كلمات في رثاء العلامة الشيخ محمد نذير حامد (5)

تقدم نشر عدد من الكلمات في رثاء فضيلة الشيخ محمد نذير حامد ، ونتابع في هذه الحلقة بعض حديث الذكريات عن فضيلة الشيخ بأقلام بعض تلاميذه من طلاب دار نهضة العلوم الشرعية (الكلتاوية) وخريجيها الأوائل ، ونقتصر على كلمتين للأستاذين الفاضلين: الشيخ محمود الجابر ، والشيخ عثمان عمر المحمد 

المشرف على الموقع : مجد مكي

كتب تلميذه محمود الجابر ( أبو مالك)

شيخي (نذير حامد) .. كما عرفته رحمه الله .

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين..

إن لمشايخي وأساتذتي في الكلتاوية فضلا عليّ علما وتربية ، منهم نهلنا المعرفة والعلم .

الشيخ( عبد الرحيم حوت ) درسنا الفقه الشافعي وكتاب حاشية الشرقاوي .

الشيخ (محمد أديب حسون ) رحمه الله كذلك درسنا الفقه الشافعي في كتاب الإقناع.

الشيخ ( صالح بشير ) أمد الله بعمره درسنا الفقه في كتاب تنوير القلوب.

الشيخ ( محمد لطفي ) رحمه الله درسنا العقيدة وكتاب أسس العقيدة للشيخ (عبد الرحمن حبنكة الميداني) رحمه الله تعالى.

الشيخ ( محمود فجال ) رحمه الله تعالى درسنا النحو وكتاب قطر الندى .

الشيخ ( حسان فرفوطي ) رحمه الله تعالى علمنا الخطابة .

الشيخ ( نذير حامد ) رحمه الله تعالى كان نجما في تدريس النحو وكتاب أوضح المسالك لابن هشام . ومادة النحو تحتاج إلى اسلوب تربوي شائق لعرضها فكان في ذلك الوقت الشيخ نذير رحمه الله قد أبدع في عرض المادة وتدريسها بأسلوب رائع وقدرة كبيرة .

فكان زميلنا الشيخ ( حسن حجازي ) يكتب الأمثلة والشواهد بخطه الرائع على الجزء الأيمن من السبورة، ثم يقوم شيخنا يعرض الدرس ويقرره على الجزء الأيسر من السبورة .

وإذا كان الشاهد من الشعر يقف عند الشاعر ولمحة موجزة عنه وربما أسمعنا أبياتا من شعره .

ومرة تكلم عن الشاعر وشرح الشاهد . وأتى ببيت من شعر الشاعر وهو :

(فلو تفلت في البحر والبحر مالح ** لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا)

فقلت له أستاذ ممكن إعادة البيت . فوقف ونظر إلي كالصقر : ولك حفظته ، فقلت له: نعم وأسمعته إياه فقال : بعرفك الأشياء العاطلة بتحفظا ، أما الأشياء المليحه ما بتحفظا. وكانت دعابة لطيفة من الشيخ رحمه الله .

وكان رحمه الله يضبط الصف بطريقة عجيبة ومحببة إلى النفس .

وكان أحد زملائنا أكبر منا ولا يهتم بدرس النحو قد أخذ زاوية وربما ينام..

فحاول الشيخ معه مرارا حتى ينتبه ويستفيد إلا أن صاحبنا بقي على ما هو عليه ، فمرة أراد الشيخ توبيخه فقال موبخا الطالب المقصود: (لكْ ابني، أحكي وإلا ما أحكي؟

ثم جعل يقص بالعامية:

كان ابني صغيرا يلعب بأحذية أخواته قد جعلهن صفوفا....

فرآه والدي، فقال: ماذا تفعل؟ فقال: أعمل مَدرسة.

فقال الجد: لماذا لم تجعل "قندرتي" معهن؟

فقال الحفيد: هاي كبيرة ما خَرْجْ تتعلم.

ست سنوات في المدرسة لا يمكن أن نختصرها بكلمات عن شيخنا نذير ...

يخرج من بيته بعد صلاة الفجر ويركب أول ( باص ) من الحي الذي يسكن فيه ... ويقول ما في الباص إلا أنا والسائق والجابي وبعض العمال ...

كان دقيقا في الوقت ، ينتهي من عندنا فيذهب إلى المدارس العامة بسرعة، إذا مشى تقلع رحمه الله .

وفي عام (١٩٨٠) م كنت في باب جنين في اتجاهي لكفر حمرة فرأيته فسلمت عليه وكان لا يقبل أن أقبل يده ، فسألني عن سكني وعملي؟ فأجبته قائلا : صرنا مدرسين لمادة التربية الإسلامية ، قال أين ؟ فقلت له في الحسكة فوقف ونظر إلي قائلا : الله جابك إلي ...

أنا رايح على كراج الانطلاق أسأل كيف أذهب إلى الحسكة ...

أول ما تعينت مدرسا في الحسكة ولمدة سنتين ... وأريد بيان خدمة من تربية الحسكة ، فقلت له بدنا خدمة يا سيدي وأرسلت إليه ما أراد رحمه الله تعالى .

