محمد سعيد الطنطاوي2 - مدرسة تربوية متميزة

مفتاح شخصيته:

سمته ومفتاح شخصيته: أنه كان لا يخشى في الله لومة لائم، يستشعر عظمة الله، فيصغر المسؤولون والآخرون في عينيه كأنهم ذباب، ولا يضيره في سبيل الحق ما أصابه أو نزل به.

مواقفه في الجهر بالحق:

وحتى نلقي إضاءات أكثر على مفتاح شخصيته في أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم، وأنه يقول الحق مهما كلفه من ثمن، نعرض لبعض هذه المواقف.

 

أ ـ وهو طالب في الجامعة:

أسس مسجد الجامعة، وكانت تقام فيه الصلوات الخمس، ثم خطط لإقامة صلاة الجماعة فيه، وأصبح يقصد من كل أنحاء دمشق، حيث كان خطباؤه علي الطنطاوي، ومصطفى السباعي، والشخصيات الإسلامية التي تزور سورية مثل سيد قطب، وأبي الحسن الندوي، وتقي الدين الهلالي، وكان شوكة في عيون أعداء الإسلام، حيث أرادوا تحويله إلى نادٍ بصفته في منتصف الجامعة وحوله حديقة الجامعة، وكانت أعنف هذه المحاولات أيام الدكتور قسطنطين زريق والذي صار رئيس الجامعة السورية، وهو من أركان دعاة فكرة القومية العربية.

جاء إلى الشيخ سعيد أحد الطلبة وأخبره أن القرار بتحويل المسجد إلى نادي من رئيس الجامعة قد صدر، ولم يبق إلا التوقيع، فأخذ بيد هذا الطالب، ومضى به لمقابلة رئيس الجامعة، وعلى الطريق التقى ثلاثة طلبة آخرين فأخذهم معه، وكان تخطيط قسطنطين زريق رهيباً، فله مساعد ، وله ديوان ورئيس ديوان،وحُجُب.

حاول الدخول عليه عن طريق رئيس الديوان فلم يفلح، أتى إلى باب رئيس الجامعة وقرع الباب بعنف ففتح الباب، حيث كان رئيس الجامعة قد انفضّ من اجتماع عام، وبدبلوماسية جلس رئيس الجامعة يسمع له.

وبقي الشيخ سعيد يدور برئيس الجامعة، ولم يعرف الرئيس طلبه بعد، قال له: نحن طلبة في الجامعة ونحن طلبة متدينون وخلوقون، وأنتم أوسدت لكم رئاسة الجامعة لما تملكون من الحكمة والتوازن، ورجاحة العقل، والمشكلة هي أن الطلاب المغرضين يصدرون الإشاعات المغرضة عنكم لتحطيم سمعتكم، ومما يشيعون: أنك صليبي حاقد على الإسلام والمسلمين، طائفي تريد أن تنتصر لطائفتك من النصارى، ولا أدل على ذلك من السعي لإزالة معالم الإسلام من الجامعة وإلغاء المسجد.

اكفهرَّ وجه رئيس الجامعة قسطنطين، واضطر إلى نفي صلته بهذا الموضوع، وتمَّ إيقاف القرار بالاعتماد على هذا الأسلوب.

 

ب ـ في أول الطريق: سنة أولى تدريس:

تمَّ تعيينه بجبل الدروز فرفض ذلك التعيين، وكان المدرسون يتمنونه لقربه من دمشق، وخُيِّر بين محافظات حمص وحلب واللاذقية، واختار اللاذقية ليتعرف عليها، وعيِّن في ثانوية طرطوس عام 1953، مدرساً على طلاب الثانوية العامَّة كان عدد الطلبة أربعة وأربعين طالباً ليس فيهم إلا أربعة طلاب مسلمين سنة، وكانت سورية آنذاك في وضع قلق ، فكانت المظاهرات السياسية تجوب البلاد ، وكانت تنعكس على الخطة التعليمية في سورية.

خرج طلاب المدرسة الذين ينوفون عن ألفي طالب في مظاهرة صاخبة، ولم يبق إلا الفصل الذي يدرس فيه الشيخ سعيد، وتقدّم زعيم الطلاب واستأذن ابتداء بأدب، وطالب بإخراج الطلبة لينضمّوا إلى زملائهم، ورفض الشيخ ذلك، وغضب الزعيم الطلابي، فطرق الباب ثانية، ومدّ يده وشق أوراق الطالب الأدنى إليه، فغضب الشيخ وأخرجه، ثم طلب من إدارة المدرسة معاقبته.

