سعيد الطنطاوي رحمه الله تعالى .. وأقباس من الذكرى

أحبتنا الأماجد إن رحلتم ** ولم ترعوا لنا عهدا وإلا 

نودعكم ونودعكم قلوبا** لعل الله يجمعنا .. وإلا 

أنشدني الشيخ الراحلُ هذين البيتين قبل قرابة عشرين عاماً في أوائل زياراتي له و معرفتي به، وهو يغلق باب شقته في مكة المكرمة رويداً رويداً، كأني أسمع صوته الآن، وقد كان لقائي بالشيخ في أول أيام المرحلة الثانوية ثم الجامعية فكان المورد العذب الزلال، ثم انقطعت عنه بعد ذلك إلا ما يصلني من أخباره، حتى سمعت خبر وفاته، فرحم الله الشيخ الكبير سعيد الطنطاوي، وأعلى درجته في الجنة وأحسن عزاء أهله ومحبيه، فقد ودَّع هذه الدنيا قبيل ظهر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر الله المحرم من عام واحد وأربعين وأربعمئة وألف:25/1/1441هـ عن عمر قارب المئة عام، وصلي عليه في المسجد الحرام فجر اليوم الذي يليه، ودفن في مقبرة المعلاة. 

كان رجلاً قليل المثال في الناس، ولو صور التاريخ رجلاً لما اختار غير صورة الشيخ سعيد، الشيخ الوقور ذي اللحية البيضاء والحاجبين الكثيفين والصوت الذي يسري إلى الأعماق ويأخذ بمجامع القلوب، كتب بعض محبيه يوم وفاته: "محمد سعيد بن مصطفى بن أحمد الطنطاوي ولد بدمشق سنة 1343هـ 1924م من كبار المربين، وألمع مدرسي الفيزياء والكيمياء والرياضيات، عالم فقيه، وداعية خطيب، وأديب شاعر، وجدِل قوي الحجة، ومثقف واسع الاطلاع وافر المحفوظ، مع ذاكرة واعية مسعفة، وبديهة حاضرة متقدة، اشتهر بالجرأة والصرامة، والنبل والشهامة، وأحد أذكياء الدنيا وأفراد الدهر في الزهد والورع والعبادة، والأخذ بالعزائم واجتناب الرخص، ومن رواة الشعر وحفاظ عيونه وروائعه، وصاحب أسلوب فذ مطرب في إلقائه، وقدرة فائقة على ارتجاله ونظمه، وبلغ منزلة عالية رفيعة في الإحاطة بالتاريخ الإسلامي، وكأن أحداثه ماثلة بين عينيه، لا يغيب عنه شاردة ولا واردة".

وهذه أقباس من الذكرى كتبتها عفو الخاطر، وأعلم أن لدى غيري ممن قَدُمَتْ صحبته للشيخ أو اتصلت به أسبابه أضعاف ما ذكرت، ولكن كما قال الجواهري: 

وإني إذ أُهدي إليك تحيتي * أهزُّ بك الجيلَ العَقوقَ المعاصرا 

أهزُّ بك الجيل الذي لا تهزه ** نوابغه حتى تزور المقابرا

1- قلت له مرة وكان يسكن شقة في الدور الثاني: لو اتخذت لك سكناً في الدور الأرضي، وذلك لما رأيت عليه من مشقة الصعود بعدما كبرت سنه، فقال لي: قريبا يكون هذا، وكأنه يشير إلى موته ونزوله القبر، فرحمه الله.

۲- استنشدني مرة قصيدة الزركلي الذائعة: (العين بعد فراقها الوطنا) فأنشدتها، حتى بلغت بيتها الأخير:

لو صوروا لي موطني وثنا ** هممت أعبد ذلك الوثنا 

فصرخ الشيخ بلهجته المحببة وقال: قل كما كنت أقول في صغري، فقلت: وما أقول؟ قال:

لو صوروا لي موطني وثنا ** هممت أكسر ذلك الوثنا 

٣- وقرأت له ما يشبه هذا أيضا في تحقيقه لكتاب رحلة الشتاء والصيف للحسيني (1070هـ) وهو من منشورات المكتب الإسلامي -وقد حدثني الشيخ أنه عمل فترة من الزمن في التصحيح متعاوناً مع المكتب - فقد أورد المؤلف بيتاً من الشعر فيه: 

