عناية الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بكتب التربية رسالة المسترشدين نموذجاً (4)

بعض كتب الشيخ في التربية والسلوك والأخلاق 

وسأتناول في حديثي هذا بعض الكتب التربوية مما ألفه الشيخ ابتداء أو تحقيقا وعناية، وسأحاول جهدي في تعريفي بهذه الكتب أن أقتصر ما أمكنني على ما ورد في المقدمات التي قدمها الشيخ لكتبه هذه، مبينا جهوده القيمة وعمله المتقن في تأليفها أو العناية بها وتحقيقها، وربما نقلت كلامه فيها حرفياً دون تدخل مني، لأنها تنبيئ بذتها عن الكتاب وموضوعه وجهود الشيخ فيه، بأسلوب واضح مشرق، وقد رتبتها بحسب تاريخ صدورها، ومن هذه الكتب: 

1. من أدب الإسلام.

2. قصيدة عنوان الحكم

3. صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل.

4. العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج

5. قيمة الزمن عند العلماء

6. الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم

7. سباحة الفكر في الجهر بالذكر.

8. تحفة النساك في فضل السواك 

9. العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار.

10. رسالة المسترشدين

1 ـ من أدب الإسلام

وهي رسالة لطيفة في حجمها، عظيمة في موضوعها ونفعها، جمع فيها الشيخ جُمَلاً مختارة من أدب الإسلام الحَنيف، المتعلقة بسلوك الإنسان المسلم وعلاقته بمن حوله من أهل وأصدقاء وجيران و.). وتلك الآداب قد دعا الإِسلام إليها، وحضَّ عليها، لتكامل الشخصية المؤمنة، وتحققِ الانسجام بين الناس، ولا ريب أن التحلِّي بتلك الآداب والفضائل مما يزيد في جمال سلوك المسلم، ويُعزِّز محاسنه، ويُحبِّبُ شخصيتَهُ، ويُدنيه من القلوب والنفوس، وهذه الآداب المذكورة هنا من لباب الشريعة ومقاصدها، فليس معنى تَسمِيَتُها (آداباً) أنها على طَرَف الحياة والسلوك، يُخيَّرُ الإِنسانُ في فعلها وتركها، أو الأولى فعلُها)(1) 

والرسالة من أوائل ما كتب الشيخ وألف، وقد ترجع الطبعة الأولى التي طبعت في حلب إلى أوائل الخمسينيات القرن الماضي وعندما أصدر الشيخ الطبعة الثانية من كتابه رسالة المسترشدين ألحقها به، وطبعها في آخر الكتاب عدة طبعات، ثم زاد عليها فوائد وآدابا حتى بلغت سبعين صفحة وطبعت مفردة في بيروت، وترجمت إلى عدة لغات، وانتفع بها خلق كثير، ويقوم نجل الشيخ الأستاذ الشيخ محمد زاهد بترجمتها الى اللغة الإنكليزية. 

2ـ قصيدة عنوان الحكم

وهي قصيدة رائعة جميلة تفيض بالحكم والهداية، مع العذوبة والفصاحة وحسن الصنعة البلاغية الرشيقة .... وقد ضمنها النصائح الغالية والمواعظ البليغة الواعية، للأديب الأريب الشاعر الناثر اللبيب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي المتوفى سنة: 400 هـ، وهي (من خير ما يحفظه الآباء للأبناء والمعلم للمتعلم)، وقد اعتنى الشيخ بإخراجها ونشرها رجاء انتفاع الطلبة والناشئة بها، لوضوح معانيها وجزالة الفاظها، وما تفيض به من النصائح الغالية في التربية والآداب والهداية واستقلال أبياتها حتى صار كل بيت منها مثلا بذاته

وقد شرحها الشيخ، وترجم لمؤلفها، مفصلا حياته الأدبية الغنية بالشعر الرصين، والنثر الجميل والذوق العالي. 

صدرت الطبعة الأولى منها، سنة: 1404هـ ـ 1984م، ثم جمعها الشيخ مع رسالته القيمة (من أدب الإسلام)، وصدرت عام: 1412هـ ـ 1992م

3ـ صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل.

وهو من أهم كتب الشيخ في مجال التربية وتهذيب الأخلاق، وذلك لما ضم من أخبار العلماء العاملين والنبهاء الصالحين، وذلك لأن أخبار هؤلاء العلماء من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة، وتبعثها على التأسي بذوي التضحيات والعزمات لتسمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات، وهي خير وسيلة لإشعال العزائم وإثارة الروح الوثابة وقدح المواهب وإذكاء الهمم وتقويم الأخلاق بصمت وهدوء، دون أمر ونهي، والتسامي إلى معالي الأمور والترفع عن سفاسفها، وهو (ينم عن اطلاع غزير وذوق رفيع وسمو في الاختيار، وبراعة في التعبير وإيجاز هو البلاغة بعينها)(2)

وتتصدر الكتاب مقدمات المؤلف لطبعاته الثلاث، ومقدمة المعتني به نجل المؤلف الشيخ سلمان، بالإضافة إلى ترجمة وافية للمؤلف، قد قسم الشيخ الكتاب إلى ثمانية فصول، تحدث في كل فصل عن جانب من جوانب صبر هؤلاء العلماء، وتحملهم التعب والسفر والجوع والعطش والفقر وترك الزواج والحرمان من ملذات الحياة، كل ذلك في سبيل طلب العلم، واقتصر الشيخ المؤلف في هذه الصفحات على إيراد الأخبار والوقائع دون تحليل أو تعليق، إذ هي ناطقة بذاتها لا تحتاج إلى شرح وبيان. 

وللشيخ في حواشي الكتاب لفتات تربوية نادرة، وملاحظات علمية قيمة مفيدة، قلما تجدها في أي كتاب آخر.

ختم المؤلف رحمه الله الكتاب بفهارس عامة للآيات والأحاديث والأشعار وأسماء الكتب ومؤلفيها والأعلام والموضوعات والفهارس والمراجع، تسهيلا للقارئ العادي والباحث العلمي للاستفادة التامة من الكتاب. 

يقع الكتاب في ثمان وخمسمئة صفحة، وطبع عشر طبعات، كان أولها في بيروت سنة: 1391هـ ـ 1971م، والعاشرة في بيروت أيضاً، سنة: 1433هـ ـ 2012م وزينها نجله الأستاذ سلمان بترجمة وافية للمؤلف رحمه الله .

وقد ترجم الكتاب من طبعته الأولى إلى اللغة التركية واللغة الأردية.

4ـ العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج 

وهذا الكتاب من الكتب التي ألفها الشيخ ابتداء، في مجال التهذيب والتربية والسلوك، بقصد حث طالب العلم على الاهتمام بالعلم، والتفرغ له وعرض فيه الشيخ سيرة خمسة وثلاثين عالمًا وفقيهاً، فضلوا العلم على الزواج، مثل ابن تيمية، والزمخشري، والنووي، وغيرهم من العلماء، وكان منهم: من طلَّق زوجته ليلة الدخلة وراح يُراجع الكُتب، ومنهم: من رأى أنّ إنجاب الكُتب أحسن من إنجاب الأبناء، ومنهم: من كان العلم شغله الشاغل وهمه الأول والأخير، فلم يُكن لديه متسع للتفكير في الزواج ، وذكر الشيخ منهم عالمة واحدة، اختارت أن تكون مُدرسة للرجال، لا زوجةً لأحدهم، وهي العالمة المحدثة كريمة المروزية ثم المكية.

والكتاب ليس كتاب تراجم للعلماء العزاب وعرض لأخبارهم بغرض التسلية والترويح عن النفس، بل هو كتاب حفز للهمم، وتعليم وإرشاد، وأخلاق لطالب العلم وغيره ودفع للمعالي، بأسلوب قصصي إخباري أخّاذ، وهذا ما نلحظه في مقدمة المؤلف الذي يقول: (وقد توخيت في اختيار من أترجم لهم من العلماء العزاب، في هذا الكتاب، أن تكون سيرتهم موجِّهة، معلِّمة، حافزة، وأن تكون حياتهم العلمية والسلوكية، جياشة، بالغة بأنواع الفضائل والمآثر، تبعث في نفس قارئها الائتساء والاقتداء بهم خلا العزوبة..)(3) 