كان المدرسون حوالي سبعين مدرساً، وكلهم أو معظمهم متعاطفون مع الطالب، فالكل يجمعهم التيار الشيوعي، وأصرَّ الشيخ على أن لا يدرس ما لم يعاقب الطالب، ورُفع الأمر إلى المحافظة (اللاذقية)، ثم إلى الوزارة، وحضرت لجنة وزارية من دمشق، واجتمع المدرسون واللجنة الوزارية ولجنة المحافظة جميعاً لحل مشكلة الطالب مع الشيخ. أثناء الاجتماع أذن الظهر، فوقف الشيخ، وغادر القاعة، ومضى لصلاة الظهر في المسجد، والكلُّ مجتمعون من أجله، والثانوية في شرقي البلدة والمسجد في غربها، وصاروا في حالة من الغضب والغيظ، لا يعلم إلا الله مداها، انتظروه قرابة نصف ساعة، أو أكثر حتى عاد من المسجد، وقام رئيس اللجنة الوزارية بعد عودته، وقد ضبط أعصابه وكظم غيظه، وهو الأستاذ جودة الركابي وقال: باسمي وباسم اللجة الوزارية وباسم إدارة الثانوية نتقدم من الشيخ سعيد أن يصفح عن هذا الطالب ويعود للتدريس.

رفض الشيخ سعيد كلَّ هذه الطلبات، مُعلناً أن العفو لا يكون قبل تحديد العقوبة، وبعدها يكون العفو، وأرفق ذلك ببيت مناسب من الشعر، وانفض المجلس دون حل للمشكلة، وكلفت إدارة الثانوية مدرساً آخر لتدريس طلاب الثانوية في هذه الشعبة مادة الكيمياء والفيزياء.

الطريف في الأمر أن هذه الشعبة قامت بإضراب معاكس، ورفضت المدرس البديل، وأصرَّ الطلاب على أنهم لا يرضون مدرساً إلا الشيخ، فهم يعرفون قدرته العلمية ، وطريقته التقنية، وانتهى الأمر باعتذار الطالب للشيخ، وعودته لتدريس المادة.

لا كبير عنده إلا الله. وصلاة الظهر، وإجابة الداعي، والصلاة مع الجماعة شيء أساسي في حياته، ولا أذكر خلال ثلاثين عاماً رافقته في السعودية، أن فاتته صلاة جماعة في المسجد أو أُحرج من ضيوف عنده فتلكأ عن الصَّلاة.

 ج ـ في نهاية الطريق في سورية : سنة أخيرة تدريس:

نقل الشيخ سعيد إلى ثانوية الثقفي، ودخل الثانوية بثوب وشحاطة وغطرة(حطة) وحسبوه آذناً، ودخل على الصف الأول الثانوي، ووجد الطلاب يجلسون فوق المقاعد.

ابتدأ حديثه عن العلم، وعن المادة الكيمياء، وساد الوجوم والخوف والإنصات، وحدثهم عن طريقته في إعطاء المادة وأنها غير مرتبطة بالكتاب، وكان يعطي اهتمامه لحل المعادلات والمسائل، وصار طلاب الثالث الثانوي الذين لا يدرسهم يأتون ليسألوا طلاب الأول الثانوي الذين يدرسهم.

وفي عام 1963ـ1964حيث قام انقلاب الحزب، ثم سيطرته بعد عدَّة أشهر، وقضائه على خصومه الناصريين، وراحوا يكتبون على الجدران بعض الشعارات الحزبية، اعترض على ذلك.

قال له المدير: سنمحوها عندما تهدأ الأحوال، وطالب بمحوها حالاً، فلم يستجب المدير لطلبه، قال له: دراسة وحزبية لا تجتمعان، أنا جالس في بيتي إلى أن تُمحى هذه العبارات، فبعث له المدير كتاباً يطلب منه الإجابة كتابياً عن سبب انقطاعه فكتب الجواب الذي أجابه للمدير كتابياً.

وصل الكتاب للوزير فاعتبره مستقيلاً لتغيبه خمسة عشر يوماً، وأصدر قرار فصله، لكن المستشار القانوني في الوزارة، اعترض على القرار، لأن المدرس كان له نصابان، نصاب في ثانوية الثقفي ونصاب في المعهد العربي الإسلامي ، وهو لم ينقطع يوماً واحداً عن الدوام في المعهد العربي. والمادة تنصُّ على الفصل حين يكون الانقطاع خمسة عشر يوماً متتالية, فأُلغي القرار، ونقل إلى الثانوية الصناعية، وجُمع نصابه كله فيها، ذهب إليها ، وجد الأجواء الحزبية كذلك على أشُدّها.

وفي اليوم الثاني من ذي الحجة سافر إلى الحج، ووقع خلاف بين وزير الداخلية ووزير التربية: كيف سمحوا له بالخروج، وصدر قرار فصله من التدريس من رئيس مجلس الثورة ورئيس الوزراء ووزير التربية، أمين الحافظ، وصلاح البيطار، ومصطفى حداد.

