وفاة الدكتور مراد هوفمان رحمه الله تعالى

نعي إلينا صباح يوم (18 جمادى الأولى 1441هـ) المفكر الألمعي والكاتب الإسلامي الدكتور مراد هوفمان، سفير ألمانيا الأسبق في المغرب، وعضو المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا، وصاحب المؤلفات المتداولة عن الاسلام والمسلمين، تغمده الله بمغفرة منه ورضوان.

لقيته في رمضان سنة 1412هـ في الرباط وهو سفير ألمانيا لدى المغرب، فرحب بي متألفا مستأنسا، وقسمات وجهه منبسطة، وضلوعه للصدق والوفاء مستبطنة، ودعاني مع بعض الضيوف الكبار للإفطار معه في منزله في الرباط، فلما حضرناه تلقانا محتفيا بنا، مستبشرا بقدومنا، ورافعا مكاننا، وغربت الشمس فأفطرنا على التمور وأنواع من الأكلات والشربات، وقدمني للصلاة بهم، وأكرمني غاية الإكرام، وجلسنا للعشاء فاعتنى بنا وخدمنا، وتحدث إلينا كصديق لنا قريب، رافعا من بيننا حجب الغربة والتوحش والتكلف، وصادفناه رجلا ذا نفس كبيرة، هادئا مفكرا، حكيما حليما، ماجدا كريما، لابسا حلة من صالح الأعمال، مهتما بالفكر الإسلامي، ومتألما لضمير العالم الغربي، وانتهاكه لمبادئ الحرية والمساواة وكرامة البشر، وظهر لنا من منطقه واسع اطلاعه وعميق نظره.

ولد سنة 1931 في أشافنبورغ، وهي بلدة كبيرة في شمال غرب بافاريا تابعة إدارياً لمنطقة فرنكونيا السفلى بألمانيا، بدأ بدراسة القانون بعد حصوله على شهادة البكالوريا في ميونخ، وتخرج في هارفارد، بالولايات المتحدة، وحصل على الدكتوراه في القانون. وكان مولعا برقص الباليه، وأعطى دروسا فيه وتعلم العزف على طبول الجاز، وأسس رابطة محبي الباليه في ميونخ، وعمل لسنوات طويلة كناقد لفن الباليه في مجلات متخصصة، واشتغل منذ الخمسينات في سفارة ألمانيا الاتحادية في الجزائر، وهذا ما جعله يشاهد عن قرب الثورة الجزائرية التي يبدو أنها أثارت اهتمامه الشديد ودفعته للتأمل.

ولد ونشأ نصرانيا كاثوليكيا، أسلم عام 1980، وذكر أنّ من أسباب اعتناقه الإسلام ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية، وولعه بالفن الإسلامي، وامتعاضه من التناقضات الكثيرة التي تتضمنها العقيدة المسيحية، وعمل كخبير في مجال الدّفاع النّووي في وزارة الخارجية الألمانية، وكان إسلامه موضع جدل بسبب منصبه الرّفيع في الحكومة الألمانية، وعمل كمدير لقسم المعلومات في حلف الناتو في بروكسل من عام 1983 حتى 1987، ثم سفيرا لألمانيا في الجزائر من 1987 حتى 1990، وسفيرا في المغرب من 1990 حتى 1994.

ومن أعماله: (الإسلام كبديل)، وكتاب (الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود)، وكتاب (رحلة إلى مكة)، تركّز العديد من كتبه ومقالاته على مكانة الإسلام في الغرب، وبعد أحداث 11 سبتمبر، بشكل خاص، في الولايات المتّحدة، وتتسم كتاباته بالجدية واتباع المنهج العلمي الرصين، والأسلوب الفلسفي السليم.

كان عالما صالحا، نبيلا متواضعا، ذا أخلاق فاضلة، معنيا بشؤون قومه وسائر بني آدم، له نفس شريفة متطلعة إلى الفضل، ورأي معاود إلى فعل الجميل، ولسان ساكت عن الخنا، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه.