الشيخ بشير عليطو عالم فاضل

1901ـ1997

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد

فقد ذخرت المكتبة الإسلامية بكتب التراجم، التي اتسعت أيما اتساع، حتى غدت علماً مستقلاً له فنونه واختصاصاته، ككتب الطبقات المختلفة، والأعيان، والمشاهير، والأعلام.

غير أن هناك نوع من العلماء الجهابذة الذين حملوا أمانة العلم بكل صدق، وبلّغوه الناس، وكان لهم الباع الكبير في الإرشاد والإصلاح بين الناس وتعليمهم، حتى أفنوا عمرهم في ذلك، وانتقلوا إلى جوار ربهم- مغفوراً لهم إن شاء الله- ولم نجد لهم أي ذكر، لا في الطبقات، ولا في الأعيان أو غيرها، إنهم المغمورون حقاً .

وجاء يوم جديد، وأخ رشيد، إنه الأخ مجد مكي، الذي أخذ على عاتقه أن يُظْهِر هؤلاء العلماء وأن يحيي ذكرهم، فجزاه الله كل خير، فقد استعان بالله تعالى، ثم أخذ بالأسباب من خلال إخوانه ومعارفه، يبحثون عن هؤلاء المغمورين، وقد أكرمني الشيخ مجد مكي يوم أوكل إليّ التعريف بعلم كان مغموراً.

(الشيخ بشير عليطو –رحمه الله-) 

فأقول مستعيناً بالله تعالى:

علمنا في هذه الحلقة ( الشيخ بشير عليطو بن الحاج عبدو) التلرفادي موطناً وإقامة، الشافعي مذهباً، النقشبندي مشرباً، من مواليد عام/1901م/، ألحقه والده بمدرسة الخسروية في حلب لطلب العلم الشرعي، فكان على رأس شيوخه وأساتذته الشيخ محمد راغب طباخ، الذي كان مديراً للمدرسة، وكان من زملائه: عمر مكناس، وأحمد سنجقدار، وحسن بركات، ومحمد زين العابدين جذبة، وعبد القادر حمصي وغيرهم.

درس العلوم الشرعية بكل جد واجتهاد، حتى تخرج في عام/1931م/، وعاد إلى قريته، فأقبل الناس عليه، حيث لم يكن يوجد غيره طالب علم في مجتمعه وقريته وما حولها، فكان الخطيب والمدرّس والإمام، ولما نال ثقة الناس وإعجابهم به كان مرجعاً لهم في حل مشاكلهم وهمومهم.

درس الفقه الشافعي حتى أحاط به، فكانت فتاواه موضع ثقة ورضا، حتى من مفتي حلب الأسبق الشيخ محمد عثمان بلال-رحمه الله تعالى- إذا سأله أحد أو استفتاه من أهل المنطقة؛ كان يقول له: عندكم الشيخ بشير عليطو اسألوه.

وحدث مرة أنني سألت المفتي عن مسألة فأجابني-كوني التزمت عنده في دار الإفتاء فترة-، فقلت: لكنّ الشيخ بشير له رأي آخر، فقال: إذن نتذاكر مع بعضنا، ونرى وجه الحق أين.

وأذكر اليوم الذي زرت فيه الشيخ بشير للمرة الأولى، كان جالساً في غرفته الخاصة، وأمامه نصف دائرة من كتب الفقه، وبين يديه كتاب «كفاية الأخيار»، يقارن بين الكتب، وكان عمره يومها حوالي/89/سنة، فقلت: سيدي إلى الآن تدرس، فقال: يا بني نهاية الدراسة بنهاية العمر.

كان الشيخ –رحمه الله- يتمتع بمزيد من التواضع، إلى درجة نسيان النفس، فإذا سأله أحد وكنت بجواره يقول: أسألوا عبد الجواد، فإنه إمامنا وشيخنا، ويجبرني على الإجابة، فإذا كانت صحيحة أقرّني وشجعني، وإن أخطأت يصحح لي.