دـ عام 1958م كان مدرساً بثانوية (جودة الهاشمي) بدمشق أول ثانويات دمشق وأهمها، وتشكَّلت لجنة لمحاكمته مؤلفة من الأمين العام للوزارة أحمد الفتيح ورئيس هيئة التفتيش هاشم الفصيح، ورئيس التعليم الثانوي، وشخص رابع بناءً على التقارير المرفوعة عنه، وأبلغوا مدير الثانوية لإحضاره، فجاءه الموجه وكان في حصة دراسية، وطلب منه أن يمضي إلى الوزارة لأن اللجنة في انتظاره، تهكَّم على الموضوع وقال: هل أنا متعاقد مع الأمين العام للوزارة؟ أنا متعاقد للتدريس، والآن حصة دراسية لا أستطيع المغادرة.

حاول الموجه وتململ، ولكن دون جدوى، أنهى حصته، ثم مضى إلى الوزارة، فوجد اثنين من اللجنة قد غادراها بعد انتظاره ساعة ولم يصل، وابتدأ الحديث مع العضوين الباقيين، وناقشاه في التقارير وهو يستمع لهم

بعد ذلك ابتدأ بالرد والدفاع عن نفسه خلال ربع ساعة، ثم راح يهاجم الوزارة والمناهج وسلوكيات الوزاره وقراراتها المتناقضة مع رسالة التعليم، وانفض الاجتماع دون جدوى ومضى إلى بيته.

لم يكن عظيماً في قلبه إلا الله، وكل الناس مهما كبروا بمواقعهم ووظائفهم، فهم أصغر من الذباب عنده، يضع بين عينيه حديث رسول الله ^: بايعنا رسول الله ^ على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول في الحق أينماكنا، لا نخاف في الله لومة لائم» البخاري (7199)، مسلم(1709).

كلمة الحق حيثما كان:

أن يقول الحق حيثما كان. لقد قال كلمة الحق في سورية، وقالها في السعودية عندما جاء متعاقداً معها بعد تسريحه من سورية بعد سنوات من التدريس فيها، فجاء مدرساً إلى الطائف، فاختلف مع مدير الثانوية، حيث كُلِّف بتدريس الكيمياء، ثم نقل إلى المراكز التكميلية لتدريس الفيزياء والرياضيات، فوجَّه انتقاداً عنيفاً إلى مناهج الرياضيات، وطلب تفسير ما يتعلق بالشيكات والفائدة والربا في مادة الرياضيات، وحاول مدير التعليم التفاهم معه فلم يفلح، إذ كيف تدرس هذه الأمور دون نقد وهي في دولة إسلامية، ورفض تدريسها، وجاء الموجه التربوي، وفوجئ بموقفه، ورفع تقريراً فيه مطالباً بإلغاء عقده،وأُلغي عقده، للعام الجديد، ثم نقل إلى مكة ليتمَّ التدريس فيها،فاختلف مع مدير ثانوية العزيزية، حين وجد أعقاب السجائر في المدرسة، وأخيراً وظَّفه مدير التعليم في مكة عنده حيث كان يدرس المناهج والكتب المدرسية في المرحلة المتوسطة والثانوية، ويبعث بتقارير تقويم لها إلى وزارة المعارف في الرياض، ولنا مع آثار هذه الدراسة حديث آخر.

لم يكن يؤمن بأدنى انحراف عن المنهج الإسلامي في حياته، مع طلبته ورفاقه، في تدريسه، وفي علاقاته، وليس في منهجه إطلاقاً أي مسايرة لذرة انحراف في هذه الحياة، لقد وطن نفسه أن لا يهاب البشر أبداً،وأن تكون خشية الله وطاعته هي التي تحكمه في حياته.

زهده وتحريه الحلال من المال

«ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس».

لقد كانت البساطة ديدنه الكامل في حياته، ويحاول أن يكون على ما كان عليه السلف الصالح الزاهدون من الصحابة والتابعين، ولم تغيره الدنيا ولا صلاته مع أكابر القوم وعلاقاته مع الوزراء والوجهاء أدنى ذره، ولم يغيره راتبه الكبير، فهو هو عندما تقاعد من الوظيفة، وهوهو عندما كان في لجنة المناهج العليا للتعليم،أو مستشاراً لمدير جامعة أم القرى، عاش بسيطاً متخففاً من الدنيا وأعبائها، لكن هذه البساطة في المظهر كان يرافقها دائماً أعلى مستويات النظافة فمن يراه اليوم في لباسه هو اللباس منذ ثلاثين سنة، ويحسب أنه يلبس ثوباً واحداً خلال ثلث قرن، أبداً فلبيته ثوب، ولخروجه للصلاة ثوب، لكنه اختار لوناً واحداً لهذه الأثواب التي يقوم بغسلها وتنظيفها بنفسه، الأناقة والبساطة والنظافة هذا الثلاثي الذي يحكمه في حياته.

