محمد أحمد الدالي وجامع العلوم

 

جامع العلوم الأصبهانيُّ الباقوليُّ المتوفَّى بأصبهانَ عام 542 هـ إمامٌ حُجَّة كبير، وعلَّامة محقِّق بصير، حُرم نعمةَ البصر، فعوَّضه الباري بحدَّة البصيرة، وذكاء القلب والعقل.

وهو أبو الحسن عليُّ بن الحسين، أتقن علومَ العربيَّة والقراءاتِ القرآنيَّةَ والتفسيرَ إتقانًا جعله في الصَّدارة من علماء عصره، فلقِّب بجامع العلوم، وبعِماد المفسِّرين، وكان إلى ذلك فقيهًا حنفيًّا، وشاعرًا أديبًا.

وعلى سموِّ مكانته قد أخنى الدهرُ على تراثه وآثاره، وجَمهرة سيرته وأخباره، إلا نَزْرًا يسيرًا لا يسدُّ رمَقًا، بلهَ أن يُغنيَ من جوع! حتى قيَّض الله له في عصرنا مَن أماطَ اللِّثامَ عن علمه، وكشفَ الحجُبَ عن تراثه، ونفضَ الغبارَ عن آثاره، فردَّها إلى الحياة بعد أن كاد البِلى يطويها ويُودي بها.

إنه أستاذنا العالمُ الجليل والمحقِّق الثبت الأستاذُ الدكتور محمَّد أحمد الدَّالي الذي أسعدني دهري وزملائي بالتَّلمذة له والأخذ عنه في جامعة دمشقَ في أوائل التسعينيَّات الميلادية، واستمرَّت صلتُنا به وصُحبتُنا له على مرِّ السنين إفادةً وانتفاعًا.

وهو العالم المعطاء الذي لا يضَنُّ بعلم أو معرفة، ولا يمسك عن نصح أو تبصرة، كريمُ الخلال، طيِّب المعشَر، مع سماحة خُلقٍ ولين جانبٍ وتواضع جَمٍّ، وعفَّةٍ في اليد واللسان. لا زال مكلوءًا بحفظ الله ورعايته، مسدَّدًا فيما هو فيه من علم وعمل وتعليم.

وحسبُه ما وصفَه به أستاذُه وأستاذ الكلِّ العلَّامة المحقِّق د. شاكر الفحَّام رئيسُ مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، يوم قدَّم لواحدٍ من بواكير أعماله، وهو كتابُ الإمام الجليل علَم الدين السَّخاوي (سِفر السَّعادة وسَفير الإفادة) الذي كان تحقيقُه ودراسته موضوعًا لأطروحة الدالي في الماجستير التي نالها من جامعة دمشقَ بتقدير امتياز عام 1982م بإشراف الفحَّام نفسه= وصفَه يومئذٍ بقوله[1]:

((لقد انتُدب الشابُّ محمَّد الدالي، وهو المكتهلُ في شَبيبته جِدًّا ورصانة، وانصرافًا إلى العلم، وحبًّا لآثار السلف، لتحقيق هذا الأثر الغالي من آثار السَّخاوي، فشمَّر عن ساعد الجِدِّ، وأخذ نفسَه أخذًا غيرَ رفيق بقواعد تحقيق المخطوطات، غيرَ مُتناسٍ الأصولَ التي خلَّفها لنا الأجدادُ في الضبط والإتقان والأمانة في نقل النصوص؛ خشيةَ أن يعبثَ بها عابث. وهيَّأ لعمله كلَّ الأسباب التي تدنو به إلى النجاح، وسهِرَ ونَصِبَ لتذليل العقبات... وطاف وحوَّم ليَرِدَ الماء صفوًا لا كدَر فيه)).

ذلكم وصفُ الأستاذ في طَراءة شبابه، فما الظنُّ به اليومَ وقد اكتَهَل حقًّا ونضِجَ فعلًا، عاكفًا على تراث العربيَّة تحقيقًا ودراسةً وبحثًا وإفادة؟!

ولعَمرُ الله إن العلَّامة الفحَّام قد أصاب المَفصِلَ في وصف أستاذنا الدالي غيرَ موضعٍ واحد، وهو قوله: ((وسهِرَ ونصِب))، أمَّا النصَب فنعم، وأمَّا السَّهر فلا!