أمَّلته ثمَّ تأملته ** فلاح لي أن ليس فيهِ فلاحْ

وأنَّ من يُنزل آماله * بحادث السعد قليل النجاحْ

فقال: "ما كان أحسنه لو قال: 

وأن من يتزل آماله ** بساحة العبدِ قليل النجاح" 

وله على هذا الكتاب تعليقات و تحقيقات نفيسة جداً، وقد حدثي أنه حققه كاملاً بدون مراجع. 

4- قال لي: أُخرجت من الشام إلى بيروت وبقيت فيها سنة ونصف السنة، وسبب إخراجي أني كنت معارضاً ومشاغباً، وأقول: لا تجتمع دراسة وحزبية، فاجتمعت لجنة وقرروا إحالتي إلى القضاء، وكان الوقت قرب الحج وكانت لي رغبة فيه، فخرجت إلى الحج عام 1386هـ، وبعد الحج ذهبت مع رفقة إلى بيروت، وجاءني بعض طلابي يزورني في بيروت وهو يعمل في المملكة العربية السعودية، وقال لي: لماذا لا تجيء لتُدرِّس في السعودية؟ فقلت له: لا مانع لدي، وذهبنا إلى اللجنة السعودية فقام أحد أفراد اللجنة وهو رجل كهل فسلم علي وصار يسألني بعض الأسئلة كأنها أسئلة تعارف فقط، ثم وقعت اللجنة كلها وتم العقد ب- (۷۹۰) ريالا، فلما خرجتُ قال لي صاحبي: لماذا لم تخبرهم أن لديك شهادة ثانية؟! قلت: ما سألوني! فذهب صاحبي إلى مدير اللجنة وأخبره بذلك فكتبوا عقدا جديدا ب(840) ريالاً، ثم لما علموا بخبرتي في التدريس ۱۲ سنة جعلوا العقد ب(1340) ريالاً، وأول ما جئت جئت مدرساً في مركز الدراسات التكميلية بالطائف.

5- حدثني فقال: اشتريت ساعي الأولى من (الألباني) بعدما احتجت إليها يوم صرت أدرس في ثلاث مدارس، وذلك في السنة الأخيرة. وقال: اجتمعت مع الألباني للتباحث ساعتين وثلاثاً، ويصير نفس الشيء لا نخرج بنتيجة، وتناقشت معه عن الأذان الأول يوم الجمعة، قال الشيخ سعيد: ثلاثة كلهم متعبون، وهم (زي العصفور) يعني: لا يمكن الإمساك به ينطُّ من مكان إلى مكان، أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام وناصر الدين بن نوح والعبد الفقير، يعني ابن تيمية والألباني وسعيد الطنطاوي، رحمهم الله أجمعين.

6- الشيخ سريع البديهة حاضرها، يلهو بجليسه وجليسه لا يشعر أحياناً بمداعبة الشيخ، فلا ينتبه لهذا إلا بعدما يكون الشيخ أخذ منه كل مأخذ مع شدة تيقظه وانتباهه، سلمت عليه مرة في المسجد وكان معه رجل عن يمينه وشاب عن يساره، فقال لي: أتعرف فلان بن فلان بن فلان، وذكر اسماً لا أتذكره الآن، وظننته يريد رجلاً من رجال التاريخ، لأنه كان يرفع صوته بالسؤال وينطق الاسم بفخامة اسم رجل في الزمن الأول، فبقيت مفكراً متحيراً، فلما رآني أطلت، تبسم ضاحكاً والتفت إلى الشاب الذي يجاوره، وقال لي: سلم على فلان بن فلان بن فلان !! 

