نجوى عثمان

1374 ـ 1430 هـ

1954 ـ 2009 م

الباحثة الدكتورة نجوى بنت السيد أحمد الحمدوالعثمان البابية الحلبية

عالمة مهندسة لها اهتمام بالتراث والآثار الإسلامية ومساجد حلب خاصة.

ولدت المترجمة في مدينة الباب سنة: أربع وسبعين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافقة لعام: أربعة وخمسين وتسعمئة وألف للميلاد، ونشأت في أحضان أسرة محبة للعلم والعلماء، وعرفت بالتزامها بمبادئ الدين الحنيف والقيم الإسلامية الرفيعة، كما عرف والدها بالصلاح والتقى والعلم كان حجة في النحو يقصده من أشكل عليه أمر من المختصين في النحو رغم انه لم يكن يحمل شهادة عالية

وتلقت تعليمها الأولي في مدينة الباب، وعندما حصلت على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي، انتقلت إلى مدينة حلب وانتسبت إلى كلية الهندسة المدنية في جامعة حلب، وتخرجت فيها حاصلة على الإجازة في الهندسة المدنية، عملت بعدها مهندسة في مديرية الكهرباء في حلب، وبعد ثلاث سنوات من عملها في هذه المديرية، عادت إلى الدراسة وطلب العلم، فانتسبت إلى معهد التراث العلمي العربي ، وتخرجت فيه حاملة شهادة الدبلوم في تاريخ العلوم، وتابعت دراستها في هذا المعهد وحصلت منه على درجة (الماجستير) في تاريخ العلوم عند العرب عن بحثها القيم (الهندسة الإنشائية في مساجد حلب)، ثم حصلت على درجة (الدكتوراه) عن دراسة علمية بحثية ميدانية، أجرتها في مدينة حلب ومدينة القيروان في تونس بعنوان (دراسة هندسية مقارنة بين المساجد القديمة في حلب والقيروان).

لم تتوقف المترجمة بعد حصولها على هذه الشهادات العلمية عن متابعة بحثها في التراث العربي الإسلامي، بل راحت تتنقل من حي إلى حي في مدينتها ومن بلد إلى بلد في الوطن العربي، تسجل وتوثق الآثار الإسلامية في المساجد والمدارس والزوايا والمعاهد والمقابر وغيرها لتترك لنا ميراثاً علميا ضخماً، وثقته في مؤلفاتها الماتعة، التي تدين لها به الأجيال بعدها

فمن مؤلفاتها في هذا المجال نذكر:

1.      الهندسة الإنشائية في مساجد حلب في القرن العشرين، صدر في حلب عام: 1992م

2.      حلب في مئة عام (1850 ـ 1950)، بالاشتراك مع الأستاذ محمد فؤاد عنتابي، ثلاثة أجزاء، صدر في حلب عام: 1993م.

3.      مساجد القيروان، صدر في دمشق عام: 2000م. 

4.      النقل الداخلي في مدينة حلب، صدر في دمشق، عام: 2004م

5.      مكابدات لطيفة ومواقف طريفة في أحياء حلب والقيروان، صدر في حلب، عام: 2004م.

6.      الآثار والأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عنتاب. طبعته جامعة حلب بعد وفاتها مترجماً إلى اللغة التركية ـ صفحة باللغة العربية وصفحة باللغة التركية ـ عام: 2009م، ضمن برنامج التعاون الإقليمي السوري التركي.

ثم عاجلتها المنية ولديها عدد من المؤلفات قيد التحرير، لم يتح لها إتمامها ونشرها منها:

1.      الزوايا والمدارس الأثرية في القيروان.

2.      تاريخ العمارة الإسلامية.

3.      الرنوك على العمائر المملوكية.

4.      النقائش بمدينة حلب في العصر العثماني.

5.      أبنية وشواهد قبور، (مع فريق عمل)،

وكانت المترجمة ـ رحمها الله ـ تعمل على مشاريع علمية توثيقة في خدمة التراث الإسلامي قبل أن تعاجلها المنية وأهم هذه المشاريع

1.      ترجمة سالنامة حلب لسبعة أعوام متتالية وهي الكتاب السنوي الذي كان يصدر في ولاية حلب في العهد العثماني، ولقد سافرت الفقيدة من أجله مرات عدة إلى استانبول باحثة عن المترجمين القادرين على هذا العمل الفريد

2.      كتاب عن أوابد حلب وعينتاب وكلس كانت تسافر من أجله وتلتقط الصور وتضع الشروح، وقد أنجز هذا المشروع وطبع بعد وفاتها

3.      متحف حلب في الفترة العثمانية وكانت الفقيدة عضوا نشيطاً في لجنته العلمية.‏‏

4.      كتاب توثيقي عن نقائش وكتابات الفترة العثمانية، عملت فيه مطولاً مع ثلة من طلابها الجادين المخلصين، كانت رحمها الله تشكو من تعثر ظهوره بسبب من العراقيل البيروقراطية التي تواجهها

وعندما سألها أحد الباحثين  قبل وفاتها بشهر عن أعملها ونشاطاتها في مجال التوثيق للتراث الإسلامي أجابت: (أجريت خلال زيارتي لطرابلس الغرب (ليبيا) دراسة ميدانية على الآثار الإسلامية في المدينة القديمة (داخل الأسوار)، وفي تاجورا. وأجريت دراسة ميدانية على آثار مدينة صرخد (السويداء). ودراسة ميدانية على الآثار العثمانية في مدينة تونس. وكنت قد أجريت دراسات ميدانية عام: 2005 على الآثار الإسلامية في مدن المملكة المغربية: الرباط، تطوان، طنجة، سلا، شالة، فاس، مكناس، مراكش. وعلى الآثار الإسلامية في مدينة بصرى الشام عام: 2005. وعلى المساجد القديمة في المدينة المنورة عام: 2006م)

شاركت المترجمة في كثير من النشاطات الاجتماعية والعلمية وكان لها دور هام في عدد من الجمعيات العلمية والثقافية فهي عضو في:

1.      الجمعية السورية لتاريخ العلوم

2.      جمعية العاديات.