مع أن الشيخ أكد أنّ (الزواج في الإسلام مرغب فيه أتم الترغيب، ومحضوض عليه آكد الحض، إلى جانب أنه أمر فطري مركوز في الطبيعة الإنسانية.. ومن السهل أن ندرك أن التبتل والانقطاع عن الزواج اختياراً: شدة من أكبر الشدائد في حياة الإنسان العالم... يفقد بها الكثير من متع الحياة، وهذه شدة، لا يتحملها إلا من رأى الصبر عليها أهون عليه من فقد الازدياد من العلم وتحصيله وبثه..).(4)

يقع الكتاب في طبعته الأولى التي طبعت في بيروت، سنة: 1402هـ ـ 1982م، في 153 صفحة، ويضم عشرين ترجمة لعلماء عزاب، وعدد صفحاته 153 صفحة، ثم صدرت له طبعة ثانية مصورة عن الطبعة الأولى، في الرياض سنة: 1403، وطبعة أخرى في نفس العام في مدينة لاهور بباكستان، أما الطبعة الرابعة التي طبعت في بيروت أيضا، سنة:1416هـ ـ 1996م، وجاءت في 323 صفحة، بعد أن زاد فيها المؤلف ترجمات لخمسة عشر عالما عزبا، بالإضافة إلى الزيادات في الحواشي والطرائف والتعليقات، فجاءت أكثر جمعاً وأحسن مضموناً وأوفى فائدةً. 

5ـ قيمة الزمن عند العلماء

وهو من الكتب التي ألّفها الشيخ ابتداء في مجال التربية الصامتة البعيدة عن الوعظ والخطابات المباشرة، وهو والكتابان السابقان، يعد من أهم كتب الشيخ التربوية الفريدة في موضوعها، والداعية الى الالتزام بأخلاق العلماء.

يبن الشيخ في كتابه هذا قيمة الوقت، والحفاظ عليه، والاهتمام بالاستفادة منه، مع ذكر أخبار العلماء في الحفاظ على الوقت، وعرض مآثرهم العلمية، يقول في مقدمة الطبعة الألى للكتاب: (هذه صفحات وجيزة كتبتها في بيان قيمة الزمن، وأردت بها التعريف بقيمة هذه النعمة العظيمة، التي هي ميدان الحياة في محيط العلم وأهله، وكيف يمكن أن يأتي بالعجائب المدهشات، إذا أحسن المرء الاستفادة منها، ونظم حياته وأوقاته بنظام، وبعد عن الوقوع في الفضول في الكلام والطعام والاجتماعات واللقاءات)(5) 

والشيخ يستهدف في كتابه طلاب العلم خاصة فيقول: (وأخصّ بحديثي قيمة الزمن عند طلبة العلم وأهل العلم فحسب، رجاء أن يكون حافزاً لهمم أصحاب العزائم من شبابنا طلاب العلم في هذه الأيام، التي فترت فيها الهمم، وتقاعست غايات المجدين وندر فيها وجود الطلبة المحترقين بالعلم، فمات النبوغ وساد الكسل والخمول)(6)

وقد نال الكتاب القبول من كثير من العلماء وطلاب العلم، فكتب كثير من الكتاب في هذا الموضوع المهم، لكن بعضهم أخذ جل ما كتب من كتاب شيخنا، واقتبس بعضهم منه الكثير الكثير، دون الإشارة إلى كتاب الشيخ مصدر هذه الاقتباسات، مما حدا بالشيخ أن ينبه إلى هذا الأمر في مقدمته للطبعة الثامنة بقوله: (... وكنت أود أن يذكر ـ هذا المؤلف ـ من أين اقتبس هذه النصوص التي ألف منها كتابه أداءً للأمانة)(7)

يقع الكتاب في أربعمئة صفحة تقريباً، وقد بذل الشيخ جهداً كبيراً بالعناية به، وختمه بفهارس عامة للآيات والأحاديث والآثار والأشعار وأسماء الكتب ومؤلفيها والأعلام والمراجع والموضوعات والفوائد والفهارس، تسهيلا للقارئ العادي والباحث العلمي المتخصص للاستفادة التامة من الكتاب، وذكر في نهايته أبيات نفيسة التقطها من ظهور الكتب التي قرأها، رحمه الله تعالى. 

يتبع

1 من مقدمة الرسالة.

2 من مقدمة المؤلف

3 مقدمة الكتاب. 

4 المصدر السابق.

5 مقدمة كتاب قيمة الزمن عند العلماء.

6 المصدر السابق.

7 المصدر السابق.