- مرة كنت في الحافلة ( الباص ) فرأيته وسلمت عليه ونزلنا وأرى الناس تسلم عليه فقلت له : ما شاء الله ما أكثر أصدقاءك!! فقال : كل واحد بسلم علي هو صديقي ...

حلب كلها ليس لي فيها إلا صديق ونصف ... رحمه الله

- زرناه في بيته بمعية الشيخ ( أحمد عقلة ) و خالد السيد علي ربما في عام (٢٠٠٩) م فتحدثنا عن الموسوعة في التفسير فقال : قسم عندي وقسم آخر في مطبعة ببيروت ... رحمه الله آنسه الله ، أسأل الله أن نجتمع به في الجنة إن شاء الله تعالى .

وكتب تلميذه عثمان عمر المحمد:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم .

وبعد:

أعزّي نفسي أولاً وأعزي إخواني طلاب العلم عامة وطلاب دار نهضة العلوم الشرعية (الكلتاوية) على وجه الخصوص فقد أكرمني الله تعالى وأكرم إخواني خريجي الأفواج الأولى في الكلتاوية بتلقي دروس العربية ( أوضح المسالك ) على شيخنا الراحل نادرة زمانه في النحو، بل في عموم علم الآلة وفروع الشريعة حيث درسنا أصول الفقه كتاب "غاية الوصول في علم الأصول" ولم يكن في تدريسه لمادة الأصول أقل منه في علم النحو والصرف .

في أحد الدروس أعرب لنا إعراباً، ثم قال: نسأل عنها، وبعد يومين أو ثلاثة أيام قال : يا ولدي لا زيادة على ما قلت لكم ، فقام أحد الزملاء وهو الشيخ ياسين مصطفى: أستاذي! فضيلتك لمن سألت ؟ فقال : يا ولدي هل في هذه البلدة أحد نسأله غير الشيخ عبد الرحمن زين العابدين!

شيخنا الراحل رحمه الله تربطني به صلة خاصة، وزيارات متكررة لبيته العامر بالكرم والجود والتواضع والإكرام لطلاب العلم .

عام 1978م كنت مدرساً في مدينة أملج وهي على شاطئ البحر الأحمر، وأعرف أن الشيخ نذير يحب السمك، وأنا أريد الذهاب إلى المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم- حيث يقيم شيخنا، فاشتريت سمكاً وأتيت به لشيخنا الراحل فما قبل أن أسكن الفندق وأنزلني وعيالي في بيته ونمنا عنده تلك الليلة وفي اليوم الثاني كان صائماً لأن الغداء من السمك اعتبره ثقيلاً.

كما زرته مع أسرتي في الهيئة الملكية في ينبع، وكان مدرساً فيها ، وكنت أسكن المدينة المنورة فأكرمنا غاية الإكرام وقام بالشواء وإعداد الطعام بنفسه وأساعده لكنه هو من يتولى كل شيء بنفسه - رحمه الله-.

أحبتي: أنا أذكر هذا لنأخذ من سيرة الراحل رحمه الله دروساً لا تنتهي في التواضع وتعامل الأساتذة مع طلابهم وكرم الشيوخ الأفاضل الذين تلقينا عنهم الأخلاق والتواضع وطيبة النفس وحسن العشرة قبل أن نتلقى عنهم العلم .

إنه والله من رآه عن بُعد هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، خالطته فاختلط حبه مع شَغاف قلبي.

وكثيراً ما كنا نزوره في بلده أريحا مع أخوين كريمين حبيبين : الأخ الدكتور الحبيب الراحل الشيخ محمود الزين رحمه الله تعالى، والأخ الحبيب الأستاذ الشيخ محمد علي الناصر فيؤْنسنا بدعابته اللطيفة وبسمته التي تكاد لا تفارق ثغره ويقول لنا كلمته الشهيرة معاتباً وملاطفاً: "وينكم يا عاطلين؟!". ومرة قال لي: صحيح أنت عاطل لكن صاحبك أعطل منك ، فقلت له: رحمه الله : الحمد لله وجدت من هو أعطل مني، ثم قال لي : قل لصاحبك- وصاحبي معي وأنا أعتز وأفتخر بصحبته وهو الدكتور محمود الزين رحمه الله- قال: قل لصاحبك ألا يتركنا في موسوعة التفسير فقد كتب في البلاغة جزءاً من القرآن من أنفس ما كتب في البلاغة، وهذه شهادة كريمة لحبيبنا الدكتور محمود الزين رحمه الله تعالى.

وهذا غيض من فيض ونقطة من بحر.

وأخيراً سلاما على روح شيخنا في الأوَّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أبلغ منا السلام معطراً لولي نعمتنا سيدنا ومولانا وقرة أعيننا العارف بالله سيدي محمد النبهان رضي الله عنه وأرضاه

عثمان عمر المحمد

17-1-2019م

فضيلة الشيخ نذير حامد وبجواره تلميذه : عثمان عمر المحمد 

الحلقة الرابعة هنا