الشيخ حسن حسين آل عبد القادر

الشيخ حسن حسين آل عبد القادر رحمه الله

(1328هـ -1410هـ)

مهما خطَّ قلمي فسيبقى عاجزاً عن بُلُوغ معارج أخلاقه، وفضاءات تواضعه،ورسم صورة حياته ، ولكن حسبي هذه السطور ممارأيته منه ،وماترك من أثَرٍ في نفسي وحسي ،من خلال لقاءاتٍ عدةٍ، تمَّت في بضع سنين، لهذا الشيخ الأثير ،والعالم الجليل ،والخطيب الفقيه ذي الهيبة والوقار ،الذي نشأ في أسرة تعتبر من الأُسر العلمية الشهيرة في المبرز ،وقد عاش يتيم الأبوين ،حيث كفله إبتداءً خاله بعد وفاة والده وبعد وفاة والدته دفعته خالته النجيبة التي كفلته وكانت نِعِمَّا هي إلى طلب العلم ،وأرسلته إلى الكتاتيب،فحفظ القرآن صغيراً،وشجَّعته رحمها الله على مصاحبة العلماء ،وحضور مجالسهم ،والأخذ عنهم،فَحَفِظَ المُتُون،وأخذ العلوم الشرعية عن كبار علماء عصره في زمانه من أمثال الشيخ القاضي محمد عبد الله آل عبد القادر والشيخ علي عبد الله الخطيب والشيخ أحمد اليحيى حيث لم يقف اليتم وقلة ذات اليد دون سعيه للمعالي. فطلب العلم، ونشأ على التقى، في عفة مطبوعة، وورع مجبول، ديدنه التواضع، وطبعه لين العريكة، والمعاملة الحسنة مع الناس، كل الناس. سهر الليالي حافظاً للمتون ،وأمضى نهاره طالباً للعلم، واعظاً للمسلمين، آمراً بالخير دالاً عليه، حتى أسر قلوب الجميع ، وكسب احترامهم، واستحق تقدير العلماء، وتوقير العامة برهم وفاجرهم. أحبه الله وألقى محبته في قلوب عباده. زهد في الدنيا فأحبه أهلها، وجعل الآخرة نصب عينه فأحبه العلماء.اشتُهِرَ بالصَّدع بالحق وإنكار المنكر رغم هدوئه وسماحته ،ولطفه وسكينته . كانت صِنْعَتُهُ الوعظ والإرشاد وإمامة المسلمين، متسلحاً بكتاب الله وتفاسيره والسُّنة النَّبويَّة والمتون ، وقد وافق العلم الشرعي عنده قلباً يقطر حبا لله ورسوله وعلماء المسلمين وعامتهم فأكرمه الله بعلنمه وفضله ليضحي عَلَمَاً مُبَرِّزاً في مجتمعه فكان إمام المسجد، وخطيب المنبر، ومهدي دروس العلم احتساباً دون كللٍ ولاملل.

كان رحمه الله ذَا هيبةٍ ووَقَار ،طَلْقَ المُحَيَّا، مُشرقَ الوجه كأنَّ النور يشع منه ومن لحيته الناصعة البياض ،ليِّنَ العريكة ،دمثَ الطِّباع ،فيه رِقَّةٌ ونقاءٌ ولُطْفٌ وحَيَاء،دقيق معالم الوجه ،أمَّ النَّاس مُذْ كان شابَّاً يافعاً،وتحمَّل مسؤوليات الإمامة ،وانبرى على المنابر خطيباً مُرشِداً للنَّاس، مُنيراً لهم دربَهم وأمور دينهم ،وكانت دروسه يومية في مسجد دريب بحي العيوني قرب السوق في المبرز ،كما نصَّبه عمه الشيخ محمد آل عبد القادر قاضي المبرز مدرساً في مدرسة الزواوي ،وناظراً على أوقافها، وكان ينوب عنه في الإمامة والخطابة بجامع فيصل بن تركي بالمبرز، درَّس كذلك في مدرسة العفالق بالسكار بالعيوني ،ودرس الحديث بعد صلاة العصرفي مسجد حطاب الواقع بحي السياسب ،كماكان يعقد الأنكحة ،ويُصلحُ ذاتِ البيْن ثقةً من الناس به، ومعرفةً منهم بخلاله وخِصاله وفضله وعلمه.

كان حريصاً على السَّلام على جميع من يقابله في الطريق عرفه أم لم يعرفه،ويُسَلِّم على الصَّغير والكبير،ويُشيرُ للبعيد في السُّوق مسلِّماً بِعَصَاه رحمه الله.

تولَّى مسؤولية الدَّعوة والإرشادفي المبرَّز عام 1371هـ كماتطوَّع للخطابة في الشُّعبةاحتساباً رُغم مشاق ِّ السَّفرإليها في ذاك الوقت وتقلُّبِ الأجواء والأنواء ، ومازال أهل الشُّعبة وكبارهم يذكرونه بكلِّ خير . و كانت السَّمَاحةُ طبعُه،والتَّوَاضُعُ صِفَتُه،والبساطةُ سِمَتُه،والدَّماثةُ خُلُقُه،أمَّا المعاملاتُ في السُّوق فكان يُجسِّدُ بمعاملاته فيه حديث المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام الذي رواه جابرُ بن عبد الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:”رَحِمَ الله امرءاً سَمْحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا قتضى” رواه البخاري. كانت حياته سابحةً في بحور العلم والهدي والعطاء والبذل والتواضع والسماحة هو ماقرأنا عنه ،ودُوِّنَ فيه ،وشهدناه منه على مدار ستين عاماًً أي والله نِعِمَّا هو ولانزكي على الله أحداً.