7- قال لي الشيخ إن أستاذ مادة التعبير (الإنشاء) طلب من التلاميذ وأنا في الصف السادس الابتدائي كتابة أو إكمال قصة أو حوار بين هر دخل إلى البيت فرأى فأراً، فذهب التلاميذ كلهم يكتب قصة وحواراً، وكتب الطفل سعيد الطنطاوي هذه الأبيات:

ربض الهر أمام المنزل ** وأجال العين مثلَ البطل 

ولعينيه بريق لامعٌ** كشرار طار حول المنقلِ

فرأى فأراً يريد وكره ** فأتاه كالقضاء المنزلِ

ثم أقعی مغمضاً أجفانه **فبدا في لطفه كالحَمَلِ

خدع الفأر به لما رأى ** في هدوء القطِّ وجة الأملِ

ظن أن الذئب ينسى طبعه ** لا يزول الطبع حتى الأزلِ

قفز القطُّ على صاحبه ** وبدا يأكله في جذلِ

إلى آخر ما أنشدين، وقد أكون نسيت بعضها أو أبدلت بعض حروفها.

8- حدثني الشيخ أنه خرج مرة من مسجد جامعة أم القرى، فصادف الشيخ صالح بن حميد قال: فسألته عن الشيخ محمد الصابوني، فقال الشيخ صالح بن حميد: إنه مريض ملازم للفراش، من علة أصابته بسبب ناموسة قرصته، قال الشيخ سعيد فقلت له: 

وشيخك هدَّته ناموسةٌ**وشيخُ سواك يَهدُّ الجبلْ

9- الشيخ رحمه الله محيط بالتاريخ كأنه بين عينيه، وكم قصَّ علينا من أخباره، كخبر الحارث بن عوف الذبياني وزواجه من بنت أوس بن حارثة الطائي، يقتصه أحسن اقتصاص، وغير ذلك كثير، سألني الشيخ مرة: أين رَهَابَتُك ؟! فلم أدر ما أقول، وأحسن ما تفعله في مثل هذه الأحوال أن تسكت، لأنك إن أجبت جواباً لم تتثبت فيه قال الشيخ لمن حضر بلهجته المحبة: "علّقه على الجميزة"، كالمنكل بك عند الخطأ .. ثم أفاض الشيخ في حديث لا أزال أجد حلاوته كلما تذكرته، في خبر طويل من أخبار الصدر الأول، والشيخ لا يلقي الحديث هكذا كما تسمع من أبناء زمانك، وإنما يؤدية إليك فكأنما أنت بين القوم، تسمع حديثهم وترى أشخاصهم، يحرك يديه ويرفع صوته ويخفضه، ويتقدم ويتأخر، قال الشيخ: "عرض سلمان بن ربيعة الباهلي الخيلَ، فمر عمرو بن معد يكرب الزبيدي على فرس له، فقال سلمان: هذا الفرس هجين، فقال: بل هو عتيق، فقال سلمان: هو هجين، فقال عمرو: هو عتيق، فأمر سلمان فعُطِّش، ثم دعا بطست فيه ماء، ودعا بخيل عتاق فشربت، وجاء فرس عمرو فثنى يده وشرب، وهذا صنيع الهجين، فقال له سلمان: أترى! فقال عمرو: أجل، الهجين يعرف الهجين، فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو: قد بلغني ما قلت لأميرك، وبلغن أن لك سيفاً تسميه الصمصامة، وعندي سيف أسميه مصمماً، وأيم الله لكن وضعته على هامتك لا أقلع حتى أبلغ به رهَابتك، فإنْ سرَّك أن تعلم أحق ما أقول فعد، والسلام"، قال ابن خلكان : الرهابة : على وزن السَّحابة، عظم في الصدر مشرف على البطن مثل اللسان.

10 - كان الشيخ يثني كثيراً على كتاب وفيات الأعيان، ولا يعدل بالأحمدين شاعراً، ويفضلهما على كل من سواهما، والأحمدان أبو الطيب المتنبي وأحمد شوقي، وأسمعني مرات قصيدة شوقي في صقر قريش عبدالرحمن الداخل: 

من لنضو يتترَّى ألما**برَّح الشوق به في الغلسِ

حنَّ للبان وناجي العلما**أين شرق الأرض من أندلسِ

..

صحب الداخلَ من إخوته**حَدَثٌ خاض الغمار ابنُ ثمانْ

فإذا بالشطِّ من شقوته ** صائح صاح به: نلتَ الأمان ْ

وليتك تسمع الشيخ وهو يقول (نلت الأمااان)، ويمدّ بها صوته .. 

