الداعية الشهيد محمد فوزي يوسف

 

ولادته ونشأته ووالده :

وُلِدَ أبي في قريةٍ من قرى ريف مدينة حلب الشهباء السورية الشمالي في إقليم بلاد الشام في اليوم الثامن والعشرين من الشهر العاشر الميلادي في عام1960م.

 وهذه القرية تتبع منطقة كورد داغ أي: جبل الكورد باللغة التركية وتسمى اليوم بمنطقة عفرين الواقعة في ريف حلب الشمالي. 

وُلِد في قرية من قرى عفرين اسمها روطانلي لأبٍ قرويّ فلاحٍ ميسور الحال، اسمه الحاج شكري يوسف رحمه الله، كان شخصاً ذا حكمة وهيبة وشهرة في قريته بل كان مشهوراً في منطقة كورد داغ عموماً وكان مهتماً بالشعر واللغة والأدب والدين ويجلس المجالس مع شيوخ العشائر الأخرى في منطقة كورد داغ ويقيم معهم محافل الشعر والأمثال تارة ومحافل الذِكر وبحث مسائل الفقه الحنفي التي حفظوها عن فقهاء الأحناف ومسائل العقيدة والتوحيد على المذهب الماتريدي تارة ومحافل تلاوة القرآن ومذاكرة ما حفظوه من أحاديث نبوية وأخبار متنوعة وتفاسير قرآنية تارة أخرى وكذلك كانوا يتباحثون أحياناً في مسائل اللغة وكان جدي الحاج شكري رحمه الله بصيراً بالأدب الكوردي متقناً له عارفاً بالشعر ينظم القصائد الكوردية البليغة الجميلة وخاصةً في مجال المدائح والمراثي وكان يتم غناؤها من طرف المنشدين في المواسم مثل العزاء والموالد والأعياد والشهور المفضلة مثل رمضان وشعبان وغيرها ولعل بروزه في الأدب عموماً والشعر خصوصاً كان سببه نشأته الصوفية.

 

 

فنشأ أبي في بيئةٍ تحفظ الدين وتحترمه وتربى ونشأ نشأةً صالحةً على حب الدين واحترامه واحترام أهله لذلك كان إماماً وخطيباً في مساجد عفرين وكان عمره لا يتجاوز الـ 14 سنة، وكان آنذاك يلقي خطب الجمعة ارتجالياً لفصاحته في اللغة العربية وتلقّى تعليمه الديني في حلب الشهباء إذ كانت القرى بمنطقة ريف حلب بشكلٍ عام تفتقر إلى العلم والدين فكان أهلها يرحلون من الريف إلى مدينة حلب حيث يبحثون عن العلم والعمل وحيث المدارس والمعاهد الشرعية في ذلك الوقت.

دراسته العامة والشرعية:

 أحبَّ أبي العلم والبحث منذ نعومة أظفاره ولا زال يتعلم ويتنقل ما بين قريته الأم ومنطقة كورد داغ ومدينة حلب الشهباء حتى وصل إلى مرحلة الثانوية حيث قرر الالتحاق بالثانوية الشرعية التي تخرج منها بشهادة البكالوريا في قسم العقليات والنظريات (ما يُسمى بالقسم الأدبي) في عام1979م الموافق لشهر رمضان في عام1399 للهجرة.

 

 

و لقد أخذ العلم في مختلف ميادين العلوم عموماً وفي العلوم الشرعية خصوصاً وحفظ القرآن الكريم وعدداً كبيراً من الأحاديث النبوية الشريفة وأمهات متون العلم مثل متن الجوهرة في علم التوحيد للإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن هارون اللقاني رحمه الله ومتن البيقونية في مصطلح علوم الحديث للإمام العلامة الحافظ طه البيقوني رحمه الله ، ومتن الرحبية في علم الفرائض،  ومتن الجزرية في علم التجويد وغيرها من متون العلوم إضافةً إلى حفظه لمتون العلم الخاصة بالفقه الحنفي بأصوله وفروعه فلقد كان كوالده وشيوخه وأهل منطقته حنفي المذهب.

متابعة دراسته الجامعية:

 والتحق بعد فراغه من الثانوية بكلية الشريعة في جامعة دمشق الفيحاء وبسبب جد واجتهاد أبي في مجالات المعرفة عموماً والسياسة خصوصاً أصبح المقدم من بين أقرانه وكان إمامهم يعقد معهم مجالس لتدارس التفسير وعلوم القرآن تارة ولتدارس الحديث وعلومه تارة ولتدارس الفقه الحنفي بفروعه وأصوله ومسائل العقيدة والتوحيد تارة وللأدب العربي عموماً والشعر خصوصاً ومنها المدائح والمراثي تارة أخرى، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبذل النصح ويدعو إلى الإسلام. 

انتقاله إلى لبنان واليمن ثم ألمانيا:

وبعد فراغه من أموره وأشغاله في سورية، قرر السفر فسافر أبي إلى لبنان والتحق بكلية الأدب العربي في جامعة بيروت، وبعدها سافر إلى صنعاء في اليمن حيث عمل مدة كمعلم في مدارسهم الرسمية منذ اليوم الأول من الشهر التاسع الميلادي من عام1983م إلى عام1985م وبعدها سافر إلى ألمانيا إلى مدينة Regensburg في ولاية بافاريا Bayern حيث حصل فيها على الجنسية الألمانية ودرس في جامعتها حيث تخرج في أواسط التسعينيات برتبة الأستاذية العليا أي الماجستير Magister (و اليوم يسمون هذه الدرجة بMaster) في التاريخ ومقارنة الأديان، وتزوج أبي من فتاة كردية، وهي أمي من منطقته عفرين، وقد رُزِق منها بأربعة أولاد، وأنا منهم.

