الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك

الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك

1332-1431هـ

الأخلاق الفاضلة نبتةٌ جميلةٌ بديعةٌ ،لها أثرها الرَّائع في حياة النَّاس، جُُذُوُرها في السََّماء لكنَّ زهورها تُعطِّرُ الأرضَ والحياة، وتُسعدُ الخَلْقَ والنَّاس،وهي تُزهِرُوتُثمِرُ كلَّما سُقيت بالمحبة والصَّفاء ،وطالما رُويتْ بالودِّ والوفاء،ليكون أثرُها كالشَّمس البهية مُرسلةً أشعَّتَها الذَّهبية في رأد الضُّحى على المعمورة تُشرق بالخير والبرِّ في حياتهم ، وترسمُ السَّعادة والبهجةَ على وجوههم لأقول في قصيدةٍ لي لمن يتحلَّى بالأخلاق الفاضلة ولصاحب الأحدية الَّذي هو نبراسُها وعَلَمُهَا :

أُحِبُّ المَكْرُماتِ وَصَفْوَ ودٍّ = ويأسرُني لهُ الطَّبْعُ القريبُ

وتَطْلبُني المَعَالي في دُراها =ويَخْلِبُ لُبِّيَ الحِسُّ الأديبُ

وأحْمِلُ مُهْجَتي للخِلِّ وُدَّاً =وأُهديهِ الشَّغاف بلى أذوبُ

وتَحْمِلُهُ عُيُوني في سَناهِا = ليحْيا في الفؤادِ ولايغيبُ

أجل هوكذلك ماغاب عنَّاولن يغيب فهو مُقيمٌ في قلوبنا دائماًبإذن الله وهذا الِّلقاء هو لقاء الوفاء لأهل المكْرُماتِ والفضل ، ولقاء العِرفان و التَّقدير لعَلَمٍ من أعلام الفِكْرِ والثَّقافة ،ومعْلَمٍ من معالم الشِّعرِ والأدب، وأستاذِ وعى المعارف والفنون واستوعب الآداب والعلوم فعلَّمها لجيلٍ من الرُّوَّاد هم هذه النُّخبة الرَّائعة من أهل هذه النَّدوة المباركةالمُسمَّاةِ بالأحديَّة والتي قُلت بحضوره فيها قبل ثمانية عشرعاماً:

في مساءٍ كأنَّهُ السِّحرُ فَنَّاً = عبقريُّ اليَراعِ صافي المِدادِ 

ورُواقٍ بُدُورُهُ نَيِّراتٌ = شمسُهُ أحمدُ المباركِ آدِ 

حِسُّهُ ذاكُمُ الأجَشُّ بِصَوْتٍ= ماأُحَيْلاهُ نبْرَةُ الإسْعادِ 

ندوةُ الشَّيخِ مَجْلِسٌ عامِريٌ= فالثَّقافاتُ لُقِّحَتْ باجتهادِ 

مركبٌ قادَهُ وأعلى شِرَاعاً= خاضَهُ لُجَّةً عظيمُ العِمادِ 

بعلومٍ قد ثقَّفتها حياةٌ= وفنُونٍ تجمَّعت في اعتضادِ 

وشُعُورٍ أحاط بالكُلِّ فهماً=مُرهفَ الحِسِّ راسيَ الأوتاد 

فانبرى مُصْعِداً بِفِقهِ أديبٍ= وجَلاها بِنَدْوةِ الرُّوَّادِ 

‎وبعد وفاته كانت كلماتي راعفةً حُزناً مُخْضوْضبةًً بماء قلبي قائلةً :

‎سبق أهل الفضل بالفضل، ونال أصحاب المروءة المقام والحظوة، وظفر أرباب المكارم بإكليل الغار ليوضع على رؤوسهم تاج الهيبة والوقار أجل هو ذاك وأَجَلُّ حيث.