إن أستاذنا الدالي لا يعرفُ السَّهر، ولعلَّ أهمَّ مفاتيح نجاحه أنه يُبادر إلى النوم مبكِّرًا، لينهضَ في السَّحَر، فيبدأ يومَه قبل الفجر بركعات يرجو فيها ربَّه أن يُزلفَه من رضوانه، وأن يفتحَ عليه في العلم ويباركَ له في العمل، ثم يُكِبُّ على ما أخذ به نفسَه من تحقيقٍ وبحثٍ ساعات وساعات، ومن هنا أن تجلَّت برَكة البُكور في أعماله؛ كثرةً وجَودةً وإتقانًا، فللَّه الحمدُ على ما أعطى وأقنى.

وعَودًا إلى جامع العلوم الأصبهاني، فقد أُعجبَ الدالي ببصيرته النافذة، وبسَعة علمه في العربيَّة والتفسير، وبفِطنته وقوَّة عقله، فحُبِّب إليه بَعثُ آثاره. وزاده حبًّا إليه أنه من أعيان المدرسة البَصرية المتأخِّرة التي تقيَّلت علمَ أبي عليٍّ الفارسيِّ وتلميذِه ابن جنِّي، حتى لكأنه ثافنَ أبا عليِّ في مجالسه تلمذةً وتلقِّيًا وإحاطةً بمذاهبه وآرائه، على بُعد ما بينهما زمانًا.

فضلًا عن أن أوَّل من عرَّف بمكانة جامع العلوم من العَصريِّين هو أبرزُ شيوخ الدالي وأظهرُهم وأخصُّهم العلَّامةُ الحُجَّة الإمام أبو عبد الله أحمد راتب النفَّاخ، شيخ العربيَّة في الشام، بل شيخ الدنيا على ما وصفَه به العلَّامة الطناحيُّ[2]، عليهما رحمات الله تَترى. وكان ذلك عام 1973م يوم جَلا عن حقيقة الكتاب النفيس المنشور بعنوان (إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج)، مرجِّحًا أنه كتابُ (جواهر القرآن)، وقاطعًا أنه لجامع العلوم[3].

ومن حينئذٍ اهتمَّ الدالي بشأن الأصبهانيِّ الباقولي، واتخذَه صاحبًا وخَدينًا، ونهض للتنقيب عن تُراثه المفقود، والفحص عن علمه المغيَّب خلفَ سِجافِ القرون، فكانت دراسةُ جامع العلوم الأصبهانيِّ وآثارِه، وتحقيقُ كتابه (كشف المشكلات) - بإشارةٍ من العلَّامة النفَّاخ - الأطروحةَ التي نال بها الدكتوراه من جامعة دمشق عام 1987م بمرتبة الشَّرف.

ولا يفتأُ أستاذنا الدالي مشمِّرًا عن ساعد الجِدِّ، آخذًا نفسَه بحزمٍ وعزم في تحقيق تراث جامع العلوم؛ لتكونَ علومُه وفنونه موطَّأةً للباحثين، ميسَّرةً للطالبين، ينهلون من مَعينها، ويغرفون من نَميرها.

ودونكم ما أخرج الأستاذ من ذخائر الجامع:

1- (كشف المُشكِلات وإيضاح المُعضِلات) صدر عن مجمع اللغة العربيَّة بدمشقَ عام 1415هـ/ 1995م، في 4 أجزاء، مجلَّدين للمتن، ومُجَيليد للمقدِّمة وآخرَ للفهارس، وهو كما علمتَ رسالته للدكتوراه. عدد صفحات الكتاب بمقدِّمته وفهارسه 1828 صفحة.

ثم وقف الأستاذ بعدُ على نسخ خطيَّة لم يكن أصابها من قبلُ، فيها زياداتٌ مهمَّة وفوائدُ نافعة، وقد هيَّأ الكتابَ لنشرةٍ جديدة مَزيدةٍ ومنقَّحة باعتماد تلك الأصول، يسَّر الله صدورَه قريبًا.

2- (مسائل في علم العربيَّة والتفسير) من إملاء جامع العلوم، نُشرت في مجلَّة جامعة دمشق، المجلَّد 14، العدد 4، عام 1998م. وهي في كتاب أستاذنا الدالي (الحصائل) 3/ 243- 266، عدد صفحاتها 23 صفحة.

3- (ما تلحن فيه العامَّة في التنـزيل) رسالة نُشرت في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 74، الجزء الأوَّل، عام 1419هـ/ 1999م. وهي في كتاب أستاذنا الدالي (الحصائل) 3/ 267- 299، عدد صفحاتها 32 صفحة.