 

 

كان أبي يتقن اللغات التالية:

العربية، الكوردية، الألمانية، الإنگليزية، التركية، اللاتينية، الفارسية

 

وكان يعمل في مجال الترجمة إذ كان ترجماناً محلَّفاً في المحاكم الألمانية.

 

أخلاقه وصفاته: 

كان أبي معروفاً بجده ونشاطه وعزمه وحزمه وقوته ومحافظته على الدقة وبالذات دقة المواعيد وهي صفات قد نالها من دينه، وكان معروفاً بكرمه وحسن ضيافته وحسن خلقه وحسن عشرته مع الناس و بالتقوى والورع والعفة هذا مما اكتسبه من دينه ومن أبيه ومن حياته العلمية أي من شيوخه ومن الكتب،  وكان معروفاً أيضا بحبه وعطفه وحسن تعامله وحسن تربيته لنا نحن أولاده.

أعماله العلمية: 

 ولقد كان أبي عاشقاً للعلم،  وكان في شبابه من المكثرين للشيوخ ومن قراءة الكتب،  بل حفظها وفهمها وهضمها وتلخيصها واستخراج فوائدها. ومن أشهر ما كتب هو كتاب روايات (إلى هواة العاهات)، ورسالته في الماجستير العلاقات العثمانية الألمانية أثناء الحروب العالمية الأولى،  وكذلك أعماله وأبحاثه حول مقارنة الأديان والعقائد وما شابه ذلك.

 وكان من المعجبين جداً بالدراسات القرآنية وخاصةً دراسات  الشهيد سيد قطب والإمام عبد القاهر الجرجاني الأشعري رحمه الله وبمؤلفات شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني الكوردي الدمشقي رحمه الله، وحجة الإسلام الإمام العلامة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي الأشعري رحمه الله والإمام  ابن حزم الأندلسي رحمه الله.

 

وأما كتاباته الأخرى التي هي إنشائية تعبيرية وخواطر وجدانية فهي محفوظة في كراساته (دفاتره) التي كتب فيها تلخيصاته لما قرأ من الكتب والرسائل وتعليقاته عليها.

 

من شيوخ أبي أيام تعليمه:

 في حلب كان الشيخ محمد الملاح الحنفي رحمه الله، والشيخ  إبراهيم  بن محمد سلقيني الحنفي.

 

وأما من شيوخه خارج سورية أي سواءً أولئك الذين قرأ كتبهم أو قابلهم في حلقات الدرس والتعليم والمؤتمرات أو عبر التلفاز أو غير ذلك فأشهرهم أولئك الذين قرأ كتبهم ولخصها ودونها في كراساته، وهم:

 الشيخ محمد علي الصابوني، والشيخ يوسف القرضاوي، والأستاذ  أنور الجندي رحمه الله، والشهيد سيد قطب رحمه الله، والشيخ سعيد حوى رحمه الله، والشيخ علي الطنطاوي رحمه الل،ه والشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله ، والأستاذ سيد سابق رحمه الله، والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وغيرهم الكثير وهذا ما عدا ما قرأه وختمه من كتب التراث الإسلامي وكذلك من كتب الأفكار والعقائد الأخرى.

والحمد لله فإن تراثه محفوظ بخط يده،  جزاه كل خير.

ولعمري لم أرَ أبي ذلك الجبل فقد أعصابه يوماً إلا في ذلك اليوم حينما شاهدتُه يبكي لأول مرة في حياتي كلها وهي المرة التي توفي فيها جدي رحمه الله -ونحن في الغربة.

رضي الله عنه و جزاه خيراً ورحم أباه.

ولقد ترك لنا ثروة جميلة من كتب متنوعة ورائعة من كتب ورسائل في فنون وعلوم من أصناف شتى.

 

محنته ووفاته: 

بعد أكثر من عشرين سنة عاد أبي إلى وطنه وأهله ، إلى سوريا وما أن وصل إلى هناك حتى اعتُقِل من قِبَل فرع أمن الدولة -كفرسوسة-دمشق في 2 أيار من عام 2006. وحكمت عليه محكمة أمن الدولة عملاً بالقانون 49 -الملغي- لعام 1980 في 22.4.2010 بالإعدام، وخُفِّف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. تم توجيه هذه التهمة إلى أبي من قِبَل شخص رفع بأبي تقريراً، ثم طلبت محكمة أمن الدولة (نضال مخلوف ومحمد بركات) من أبي 100000 يورو مقابل الإفراج عنه، طبعاً لم يقبل أبي بعملية النصب هذه. كان أبي حتى نيسان 2011 معتقلا في سجن صيدنايا- دمشق، ثم تمّ نقله إلى سجن حلب المركزي، وبقي فيه إلى الشهر الخامس 2014.

تمّ نقل السجناء إلى سجن عدرا المركزي وبعدها إلى الأمن السياسي في دمشق-فرع الفيحاء- واستُشهِد هناك رحمه الله تعالى، وتقبله في الشهداء السعداء.