الشيخ صبحي عدولي

من جسر الشغور، ولد حوالي سنة 1936م، تعرّفت عليه في مسجد بيت حلي، فقد كان صديقًا لإمامه الشيخ مصطفى خليل علوش، رحمه الله، اللذين اجتمعا في مدرسة واحدة للتزكية عند شيخ يسكن لبنان اسمه: الشيخ جنيد، وقد التقيت به مرة في إحدى زياراته القليلة لمدينة جسر الشغور، والشيخ صبحي حين التقيته لأول مرة رأيته شابًا جسيمًا، صبوح الوجه، لحيته كثة، في أغلب الأوقات يلبس ثوبًا، ويضع على رأسه عمامة، أو طاقية بيضاء...يُتقن مهنة التبليط، كان مصابًا بالصرع، تأتيه نوبته بين فترة وأخرى، رأيت إحدى مظاهر ابتلائه هذا بنفسي بعد فراغنا من صلاة الظهر في أحد الأيام في مسجد آل حلِّي، لكن خفَّت حدته، بمتابعته لتناول العلاج الخاص به، وأحسب أن الله شفاه منه.

ذكيٌّ جدًا، في حوالي سنة 1965 ذهب إلى دمشق والتحق بمدرسة الفتح الإسلامي لصاحبها الشيخ محمد صالح فرفور. والتي تقع بالقرب من الجامع الأموي، وكنت أتردد عليه في تلك المدرسة، فما أتيته مرة إلا وبيده كتابه، قارئًا أو حافظًا أو مراجعًا مع زميل له، ومع ذلك كان يلح عليَّ بألا أنقطع عن التردد عليه، كان ذا طابع جدي، لا يعرف لسانه لغو الحديث، ولا حتى المزاح إلا في أضيق حدوده، ولا يتكلم إلا بما ينفع، يلقى أصحابه بابتسامة صادقة، وبوجه يطفح بشرًا...

استقر به السكن في غرفة في جامع البخاري، في دمشق، الذي كان قريبًا من جامع التوبة ومن جهة الشمال، وسكن معه في الغرفة نفسها شاب من حمص، يُدعى صفوان الفيصل. يدرس معه في المعهد أيضًا، وإلى جانب ذلك كان يدرس الرياضيات، كنت أتردَّد إليه في أثناء دراستي الجامعية. كنت أحسُّ أن السرور يملأ نفسه حين آتيه، ويحتار، من كرمه، بماذا سيضيفني، وكثيرًا ما كان يلح عليَّ أن آتي وأسكن معهما، يكره إضاعة الوقت من غير جدوى، وبعد أن حصل على شهادة التخرج من المدرسة التحق بجامعة الأزهر، فحصل منها على الإجازة في اللغة العربية ثم الدكتوراة، وفي تلك الأثناء زارني في منزلي في جسر الشغور، كان الذي يلتقيه عندئذٍ يُحس أنه أمام عملاق من عمالقة علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية.

تزوج من ابنة للشيخ أحمد الحامض، وذهب إلى معرة النعمان ليدرس في المدرسة الشرعية التي أسسها الشيخ أحمد الحصري. فملأ ذكره آفاق المعرة وتجاوزها، وترك نخبة من طلبة العلم، تعرف قدره ومكانته.

رُزق بعدة أولاد، منهم محمد، وعبد الله، وأنس.. 

توفي في 15 رمضان 1424هـ الموافق لـ 9 تشرين الثاني سنة 2003م، رحمه الله، ودفن في المعرة، وبقيت أسرته في المعرة، يكِنُّ له أهل المعرة كل حُبٍّ واحترام وتقدير. قلت فيه:

لم تثـــــــــــــــــنه بلــــواؤه عـــــــن نـــــــــــظــــــرة===نحو العلا يبـــــــغي العلوم منــــــــالا

حتى ولو في قاع بحــــر أصبحت===أو طالِبــوها يصعـــــــــدون جبـــــــالا

فإذا بهــــــا قــــــــــــــد ذُلِّلت وكأنـــهــــــا===نهــــــرًا تَــــــــــدفّــــــــق نحــــــــــــــــوه شـــلالا

فسقى غــراسًا للمعـــــــارف عنده===وغدت ريــــــــاض عــلومــــه تتلالا

ذا حال من كان التواضع شأنه===وحــــــيـــــاؤه قــــــــــــد زاده إجـــــــــــــلالا

ولا شك أن هذه الترجمة جد مختصرة، ولا تلم بما يتعلق بحياة الشيخ من تفاصيل تتعلق بدراسته في مصر، ولا بعمله في المعرة، ومنهجه في التدريس، والتربية، وأولوياته في ذلك. وسبب ذلك ما أصابنا من تفرق في الأمصار، بعد ما اعترى سورية في الثمانينيات من القرن العشرين (الميلادي). أقول ذلك وآمل من تلامذته، أو ممن هم كان عندهم فرص أكثر للاتصال بالشيخ أن يوفوه حقَّه من الدراسة والكتابة والتعريف به.

رحم الله الشيخ صبحي، وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ملحوظة: هذه الترجمة أخذتها من كتاب أقوم بإعداده يُدعى: (موعظة الأجيال في وفيات من أعرفهم ويعرفونني من الرجال.) الجزء الأول.