ذكر المؤلِّف ثلاثينَ موضعًا ممَّا تلحن فيه عامَّة القرَّاء من غير الضابطين المتقنين منهم، والمرادُ باللحن الخطأ ومخالفة الصواب، وهو على ضربين: لحنٌ جلِيٌّ، ولحنٌ خفِيٌّ. قال الدالي: ولا أعرف أحدًا ألَّف في لحن العامَّة في التنـزيل.

4- (الاستدراك على أبي عليٍّ الفارسيِّ في الحُجَّة) صدر عن مكتبة البابطين المركزية للشعر العربيِّ بالكويت، عام 1428هـ/ 2007م، في مجلَّد كبير عدد صفحاته 814 صفحة.

وهذا الكتاب نقدٌ عالٍ لكتاب (الحُجَّة للقرَأَة السَّبعة أئمَّة الأمصار) الذي هو من أنفس دُرر أبي عليٍّ الفارسي، وفيه استدراكٌ أيضًا على الزجَّاج ممَّا فات أبا عليٍّ في الإغفال، وعلى أبي عليٍّ في غير الحُجَّة، وعلى ابن جنِّي في الخصائص والمحتسَب.

وكان نشر الأستاذ مقالةً بعنوان: (جولةُ جامع العلوم الأصبهانيِّ الباقوليِّ مع أبي عليٍّ الفارسيِّ في الحُجَّة)، في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 64، الجزء الثالث، عام 1409هـ/ 1989م. وهي في كتابه (الحصائل) 1/ 119- 143، عدد صفحاتها 24 صفحة.

5- (الإبانة في تفصيل ماءات القرآن، وتخريجُها على الوجوه التي ذكرَها أربابُ الصِّناعة) صدرت طبعتُه الأولى عن وِزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة بالكويت، عام 1430هـ/ 2009م، في مجلَّد كبير عدد صفحاته 676 صفحة. ثم صدرت طبعتُه الثانية عن دار البشائر بدمشق، عام 1435هـ/ 2014م.

وقد بلغت عِدَّة ماءات القرآن التي تناولها جامعُ العلوم بالدراسة والتحقيق 2398 (ما) في قراءة حَفْص، واستدرك المحقِّق على المصنِّف 218 (ما)، وذكر المصنِّف خمسَ ماءات وقعت في غير قراءة حفص، فيكون مجموعُ ماءات القرآن على التحقيق في قراءة حفصٍ وسائر العشَرة 2621 (ما).

6- (جواهر القرآن ونتائج الصَّنعة) صدر بأخَرةٍ في طبعة جامعةٍ لأصول رواياته عن ثلاث نسخ خطيَّة، عن دار القلم بدمشق، عام 1440هـ/ 2019م، في أربعة مجلَّدات كبيرة مجموع صفحاتها 2044 صفحة.

وهذا الكتاب كان أخرجه قديمًا عام 1963م الأستاذُ إبراهيم الأبياري عن نسخةٍ خطيَّة واحدة بعنوان (إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج)، ثم تصدَّى لتصحيح عنوان الكتاب ونسبته إلى صاحبه العلَّامةُ النفَّاخ على ما ألمعتُ آنفًا.

وكان نشر أستاذنا الدالي مقالتين تتَّصلان بهذا الكتاب؛ أولاهما بعنوان (كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج هو كتابُ الجواهر لجامع العلوم الأصبهانيِّ) في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 66، الجزء الأوَّل، عام 1410هـ/ 1990م. وهي في كتابه (الحصائل) 2/ 104- 128، عدد صفحاتها 24 صفحة. والأخرى بعنوان (صلةُ الكلام في كتاب الجواهر لجامع العلوم الأصبهانيِّ وتحقيق اسمه) في مجلَّة معهد المخطوطات العربيَّة بالقاهرة، المجلَّد 43، الجزء الثاني، 1420هـ/ 1999م. وهي في كتابه (الحصائل) 2/ 284- 308، عدد صفحاتها 24 صفحة.

7- (الملخَّص في الوقف والابتداء) قطع شوطًا بعيدًا في تحقيقه والتعليق عليه، ويُتوقَّع أن يصدرَ في قُرابة 1200 صفحة، أعان المولى على تمامه.