سبب عزوفه عن الزواج:

لا يحبُّ أكل اللحم، ولا يدخله إلى بيته، وأمضى حياته دون زواج، والتفسير العميق عندي لذلك هو أنه لن يجد امرأة تستطيع ما يستطيعه، وهو لم يكن يقول ذلك.

سألته مرة: لم لا تتزوج؟ قال: الزواج في الإسلام تنطبق عليه الأحكام الخمسة: فرض، وسنة، ومباح، ومكروه، وحرام، وأنا آخذ بواحد من هذه الأحكام التي تُناسبني، وكان السؤال وهو في ذروة شبابه يوم تعرَّفت عليه، أو بعيد ذلك بقليل.

وعدت وسألته بعد ثلاثين عاماً: أليس الزواج سنة، فكيف تترك هذه السنة؟ قال: هل تقرأ في كتب الفقه؟ قلت: نعم، قال: ارجع إلى أي كتاب في الفقه، وائتني منه بحكم الزواج، ورجعت إلى كتب الفقه، وقرأت الحكم الأصلي له ،فإذا هو كما في الفقه على المذاهب الأربعة:«النكاح ترد عليه الأحكام الشرعيَّة الخمسة: الوجوب، والحرمة، والكراهة، والسنيَّة أو النَّدب، والإباحة، أما المواضع التي يجب فيها النكاح ففيها تفصيل المذاهب».

قلت له: إذن كيف نفسر الحديث:«ومن رغب عن سنتي فليس مني»في قوله:«أصوم وأفطر وأرقد وأتزوَّج النساء»؟. قال: من حرَّم الزواج على نفسه بحُجَّة الترهُّب والتقرُّب من الله، فهذا خارج على الإسلام أو الفطرة، وعلى منهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو منهج الفطرة.

وحاول مرات أن يتزوج ، ولم يتيسَّر الأمر كما يريد.

فقه الزهد:

لابدَّ أن نقف عند فقه الزهد عنده. فالزهد عنده: الورع عن الحرام، والتقلُّل من الدنيا، كما يتجلَّى هذا المعنى في الحادثة التالية:

جاء ليستلم راتبه من المحاسب في دمشق، فوجد الراتب ناقصاً خمس ليرات سأله عن سبب ذلك؟ فقال: جاء تعميم من الوزارة باقتطاع خمس ليرات، من الراتب ثمناً لبطاقة حضور مسرحية دعت الوزارة إليها، وفي فهمنا أنه زاهد وهو يتصدق بكثير من راتبه فما قيمة الليرات الخمس؟

رفض استلام الراتب ، وقال: لا أستلمه إلا كاملاً فمن فوَّض الوزارة باقتطاع هذه الليرات الخمس من راتبي؟ ولم يقف عند هذه النقطة فهذه الليرات هي حقه سيسأله الله تعالى يوم القيامة: أين صرفها، فهل يكون جوابه أنه صرفها ثمن مسرحية، وهو صَرْف حرام، كان يمكن أن يقنع نفسه بأن الدولة اغتصبتها منه ولا سلطان له على الدولة، إلا أن ورعه كان أعظم من ذلك بكثير، فأقام دعوى على الدولة، ووكّل محامياً مسلماً صديقاً له، وكان ثمن توكيل المحامي أكثر من مائة ليرة، وفعلاً تمّت المحاكمة، وحضر رئيس الوزراء آنذاك صبري العسلي، ممثلاً للدولة،وحكم عليه، فأعيدت له الليرات الخمس، وغرم رئيس الوزراء بتكاليف المحامي، وقبض راتبه كاملاً.

مقابل هذه الصورة، وعندما كان في المملكة العربية السعودية، كُلِّف من وزير المعارف بوضع تقويم للمملكة كان هو أساس تقويم أم القرى، وعندما صرفت له مكافأة على هذا الجهد، رفض أن يأخذها لأنه فهم الأمر من باب الصداقة لا من باب الوظيفة، ولهذا لا يستحق هذا المبلغ ورفض استلامه.

لم أجد أحداً فيمن تعرفت عليه في حياتي تصغر الدنيا في عينيه مثله، هي عنده كما يريدها الله تعالى عند عباده الصالحين.

«ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراً جرعة ماء».

يصغر في عينيه المال والجاه فيعيش صورة من السلف الصالح حية بين ظهرانينا.

