الشيخ عبد الله حماد - لمحات من حياة الشيخ عبد الله حماد
موجز لسيرة وحياة المرحوم الشيخ عبد الله الحمَّاد

ولادته ونشأته:

هو عبد الله بن محمد علي الحمَّاد. ولد عام 1308هـ 1890م، بقرية تادف التابعة لقضاء الباب، وهي قرية صغيرة تقع شرقي مدينة حلب، وتبعد عنها حوالي 40كم.

كان أبوه رجلاً صالحاً معروفاً بقريته يعمل بالتجارة فحرص على أن يتعلم ابنه، فوضعه في الكتّاب منذ صغره يعلمه قراءة القرآن ومبادئ الكتابة والحساب، ثم تتلمذ على يد شيخه في القرية الأستاذ الشيخ محمد علي النجار الملقب : «بالمدراتي» إذ كان يدرس في مدرسة صغيرة تابعة للأوقاف تسمَّى مدرسة «الإخلاص» فدرس على يده الفقه الشافعي وعلم النحو والصرف والمنطق كما تتلمذ على يد شيخه الأستاذ الشيخ «محمد المسعود».

متابعة دراسته بمصر:

كان منذ صغره شغوفاً بقراءة القرآن ودراسة أحاديث رسول الله e، مُكباً على طلب العلم ودراسة الفقه الإسلامي طموحاً في تلقّى هذه العلوم من أفواه العلماء العاملين، فقرَّر السفر إلى مصر ليتابع دراسته طالباً للعلم في الأزهر الشريف، فاستأذن والده فوافقه على سفره، فرحل إلى مصر، وكان عمره آنذاك حوالي عشرين عاماً.

صلته بالشيخ محمد أمين الكردي:

تلقَّى الدروس في الأزهر الشريف على أيدي كبار العلماء هناك فدرس القفه وعلوم القرآن والسنة الشريفة واللغة العربية، وكان يحدث طلابه عن أستاذه الجليل هناك الشيخ محمد أمين الكردي مؤلف كتاب «تنوير القلوب» ويروي لهم كثيراً عن اهتمامه بطلاب العلم، حيث كان ـ رحمه الله تعالى ـ من طلابه المُقرَّبين إليه، وكان يحفظ الكثير من كرامات شيخه ، وقد أهداه نسخة من كتاب: «تنوير القلوب» موثقاً بخط يده.

شيوخه في مصر:

الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر، الشيخ يحيى الخليل شيخ رواق الشام، الشيخ محمد حسن النجار، والشيخ كمال الدين القاوقجي، والشيخ محمد أبو راشد المالكي، والشيخ عبد المعطي إبراهيم السقا الشافعي، والشيخ صقر عفيفي، والشيخ أحمد الشريف المالكي، والشيخ محمد علي السرار، والشيخ سليمان العبد مفتي الشافعية، وغيرهم الذين كانوا يدرسون في الأزهر الشريف آنذاك أي في عام 1332هـ.

رجوعه إلى بلده:

بقي في مصر أربع سنوات مُكباً على طلب العلم لم يفكر خلالها بالعودة إلى بلده. وفي نهاية عام 1913 م =1332 هـ استأذن أساتذته لزيارة والديه وأهله، ثم يعود بعدها لمتابعة تحصيله في الأزهر، فرجع إلى بلدته ليجد أخاه الأكبر منه سناً قد جُنِّد في صفوف الجيش العثماني، وأُرسل إلى بلد اليمن (مقبرة العثمانيين) حيث استشهد هناك، ولم يُعرف عنه أي خبر بعد.

وكان له أخوان أكبر منه سناً وسبع أخوات، وعندما عاد من مصر تمسَّكت به والدته بعد ذهاب أخيه إلى الحرب، وطلبت منه عدم العودة إلى مصر والاكتفاء بما حصل عليه من العلوم والبقاء بجانبها.

مشاركته في الحرب العالمية الأولى وأسْره:

وهنا دقت طبول الحرب العالمية الأولى فالتحق بالجيش، العثماني جندياً محارباً في سبيل الله، وخاض غمار هذه الحرب مدة أربع سنوات، وكان يروي القصص الكثيرة عن المعارك التي خاضها، ثم أُسر وبقي أسيراً مدة سنتين في بلاد روسيا وإيران في مدينة «كرمنشاه»، ثم نقل مع الأسرى إلى مدينة «باطوم» القريبة من بحر الخزر، وكان يروي هذه القصة شفهياً كثيراً وغيرها هو وصديقه الأستاذ الشيخ قاسم شيخوني المتوفى سنة 1983م اللذين تآخيا معاً في الحرب.

