الدكتور بكري شيخ أمين

1349 ـ هـ 1930 ـ م

1440هـ-2019م

أستاذنا الدكتور الشيخ بكري بن محمد أمين شيخ أمين الحلبي.

عالم معلم مرب، وأستاذ أديب محقق، مدير المدرسة (الخسروية) الثانوية الشرعية بحلب.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة حلب، وفي حي عريق من أحيائها القديمة هو حي (حمزة بيك)،  سنة: تسع وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة، ونشأ في أسرة بسيطة فوالده موظف بسيط ينهض بأعباء أسرة كبيرة، وتلقى مبادئ علومه في كتاب الحيّ حيث تعلم فيه القراءة والكتابة والحساب، ومبادئ بعض العلوم العربية والشرعية، كما أتقن فيه تلاوة القرآن الكريم وتجويده، ودرس المرحلة الابتدائية في معهد الميتم الإسلامي، وحصل منه على الشهادة الابتدائية محرزاً الدرجة الأولى على رفاقه، الذين تقدموا معه في دورة عام: 1944 م، انتسب بعدها إلى المدرسة (الخسروية)، التي كانت تسمى في ذلك الوقت: (الكلية الشرعية)، وينبهر الفتى بعلم شيوخ هذه المدرسة، وتقواهم وأخلاقهم، فينصرف إلى تلقى مختلف العلوم الشرعية، والعربية والعلوم العامة عنهم، وقد أخذ عنهم علوم القرآن الكريم والتفسير، والحديث النبوي الشريف ومصطلحه، والفقه وأصوله، والفرائض والسيرة النبوية المطهرة، والتاريخ الإسلامي، وعلوم اللغة العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وآدابها، بالإضافة إلى بعض العلوم الكونية، كالرياضيات والعلوم العامة والفيزياء والكيمياء والجغرافيا، واللغة الإنكليزية وغيرها من العلوم، ومن شيوخه في هذه المدرسة: الشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ محمد السلقيني، والشيخ عبد الوهاب سكر، والشيخ محمد أسعد العبه جي، والشيخ عبد الله حماد، والشيخ محمد ناجي أبو صالح، والدكتور محمد الريحاوي، والأستاذ نجيب الجبل (1)، وغيرهم من علماء حلب الأفاضل.

وإذا كان أستاذنا المترجم له، قد أفاد من شيوخه هؤلاء، ونهل من علومهم الغزيرة، فلقد كان لشيخه الشيخ محمد راغب الطباخ، أكبر الأثر في تكوينه العلمي والخلقي، فقد تجاوزت العلاقة بينهما علاقة الأستاذ بطالبه، فقد كانت قائمة على الحبّ والاحترام والودّ، وقد أجازه شيخه هذا إجازة عامة بكلّ مروياته وكتبه، وإجازة خاصة في الحديث النبوي الشريف.

وتابع الشيخ دراسته في هذه المدرسة بجد واجتهاد، إلى أن تخرج فيها بتفوق ملحوظ سنة: 1369 هـ - 1950 م، واستطاع أن يحصل على شهادة الثانوية العامة، في العام ذاته، لينتسب إلى كلية الآداب بجامعة دمشق، ويتابع دراسته فيها إلى أن تخرج بها محرزاً إجازتها، عام: 1954 م، التحق بعدها بكلية التربية بجامعة دمشق، وحصل منها على دبلوم التأهيل التربوي، عام 1955 م.

عاد بعدها إلى موطنه حلب، ليعمل على بذل هذه العلوم التي أحرزها، فعمل مدرساً لمادة اللغة العربية في دار المعلمين، وفي ثانوية المعري بحلب.

وفي عام: 1957 م، انتدب المترجم مع أول بعثة عربية سورية إلى المملكة المغربية بعد الاستقلال، للتدريس في جامعة القرويين في مدينة (فاس)، وعمل مدرساً في الجامعة المذكورة، لكنّ نفسه التي جبلت على حبّ العلم، والاستمرار في طلبه، أبت عليه إلا أن يتابع هذا الطلب، فانتسب إلى (كلية الحقوق، فرع العلوم السياسية) في جامعة الملك محمد الخامس بمدينة الرباط المغربية، فكان في المغرب معلماً ومتعلماً إلى أن تخرج في الكلية المذكرة، عام: 1960م، واحتفلت به الأوساط الثقافية في المغرب، وكرمه ملكها، بأن قدم له الجنسية المغربية، ذلك لأنه أول طالب مشرقي يتخرج بجامعات المغرب العربي.

عاد الشيخ المترجم له إلى حلب، ليتابع عمله في التربية ونشر العلم، فعمل مديراّ لثانوية عبد الرحمن الغافقي، ثمّ انتدب ليكون مديراً للثانوية الشرعية، واستطاع أن يرد لهذه المدرسة بعض ما لها عليه، وذلك بما قدم لطلابها من رعاية وعناية وحبّ، وبما اختار لها من مدرسين أكفاء يسهرون على فائدة طلابهم.

لم يقنع الشيخ المترجم بما حصل من العلوم في جامعتي دمشق والرباط، وتابع طلبه للعلم، فانتسب في عام: 1965 م، إلى جامعة القديس يوسف في بيروت، ليحرز منها درجة (الدكتوراه) في الآداب، وذلك عن رسالته، (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) وذلك عام: 1970م.

بهذا التكوين الثقافي الجمّ، خاض المترجم له معترك الحياة متبوئ مختلف المناصب الإدارية والعلمية، واضعاً نصب عينيه إفادة طلابه والنهوض بأمته.

ومن الأعمال التي تولاها ونهض بحقها:

1- أستاذ في دور المعلمين والمعلمات بحلب.

2- أستاذ في المدارس الثانوية بحلب.

3- مدير الثانوية الشرعية بحلب.

4- مدير ثانوية عبد الرحمن الغافقي بحلب.

5- مدير مكتبة ضباط الاحتياط بحلب.

6- مدير فرع الإذاعة السورية بحلب.

7- أستاذ بجامعة القرويين بفاس.

8- أستاذ بكليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض بالمملكة العربية السعودية.

9- أستاذ بكلية الآداب بجامعة حلب.

10- أستاذ بكلية الآداب بالجامعة اللبنانية ببيروت.

11- أستاذ بمعهد الآداب الشرقية بالجامعة اليسوعية ببيروت.

12- نائب رئيس معهد الآداب الشرقية بالجامعة اليسوعية ببيروت.

13- أستاذ الدراسات العليا في كلية الآداب بجامعة حلب.

14- أستاذ بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة بالمملكة العربية السعودية.

15- عضو مؤسس في المجلس العالمي للغة العربية بيروت.

16- مشرف علمي للمجلة العربية بالمملكة العربية السعودية.

17- . مستشار علمي لوزير التعليم العالي في المملكة العربية السعودية.

ولم يكن انشغال الشيخ المترجم له بالتدريس، وإفادة الطلاب في مختلف الجامعات والمعاهد التعليمية، ليحول بينه وبين الكتابة وتأليف المصنفات المفيدة الماتعة، فقد وجد فيه أستاذنا الدكتور بكري سبيلاً رحباً لنشر العلم بين مختلف طبقات الناس ومشاربهم، والكتب التي ألفها الدكتور تناولت الدراسات الإسلامية، والدراسات الأدبية والبلاغية والنحوية والنقدية وغيرها، ومن مؤلفاته في ميدان الدراسات الإسلامية:

1- التعبير الفني في القرآن الكريم.

2- أدب الحديث النبوي.

3- نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز للإمام فخر الدين الرازي، (دراسة وتحقيق).

4- بـهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وعليها (شرح مختصر البخاري لابن أبي جمرة الأندلسي (تحقيق ودراسة).

وفي ميدان الدراسات الأدبية والبلاغية والنقدية والنحوية، تقف للشيخ المترجم له على المؤلفات التالية:

1- الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية.

2- مطالعات في الأدب المملوكي والعثماني.

3- المعلقات السبع.

4- البلاغة العربية في ثوبها الجديد (علم المعاني).

5- البلاغة العربية في ثوبها الجديد (علم البديع).

6- البلاغة العربية في ثوبها الجديد (علم البيان).

7- المتنبي وصراعاته دراسة نقدية وأسلوبية.

8- دراسات جمالية فنية في الأدب والبلاغة.

9- قراءات نقدية في كتب سعودية.

10- كتاب النحو (بالاشتراك) مقرر في المعاهد العلمية في المملكة العربية السعودية.

11- أدب المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري.

وللدكتور الشيخ الكثير من المقالات والأبحاث والدراسات الإسلامية والأدبية والنقدية في مختلف المجلات والدريات العربية.

كما شارك الشيخ المترجم في العديد من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات العلمية والثقافية في حلب ودمشق وحمص وبيروت وطرابلس الغرب وصنعاء وجدة والرياض وغيرها من المدن العربية.

وقد كرم الدكتور المترجم وحصل على العديد من الجوائز العلمية والتقديرية، فقد كرمه الملك محمد الخامس ملك المملكة المغربية، كما كرمته وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، ونال تكريم الشيخ عبد المقصود خوجة في احتفاليته (الإثنينية) التي يقيمها في مدينة جدة لكبار العلماء والمفكرين المسلمين، ومن الجوائز التي حصل عليها:

1- جائزة الدولة التقديرية الأولى.

2- الشهادة التقديرية من جامعة الملك عبد العزيز بجده.

3- درع الإثنينية المنسوج بمصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وعليه اسم المترجم.