صحبتي له في الحج:

خرجت معه مرات إلى الحج مشياً على الأقدام من مكة إلى منى وعرفات ذهاباً وإياباً، ومن عرفات لمزدلفة لمنى للحرم، ثلاثة أيام يحمل معه كيساً صغيراً من التمر الرديء، حتى لا نأكل كثيراً ونخرج كثيراً، وإبريقاً من الماء الفاتر، حتى لا نشرب كثيراً ولا نتبول كثيراً، نزور أفخم المنازل، وأكبر المعسكرات.

يشارك في وعظ أو حديث جانبي، ونتوسد الأرض عند النوم، وقد سبق وحج من الطائف إلى مكة ماشياً على الأقدام حين كان معلماً في الطائف، مسافة تسعين كيلاً تقريباً .

ولم تتغير حياته وسلوكه لحظة واحدة، البساطة والنظافة والأناقة كما ذكرت هي ثلاثية دائبة في مسيرة حياته.

لكنه حين يتعامل مع الدنيا يرفض أن يكون ساذجاً أو مغفّلاً، يحاسب على الدرهم ويتصدّق بالمئات، وها هو قد مرَّ على تقاعده من عمله في المملكة قرابة خمسة عشر سنة، لم يحتج إلى أحد ، بل أقصده إذا احتجت وأقترض منه، يحسب حساب المستقبل.

له بيته المتَّسع لأسرة كاملة، لا تتجاوز علاقة الناس عنده غرفة استقباله، وها هو قد تجاوز الثمانين يقوم بخدمة نفسه،وخدمة ضيوفه ويرفض معونة أحد داخل بيته، له نظام الصارم في التعامل مع الآخرين، وبيته مفتوح للزائرين في كل لحظة، لا يجد حرجاً أن يعتذر إن كان مشغولاً، وينفذ عملياً الأدب الإسلامي : [وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] {النور:28} .ورغم انصباب الأمراض عليه التي لا تغادره لحظة، يرفض أن يصلي إلا في مسجد مُعيَّن، وليس المسجد الذي هو بجوار بيته.

 صلاة الجماعة حياته، وليست جزءاً من حياته.

ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

هذا أمر قرآنيٌّ واضح، تجد معه حديث رسول الله ^، المشهور في وصيته لابن عباس:«يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

لم أجد تطبيقاً عملياً لهذا الحديث: في حياتي كما وجدته عند شيخنا الشيخ سعيد.

عندما يفكر في تغيير منكر، أو أمر بالمعروف، أو عمل بسنة، أو مواجهة لانحراف لا يفكر أبداً إلا بالواجب المترتّب عليه، فهو يغضب لله تعالى ، ويرضى لله، ليس له شيء ذاتي يحرص عليه في حياته .

ولا يحسب احتمال ما يجر عليه من ضرر أو يقع عليه من أذى، ولهذا فهو يجد الله تعالى دائماً أمامه ، يجد حفظ الله ورعايته يحوطه من بين يديه، ومن خلفه، ولا يجد شيئاً في الدنيا لا يمكن تغييره باللسان أو اليد إذا كان منكراً، ويجد حفظ الله تعالى ماثلاً أمامه، ولن تتضح هذه المعاني إلا بالأمثلة الحية.

حياته الجامعية:

1ـ أمضى حياته الجامعية كما رأينا يواجه كل الطغاة والمتنفّذين ، ولا يهاب أحداً مهما كان عظيماً، وكان من المتوقع في كل موقف أن يفصل من الجامعة، أو يمضي به إلى السجن، يغيّر الأنظمة الجامعية على فهمه ولا يتغير، ومع ذلك أنهى إجازته الجامعية بالكيماء والفيزياء، وغيَّر نظام الاختلاط في التدريب العملي الذي وضعه جميل صليبا بحيث يقوم كل طالب وطالبة بالعمل المشترك واختاروه لذلك لاطمئنانهم إلى دينه، فرفض الأمر، وألغى الاختلاط، وعملوا كما رأينا على أعلى المستويات على إلغاء مسجد الجامعة، وخطبة الجمعة فيه، ودون جدوى ومن مسجد الجامعة حين كان يخطب أخوه الشيخ علي الطنطاوي، وكانت الخطبة منقولة على الهواء في الراديو، وانطلق الشيخ الطنطاوي الأكبر في نقده للحكومة، وهجومه على الدولة، دون أن يتنبَّه المسؤولون عن البث المباشر، ثم عوقب المشرفون، ولم ينل من مسجد الجامعة وخطبائه شيء حتى غدا المسجد منطلقاً للحركة الإسلامية.

تسقط منه الوزارات، وتقام فيه الوزارات، وتحدد ساعة الصفر، ولم يتمكن أحد من السيطرة عليه.

