قدم استقالته بعد خدمة 30سنة في مدارس التربية.

وقد عاد للكلتاوية مدرساً عام 1995م _ بعد أن كان طالباً .. فقام بتدريس مواد: ( الفقه الشافعي) و( التفسير).

وقد عمل مع أستاذه الشيخ محمد نذير حامد ( توفي 2019م رحمه الله ) في مشروعه الضخم بالقرآن الكريم ، فشارك الشيخُ حسين في القسم الخاص بتناسب السور القرآنية وقسم إعراب الآيات القرآنية الكريمة.

وقد كان يهتم كثيراً بتحضير دروسه وإعدادها قبل إلقائها على طلبته ، فكان جادّاً مفيداً حاضر المعلومة .

رحمه الله رحمة واسعة ...وجعل مرضه شفيعاً له في دخول الجنة ....

وصبّر الله أهله وذريته ومحبيه .

صورة تجمع (الشيخ حسين الأحمد _ يمين الصورة) مع أستاذه (الشيخ صالح بشير المارعي _ يسار الصورة) رحمهما الله).