3.      الاتحاد العام للآثاريين العرب.

4.      هيئة تحرير مجلة هندسة.

5.      هيئة تحرير "مجلة العاديات".

6.      رئيسة لجنة الدراسة الفنية لمشروع (الأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عينتاب)

كما نالت عدداً من الجوائز التقديرية والتكريمية، منها:

1.      جائزة الباسل للإنتاج الفكري في حلب لعام 2004.

2.      كرمت في نقابة المهندسين، وحصلت على شهادة تقدير كمهندسة مبدعة في مجال الدراسات التراثية، عام: 2004.

3.      درع جامعة عين شمس، عام: 2004.

4.      كرمت بمناسبة يوم المرأة العالمي كامرأةٍ متميزة في آذار عام: 2007.

عملت المترجمة مدة من الزمن مهندسة في مديرية الكهرباء في مدينة حلب، ثم افتتحت مكتبا هندسيا خاصاً بها، بعد أن لاقت الكثير من التجاهل والإنكار، فقد أغلق في وجهها باب المعهد الذي تخرجت منه، ولم تحصل على وظيفة في أي جامعة، ولم تلق الدعم اللائق بها في المجالات العملية، ولكنّ ذلك لم يثن عزيمتها، فقد أعلنت أكثر من مرة وفي أكثر من محفل أنها لا تسعى نحو هدف مادي من وراء العلم، وظلت حتى وفاتها تنفق على أبحاثها التراثية من عملها الهندسي، وعندما افتتح قسم للآثار في كلية الآداب في جامعة حلب، عملت في ذلك القسم محاضرة لأنها ليست من الجهاز التدريسي لمقررات " الآثار والفنون الإسلامية "، و" تاريخ الفن والعمارة " والمسكوكات، وكانت تتقاضى عن التدريس فيه مبلغاً زهيداً تخجل من ذكره، وتقول أنه يكفي على الأقل مصروفاً للمواصلات، عندما فكت عن عملها في القسم، استمرت في أداء واجبها تجاه المقرر الذي كانت تدرسه، تضع الأسئلة ، وسلم التصحيح ، وتصحح الدفاتر أيضاً ، وعندما سئلت لماذا تقبلين القيام بذلك وأنت منفكة، أجابت بتأثر بالغ : فعلته وفاء لطلابي وأهلهم، الذين ينتظرون تخرجهم بفارغ الصبر، ولا أريد أن يكون في تقاعسي ضرراً لهم ضاربة بذلك أروع الأمثلة في سلوك العلماء.

شاركت المترجمة في كثير من المؤتمرات العلمية وحاضرت في العديد من المنابر الثقافية، منها: مديرية الثقافة وجمعية العاديات ونقابة المهندسين ومعهد التراث وكلية الآثار والعمارة والقنصلية التركية وغيرها.

وكانت رحمها الله تؤثر البساطة في العيش، والابتعاد عن المظاهر الزائفة، تلحظ فيها تواضع العلماء وعشق المتصوفة للعلم والبحث العلمي وكان بيتها يغص بالكتب في كل زاوية من زواياه .

استطاعت المترجمة ـ رحمها الله ـ في تلك الحياة القصيرة أن تدفع مسيرة العلم قُدماً، وأن تضرب مثالاً حيّاً رائعاً لما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة التي تستطيع أن تقتحم أكثر المجالات صعوبة، وتتعرض لمختلف المؤثرات وتبقى محافظة على التزامها وهويتها الإسلامية المُشرفة، وكانت تمتلك قدرة خاصة على البحث والتوثيق العلمي الذي يعتمد على الحقائق التاريخية الواقعية، واستطاعت ان تثبت قدرة المراة المسلمة في العطاء الحضاري رغم التزامها الديني الحقيقي ودفعت حياتها ثمناً لإصرارها على البحث العلمي فقد لاقت وجه ربها وهي عائدة من رحلة بحثية علمية عن الأثار في مدينة جبلة الساحلية مع اثنتين من الباحثات الجزائريات في حادث مروري قرب مدينة (سراقب) القريبة من حلب وذلك يوم الاثنين الرابع عشر من شهر صفر سنة: ثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة الموافق للتاسع من شهر شباط عام: تسعة وألفين للميلاد، ودفنت في مدينة الباب مسقط رأسها

وكأنّ الله سبحانه وتعالى أراد لهذه المرأة المسلمة أن يستمر عطاؤها العلمي ومساعدتها للباحثين ويستمر معه أجرها إن شاء الله، فألهم ذويها أن يهبوا مكتبتها العامرة التي تضم حوالي ألفين وخمسمئة عنوان، بعضها نفيس والآخر هو نسخ نادرة من كتب لم تعد متوافرة في المكتبات للمكتبة الوقفية في حلب

رحمها الله