الحاج عبدالباقي الشريقي رجل عظيم فقدناه

العظمة ليست مجرد كلمة تقال، وإنما العظمة عطاء وإنجاز وجهد في النفع العام وبذل للخير والعون لمن يحتاجه وكل ذلك لا تقيده الحدود الإقليمية الضيقة وإنما آفاقه عالمنا الإسلامي الواسع الذي هو أحوج ما يكون إلى أياد بيضاء حانية تخفف من معاناته، فتطعم الجائع وتجفف دمعة اليتيم وتعلم الجاهل وتداوي المريض. إنه رجل ولكن ليس ككل الرجال، لا يكلّ ولا يملّ ولا يعرفه إلا المقربون منه، فهو في حالة انشغال دائم، يحمل هموم الأمة ويعيش آلامها و آمالها، ويسعى بكل جهده ليقدم ما يستطيعه إلى من هم جزء من هذا الجسم الكبير من الأمة الاسلامية الذين هم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

عرفته داعيا إلى الله، ورئيسا لجمعية البر والخدمات الاجتماعية باللاذقية - منذ أربعين عاما - والمقام يضيق بالحديث عن جميع فضائله وأعماله، فذلك يحتاج إلى كتاب يجمع ذلك كله. ولكن لا أنسى - وأنا أستعرض في ذاكرتي بعض مآثره- أنه عندما ترك مدينة اللاذقية في السبعينيات من القرن الماضي إلى قرية "الحمبوشية" - والتي تبعد عن مدينة اللاذقية نحوا من سبعين كيلا على طريق حلب - من أجل أن يفتح مسجدها الذي لم يجد أهل القرية أحدا يؤمهم ويخطب فيهم الجمعة، فكان – رحمه الله - ذلك الرجل الذي أنار تلك الناحية بالقرآن والعلم والخطب والدعوة إلى الله، وكان يقضي معظم وقته متنقلا بين اللاذقية وتلك القرية البعيدة محتسبا رغم مشاغله وارتباطاته الكثيرة في اللاذقية، شعورا منه بأن عليه واجبا اسلاميا يتعين عليه القيام به طالما لم يقم به غيره.

وبعد هجرته من سوريا عام 1980م إلى المملكة العربية السعودية، لم يتوقف عطاؤه وتضحياته بل كان ميدان العطاء أكثر اتساعا وتنوعا. عرفته أفغانستان، وجزر القمر، ومالي، وأندنوسيا وبنغلاديش وغيرها: يقدم المساعدات ويقيم الدورات ويحفر الآبار ويعبّد الطرق للقرى الفقيرة وذلك كله بأموال المحسنين التي يجمعها – بجهد شخصي - يوصلها إلى مستحقيها في تلك المجتمعات الاسلامية المحتاجة. وإن كان المرحوم قد انتقل إلى جوار ربه، لكنه ترك أثرا طيبا في اخوانه، وأبنائه، والمجتمعات الاسلامية التي نالت شيئا من جهده المبارك والذي سيبقى شاهدا على سيرته العطرة وعطائه المثمر.

نسأل الله تعالى أن يكتب له الرحمة والمغفرة والقبول و يجعل ذلك في ميزان حسناته و يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وأن يحشره مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

والحمد لله رب العالمين.