ومرة جاءني رجل طلق زوجته ثلاث مرات متفرقات، فقلت: لا حلّ عندي إلا البينونة، واذهب إلى الشيخ بشير لعله يجد لك حلاً، وغضب الشيخ مني قائلاً: يا بُني هذا لا يجوز، ما عندي ليس أكثر مما عندك، إنها البينونة.

ومرة استعجلت في الإجابة، فقال: يا بُني هل قرأت كتب الفقه كلها، قلت: لا، قال: هات الكتاب الفلاني، واقرأ المسألة وستجد الإجابة .

وفي يوم السبت 8/آذار/1997 بعد الظهر بدا الشيخ وكأنه يعالج سكرات الموت، والتفّ حوله أولاده وأحفاده وأحباؤه، ما بين داع، وقارئ للقرآن، وجلس ابنه عبد الغفور بجوار رأسه يقرأ سورة الواقعة، فلما وصل إلى قوله تعالى: { فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم } وإذ بالروح الطاهرة تفيض إلى بارئها عزوجل .

رحمه الله تعالى، وغفر له، وأسكنه فسيح جنانه، صحيح لم يترك أثراً علمياً مدوناً، لكنه ترك أثراً علمياً مدوياً، عِلْمُه الذي علّمه الناس، ومحبة الناس له، وثقتهم به، وترك أثراً آخر وهو ابنه ( محمد خير) .

(الأستاذ محمد خير بشير عليطو).

الذي حرص على أن يحمل تُراث والده ويتابع مسيرته، وكان أثره جد كبير في مجتمعه. فهو من مواليد/1933م/ درس في الخسروية وتخرج في عام/1955/ ثم تابع دراسته في كلية الشريعة وتخرج عام/1961/، درّس مادة التربية الإسلامية في عدد من محافظات سورية، كان نشيطاً جداً، فقد كان عضو نقابة المعلمين في أعزاز، ثم عضواً في مجلس المحافظة في مدينة حلب، ثم عضواً في البرلمان السوري – مجلس الشعب- في دورته الأولى عام/ 1973/، ثم أصبح مديراً لمدرسة الثانوية للبنين في تلرفعت، عام/1978/ فكانت فترته أفضل فترة عرفتها المدرسة، حيث نجح طلاب الثالث الثانوي في فترته بمجاميع أهّلتهم ما بين ( الطب والصيدلة والهندسة بأنواعها). ولما أحيل إلى التقاعد سافر إلى السعودية عام/1982/ يتابع التدريس إلى العام /1994/، حيث عاد إلى موطنه وبلده تلرفعت ليستقر فيها، مَدَّ الله في عمره وصحته.

عرفتُ الأستاذ محمد خير عن قُرب وصحبة، منذ عام/1990/ فكان يعاملني كأبيه الشيخ في التشجيع والدعم المعنوي، والتأييد، ويدافع عني في غيابي وكأنه الصارم البتار، ويعاملني كابنه في العطف والرعاية.

وفي الختام:

رحم الله تعالى الوالد الشيخ بشير عليطو، وأمد الله في عمر ابنه الأستاذ محمد خير، وفي صحته وعافيته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عمالقة مشايخ حلب عندما كانوا طلاباً في المدرسة الخسروية.
رحلوا كما رحلت مدرستهم وبقي علمهم وما كتبوا.
أخذ هذا الرسم لخريجي المدرسة الخسروية – القافلة السادسة برفقة بعض من مدرسيهم وذلك في صفر 1350 هـ المصادف لشهر تموز 1931 م.
من اليمين إلى اليسار, الصف الأول فالثاني:
1- الشيخ أحمد سنجقدار 2- الأستاذ كامل سراج الدين (مدرس الجغرافيا) 3- العلامة محمد راغب الطباخ  4- الشيخ عمر مكناس 5- الشيخ حسن بركات 6- الشيخ عبد الغني أبو رشيد 7- السيد محمد سماقية
8- الشيخ بشير عليطو 9- الشيخ حقي راغب آغا 10- الشيخ محمد زين العابدين جذبة 11- الشيخ عبد القادر حمصي

ابنه الشيخ محمد خير عليطو

نشرت هذه الترجمة في عام 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها مرة أخرى اليوم 18/12/2018