‎لا أبالغ إذا قلت بأن فضل ندوة الشيخ أحمد بن علي آلِ الشيخ مبارك رحمه الله وأثَرُها طيلة عقدين من الزمان في حياته يفوق كُلَّ وَصْف ذاك المعلم الثقافي الأدبي المُحمَّل بالدِّيمِ الهطول بالثقافة والمعرفة والآداب على أدباء منطقة الأحساء ومفكريها وكذلك على الأدباء الوافدين إليها،فقد كان أثرُها يفوق الوصف في فائدته وغاياته وقد بلغ مداه،حيث نقلت هذه الأحدية المباركة التي تأسَّست عام 1411هـ أدباء المنطقة ومثقفيها وروادها خلال عقدين من الزمان إلى عالم النور والحضور، ووضعتهم على شرفاتٍ عالية من الآداب والثقافات والعلوم والفنون سُلطت عليهم فيها الأضواء، ولعلنا جميعاً كنا تلاميذ في ندوتِه، وطلاباً في حُصَّتِه، ومريدين في حضرته، وصِغَاراً أمام قامة تواضعه، سقانا خِلالها الزُّلالَ من أدبه، وروانا الشَّهْدَ من حكمته، وأنهلنا من فيوض ثقافته ومعرفته الكثير الكثير ، لقد أبحرنا جميعاً في رحاب فلكه من خلال هذه الندوة المباركة كلَّ أسبوع في رحلة ثقافية ممتعة تلاطمت فيها الأمواج، وعلت لتبرز حكمة الربان في الإبحار فينا بروعة وسلام ، وأمانٍ وجمالٍ ،كما غُصنا فيها إلى الأعماق لننتقي الياقوت والدر من الآداب والفنون ،ونتجمل فيها باللآلئ البراقة من المعرفة والثَّقافة والحكمة لقد حلَّقنا من خلال هذه الندوة إلى عوالم ممتعة، وثقافاتٍ مختلفة، وفضاءاتٍ مُتألِّقة،استمعنا واستمتعنا فيها. ، تلاقحت فيها الأفكار بالأفكار، وتألق فيها الحوار الحضاري بأجمل صوره.. هنا في هذا المجلس المبارك الذي انقدح فيه الفكر ولمع، وانبرى فيه قلم المعرفة وسطع، وانجلى فيه اليراع وبرع، وتألق فيه الإبداع محلِّقاً إلى عوالم وعوالم لنرى في هذه الندوة المباركة شموساً ساطعة أشرقت في فضاءات الشعر والأدب والثقافة وانداحت من ثناياها المعرفة والحكمة ينابيع ثرة،وشلَّالاتٍ عذبةٍ، ماأحيلى رذاذها وأحلى هواءها نديَّاً بالآداب مُنعشاً بالمعرفة راوياً للفؤاد والرُّوح،لأذكر ماقاله لي د. إبراهيم الحاوي أستاذ البلاغة والنَّقد في جامعة الملك فيصل وكان أحد روَّادها ومؤسِّسيها (رحمه الله) بأن فضل هذه الأحدية وأثرَها الأدبي والثقافي والفكري يفوق

‎ويبز أثر الجامعات مجتمعة في المنطقة وصدق في ذلك فقد أشرقت فيها شموسٌ وشموس كان لشيخنا الفضل فيها

‎لأتذكَّرَ قول الثَّعالبي في مدح الأمير أبي الفضل الميكالي حتى لكأني به يحكي عن شيخنا الفاضل الشيخ أحمد علي المبارك رحمه الله قال فيها:

‎=لَكَ فِي الْمَفَاخِرِ مُعْجِزَاتٌ جَمَّةٌ 

‎أَبَدًا لِغَيْرِكَ فِي الْوَرَى لَمْ تُجْمَعِ 

‎=بَحْرَانِ: بَحْرٌ فِي الْبَلَاغَةِ شَابَهُ 

‎شِعْرُ الْوَلِيدِ وَحُسْنُ لَفْظِ الْأَصْمَعِي 

‎=وَتَرَسُّلُ الصَّابِي يَزِينُ عُلُوَّهُ 

‎خَطُّ ابْنِ مُقْلَةَ ذُو الْمَحَلِّ الْأَرْفَع

‎=كَالنُّورِ أَوْ كَالسِّحْرِ أَوْ كَالْبَدْرِ أَوْ

‎ كالوشْي في بُرْدٍ عليه موشَّعِ 

‎=أرجلْتَ فُرسان الكلام ورُضْتَ 

‎أفراسَ البديعِ وأنت أمجدُ مُبْدِعِ 

‎ونَقَشْتَ في فصِّ الزَّمان بدائعاً=

‎تُزري بآثار الرَّبيع المُمْرِعِ 

‎لقد كان الشيخ أحمد (رحمه الله)، وماذا عساي أقول: والحروف كليلة والكلمات عاجزة، علماً من أعلام الفكر والأدب، بحراً للمعارف والعلوم، معلماً للفضل والمكارم، مدرسةً للشعر والنثر، مشجعاً للمواهب والإبداع، منارةً للوسطية والدبلوماسية، هامةً في التَّواضُعِ والأخلاق الفاضلة ، قلعةً للتراث والأصالة، وفوق هذا كله كان بركاناً من الأحاسيس الدافئة ،والمشاعر المتدفِّقَة يشعر فيها كل من اقترب منه، كان قدوةً في التعامل مع الآخر لايقابله أحد إلا وجد نفسه ذا حظوةٍ مثلى عنده، كان (رحمه الله) رجلاً في المواقف الصعبة، ولعل ما تسنمه من مناصب عالية ،وتبوأه في العمل الدبلوماسي يشهد له بذلك ويشف سيرة رجلٍ كَتب سفره بسطورٍ من نور.