متابعة تحصيله العلمي في المدرسة العثمانية:

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى، وكتب له الله العودة، عاد إلى بلاده ليتابع دراسته وتحصيله في بلده إذ لم يتمكن من العودة إلى مصر، وقد توفيت والدته وهو في الحرب، وبقي مع والده في القرية يدرس في المدرسة التي تتلمذ فيها على يد شيخه هناك، وهي مدرسة «الإخلاص» إلا أن حرصه على الفائدة لتلقِّي العلم من منبعه الأصيل ومنهله العذْب والاستماع إلى دروس العلماء المخلصين العاملين، كل ذلك دفعه لمغادرة قريته إلى مدينة حلب ليدخل المدرسة الرضائية العثمانية طالباً مجاوراً في 1حزيران عام 1924، فدرس التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه على أيدي كبار علماء حلب، ومن أشهرهم: الأستاذ الشيخ حسين الكردي، والشيخ بشير الغزي ، والشيخ الكلاوي ، والشيخ أحمد الكردي، وغيرهم وما كان يقتصر على الدراسة في هذه المدرسة فقط، بل كان ينتقل بين المدارس العلميّة المشهورة في حلب آنذاك كالمدرسة الأحمدية والقرناصية والشعبانية يستمع فيها إلى دروس العلماء.

انتسابه إلى المدرسة الخسروية:

وفي عام 1924 انتسب إلى المدرسة الخسروية (الثانوية الشرعية اليوم) وأكمل تحصيله فيها ونال شهادتها وتخرج فيها في 15 تشرين الثاني عام 1926م ، وكان من عداد المتفوّقين الذين تخرَّجوا فيها واعتبروا «القافلة الأولى» ، وحصل على علامات تفوق زملاءه وأقرانه، حيث كان مجموع علاماته / 126/ درجة.

تعيينه مدرساً في المدرسة الخسروية:

وبعد عام من تخرجه في هذه المدرسة عُيِّن فيها مدرساً بتاريخ 5كانون الأول عام 1927 لمادة النحو والصرف والأخلاق، ثم مدرساً للفقه الشافعي كما كان يقوم بالتدريس وكالة عن بعض زملائه وبعض علماء حلب، كالأستاذ الشيخ طاهر الكيالي، والشيخ عبد الحميد الكيالي، مفتي حلب آنذاك.

الإمامة والخطابة:

وبالإضافة إلى عمله في التدريس عُيّن منذ عام 1928 إماماً وخطيباً في جامع «أوغلبك» الكائن في شارع باب الأحمر أحد أحياء حلب القديمة بجانب قصر العدل حالياً.

وكان يسكن في محلة البياضة بحلب مجاوراً لزميله أحمد علماء حلب الشيخ محمد الناشد ـ رحمه الله تعالى ـ والملقب بالزمخشري، وبجوارهما الأستاذ الشيخ عبد القادر الحكيم والد سماحة مفتي حلب الأستاذ الشيخ محمد الحكيم ـ رحمه الله تعالى ـ .

تدريسه في المدرسة العثمانية:

وعندما توفي العالم العلامة سماحة مفتي حلب الشيخ أحمد الكردي ـ رحمه الله تعالى ـ في عام 1953 كُلِّف بالتدريس مكانه في المدرسة العثمانية فأخذ يدرس الفقه الحنفي ويقرأ حاشية ابن عابدين على «الدر المختار» والتي تعتبر من مصادر وأمهات كتب المذهب الحنفي.

وفي عام 1959م سُرِّح من الثانوية الشرعية الخسروية لبلوغه السن القانونية وبقي مواظباً على التدريس في المدرسة العثمانية وإماماً وخطيباً في جامع «أوغلبك».

تعيينه مدرساً دينياً:

وفي عام 1964أصدر وزير الأوقاف آنذاك الأستاذ محمد مهدي الخضر قراراً بتعيينه مدرساً دينياً في محافظة حلب تقديراً لجهود أستاذه واعترافاً بفضله.