ثم درس دبلوم التربية العام، وتخرج بدرجة جيد، ومضى إلى التدريس محفوظاً بعناية الله ورعايته.

حياته التدريسية:

2ـ أمضى حياته التدريسيه عشر سنوات، لم يهدأ لحظة واحدة، ينقل من ثانوية لثانوية، ومن محافظة لمحافظة، وينقطع كل عام عشر أيام عن التدريس، حيث يعتكف في رمضان بالمسجد، وانتهت السنوات العشر بعد السيطرة الحزبية على الوزارة، ورأينا كيف اتخذ قرار التَّسريح أخيراً من ثلاثة وزراء.

وهو يؤدي فريضة الحج عام 1964، فعاد إلى لبنان ليجد من ينتظره ليعمل محققاً في المكتب الإسلامي، واصطدم بلبنان بالناصريين، وتعرض للخطر.

ودُعي من زميل له لزيارة البعثة السعودية، وتعاقدوا معه على صورة لشهادة للبكالوريوس، حيث لم يكن معه دبلوم التربية ولا الشهادات الأصلية، ومزق العقد عدة مرات، حتى كُتب بأحسن صيغة وحسبوا له سنوات الخدمة العشر والدبلوم بناءً على كلامه، ومضى متعاقداً إلى السعودية.

تدريسه في السعودية:

3ـ لم يكن الجو أهدأ في التدريس في السعودية منه في سورية، فتمَّ نقله خلال عام واحد بين الطائف ومكة ولعدة ثانويات، ولم تحل قضيته إلا بالعمل داخل المديرية في العام الثاني، حيث أشغله مدير التعليم بمكة بنقد الكتب والمناهج، ريثما ينتهي العام الدراسي، وألغي عقده في العام الأول، ثم جُدِّد بقرار من وزير المعارف، ليكون مدرساً في ثانوية العزيزية بمكة.

4ـ كان الله تعالى يهيء له الموقع المناسب، فقد كانت الدراسات النقدية للمناهج والكتب تصل تباعاً إلى وزير المعارف حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى ، فأُعجب بها أيما إعجاب، وشهد عبقريته الفذة وحسّه الإسلامي النقدي، فبعث يستدعيه إلى الرياض، وبينما هو يعد العدة ليغادر مكة، والسعودية بعد إلغاء عقده، وهو جالس في الكعبة المشرفة، جاءه الداعية المجاهد الشيخ محمد محمود الصواف، وأبلغه بطلب الوزير له، فمضى إلى الرياض، فاستقبله الوزير ورحب به، وأثنى على دراساته النقدية للمناهج والكتب، وأعلمه أنه هو بصدد تغيير المناهج، وأن عمله سيكون في هذه اللجنة، وابتدأ عمله سكرتيراً للجنة العليا، لتطوير المناهج والمكونة من كبار شخصيات المملكة الفكرية، والثقافية، فوزير المعارف عضو فيها ، والرئيس العام لتعليم البنات، ومدير جامعة الرياض ورئيس المحاكم الشرعيَّة، ومدير معهد القضاء العالي، ورئيس الكليات والمعاهد، وغيرهم، أما اللجنة التنفيذية ففي كل مادة كان الاختصاصيُّون في المادة هم الذين يضعون التفاصيل والجزئيات ،وترفع للإقرار من اللجنة العليا للمناهج.

لقد كان عضواً في كل لجنة من لجان مناهج العلوم الدينية والتربوية والاجتماعية والعلمية والأدبية، وكان له الدور الرائد، في تقويم السياسة التعليمة العليا للمملكة، وبقي عشر سنين يعمل في بلورة هذه المناهج جميعاً على أسس إسلامية حيث أقر المنهج من السلطات العليا.

مستشار في جامعة الملك عبد العزيز:

5ـ عُيِّن الدكتور محمد عبده يماني مديراً لجامعة الملك عبد العزيز . فدعا الشيخ سعيداً ليرافقه إلى جدة ومكة، ويعمل معه مستشاراً في الجامعة، وكانت كلية التربية في مكة تضمُّ كليتي الشريعة واللغة العربية فرعاً تابعاً لجامعة الملك عبد العزيز.

ثم انتقل الدكتور محمد عبده يماني بمرسوم ملكي ليكون وزيراً للإعلام، فتابع عمله مستشاراً لخلفه الدكتور عمر زبير، وانقطع بعد فترة عن العمل، حيث لم يجد أثراً لمطالبه الإصلاحية، وتوقف عن استلام الراتب.

6ـ كان العلامة الشيخ ناصر بن حمد الراشد، قد نُقل بعد أن كان الرئيس العام لتعليم البنات إلى المنطقة الغربية ليكون الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين، فزار الشيخ سعيداً في مكة المكرمة.