‎أما على الصعيد الشخصي وعلاقتي به فقد توطَّدت علاقتي به ،وكنت أرافقه كثيراً ،وكان يسمعني الكثير ممايحفظ من عيون الشِّعر، وكنت أثيراً عنده،ونِعِمَّا صحبته والاستفادة من كنوز معرفته ،والسَّفر معه داخل المملكة وخارجها وقد كان ،وكنت بفضل الله من روَّاد الأحدية بشكلٍ شبه دائم ،وكانت الأحدية المباركة محطةً ثَرَّةً أشرقت كالشمس على حياتي بل كانت من أجمل المحطات في حياتي الشِّعرية والأدبية والثقافية والمعرفية ،وفوق كلِّ هذا فإني مدينٌ لشيخنا الفاضل الشيخ أحمد علي آل الشيخ مبارك رحمه الله طوال حياتي لأن فضله بعد الله سبحانه قد طوق عنقي ولن أنساهُ ماحييت، فقد حباني بعطفه، وأحاطني بلطفه، ورعاني في غربتي مذ عرفته رعاية الأب لابنه ، ليغمرني بحنانه ،ويسكنني في جَنَانه ،لأكون في حياضه، ويغمرني بفضله وجاهه ،وقد كان له الفضل بعد الله سبحانه في استصدار ترخيص العيادة الخاصة بي قبل أكثر من سبعٍ وعشرين عاماً ، حيث قابل وزير الصحة بشأني وهو الشيخ فيصل الحجيلان، وكان صديقه الحميم ، وقد أتى لي بالترخيص دون أن أراجع بشأنه أو أخطو خطوة واحدة نحو الوزارة في الرياض، وقد كان معي في كل موقف يدعمني، ويحيطني بكنفه، ويغمرني بفضله، وقد كان لكلماته وخطاباته أثر السحر إلى من ترسل وكان آخر من أرسل له بشأني وزير الصحة السابق د. أسامة شبكشي، ومواقفه لا تعد ولا تحصى، ويعلم ربي كم كنت وما زلت أشعر بالعجز أمامه وكيف لي بردِّ جميلٍ لاتسعه الدُّنيا كُلُّها ،وأعجزُ عن ردِّه ،و عن الوفاء له ،لا بل عن رد قطرة من بحر فضله علي

‎ولكني أقولُ من أعماقي له ولأهل الفضل هنا هناك وحيثما كانوا وحلُّوا:

‎وأهلُ الفضل أمنحهم فؤادي = وأعصِرُهُ لهم شهداً وقطرا

‎وأمزُجُهُ بِنَسغ الرُّوحِ مِنِّي = وأجعلُهُ لهم روضاً وزَهْرا

‎أما وقد حُمَّ القضاء وطويت صحائف أيام شيخنا الجليل وجدت نفسي وحِسِّي ونبضي ووجيب قلبي يردد معي في صلاة الجنازة والتي كانت محشراً مما كان فيها من المشيِّعين وكانت مهيبةً وجدتني أقول بكل مشاعري فيها:

‎اللهم هذا من أهل الفضل والجود وقد قدم إلى موئل الفضل والرحمة والجود.: 

‎اللهم هذا من أهل التقوى والخير والبر وقد قدم إلى أهل التقوى وأهل العفو والمغفرة. 

‎اللهم هذا من أهل النَّجدة و المروءات وقد قدم إلى ربٍ عظيمٍ كريمٍ رحيم قيوم الأرض والسَّماوات . 

‎اللهم ارحم شيخنا الجليل وتغمده بالرحمة والعفو والمغفرة والرضوان وعامله بلطفك وفضلك. 

‎وأسكنه ياربنا فسيح جناتك إنك رؤوفٌ ودود جوادٌ. رحيم

‎جمعنا الله بك ياشيخنا الجليل تحت ظلال عرشه وفي مستقر رحمته والحمد لله رب العالمين