8- (شرح اللُّمَع لابن جنِّي) وهو من أجلِّ شروحه، كان قد صنع لمخطوطة الكتاب الجليلة فهارسَ شاملةً قبل أن يضعَ فيه يده، ثم طُبع الكتاب في السعودية عام 1411هـ/ 1990م بعناية باحثٍ ثَمَّة، ووقف عليه فيما حدَّثني بعد زمانٍ عام 2002م. ولم يزل عازمًا على تحقيقه حتى آثرَ به طالبَين من طلَّاب قسم اللغة العربيَّة بجامعة دمشق، وقدَّم إليهما مخطوطات الكتاب بأريحيَّة؛ ليكونَ موضوعًا لأطروحتَيهما في الدراسات العليا، بإشراف تلميذِه النجيب الأخ الفاضلِ والصديق العزيز د. محمَّد عبد الله قاسم وفَّقَه الله.

تلكمُ الأعلاقُ النفيسة هي كلُّ ما انتهى إلينا من آثار أبي الحسن الأصبهانيِّ الباقوليِّ رحمه الله وجزاه عن العربيَّة وأهلها خيرًا، وما كان لها أن تخرجَ بالصورة التي تراها من الإتقان والإحكام، لولا ما بذل في تحقيقها أستاذُنا الدالي من جُهد مُضنٍ غيرِ خافٍ على من لديه أدنى بصيرة!

وشتَّان ما بين صنيع الأستاذ في هذه الكتب - وفي سواها ممَّا حقَّق وأخرج - وبين غير قليلٍ ممَّا تلفظُه المطابع كلَّ يوم من كتبٍ يُزعَم أن قد حقَّقها زيدٌ أو عُبيد، بيد أنها على الحقيقة لم تشَمَّ رائحةَ التحقيق! وإن نظرتَ في حواشيها على كثرتها وطولها لم تجد فيها شيئًا، إلا شيئًا لا يُعبأ به، وإلى الله المشتكى!

لقد مضى الدالي فيما سلفَ من أعمال - ولا يزال - على جادَّة لاحِبةٍ وطريقةٍ قويمة هي امتدادٌ لمنهج الأكابر من المحقِّقين؛ أبي عبد الله النفَّاخ، وأبي فهر محمود محمَّد شاكر، وعبد العزيز المَيمَني الرَّاجَكُوتي، وناهيكَ بهم من رجال! ولو سبَرتَ صنيعَه ورُزتَ حواشيَه وأنعَمتَ النظر في مقدِّماته لأدركتَ أني لم أغادر الحقيقةَ قِيسَ شعرة. فهو ينسِجُ على مِنوالٍ من التثبُّت التامِّ في كلِّ ما يخطُّ بَنانُه، حتى إنه عارضَ كلَّ كتابٍ من مصنَّفات جامع العلوم التي أخرجها حرفًا حرفًا بغيرها من مؤلَّفاته، وبمواردها من كتب أبي عليٍّ وابن جنِّي ومن قبلهم إمام النحاة سيبويه، وغيرهم من أئمَّة الصنعة وجِلَّة شيوخ العربيَّة.

بل إن صنيعه يتجاوز التحقيقَ المتقنَ العاليَ ليكون شرحًا وتبيينًا لمراد المصنِّف، فهو لا يمرُّ على مسألةٍ مُعضِلة، أو عبارةٍ غامضة مُشكِلة، دون أن يُشبعَ التعليقَ عليها إبانةً وكشفًا، وجَلاء وإيضاحًا، مع التوسُّع في الإحالة على كلام أهل العلم، وكأن المكتبةَ العربيَّة كلَّها بين عينيه! وأدَّاه طول تأمُّله في كتب الجامع وعميقُ نظره في أسفار الأئمَّة إلى أن يُدليَ بدلوه؛ تقويمًا وتسديدًا، وتصويبًا واستدراكًا، ولهذا ما تراه يُثبت على أغلفة كتبه عبارة: (حقَّقه وخرَّج ما فيه وشرحَه وناقشَه وكتبَ حواشيَه وصنَع فهارسَه) وهي ألفاظٌ نازلة في حاقِّ موضعها غيرَ شكٍّ.

ثم تراه بعد ذلك كلِّه على سجيَّته من التواضُع والتطامُن، والنأي عن التباهي والانتِباج، لينُصَّ على أن عمله لا يعدو أن يكونَ استدراكًا على علمهم بعلمهم، واعتراضًا على أقوالهم بأقوالهم؛ يقول حفظه الله[4]: ((وما عمَلي... إلا آثارٌ ونتائجُ عن محاولتي فهمَ كلامهم، ومعارضةَ أقوالهم في تصانيفِهم، ومعرفةَ أخذِ بعضِهم عن بعض، واختيارِ بعضِهم قولًا على قول. فمن كلامهم علَّقتُ... ومن كلامهم استدركتُ عليهم، ومن كلامهم اختَرتُ ما اختَرت، وممَّا بسَطوه من أصول العربيَّة خالفتُهم فيما خالفوه منها في بعض أقوالهم، ورأيت غيرَ ما رأَوا)).