وكان يُعظِّمه جداً ويحترمه ، وعرض عليه العمل معه في شؤون الحرمين بمكة المكرمة، حيث المركز الرئيسي للرئاسة فيها، فوافق .

وقام الرئيس العام بمتابعة عملية نقله من خلال جامعة الملك عبد العزيز إلى الرئاسة العامَّة لتعليم البنات، واستصدر القرار بذلك، ودعا الشيخ للدوام في العمل.

7ـ انتقل الشيخ للرئاسة العامَّة لشؤون الحرمين الشريفين طيلة عهد العلامة الشيخ ناصر مستشاراً له، وعندما نقل الشيخ من الرئاسة، ترك العمل واعتكف في بيته.

8ـ اتَّصل به مدير جامعة أم القرى، والذي كان قبل عميد كلية الشريعة الدكتور راشد الراجح، وعرض عليه العمل مستشاراً له بعد تكليفه بإدارة الجامعة، فوافق وقام مدير الجامعة بمتابعة عملية نقله من الرئاسة العامَّة لتعليم البنات، إلى ملاك إدارة الجامعة، وبعد أخذ الموافقة وصدور القرار بذلك، جاء إلى العمل في مكتب مدير الجامعة مستشاراً له، حيث كان يعرض عليه الكثير من الأمور، فيأخذ رأيه فيها، هذا ولم يتركه وزير المعارف الشيخ حسن حتى بعد انتقاله إلى مكة، إذ كان يبعث إليه كل فترة بعض الكتب طالباً منه تقويمها له.

9ـ قدمت معتمراً إلى السعودية عام 1407، وزرته في بيته، وقلت له: إني أريد الاستقرار والعمل في السعودية، فهل من مجال للعمل في جامعة أم القرى؟ قال لي: امض وقابلني بعد أسبوع حتى أتأكد أنك لن تغيِّر رأيك؟ فجئت بعد أسبوع وأكدت له رغبتي في العمل، فقال : عندك ورقة تسمَّى الماجستير هل هي معك؟ قلت: نعم. قال: يسكن فوقي الدكتور رويعي الرحيلي، وكيل معهد البحوث العلمية فاسأله إن كان عنده شاغر، وامْضِ إلى الأستاذ محمد قطب يسأل لك عميد المعهد، وتمَّ التعاقد بفضل الله عزّ وجل، ثم بمعونة الشيخين الكريمين، وبدأت أتحرش بالشيخ ليغادر مكتب مدير الجامعة، ويأتي عاملاً معنا في معهد البحوث العلمية، وأثيرت فكرة كتابة تاريخ مكة، ورُشِّح لهذا الأمر، وأصبح يعمل باحثاً بمعهد البحوث العلمية بعد أن كان مستشاراً لمدير الجامعة، لسنين ثم تغيِّر مدير الجامعة، وجاء مدير جديد لا يعرف قيمة العلم والعلماء، فكان أول إنجازاته إلغاء عقد كبار العلماء فيها، ومنهم الأستاذ: محمد قطب، والشيخ سعيد الطنطاوي، بحجة تجاوزهم السن القانوني الـ65 عاماً، ومنذ ذلك الوقت والشيخ مقيم في بيته بين المسجد والبيت، يعيد سيرة السلف كالشيخ سعيد بن المسيب، يزوره من يريد، وينهل من علمه، ويتلقى من تربيته من يقصده.

وكثيراً ما تثار الأسئلة بين يديه: لماذا لا تكتب؟ لماذا لا تؤلف؟ لماذا لا تنشر علمك؟ ، وكنت واحداً ممن له هذه الدالة عليه، فكان يقول: تتكاثف الأفكار عليَّ عند الكتابة، فأتوقف وأنا لست مؤلفاً، وليس هناك من يُحسن تلقي هذا العلم على هدي الجيل الأول.

أذكر أنه وافق مرة معي بعد إلحاح على أن أقرأ كتاباً بين يديه في اللغة والأدب، مرتين في الأسبوع، سافرت بعدها لمدّة شهر، ولم أعلمه، وكل تصوري أني أعلمته، فعدتُ وطلبت العودة كما كنا عليه فغيَّر الحديث، وعرفت أنها تربية العقوبة على الاستهانة والإخلال بالموعد.

