في وداع أم بلال: مسرَّة بنت أحمد البيانوني

عندما تعرفت بمكة المكرمة على آسية ابنة أختنا الزهراءالبيانوني في بيت آل الحزواني الكرام، الذين فتحوا لي دارهم واعتبرتها - كعادتي في أية أرض أنزلها - دار دعوة ، وحططت بهموم الشابات آنذاك في جنبات قلوبهم تنبض بهمِّي، وتجتهد لدأبي، وتحنو على دعوتي صغاراً كنّ وكباراً كباراً .

وليس عجباً ما كانوا عليه فما والدتهم إلا إحدى بنات الشيخ أحمد بن عيسى البيانوني، ووالدهم الصالح الشيخ عثمان الحزواني، وقد كانت السيدة والدتهم أعجوبة في تقليب الأمور لصالح الدعوة والمدعوين تتحيَّن الأعمار في أول خطاها وتترفَّق النفوس بكلمات صادقة مخلصة حفظها الله تعالى من حبيبة صدوقة .

وكنت أسألها دواماً عن أسرتها فتحدثني بالعجب العجاب من سير زكية عاطرة وأمثلة فذَّة في البذل والعطاء والصبر والمصابرة حتى دعتهن -الحبيبة الوالدة حفظها الله تعالى -إلى بيتنا في مكة المكرمة، وكنت آنذاك حديثة عهد بالزواج ١٩٨٢

وكنَّ الأربعة مثال الصلاح والعلم والدعوة والزهد :

بشرى

الزهراء

خديجة

ومسرَّة

وكان لقاء عجيباً ماتعاً، وكنت أخالني بين نساء عصر النبوة الأول .

إذ كانت الحاجة بشرى ذات باع طويل في التعليم الدعوي في حلب الشهباء وكانت النساء يرتدن مجلسها فلا تأخذهن إلى البدع من الطرق ولا تخاطبهن بما لايفهمن من القول وكم من عاصية حدثتني عن توبتها وأوبتها ورجوعها الى الصلاح بتوفيق الله لها على يدي الأخت بشرى الصابرة المصابرة الممتحنة زوجة العالم الصالح الشيخ محمد الحجار .

وكذلك السيدة خديجة زوجة الأستاذ محمد فؤاد جبقجي

من المؤمنات الصامتات الكريمات المتواضعات

كانت تدفع إليّ ببيتها وبناتها وكل ما تستطيعه لحمل دعوتي وأنا لازلت غرَّة صغيرة ، وصبرت على محنتها ولأوائها فلم أسمع لها تشكياً ولا وجلاً ولاتضجراً مع شدة كربها شفاها الله تعالى .

وأختهن ألوف زوجة الشيخ حامد غريب وقد زرتها في المدينة المنورة ولم أقف على حالها إلا بماظهر لي من صفة الصبر والاحتساب الذي رعيته عند أخواتها .

أما صغراهنَّ السيدة مسرة زوجة الداعية المربِّي الشيخ عبد المجيد البيانوني فقد كانت مثالاً للجمال والخلق والتواضع وسلامة الصدر وعفة اللسان والأدب الجم مع أخواتها وأحمائها وبين الناس جميعاً .

وكثيراً ما تغتر المرأة بجمالها أونسبها أو مكانتها بين الناس لتتطاول على بنات جنسها أو على أحمائها أو مجتمعها الذي تعيش فيه، لكنه ماكان للمرأة الصالحة إلا أن تتواضع مع كل ما آتاها ربها ليزيدها عزاً وزهداً وصبراً ورضى، وهكذا كانت السيدة مسرَّة، وعلى هذا عاشت فلم تغيِّر ولم تبدل، ولم تهجر خيراً عملته إلا لماهو خير منه ولم تخض فيماكانت تخوض به النساء من القيل والقال ومايتبعه من صوارف الدنيا .

وقد كان لها من الهجرة هجرات، وما ذلك بالأمر اليسير لكنه الرضى والسعي إلى ماهاجرت إليه .

أنجبت وربَّت وزوجت وتوالد الأحفاد أمَّة من الصالحين، وماسمعت لها من شكوى وماعرفت لها من حيرة رغم اللأواء والمرض والشدَّة والضنى .

حتى وافتها المنية فجرالأربعاء 26 من شهر الله المحرم 1441 الموافق 25 / 9 / 2019 في غربتها وهجرتها، وكل من حولها من الزوج والأبناء والأصهار يعملون في ميادين الدعوة والتعليم وحمل همّ الأمة وقد امتحنت بنكبتها بالطغاة الظالمين، ومضت صابرة راضية محتسبة .

كريمة أهل بيت كريم

رحم الله منهم من مضى

وحفظ من بقي بالصحة والعافية والبركة .

وهنيئاً لأمة فيها من أولي السلف بقية باقية تجدِّد العهد وتحفظ الدين .