أيها اليائس من قبل المماتْ**وإذا شئت حياة فالرجا 

لا يضق ذرعك عند الأزمات ** إن هي اشتدت وأمِّل فرجا 

ذلك (الداخل) لاقی مظلماتْ** لم يكن يأمل منها مخرجا

..

وإذا الأخلاق كانت سلما**نالت الشمس يدُ الملتمسِ

فارق فيها ترقَ أسباب السما**وعلى ناصية الشمس اجلسِ

..

خذ من الدنيا بليغ العظة**قد تجلت في بليغ الحكم

طرفاها جمعا في لفظة**فتأمل طرفيها تعلمِ

الأماني حلم في يقظة** والمنايا يقظة من حلمِ

...

كنت صقراً قرشياً علما ** ما على الصقر إذا لم يُرمَسِ

إن تسل أين قبور العظما ** فعلى الأفواه أو في الأنفسِ

رحم الله الشيخ سعيداً، فهو على الأفواه وفي الأنفس.

11- وكثيرا ما ينشد قصيدة الزركلي التصويرية الرائعة: 

سكنت ضوضاء من في الحيِّ لا حيَّ تراهُ

وغفا الثائر لا يلهج إلا بمناه

...

قُرع الباب فصاحت ربة المنزل ليلى

من يزور الحي أو يطرق هذا الباب ليلا؟

فتعالى الصوت لا تخشي فداك الروح ويلا

وافدٌ مالت به نحوكم الظلماء ميلا

فتمشَّت تفتح الباب يجر التيه ذيلا

وهي موشحة طويلة في ديوان الزركلي كتبها عام 1921م.

12- زرته يوماً صحبة أخ فاضل وهو أحد مهندسي سابك، فكان الشيخ يسأله عن الجدول الدوري للعناصر الكيمائية فيتأخر صاحبنا في الجواب، والشيخ يذكر العناصر الكيمائية ورموزها وأعدادها الذرية، وذلك الجدول الكبير الذي يعاني من حفظه الطلاب في مادة الكيمياء كل المعاناة، يعرف ذلك من درس هذه المادة، وقال الشيخ: إنني لم أراجع هذه المعلومات منذ أكثر من أربعين سنة أو كلاماً يشبه هذا، ولما خرجنا لم يزل صاحبنا لهجاً بحال الشيخ، يتعجب منه ولا يفتر.

13- أسمعني في ليلة من الليالي من قصيدة الرافعي العجيبة:

في كف كلِّ فتي صُبَّت سواعده ** صبَّ الحديد .. فلا وهن ولا خورُ 

يمده القلب والأبطال مدبرة ** والموت ينفخ في نار وهم شررُ

فوق الطبيعة بالإيمان قد خرجوا ** من مصنع الله .. لا جن ولا بشرُ

في الماء موج، وجمر في اللظى، وهم ** صخر الثرى .. وكما أظهرتهم ظهروا 

.. ثم وصف الرافعي جيش الطليان فقال: 

تالله لو أنهم جن جماجمهم * ذرى الجبال يغطي جلدها الشجرُ

ومن رقابهم في الجو أعمدة ** وفوق كل عمود في السما قمرُ

وتحت أرجلهم قاع المحيط ومن ** أطراف أيديهم يسترسل المطرُ

وكان (فيزوف) فوق اليم بارزة ** وخلفه كل بركان سينفجرُ

وأقبلوا ولهم تلك القلوب لما ** صدواً عدواً، ولا فازوا ولا انتصروا 

...

يا أمة النحت والتصوير ويحكم**حتى جنودكم الأنصاب والصورُ

ثم أسمعني بعدها أبياتا رقيقة للرافعي يقول فيها:

من للمحب ومن يعينه ** والحب أهنؤه حزينةْ

أنا ما عرفت سوى قساوته فقولوا كيف لينةْ

قلبي هو الألماس يعرف من شعاعته ثمينه 

قلبي يحب وإنما أخلاقه فيه ودينهْ

فاستمليته أبيات الرافعي الأخيرة، فقال: كيف أنشدك القصيدة الأولى ولا تكتبها ثم تكتب هذه؟! ثم قال لي ممازحاً بعد كتابة الأبيات: ضعها في ماء واشربها لمدة ثلاثة أيام تصبح أكبر عاشق في الدنيا !! ولا زالت هذه الورقة الصغيرة عندي مؤرخة بتاريخ ( 285/1421هـ) لم أضعها في الماء ولم أشربهما.