9ـ ولابد هنا ونحن بصدد عون الله ورعايته له، أن يهيء له من الإخوة والمحبين من يتسابق في خدمته بعد إنهاء تعاقده مع الجامعة، كان لا بد من نقل كفالته، ونقل الكفالة عمل يستهلك الوقت، ويستنزف النفس حتى يتحقق، ولابد من متابعة صاحب العلاقة له، فقد أمضيت شهرين عندما أردت أن أنقل الكفالة، أتردد على الجوازات، وقابلت مدير الجوازات، وكتبت له رسالة، ولم تتحرك المعاملة من أول موظف وصلت إليه، وأفهمت أن الأمر يحتاج إلى معقب حاذق للمعاملات يأخذ أتعابه وأتعاب غيره، وأتذكر الشيخ سعيداً. فماذا سيفعل والجامعة تلح عليه بنقل الكفالة، وتابعت بحهدي الضعيف بعض مراحلها، فماذا كان بعد ذلك؟ هيأ الله تعالى له الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد الكبيسي الأستاذ بكلية الشريعة والذي يحمل الجنسية السعودية، ورغم أنه كفيف البصر، فقد اتصلت به ذات يوم وأخبرته بما جرى في المعاملة. قال لي بصريح العباره: اجلس وارتح لا عليك من المعاملة أنا أتابعها وأنا أتلذذ بخدمة الشيخ، وأتعبد بخدمة الشيخ، وفعلاً جاءه بالكفالة الجديدة عليه، وسلَّمه جواز السفر بإقامة جديدة دون أن يتحرك من بيته.

10ـ وأغرب تصريح سمعته في حياتي منه، ولو قلته عن غيره لأكَّد لي أن هذا ضربٌ من الجنون، قال لي: أمضيت ثلاثين عاماً في المملكة العربية السعودية، وتنقلت في الوظائف، وسرحت من العمل، وأُعدت إلى العمل، ونقلت كفالتي مرات ومرات، ولكني أخبرك بأني لم أتقدم بطلب واحد طيلة أعوامي الثلاثين إلى دائرة حكومية أو غيرها، ولم أقف بباب دائرة حكومية.

إنها حقاً رعاية الله له المتمثلة بقوله عزّ وجل {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

[ الطلاق: 2-3].

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».

11ـ نزل به مرض شديد قبل ثلاثة أعوام تقريباً، أقام حوالي عدة أشهر في مستشفى فقيه بجده وقام على خدمته وصحبته الأخ الكريم الشيخ عبد الرحمن حجار، وهو من خلص أحباب الشيخ. وقلت: انتهى المسجد عند الشيخ بناءً على هذا المرض، وستكون صلاته في بيته، فقد كانت حركته داخل المستشفى بصعوبة بالغة، ورافقه هذا المرض بعد خروجه منها.

وإذا الشيخ سعيد هو الشيخ سعيد، وقد ناف عن الثمانين من العمر، وعليه أن يتوضأ بعد الأذان، ولم يغيِّر ذلك من همته شيئاً، وعاد لما كان عليه، يحافظ على الصَّلاة في المسجد جماعة.

له همة قعساء، لا يعرف التعلُّل ولا الأعذار، ويحرص أن يكون دائماً على نهج السلف الصالح في كل شيء .

12ـ كثير من الناس يحسبونه من بعيد من كبار الصوفية، لكن الذين يعرفونه عن كثب، يعلمون أنه يرفض جميع ممارسات الصوفية التي لا أساس لها من الشارع الحكيم ولا يتساهل فيها، ويأخذ رأي الفقه الدقيق الذي يعتبر حلقات الذكر والموسيقى خروجاً على نهج السلف، ويسميها الرقص كما يبتعد عن الأذكار غير المأثورة والمستحدثة، غير أن أدبه معهم من جهة ثانية تجعله ينفذ إلى صميم الفكر الصوفي السلفي الذي يركز على نقاء القلب، والزهد في الدنيا، وحب الله ورسوله ويعالج أمراض القلب من الحسد والكبر والرياء والعُجْب، بينما يركز على المجاهدة وحب الله والإخلاص، ويرى في الرعيل الأول منهم قدوته، وينفذ إلى أعماق النصوص الشرعيَّة ، ويؤمن بأن أئمة المذاهب الأربعة هم أئمة السلف، وهم علماء الأمة الذين تلقتهم الأمة بالقبول، ولا تتعارض عنده المذهبية مع السلفية، بل يعتبر المذهبية والتقيُّد بمذهب معيَّن هو الأصل عند المسلم، حيث يؤخذ العلم من أئمة العلم، دون حَرَج في التقليد عند الضرورة بمذهب معين، فكلهم مقتبس من رسول الله ^، مع المحافظة على المستوى الفقهي العالي عنده في معرفة أدلة الحكم في المذهب وآراء الفقه المقارن، لكن لا يرى أنه وصل إلى مرحلة الاجتهاد في المذهب أو خارجه مع تعمقه في دراسة الأدلة.

* * *

 نشرت 2013 وأعيد تنسيقها ونشرها 25/9/2019