رحمك الله يا أبا حسن

كلمات في وداع الأستاذ محمد محيي الدين الأصفر

لاقى الأستاذ محمد بن محيي الدين المشهور بحسن الأصفر وجْه ربه...يوم الأحد 30 من شهر الله المحرم لسنة 1441للهجرة و29 من أيلول لسنة 2019 شمسية عن اثنين وثمانين عاما ، وهو من مواليد بلدة الكسوة قرب دمشق سنة 1937.....

مات ابن مدينة الكسوة التي تعرفه ويعرفها، يعرفها مدينة معطاءة، تبذل مهجها، وفلذات أكبادها، لخير البشر جميعًا سواء منهم من ولد فيها وشبّ وترعرع على ثراها، وفي جنبات ربوعها، أو غيرهم من ساكني المعمورة بأسرها...

أما هي فتعرفه ابنًا بارًا، وفتى خدومًا، ورجلًا صالحًا، وأديبًا ألمعيًا، وعالمًا فذا...

وقد كان هو من أبرز ما أعطت، وأنبل ما أهدت...فكان أصدق ما يُقال عنه وعنها:

كلٌّ بصاحبه يفاخر في الورى===متنافسَيـــــن ببذل كل مفـــيدِ

هي في بنيها لم تضنّ بخيرهم===وهو الذي أعطى بغير حدود

وكان أبو حسن من أرفع ورود الكسوة قامة، وأزكاها عطرًا، وأبهاها حسنًا وجمالًا...أما قامته فكانت منتصبة لم تستطع رياح السموم أن تحنيها، وأما عطره وأريجه، فقد نعم برائحته كل من صاحبه ورآه، وحتى من سمع به...وأما حسنه وبهاء طلعته.. فيتحدث عنها من ذاق الاستمتاع بإشراقتها، والاستضاءة بنورها...

من ذا الذي لا يعرفن أبا حسن===وهو الأمــــين بكسوة والمـؤتمن

ما مر فيهـــــــا راكبٌ إلا توقـّـ===ــف سائلًا عمن يجود بلا ثمــن

فيقال: هذا من خيار رجــــالها===من آل أصفر وهو دُرَّةُ ذا الزمن

المرة الوحيدة التي رأيته فيها كانت في الأردن، أمضيت معه فترة من الزمن، هي من فرط لذتها، ولطف أنسها، تبدو وكأنها طرْفة عين، لكنها من عظيم فائدتها، وجليل قدرها، تُرى وكأنها عمر بكامله...تذكرت في خلالها عظامًا من الرجال، وجهابذة من العلماء، وكوكبة من الدعاة...ذكرت الشيخ نايف العباس ووقاره، الأستاذ محمد على دولة وأدبه وبُعد نظره، وشدَّتني الذاكرة إلى الأستاذ إبراهيم عاصي الذي كان في كثير من الأحيان يعتبر جامعها الكبير محطة راحة له، واستجمام، وهو يتنقل بين مسقط رأسه جسر الشغور، ومنفاه السويداء، كانت جلسة ثرية وندية وبهية... تملك من مقومات استمرار الحياة في ظلها ما تعجز الأيام مهما قست أن تمحوها...

رأيت الشام في عينيه تشكو===خيانة قرمط وسعار جهل

وتشكو فقد خالد بعــد عمرو===وفحلًا قد توارى إثر فحلِ

ونورًا قد خــــبا بعد انتشارٍ===وجدبًا قد بـدا في كل سهل

قال عنه ابن بلدته وصديقه ، الأستاذ عبد المنعم ناصر: كان زاهدًا من غير تزهُّد، وقاضيًا للحوائج من غير تلكؤٍ أو تمنُّع، يحب أن يكون مغلوبًا لا غالبًا في العلاقات المادية مع الناس، تلك الميزة التي اختفت عند كثير من الكبار والمشاهير، استقرَّ في قطر، وعمل في مجلة الأمة، وأعطاها عصارة علمه وفكره، وذوقه وأدبه وفنه، ثم انتقل ليعمل في مصلحة الزكاة فكان مثال العامل القوي الأمين

مات أبو حسن لكن أعماله باقية ولن تموت؛ لأنها من الباقيات الصالحات إن شاء الله.....مات أبو حسن الأصفر من بعد أن قرّت عينه بغرسه الذي أزهر وأثمر...مات أبو حسن الأصفر، وهو بمناقبه على كل لسان يُذكر...

اللهم ارحمه واغفر له واجعل له مقعد صدق عند مليك مقتدر...