عناية الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بكتب التربية رسالة المسترشدين نموذجاً (2)

شيوخه في التربية والسلوك والتجليات التربوية عنده

إن علاقة شيخنا بالتربية والسلوك قديمة قدم تعلقه بشيوخه، الذين لازمهم في مطلع حياته ومبتدأ طلبه للعلم، وكان لشيوخه هؤلاء الأثر الواضح في حياته وأخلاقه وعلمه وعمله في خدمة هذا الدين وأبنائه من الناشئة والشباب، وفي خدمة الكتاب الذي أحبه وأفتى عمره في البحث عنه وبذل الغالي والنفيس لاقتنائه والحصول عليه وسهر الليالي الطوال في مطالعته وخدمته والعناية به 

وأرجو أّلّا أكون مغالياً أو بعيداً عن الحقيقة إذا قلت إنّ شيخنا قد قيض الله له من الشيوخ الربانيين المربين المرشدين ما جعله نسيج وحده في التربية والإرشاد والسير والسلوك والأخلاق. 

أولاً : الشيخ عيسى البيانوني.

وأدع الحديث لسيدي الشيخ ليحدثنا عن بعض شيوخه المربين المرشدين وعلاقته بهم، وتأثره بهم فهو يقول: (أما مشايخ العبد الضعيف أهل تقى وبر وإحسان، جزاهم الله خيراً، وأحسن إليهم، ونفعنا بذكرهم، ومن مشايخي الذين تعلقت بهم أول الأمر

فضيلة الشيخ عيسى البيانوني ـ رحمه الله ـ هذا شيخ من شيوخي كان في حينا (الجبيلة)، وكنت أصلي في المسجد عنده، وكان شيخاً من محبي النبي صلى الله عليه وسلم جداً جماً جماً جماً، وكان حبه للرسول صلى الله عليه وسلم، يؤثر على مجالسه، وكان يدرسنا الأخلاق، والأخلاق تدرس، ولكن تدريسها غير تطعيمها، التدريس سماع الأذن، والتطعيم إشباع القلب، ففرق بين الأذن والقلب. 

إذا اشتبكت دموع في خدود= تبيّن من بكى ممن تباكى(1)

فكان الشيخ ـ رحمه الله ـ بحاله ومقاله محباً للنبي صلى الله عليه وسلم، سالكاً السلوك الصلح التقي النقي، مع الزهد والورع والتقوى والحب للخير والصبر على طلبة العلم جزاه الله خيراً، وكان هذا من شيوخي الذين أولوني حبهم وعطفهم وخيرهم، فانتفعت بهم، ودرست بين يديهم، وهم أهل بركة كبيرة علي)

وقد قرأ شيخنا الشيخ عبد الفتاح ـ رحمه الله ـ على شيخه هذا الكثير من الكتب، التي تتعلق بالأخلاق والتربية والسلوك، مثل (شرح الحكم) لابن عطاء الله الاسكندري، وشروح أخرى لها و(التنوير بإسقاط التدبير)، و(تنبيه المغترين) للشعراني و(بداية النهاية) للغزالي و(تفسير سورة الإخلاص) للغزالي وغيرها من الكتب، وكان بعضها بحضور الشيخ المربي أبي النصر خلف الحمصي ـ رحمه الله ـ 

ثانياُ الشيخ إبراهيم السلقيني.

ويقول ـ رحمه الله ـ (ومن مشايخي الشيخ إبراهيم السلقيني ـ رحمه الله ـ وكان شيخاً من الأولياء من أهل الصلاح والزهد والعلم والتقوى، على مرتبة عالية، وعاش نحواً من مئة سنة، كان يدرسنا النحو في (القطر)، وكان يغلبه البكاء، فكان حاله ينفعنا أكثر من انتفاعنا بالمواعظ).

ثالثاً: الشيخ محمد الناشد.

ومن شيوخي الذين انتفعت بهم الشيخ محمد الناشد، وهذا الشيخ كان علماً جليلاً في النحو والعربية وحفظ النصوص غيباً، وكان أيضاً من الشيوخ الفطريين، المجالس له، كأنه يجلس أمام طفل في براءته، ولكنه في العلم فحل. 

رابعاً: الشيخ محمد سعيد الإدلبي.

وكذلك من شيوخي الشيخ محمد سعيد الإدلبي، هذا الشيخ يشبه شيخنا الشيخ محمد الناشد في أنه مثل الجمل، تأخذ الوليدة بعنانه، فيمشي وراءها، بسيط جداً جداً، أما في العلم فهو بحر واسع المدى، وواسع الصدى، وفضله كبير وتقواه كثيرة وفطرته معلمة ـ رحمه الله ـ

خامساً: الشيخ محمد نجيب سراج الدين.

