الشيخ محمد صالح العلي الزيد

1377-1440 هـ

(9) نِعِمَّا رجالٌ عَرَفْتُهُم

ما لـلزَّمـان بـــدا يمُـرُّ وئـيـدا = لمَّـا أتـاني ما يَهُــدُّ حـديـدا

لمَّا مضى شيخُ المُبّرَّز عاجِلاً = شيخٌ بكلِّ الحادثات عقيدا

ابن العليِّ وقد علا في روْعِنا = بالعِـلمِ والإيمـان مـدَّ مُـدودا

فهو الَّذي أعطى الفضائلَ كُلَّهُ=ولدين ربِّ الكوْنِ رامَ صُعُودا

في الخير يغدو في مجالس قومهِ =تلقاهُ في صفِّ العُلا معدودا 

هكذا ابتدأ محبُّه د.محمد ابراهيم الملحم مرثيته الرائعة التي عنوانها (رثائيةٌ مُتواضعةٌ لشيخٍ عظيم)

هكذا كان وَقْعُ الخَبَرِ وأثَرُهُ عليه ،وَكمِثله كان وَقََعَ الخَبَرُ عليَّ كالصَّاعقة، خَبَرُ وفاة الشيخ الجليل ،والخطيب الأثير،والعالِمِ الدَّاعية ،والإمامِ النَّاصح، مُعلِّمِ الخير، ومَعْلَمِ البِرِّ، الأستاذ الدكتور محمد صالح العلي الزَّيد حيث نما إلى سمعي الخبر الأليم بعد مغرب يوم الاثنين 27/7/1440هـ الموافق 1/4/2019م فأصابتني الصَّدمة والدَّهشة ،وتملَّكني الحزنُ والوجوم، حيث كنت ذهبت إليه قبل ثلاثة أيام مع ولدي د.أنس لزيارته في بيته بين العشائين من كلِّ جُمُعة، والتقينا عند الباب بأخيه الذي كان سبقنا إلى زيارته ولكنَّ أحداً لم يَرُدَّ، وأعلمَنا حينها بأن أخاه قد سقط، وتعرض لكسرٍ في الحوْض وأجرى عمليةً جراحية قبل أسبوعين ،ونَظَراً لحالته الصِّحيَّة، فمجلسه مُغلق ،فتألَّمت للخبر ،ودعونا له من قلوبنا وعدت وأنا أُفكِّر بحالته الصِّحيَّة ،واعتلالها خلال السنوات الماضية متذكِّراً محيَّاهُ الوضيءَ رُغْمَ حالَتِهِ ،ووجهَهُ المشرقَ رُغْمَ تَعَبِهِ ،ولسانُ حاله دائماً الحمدَ لله ،والرِّضى بِقضائه، والتَّسليمَ لِمُرادِه.

ورغم عدم رؤيتي له إلا أني شعرت بالرَّاحة والطُّمَأنينة لزيارته، وكنتُ ذكرت قبل خُرُوجي من بيتي لأهلي عظيم أجر زيارة المريض وذكرت لهم حديثاً عظيماً أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

(يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ يوم القيامة: ياابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني قال: أي ربِّ كيف أعودُكَ وأنت ربُّ العالمين؟!فيقولُ المولى :أما علمتَ أنَّ عبدي فُلاناً مرِضَ فلم تَعُدْهُ،أمَا علِمتَ أنَّك لوعُدْتَهُ لوجدْتني عنده)(رواه مُسلم في الصَّحيح )، فما أعظَمَ شَأْنَ العبدَ الصَّالِحَ عند ربِّه، وما أكرمَهُ عند مولاه سُبحانه.

المُهِم ُّ أنِّي عُدْتُ للبيت ليلاً وإذ بالخبر قد وصل لبيتي وعزُّوني به قبل أن أعزِّيهم لمعرفتهم محبَّتي له، وعلاقتي به، وعظيم مكانته وقدره عندي ،وكان الخبرُ قد انتشرَ بين النَّاس وعمَّ، وشاعَ على مواقِعِ التَّواصل الاجتماعي، فَبِتُّ أُفَكِّرُ فيه رحمه الله هذا الرَّجُلُ العظيمُ بفعاله، والكبيرُ بآماله، والنَّبيلُ بأخلاقه والكريمُ بأحاسيسه، والقِمَّةُ بتواضعه والذي حالُه يحكيه قول المتنبي:

وإذا كانتِ النُّفوسُ كِباراً =تعبتْ في مُرادِها الأجْسامُ

رحمه الله كان داعيةً تُشْرِقُ حناياهُ بالإيمان ،وتتألَّقُ أساريره بالبِشر، وتندَّى أعمالُهُ بالسَّلام، عرَفْتُهُ خطيباً مُخلِصاً يحمل همَّ بلده ووطنه وأمَّته ،وخبرتُهُ إماماً خاشِعاً بكَّاءً ما أُحيلاها الصلاة خاشعةً خلفه، وما أسماها في قيامِ رمَضَان ليرتقي بِنا إلى آفاق السَّنا والبهاء في صلاة التهجُّد والعشر الأخير . فاستلقيت على فراشي، ومحيَّا الشيخ البهي وصورة وجهه لا تفارقني فقد عرفته منذ قدومي للمملكة أخاً كريماً، وشيخاً وقوراً، وصديقاً عزيزاً، وقلبي يَعْمُرُُ بمحبَّته وطيفُهُ مُقيمٌ بالحنايا ،قريبٌ إلى روحي وأدعو له في الخلوات والصَّلوات، وأحسبني أثيراً عنده، حيث كان يُبادلني نفس المشاعر والأحاسيس رحمه الله وطيَّب ثراه فهو نعم الأخ والصَّديق، ونِعْمَ الخِلُّ والرَّفيق، ونِعِمَّا هو الشَّيخ تواضعاً وعلماً ، ونِعِمَّا هو فهماً ووعياً، ونِعِمَّا هو الداعية سعة صدرٍ وحِلماً، ونِعِمَّا أخلاقُه ومآثره، ونِعِمَّا ذكراهُ وسيرته ، أحبَّهُ الجميع الكُلُّ عامتهم ووجهاؤهم لصفائه ونقائه، وحاز على ثقتهم لزهده فيما بين أيديهم ،ورغبته فيما عند الله.

كان حبيب الفقراء ،وأنيس المساكين ، وغياث الأرامل ، وعون المُحتاجين ، يبسط مشاعره للناس تواضعاً وصدقاً ، ويفرش أعماقه لهم نبضاً وحِسَّا، أجل والله هكذا كان ،قلبه ينبض بالخير، وروحه تسبح في البر، وأياديه البيضاء كأنها أجنحةٌ تُحلِّق بأعماله في فضاءات الجمال والإحسان . 

ماذا أقول عن العَلَمَ الَّذي فقدناه الشيخ الزَّاهد، الأستاذ الدكتور محمد صالح العلي، أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود والذي يشهد جميع من عرفه له بالصلاح والتقوى، ويُقِرُّ له بالخشوع والورع، أي والله ولا نُزَكِّي على الله أحَداً ولكن نقول ما علمناه ،ونحكي ما شَهِدناه، ونقُصُّ ما سمعناه فنِعِمَّا ما شهدناه منه إماماً وداعيةً، ونِعِمَّا ما سمعناهُ منه مُعَلِّماً وخطيباً ،وقد كان عَلَماً من أعلام الدَّعوة وفارساً مطَهَّماً من فُرسان الصَّحوة، فقدكان يخطبُ في جامع الراشد لأكثر من خمسٍ وثلاثين عاماً في حي الشُّروفيَّة حيث كنت سكنت فيه بجوار جامع الراشد ربع قرنٍ من الزَّمان، فماأروع الذكريات التي تطوف في مخيِّلتي في المسجد ، متذكراً خُطَبَ شيخنا الرَّائعة التي كانت تهتزُّ جنبات المسجد وتخشعُ قلوبُ سامعيه مما تحمله كلماته من حقٍ وصدق ، وما ينثال عليهم فيها من خيرٍ وبِرٍ، وبما يفيضُ عليهم في خُطَبه من وعيٍ وفهم ورشدٍ وصلاح لتلمسَ وتستشعرَ مشاعرَهُ الصَّادقة ،وأحاسيسَهُ النبيلة، وتُصغي بأُذُنيْ قلبك لأعماقه من خلال صوتِهِ المُتَهَدِّجِ والمتحشرج بالبكاء ،ونبراتها المُخضوضبةِ الصَّادقة، موجِّهاً وناصحاً ومرشداً ومُعلِّماً النَّاسَ أُمورَ دينهم، وداعياً للمكرمات والفضائل، ودالاً على الخير ساعياً للبر، وشريطُ ذِكْراهُ يمُرُّ لأتقلَّب في الفراش وأغفو على ذكريات هذا الإمام الخاشع ،والداعية الذي أسلم الكثير على يديه حيث يضجَّ المسجد بالتكبير ونبارك للمسلم الجديد ويسلم عليه الكثير تشجيعاً وتثبيتاً. هذا الشيخ الذي إن صلَّيْتَ خلْفَهُ أبكاك ، وإن أمَّنْتَ على دعائه حلَّقت في عوالم بهية، وسَمَوتَ إلى آفاقٍ سنيَّة ، وسبحت في فضاءاتٍ عليَّةٍ من الصَّفاء والنَّقاء، والإشراقات والنور تودُّ لو أنك تبقى سابحاً بها، محلِّقاً فيها، مُستهدياً بأقمارها وشموسها، لأصحو بعد منتصف الليل وأكتب في تغريدةٍ لي: (وحان اللقاء، وجاء الأجل، وعادت الروح إلى بارئها، ملقيةً أتراح هذه الدنيا وهمومها، حاملةً معها مِسْكَ أعمالها، ومكارمَ أخلاقها، وجميلَ خِلالِهَا، وشهادةَ النَّاس فيها، رَحِمَ اللهُ الشَّيخَ الجليلَ، التَّقِيَّ النَّقِيَّ ،البَهِيَّ الخَفِيَّ محمد صالح العلي وأكرم مثواه ،وتقبله في عليين، إنَّا لله وإنا إليه راجعون).