دمث الأخلاق، لطيف المعشر، طيب القلب، حليم، عطوف، ودود، هادئ متزن متقد الذهن، رزين في حركاته وتصرفاته، حلو الحديث، يسحرك بيانه وبلاغته وتأخذك غزارة علمه وبيان حجته، وتترنم طرباً لسماع طرائف قصصه وأحاديثه، لا يرفع صوته في حديث أو محاضرة أو مناظرة، يستحوذ على سامعيه بشخصيته المحببة، وعلمه الجم وأسلوبه المميز.

يحب طلابه ويساعدهم(2)، ويأخذ بأيديهم، ويلتمس الأعذار لمن يخطئ، أو يقصر منهم.

كريم النفس واليد، يكرم ضيوفه ويقوم على خدمتهم بنفسه (3).

عاشق للعلم متميز فيه، عالماً ومتعلماً، تراه بين طلابه معلماً ناصحاً، أو في مكتبه باحثا مدققاً محققا، أو في حلقت العلم مشاركا متألقاً.

نحيل الجسم، بهي الطلعة، جميل الوجه، ممتشق القامة، أنيق في ملبسه ومظهره يلقى الجميع بابتسامته العذبة، وبشاشته التي لا تفارق وجهه الأسمر الجميل (4). - حفظ الله أستاذنا المترجم وأمتع به -

المصادر والمراجع

1- ترجمة ذاتية أملاها علي الشيخ المترجم بنفسه.

2- كتب المترجم وأبحاثه.

3- معجم المؤلفين السوريين لعبد القادر عياشي.

4- مشافهات وأحاديث متعددة مع المترجم وبعض إخوانه وتلامذته.

5- وقائع إثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة في تكريم المترجم والتي أقيمت في جدة، بتاريخ 29/2/1428 هـ - 19/3/2007 م.

6- مذكرات المؤلف وذكرياته عن المترجم.

====-

(1) انظر ترجمات شيوخه هؤلاء في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(2) كنت في السنة الثانية في كلية الآداب فرع اللغة العربية، وكان شيخنا المترجم أستاذنا في مادة الإسلاميات (القرآن الكريم والحديث الشريف)، وكلفني ـ حفظه الله ـ أن أعدّ بحثاً عن (الأحرف السبعة في القرآن الكريم)، وعندما انتهيت من إعداد البحث، عرضته عليه، فسرّ به سروراً كبيراً، وطلب مني أن ألقيه محاضرة على زملائي، فتحرجت من الأمر وأنا الطالب الصغير، أن ألقي محاضرة بحضور أستاذنا الكبير، فما كان منه إلا أن شجعني، وقال: يا بني أنت عملت عملاً رائعاً، فقم بإلقائه لتكون قدوة لزملائك، وعندما ألقيت البحث في قاعة المحاضرات، وكانت تضمّ أكثر = = من مئة وخمسين طالباً، جلس بين الطلاب، يستمع إليه باهتمام زائد مدة ساعة ونصف تقريباً، وعندما انتهيت، قام إلى المنصة مصفقاً وقبل جبهتي، وأمر الطلاب أن يشاركوه في التصفيق، ثمّ راح يثني على جهودي في البحث، ويدعو زملائي الطلاب لبذل الجهد في البحث والدراسة، ثمّ مرت الأيام، وبدأت أكتب في الأدب والتاريخ، وأعرض عليه ما أكتب، فيقرؤه باهتمام زائد، ثمّ يبدي لي رأيه، بمحبه وصدق، ويزودني بنصائحه وإرشاداته المفيدة. وعندما أنهيت الجزء الأول من كتابي (علماء من حلب في القرن الرابع عشر) عرضته عليه، وطلبت منه أن يزينه بمقدمة منه، فكتب لي مقدمة فيها من المديح والثناء ما أراني لا أستحقه، وربما كان دافعه لها حبه لي، وتشجيعي على المثابرة، فجزاه الله عني خير ما يجزي أستاذاً عن تلاميذه. (مذكرات المؤلف)

(3) كثيراً ما كنت أزور شيخنا المترجم في مكتبه، فكان يصر على تحضير القهوة بيده، ويأبى أن أقوم أنا أو أحد الحضور بتحضيرها، فيتملكني الخجل منه، فأقوم وأقف بجانبه وأبادله الحديث حتى ينتهي، ثمّ أعود بصحبته إلى مجلسنا، فأحمل فنجاناً وأقدمه له، فيأخذه مبتسماً وهو يقول: طيب يا سيدي هات. (مذكرات المؤلف)

(4) عرفت الأستاذ المترجم منذ أكثر من أربعين سنة، وصحبته تلميذاً ثم زميلاً ثم رفيقا في طلب العلم، وذلك بحضورنا على الشيخ أحمد مهدي الخضرـ رحمه الله ـ فما والله ما تغيرت أخلاقه الكريمة، ولا خبت جذوة حبه للعلم أخذاً وعطاءاً. (مذكرات المؤلف)

انظر: تعزية رابطة العلماء السوريين بوفاة العالم اللغوي الأديب الدكتور بكري الشيخ أمين هنا