وكذلك العلامة الرباني الشيخ محمد نجيب سراج الدين ـ رحمه الله تعالى ـ بالإضافة إلى شيخه المحدث المربي الشيخ محمد راغب الطباخ، ولا ننسى في هذا المجال شيخه الذي أحبه وأعجب به وبعلمه، الشيخ محمد زاهد الكوثري، رحمهم الله جميعاً 

فإذا أضفنا إلى ذلك التربية الإيمانية الروحانية، التي تلقاها من والده الحاج محمد ذلك الرجل الصالح التقي والمواظب على الذكر وقراءة القرآن الكريم والبيئة الدينية المحافظة التي عاشها قي طفولته، ثمّ ما تلقاه من العلوم التربوية الحديثة، التي تخصص بها في كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر، علمنا أنّ التربية والسلوك الإسلامي متأصلة في نفس الشيخ ووجدانه وقد ظهرت جلية في جميع أخلاقه وتصرفاته، وأقواله وأفعاله، وتربيته لطلابه وتلامذته، ومؤلفاته المتميزة في هذا الجانب 

وأفعاله، وتربيته لطلابه وتلامذته، ومؤلفاته المتميزة في هذا الجانب 

تجليات التربية والسلوك عند الشيخ عبد الفتاح

وقد بدت هذه الناحية التربوية عند الشيخ في تجليات كثيرة منها:

الأولى: في أخلاقه الكريمة وسلوكه القويم، قبل مقاله وكتاباته، ولعل أوضح مثال على ذلك أدبه الجم العالي في كل أحواله، وهو يرى الأدب من صميم الشريعة الإسلامية، يقول في مقدمته لرسالته (من آداب الإسلام): (وهذا أمر من لباب الشريعة، وليس معنى تسميتها أدباً أنها على طرف الحياة والسلوك)

ونلحظ ذلك جلياً في:

1. أدبه مع الله سبحانه: من خلال مداومته لذكره، والثناء عليه، وسرعة بكائه عند ذكره، وهو يعيب أشدّ العيب على الذين يذكرون الله بالصياح والرقص ورفع الأصوات واستخدام الآلات الموسيقية، يقول: (ويعدون هذا ذكراً ـ فإنّا لله من قلة الأدب مع الله ـ وإنا إليه راجعون)(2). 

2. أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا ظاهر جلي في حديثه، وفي تتبعه لسنته، ومن خلال كتاباته كلها، واقرأ إن شئت كتابه: (لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث)، و(الرسول المعلم)، وتعليقاته الكثيرة الماتعة على (رسالة المسترشدين).

3. أدبه مع الصحابة الكرام: فقد كان يجلهم ويعلي شأنهم، ويترضى عنهم كلما ذكرهم، ويقول: (والصحابة الأجلة البدور الأدلة، هم مقتدانا في الدين بعد الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فعلينا الاقتداء بهم، والتوقير لهم، والاستمساك بهديهم)(3) 

4. أدبه مع السلف الصالح: يشهد له بذلك كتاباه القيمان: (قيمة الزمن عند العلماء)، و(صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل)، يقول في مقدمته لهذا الكتاب: (وترحمت على صاحب الخبر المذكور في الأصل أو التعليق، لئلا أدخل تحت قول الإمام أبي محمد التميمي الحنبلي البغدادي رحمه الله : (يقبح بكم أن تستفيدوا منا، ثم تذكرونا ولا تترحموا علينا)(4)

5. أدبه مع أساتذته وشيوخه: يكثر من ذكرهم، والثناء عليهم، والدعاء لهم، والوقوف عند قدومهم، ويتواضع لهم، ويقبل أيديهم إن أمكنه ذلك، فعندما أثنى عليه شيخه الشيخ حسنين مخلوف في تقريظه لعمله في (رسالة المسترشدين) كتب تعليقا في أسفل الصفحة هذا نصه (قال عبد الفتاح هذا من تواضع شيخنا وسمو أخلاقه العالية الرفيعة فإني منه بمنزلة الوليد من الجد المجيد، وإنما هو الخلق السني، الذي يتحلى به رحمات الله عليه ورضوانه العظيم)(5) ، وأدبه مع شيخه الشيخ مصطفى الزرقا ـ رحمه الله ـ من العجب العجاب، فهو يلبسه رداءه، ويقدم له حذاءه، ويقدمه في المجالس، ويتواضع له مع كبر سنه وعلو منزلته.

6. أدبه مع طلابه ومستفتيه وأصدقائه والناس عامة: فهو يقدم نفسه لمحدثه مشافهة، أو على الهاتف بـ (عبد الفتاح) هكذا بدون ألقاب، ومن أراد الاستزادة من هذا فليسأل طلابه وتلامذته الذين لا يحصيهم العد.

يتبع

1 ديوان المتنبي

2 رسالة المسترشدين.ص.112 

3 صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل ص. 38،39.

4 المصدر السابق ص.39.

5 رسالة المسترشدين .ص .23.