تلاميذه وأولاده:

أمضى حياته كلها في طلب العلم دراسة وتدريساً وتخرج على يديه علماء وأفاضل وأساتذة كثيرون احتلوا المناصب العالية في الدولة، وشغلوا مناصب التدريس في وزارتي التعليم العالي والتربية ، وحبَّب إلى أولاده حُبَّ طلب العلم حيث أدخلهم الثانوية الشرعية وتخرج الخمسة فيها، وتوفي ولده الأكبر عام 1960 ، بعد تخرجه في الثانوية بسبعة أعوام، والأربعة الباقون مدرسون حالياً للتربية الإسلامية واللغة العربية في ثانويات حلب .

أولاده:

عبد الغني ـ دكتوراه من الأزهر درس في السعودية والكويت.

عبد الرحيم ـ الشرعية وأدب عربي مدرس في ثانويات حلب.

عبد الطيف ـ الشرعية ، شريعة من جامعة دمشق توفي عام 1995م.

محمد علي ـ الشرعية، شريعة من جامعة دمشق مدرس للتربية الإسلامية بحلب.

أخلاقه وعبادته:

عاش ـ رحمه الله تعالى ـ زاهداً في بيت متواضع مُحباً للعلم والعلماء، حريصاً على المطالعة والقراءة، وأذكر أنني ما رأيته في يوم من الأيام في البيت في ليل أو نهار إلا وهو يطالع كتبه فيقرأ ويُذيِّل الحواشي ويُحضِّر دروسه، وينصح أهله وأولاده يعلمهم ويهذبهم ويربيهم، وكان ـ رحمه الله تعالى ـ كثيراً ما يقوم الليل والناس نيام ، يتهجد ويتعبد ربه ويوقظ أهله، وهو مواظب على أوراده الخاصَّة ، وما ترك يومأً من الأيام تلاوة سورتي «الواقعة وتبارك» بين المغرب والعشاء ، يقرؤهما بصوت مرتفع وأهله وأولاده يتلون معه آيات كتاب الله الحكيم.

كما أنه ما ترك تلاوة سورة الكهف في يوم الجمعة، فكان ـ رحمه الله تعالى ـ عابداً زاهداً شجاعاً جريئاً يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، مضيافاً يكرم طلاب العلم أيما إكرام يحبهم ويتودَّد إليهم وخاصَّة طلابه حيث كان يكثر من مخالطتهم وضيافتهم ويصارحهم ويمازحهم ويقدم لهم موائد الطعام بيديه في بيته.

وفاته :

وكانت وفاته ـ رحمه الله تعالى ـ في الساعة الحادية عشرة مساءً من ليلة الجمعة الواقع في 5 حزيران عام 1970 الموافق 2 ربيع الثاني عام 1389 هـ في مستشفى الوزان بحلب، حيث لقي ربَّه إثر عملية جراحية أُجريت له في كسر لعنق الفخذ الأيسر، ونُقل إلى منزله في البياضة، وفي صبيحة يوم الجمعة توافد إلى داره أهله وأقرباؤه وأصدقاؤه وأقرانه ومُحبُّوه وتلاميذه فشيَّعوا جثمانه الطاهر وصلَّى عليه جمعٌ غفير من أهالي حلب في جامع «بانقوسا» بعد صلاة الجمعة وَوُري الثَّرى في مرقده الأخير في مقبرة الشيخ سعود في شارع قاضي عسكر في حلب.

بكاه جميع المشيعين، ووقف على ضريحه سماحة مفتي حلب الشيخ محمد الحكيم يلقي الكلمة التأبينية باسم علماء حلب، وقد ذرفت لها دموع الحاضرين ، ثم تلاه الأستاذ الشيخ بكري رجب فألقى كلمته الأخيرة مودِّعاً ارتجل فيها هذه الأبيات:

أيُّ نجم هوى من الخضراء وثوى في مكامن الغبراء

أيُّ بدر عن العيون توارى فاكتسى الكون حلة الظلماء

أيُّ طود من الجبال لقد دك بعد أن كان مشمخ الذراء

ذاك عبد الله الحمَّاد لله دوماً في السرَّاء والضرَّاء

فعليه رضا المهيمن ما لاحت بدورٌ في أُفق كبد السماء.