أجل مضى حاملاً شَهَادَةَ النَّاسِ فيه وهم شهودُ الله في أرضه ،فهنيئاً له القبول عند الناس فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل:إن الله يحب فلانًا فأحببْه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)متفق عليه

فما أبهى ما عَرَفتُ وخَبُرْتُهُ عن الشَّيخ ،وما أعجب ما سمعت من مآثر مما قيل عنه، وما أنصع ما قرأت مما كُتب فيه،وما كتب عنه في وسائل الإعلام والتواصل الكثير الكثير ولكن حسبي من القلادة ما أحاط بالعُنُق لأختار بعض الأزاهير من حدائق ما كُتِبَ عنه، وبعضاً من القُطُوف من رياضها فهذا مُحِبُّه الأخ الكريم د.محمد إبراهيم الملحم من يعرفه منذ عقودٍ، وكان يحضَرُ خُطَبَه، وسافر معه للعمرة يقول في تغريدةٍ له:

(رحم الله الشيخ الفاضل، والأخ الأكبر، والمعلم القدوة ،الأستاذ الدكتور محمد العلي، أستاذ جيل ومنارة علم وهداية ،ومنبر دعوة وقدوة ،ومدرسة متكاملة بما تعنيه الكلمة من الفضل والتقوى والزهد والورع والعلم والفطنة والعمل والهمة).

وهذا الأخ الفاضل د.أحمد حمد البوعلي ينعاه في تغريدةٍ له قائلاً:

(رحم الله الشيخ الرجل الوقور، والخطيب المفوَّه، والإمام الحصيف، صاحب الدَّمعة الخاشعة، والثقافة الواسعة، مُرَبِّيَاً فاضِلاً، ومُعَلِّماً صالحاً أرجو الله أن يجعل فيما أصابه كفارةً لذنوبه ورِفعةً لدرجاته وأن يُسكِنَهُ فسيح جنَّاته).

وهذا الأخ الكريم د.عبد اللطيف العفالق وهو من المقربين عنده ينعاه في تغريدةٍ فيقول:

(كان نعمَ الأخُ مُذْ عرفتُهُ، دَمْثَ الخُلُق، صافي السَّريرة، محباً للخير ساعياً له، رقيق المشاعر، يُحِبُّ الحوار الفِكري منفتحاً على الثَّقافات، وغير مُتَعصِّبٍ برأيه متى وجَدَ الصَّوابَ مع الآخر، لقد كان فينا عزيزاً نسألك ياربَّنا أن ترفع منزلتَهُ عِندك).

وهذا الشيخ أحمد خالد السويعي يقول في تغريدةٍ ينعاه:

(تعلمنا منه الكثيرَ، صاحب الخُطَبِ المؤثِّرَةِ، والكلماتِ ذاتِ الأَثَرِ البليغِ في النُّفُوس ، كان صادقَ النُصح لأُمَّتِهِ، ودينه، ووطنه، صالحًا مصلحًا ناصحًا يحملُ هَمَّ أُمَّته ويُدافعُ عنها ويتألم لألمها .. أعظم اللهُ لنا الأجر في فقدك وجبر خاطر الأحساء وأهلها في فراقك..).