كان رحمه الله من أهل الفضل ، وأُنموذجاً راقياً في التواضع والسَّمَاحَة، أجل إنْ أنْسَ لاأنْسَ زيارته لمنزلي في حي الشُّروفيَّة مع ثُلَّةٍ من أُسرة آل العبد القادرعام 1409هـ وكان عمرهُ حينها يُناهِزُ الثَّمانين حيث صعد إلى الطَّابق الأول بعكازه … أجل..ذاك الحيُّ الذي قدمت إليه بداية عام 1407هـ وهو دُرَّة الأحياء في المُبَرَّز وأبهاها في نفسي وحِسِّي ،حيث سكنت فيه لمدة ربع قرنٍ من الزَّمان،وكان نِعِمَّا فيه الجارُ والدَّارُ،ونِعِمَّا المسجِدُ والجِوَار،وقد تعرَّفتُ فيه على جميع أهل الحي، وكُلُّهُم من أفاضل الأُسَر،وأكارمِ النَّاس خُلُقَاً ومَعْشَراً،وفَضْلاً وجِوَاراً،هذا مايُمَيِّزُ الحيّ لأتذكر فيه عريشة الياسمين التي زرعها لي في بيتي بيديه أحد الأكارم الأصفياء والأخوة النُّجباء وهو المهندس عبد القادر عموري زرعها نبتةً صغيرةً فكان أن نمت وترعرعت واستطالت وعلت لتصل إلى الطابق الثاني ممتدَّةً مُعَرِّشةً بفروعها وأغصانها،مُفَوِّحةً على الجميع بعَبَقِها وأريجها وكان المهندس عبد القادر قِمَّةً في التَّواضع والود والعطاء والصفاء كالَّذي نتحدَّث عنه تواضعاً وسماحةً ونُبْلاً وفضلاًرحمهما الله تعالى وجمعنا بهم في مستقر رحمته.

المهم أنَّ شيخنا الجليل الفاضل الشيخ حسن تجشم العناء لزيارتي حينها مع لفيفٍ مباركٍ من أسرة آل العبد القادر أذكر منهم لاعلى سبيل الحصرالشيخ عبد الله عبد المحسن (أبوعادل)رحمه الله ، الأستاذ عبد الرحمن أحمد (أبو أحمد)رحمه الله مدير مكتب العمل سابقاً،الشيخ عبد الرحمن حسين (أبو صلاح)، والأستاذ عبد الله محمد (أبو عبد المنعم ) حمه الله ،والمهندس صالح عبد المحسن والشيخ عادل عبد الله الذي كان يخطب في مسجد فيصل بن تركي رحمه الله وآخرين وكلهم من أسرة آل عبد القادر فبارك الله في هذه الأسرة المباركة وزادهم من فضله ، ورزقهم صلاح النية والذرية ولاتزال صورة الشيخ الجليل والعالم الفاضل الشيخ حسن في ذاكرتي ولازلت أذكره والابتسامة لاتفارق محيَّاه في المجلس رغم تجشمه عناء الزيارة وهو على أبواب الثمانين حيث لاأنسى حينها صورة وجهه المشرقة، وتألُّق مُحيَّاه ،الذي يشعُّ نوراً ويفيض سماحةً، وينهمرُ لُطفاً،ويتهادى تواضعاً وماحرصه على الزيارة إلا دليلً على فضله ونبله،وأصالة معدنه، وطيب خِصاله،ولاأراه فيما رأيت منه، وقرأت عنه، وشَهِدتُ له ، إلا مُجَسِّداً لتلك الأبيات التي تُروى عن الشافعي رحمه الله بقوله:

إنَّ للَّهِ عِباداً فُطَنَا= طلَِّقوا الدُّنيا وخافوا الفِتَنَا

نظروا فيها فلمَّاعلِموا= أنَّها ليست لحيٍ وَطَنَا

جَعَلوها لُجَّةً واتَّخذوا= صالحَ الأعمالِ فيها سُفُنا

هذاماكان منه رحمه الله وماترك بعد رحيله إلا بيته المتواضع وماورَّث أهله إلا سيرته الزاخرة وذكراه العطرة ، وفي مغرب ثالث أيام العيد من شهر شوال عام 1410هـ كان على موعدٍ مع الأجل ومع البشير إن شاء الله ليلقى مازرعه في دُنياه ، وماترك من خيرٍ وبرٍ وأَثَرٍ وعلمٍ في حياة النَّاس ،ليحصد جَنَاهُ هناك فهنيئاً له هذه السيرة العطرة الزاخرة بالصَّالحات ،الحافلة بالمبرَّات ،وقد دُفن في رابع يومٍ من شوال في المقبرة الجنوبية ،التي امتلأت عن بكرة أبيها بالمشِّيعين ، رحمه الله وطيَّب ثراهُ وأحسن ذكراه ،وجعل قبره رياضاً ونوراً، وجِناناً وحُبوراً وجميع موتى المسلمين والحمد لله رب العالمين.