ورائدُه في هذا قولُ الإمام ابن جنِّي[5]: ((وإذا صحَّ لإنسانٍ قولٌ يقتضيه مَحضُ القياس فليس ينبغي أن يُحجِمَ عن القول به لأنه لم يقُله مَن قبلَه من الشيوخ. ولو كان هذا مذهبًا صحيحًا لما كان للثاني أن يزيدَ على الأوَّل، ولا أن يأتيَ بما لم يأتِ به، ولكان هذا مدعاةً إلى العِيِّ والحَصَر)).

وأخيرًا، فإنني أحسَب أن ما رجاه العلاَّمةُ شاكر الفحَّام لتلميذه محمَّد الدالي قد تحقَّق بحذافيره بفضل الله المنعِم الكريم، يوم قال في خاتمة تقديمه لكتابه (سِفر السَّعادة)[6]:

((وإني لأرجو له وآمُل أن يتابعَ مسيرتَه في إحياء آثار السَّلف، وأن يقتفيَ خُطاهم في التدقيق والحرص على سلامة النصوص، وأن يقتديَ بهُداهم في تحرُّجهم من إقحام أنفسهم في أعمال الآخَرين، وفي ابتعادهم عن التزيُّد... وأن يظلَّ ماضيًا على غُلَوائه، متدرِّعًا بتواضُع العلماء، سالكًا النمطَ الأوسط، لا يزدَهيه غرور، ولا يُبطره عُجْب، بل يزداد علمًا وتواضعًا، "هلك من ادَّعى، ورَدِيَ من اقتحم، اليمين والشِّمال مَضَلَّة، والوسطى الجادَّة، ومن تواضع لله رفعه")).

وليتَ العمُرَ تنفَّسَ بالعلاَّمة النفَّاخ دهرًا حتى يرى ثمرةَ غرسه وقد أينعَت، إذن لقرَّت عينُه، واغتبَط فؤادُه، لكنَّها مشيئةُ الله الحكيم سبحانه ولا رادَّ لأمره. وحسبُ النفَّاخ أن قد خلَّف أمثالَ الدالي من العلماء الراسخين في العلم، ومن المحقِّقين الأكفياء الأثبات، ممَّن صنعَهم على عينه، وروَّاهم من سَداد منهجه، كتبَ الله أجرَه وأجزلَ مثوبتَه.

الرياض 28 جُمادى الآخرة 1440هـ

♦ ♦ ♦

أغلفة كتب جامع العلوم

بتحقيق العلامة محمَّد أحمد الدالي

 

 

 

إهداء من العلامة الدالي إلى تلميذه كاتب المقالة

العلامة الدالي في كليَّة الآداب بجامعة دمشق صيف 1421هـ مع لفيف من أساتذة العربيَّة وطلابها من اليمين: ضياء الدين القالش، د. محمد حسان الطيَّان، أيمن بن أحمد ذو الغنى، د. أيمن الشوَّا، الأستاذ عاصم بن محمد بهجة البَيطار، هاشم الشاطر، الأستاذ محمَّد علي حمد الله، د. محمد أحمد الدالي، محمد بونجة، خليل عبد الله.

العلامة الدالي في صورة حديثة عام 1440هـ

غلاف كتاب العلامة الدالي (الحصائل) الجامع لبحوثه ودراساته ومقالاته

 

نُشرت في مجلة المخطوطات الثقافية، الصادرة عن معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، العدد الثاني، ديسمبر 2019

 

 

________________________________________

[1] مقدِّمة (سِفر السعادة) 1/ 9-10.

[2] في كتابه (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) ص114.

[3] في مقالتين أوفى فيهما على الغاية، بعنوان (كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج: تحقيق نسبته واسمه، وتعريف بمؤلفه، واستكمال لتحقيق بعض أبوابه) نشرهما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 48، الجزء الرابع، عام 1393هـ/ 1973م، والمجلد 49، الجزء الأول، عام 1393هـ/ 1974م.

[4] في مقدِّمة تحقيقه (الإبانة) ص9.

[5] المنصف 3/ 133، نقلًا عن مقدِّمة (الإبانة) ص10.

[6] مقدِّمة (سِفر السعادة) 1/ 11.