وكتب الأستاذ الفاضل محمد جبر الجبر في تغريدةٍ له قائلاً:

(ومن لا يُحِبكَ أيها الشيخ المُبارك، أَسَرْتَ الجميعَ بطيبةِ قلبكَ، ورَوْعَةِ أخلاقك، وجميلِ تعاملك .. نِعْمَ المُرَبِّي والموجِّهَ النَّاصحَ، زَهَدْتَ في دنياك، واشتريت ما عند الله، اللهم ارزقه الفردوسَ الأعلى وجازه على ماقدم لدينك خير الجزاء).

كما كتب الأستاذ الكريم خالد العرجي (رحم الله الشيخ الدكتور رجل العلم خطيب جامع الراشد نسأل الله له الرحمة والمغفرة كان صاحب دعوة للتوحيد وعرفناه بمجال الاعلام مدافعاً عن دينه وأمته و وطنه من خلال مقالاته الصحفية وعسى أن تكون شافعة له وبإذن الله سيشفع له علمه عند ربه ونعزي أهل الأحساءَ كافةً في فقيدها)

وكتب عنه القاضي سابقاً الشيخ وحيد عبد الله آل عبد القادر مقالة بعنوان (شيخي الاول) اخترت من قُطُوفِها الجميلة:

لَعَمْرُكَ ما الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مَالٍ =ولا شاةٌ تَمُوتُ ولا بَعِيرُ

ولكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ حُرٍّ =يموتُ بِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثيرُ 

(‏بهذه الابيات استفتح بها الشيخ محمد العلي خطبته يوم الجمعة 28 محرم 1420 بعد وفاة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز حتى سمع نحيب وبكاء بعض المصلين بجامع الراشد فقد كانت وفاته لها وقع اليم في نفوس الناس ، ‏بكاه الجميع حكاماً ومحكومين حتى تقدم المصلين على جنازته خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وبقية الأمراء والعلماء، لقد كانت خطبةً جميلةً ومؤثرةً عن الشيخ ابن باز سيرته وحياته وعلمه ومواقفه الكثيرة التي سطَّرها بمداد من ذهب في تاريخ علماء هذه البلاد ونحن اليوم بالأحساء نفقد رمزاً من رموز هذه الأرض الطيبة، أفنى عمره لله وحضرت الصلاة على الجنازة والدفن فقد شيعه خلق كثير لم أر مثلهم في جنازة قط ،وكرامة من الله غالب المشيعين من أهل الفضل والصلاح الأتقياء الأنقياء ممن ترجى استجابة دعوتهم ،اللهم إني أحببت الشيخ حباً كبيراً فهو شيخي واستاذي ومعلمي الأول غرس في قلبي حبك وحب العمل الصالح والدار الأخرة اللهم كما جمعتني به في الدنيا في بيتك فاجمعني به في جناتك جنات النعيم ).

‏ وكتب عبدالعزيز الشيخ الفاضل محمد بن الشيخ مقالةً رائعة اقتطفت بعض زهورها منها قوله:

(لقد رحلت كما جئت للحياة سهلاً ميسِّرا .. وعشت فيها نقياً من الدنايا طاهراً مطهَّراً... وخضت غمارها تسعى جاهداً لتنشر الفضيلة بين الورى ..فنثرت وراءك زهوراً وعطراً وعنبرا .. شعارك وهتافك لا بد من الأمل، وديدنك ودأبك العمل، حتى واراك الثرى .. كذلك كان شيخنا المبارك الشيخ محمد بن صالح الزيد العلي رحمه الله الذي وافته المنية يوم الأثنين الموافق 1440/7/25 إنه شيخ مدينة المبرز وأبرز علمائها بل من شيوخ الأحساء والمملكة وأحد رموزها وأعلامها

وذكرتني سيرة هذا القائد البطل الفذ الرائع الذي فاز في ميادين الحياة المختلفة، وكان عنوانا للمجد وأهله، وخاض في وعره وسهله، وعجزت كثير من النساء أن تلد مثله) .

وكتب عنه الأخ الكريم محبه الشيخ الشيخ محمد النافع في مقالة بعنوان رحمك الله يا أبا أنس قائلاً: 

(عرفت شيخنا ولأهل الشيخ و ذويه الصبر و حسن العزاء. وحبيبنا أبا أنس منذ ما يزيد عن أربعين عامًا رأيت فيه العزم و الجِد والحرص على نشر العلم و الحماس في حمل همّ الدعوة والاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية في بلدان العالم .