14- كان الشيخ يدرس الفيزياء في الشام، وقد وعد الطلاب بأن يكون الاختبار ويسمونه (الفحص) يوم الأربعاء، والطلاب يسألون الشيخ ويلحون عليه في تأخير موعد الفحص، قال الشيخ: فلحق بي أحد الطلاب عند باب الفصل بعد نهاية الدرس وقال متى موعد الفحص يا أستاذ؟ فقلت له:

ألم تر أهم عبثا أرادوا ** على التأجيل فحص الفيزياءِ

فأعرض عنهم وادرس بجد ** فإن الفحص يوم الأربعاء 

15- أنشدني مرة هذين البيتين وحفظتهما منه: 

الناسُ كالأرض ومنها همُ** من خَشِنٍ فيها ومن لِّينِ

مروٌ تشكَّی الرِّجلُ منه الأذى ** وإثمدٌ يوضع في الأعينِ

16- زرته مرة مساء يوم جمعة فأخبرني أنه خطب بكم في مسجد فقيه ذاك اليوم رجل فكانت خطبة فريدة وذكر من حسن الحديث وفصاحة الإلقاء وأثني كثيراً ولم يزل معجباً متعجباً، قال الشيخ: فسألت عن اسم الخطيب بعد الفراغ من الصلاة، فقيل لي: إنه د.سعد البريك.

17- أسمعته قصيدتي في وفاة جدتي رحمها الله عام 1423هـ ومطلعها:

أسمع اليوم ترانيم خطاها ** في نواحي الدار .. لكن لا أراها 

ونسيم الصبح من أنسامها ** وشذا الأزهار شيء من شذاها

..

وقفت أحرفنا عاجزة ** عن رثاها .. طيَّب الله ثراها 

فاستحسنها وقال لي: لو كنت جئت قبل مئة عام، لجعلت (طيب الله ثراها) على حساب الجمل في تاريخ وفاتها.

18 - سألته مرة عن حال الأمة الإسلامية، وكيف لها أن تعود إلى ماضي عزها ومجدها، فقال لي: الأمة الآن كالرجل الواقف على رأسه ورجلاه إلى أعلى، لابدَّ أن تعدل حاله أولاً ثم تأمره بما تحب، ثم أفاض في حاجة الناس أولاً إلى الإيمان، وحديثاً أذكر معانيه ولا أذكر ألفاظه.

19- كنت أمشي معه في الطريق إلى بيته رحمه الله، وكان الجو لطيفاً، فقلت له: الجو جو لطيف، فقال على البديهة: 

الجو جو لطيف ** وأنت ألطفُ منهُ 

إنْ كنت تعلم هذا ** أو لا .. فسلنيَ عنهُ

20- جئته مرة بكتاب أبي إسحاق الزجاج (تفسير أسماء الله الحسن)، اشتريته من بعض المكتبات التي بجوار المسجد الحرام في الشامية القديمة، وأحببت أن أقرأ عليه و أستفيد من تعليقاته، فامتنع عن ذلك وقال لي: لا تقرأ على أحد كتاباً حتى يكون هو قد قرأ الكتاب قراءة درس وفهم معانيه، وكلاماً نحو هذا، فكانت هذه الفائدة أحب إليَّ من قراءة الكتاب، ثم قام إلى دفاتر كانت عنده بخط يده، فيها فوائد وأخبار وأبيات، وأحضر لي دفتراً منها وجعلت أقرأ عليه.

21- أنشدني الشيخ مرة هذين البيتين، ومنه حفظتهما:

يا ليتني أحيا بقربهم ** فإذا فقدتهمُ انقضى عمري 

فتكون داري بين دورهم ** ويكون بين قبورهم قبري 

فرحم الله الشيخ سعيد الطنطاوي، وأحسن نزله، وسلام عليه في الآخرين، والحمد لله رب العالمين .