عرفتُ الشيخ جبلًا صامدًا حاملًا لراية الحق مستمسكًا بها ثابتًا عليها دالًّا للناس على معالمها ، تشرّفتُ بصحبته والاستفادة من سمته و سلوكه و صمته قبل نطقه و علمه و حركاته و أخلاقه الكريمة .

صَحِبته في حضر وسفر وعاشرته في فرحٍ وحزنٍ و شاركته في التخطيط و التنفيذ لعدد من البرامج الخيريّة فما رأيته إلّا أخًا ناصحًا و شيخًا عالمًا و محبًّا للخير و أهله ثابتًا على دينه وفيًّا لدعوته حريصًا على أمن بلده واستقراره ومدافعًا عن وطنه مستوعبًا لمخططات الأعداء واعيًا لأساليب الوقاية و البناء).

ومن البشائر للمؤمنين الصَّالحين في الدُّنيا قبل الآخرة الرؤيا الصالحة أجل:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «أيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه مسلم

فقد رأى الشيخ الفاضل عبد الرحمن الغامدي الشيخ الجليل برؤيا فيها البشرى لمحبيه حيث قال:

(رأيت فيما يرى النَّائم وأنا في حَرَمِ مكة بجوار الكعبة، وإذ بشيخنا جالساً مستنداً على عصا،وإذا بِسَحابةٍ قد أظلَّتنا وإذا بمنادٍ يُنادي يقول: صُبُّوا عليه، فقامَ أُناسٌ يصبّونُ عليه من عظيمهم ولم أستطع أن أنظُر إليهم في السَّماء ،والشيخ يقول الحمد لله ويضحك ، فإذا المنادي يقول :صُبُّوا عليه وزيدوه، فإذا الشيخ ينظُرُ إليَّ ويضحكُ وقمت من الرُّؤيا).

فهنيئاً هنيئاً للشيخ هذه البشرى والمقام ،ويالها من بُشرى ويافوزها من سعادة، لأختم برثاء رائع هاج من أعماق شاعر المبرَّز الأخ الفاضل الأستاذ صلاح بن هندي بل وخرج من سويداء قلبه ليقول: 

بكاهُ الأهالي في الحَسَا والَمَنـابِرُ = وغصَّتْ لموْتِ ابْنِ العَلِيِّ المَقَـابرُ

وفاحت على غُصْن المُبَرَّزِ سيرَةٌ = بها الدِّين والتَّقوى وبُحَّتْ حَنّاجِرُ

وهذي جُمُوع النَّاس جاءتْ بِحُزْنِها = تُوَدِّعُ شيخاً قـد بكتْـهُ المَفـاخِرُ

مُحمَّـدُ يا شيخ التَّـواضُعِ والـتُّقى = ويا دمعـةً تحْمَـرُّ مـنها المحـاجِرُ

محمّـَدُ يا صوتاً يُجلجلُ في الدُّنـا = فـيهتزُّ منهـا مِـنـْبَـرٌ وضَمَـائِرُ

رحلتَ عنِ الدُّنيا وقد كُنتَ راحِلاً = بِزادٍ قليـلٍ أنت فينا المُسافِرُ

وقد كُنت بابَ الخير والخير شاهدٌ = بأنَّـك قلبٌ يا مُحمَّـدُ طـاهِـرُ

ومن يفعل المعروفَ لاشكَّ أنَّـهُ = سيُذْكَرُ في الأحيــاءِ تبقى المــآثِرُ

نَقَشتَ على الأيَّامِ أرْوَعَ سِيرةٍ = ستحْفَظُها الأجيـالُ والذِّكْرُ سـافِرُ

وكُنت على أرض المُبَرَّزِ مَعْلَماً = يدُلُّ على التَّقوى وضوءك باهِرُ

أَحَبَّكَ كُلُّ النًَّاسِ شَخْصاً وسُمْعةً = لأنَّـكَ فيهم صـادِقٌ ومُـنـاصِرُ

وهذا قصيدي يُرْسِلُ الحُزْنَ زفْرةً=وقلبي عليْك جرَّحته الخَوَاطِرُ

فإن غَيَّبَ القَبْرُ العميقُ مُحَمَّداً =فآثـارُهُ في النَّـاسِ شُمٌ منـائرُ

رحم الله الشيخ رحمةً واسعة وتغمَّده بعظيم فضله وكرمه وتقبله في علِّيِّين إنَّا لله والحمد لله ربِّ العالمين