الشيخ الأستاذ والداعية عبد الرزاق خالد البيطار( أبو جابر)

1358- 1439هـ
1939- 2017م

الشيخ الأستاذ والداعية عبد الرزاق خالد كمال البيطار الأشعري الشافعي الحمصي.

هو ابن سورية، ذلك الشيخ العالم المجاهد الصابر المهاجر الورع، كثير الصمت قليل الكلام- إلا في الدعوة والتوجيه والذكر- يمتاز بحكمته وحسن ظنه وتفكيره الدؤوب في أحوال الأمة، تغرب عن موطنه فعاش ضنك الحياة ومرها فصبر وشكر، وقدم ما استطاع لدعوته وإخوانه من دعم ومساندة، ولم يتوان عن إسداء نصيحة أو توجيه لكل صاحب هم وحاجة، وكان هذا دأبه صامداً شامخاً راضياً بقضاء الله وقدره فعاش حياته عزيزاً، وتوفى -أحسبه شهيداً- حيث أخذ منه المرض العضال (السرطان) أي مأخذ ولسنوات كانت صعبة أليمة، فتحمل وصبر، ونال أجر الهجرة والغربة والمرض، وهذا ما كان يطلبه، فقد أخبرني مرات عديدة - عندما بدأت الثورة السورية وكنتُ أُمنيه بعودة قريبة- بأنه في شوق وحنين إلى الوطن ، ولكن أجر الهجرة أعظم، قال تعالى: ( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ).

انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين في سورية منذ نشأته، وتنقل في المناصب الإدارية، وبقي فيها حتى وفاته لقناعته بفكر الجماعة الوسطي المعتدل، وإيمانًا منه بأهمية العمل الجماعي، فكان أحد علمائها، الذين جمعوا إلى علم الكتاب حمل اللواء في الميدان، متحمّلين عبء الموقف وتبعاته، وقد لوحق وهُجّر فتحمّل في سبيل الله وهذا هو دأب العلماء الصادقين.

كان من العاملين الدعاة إلى الله على بصيرة، فربى أجيالاً من شباب المسلمين على الفقه مقرونا بالحكمة، والتضحية مع الإخلاص فيسدّ الطريق على دعاة الغلو والتطرف.

غادر سورية في ثمانينات القرن الماضي إلى الأردن، وبقي فيها إلى وفاته رحمه الله تعالى.

المولد والنشأة:

ولد الشيخ الأستاذ والداعية عبد الرزاق خالد البيطار( أبو جابر) في مدينة حمص في وسط سورية عام،  1358هـ / 1939م ، نشأ وتربى يتيماً في كنف عائلة متدينة محافظة، فقد مات والده خالد كمال البيطار وعمره ثلاث سنوات، فقامت على رعايته وتربيته والدته السيدة زهرية عبد السلام الأبرش، فلم تتزوج بعد زوجها وهي دون الثلاثين، بل عكفت على تربية أولادها الأيتام الستة، وكانت مدرسة في الصبر والأخلاق والالتزام، تكثر من قرآءة القرآن الكريم والأذكار فأرضعت أولادها العلم وحب الدعوة منذ الصبا، توفيت في الأردن عام 1998م رحمها الله تعالى.

نشأ وتربى الشيخ بين إخوته الخمسة، الشيخ كمال( أبو تمام )، و الشيخ الشاعر محمد الخالد (أبو نزار) وثلاث أخوات، منهم ...أم معروف... زوجة العالم والداعية شيخ حمص الشيخ محمود جنيد رحمه الله تعالى. 

رحلته العلمية وتدريسه:

درس الشيخ في مدارس حمص في المرحلة الابتدائية، وحصل على الشهادة المتوسطة عام ١٩٥٨م، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية الشرعية عام ١٩٥٩م 

وفي عام ١٩٦١ م حصل على شهادة أهلية التعليم الابتدائي، وتابع تعليمه العالي ليمنح درجة الليسانس في الشريعة في جامعة دمشق عام ١٩٦٥م

أكمل تعليمه إلى أن حصل على درجة الدبلوم العامة في التربية عام ١٩٦٧م 

تلقى علومه ودرس على شيوخ حمص وعلمائها ومن أبرز شيوخه الشيخ محمود جنيد والشيخ عبد العزيز عيون السود.

بدأ عمله في التدريس عام ١٩٦٢م حيث عينته مديرية التربية مدرساً لمادة التربية الإسلامية في مدارس القامشلي، ثم انتقل ليدرس في مدارس حمص الابتدائية والثانوية، وكذلك في مدارس اللاذقية، وكان يكمل دراسته الجامعية وطلبه للعلم بالتزامن مع عمله بالتدريس.

ظل يعمل مدرساً في ثانويات حمص وداعياً إلى أن غادرها عام ١٩٨١م مكرهاً، عندما اشتد ظلم النظام الحاكم المجرم، وذلك بعد خروجه من السجن مباشرة، حيث سجن سنة 1979م في سجن القلعة بدمشق، لأسباب دعوية، ولانتسابه لجماعة الأخوان المسلمين.

كان الشيخ رحمه الله شافعي المذهب أشعري العقيدة عالماً عارفاً بالمذاهب الأخرى ملتزماً بالمذهب الشافعي..

تتلمذ على يديه العديد من أبناء الإخوان وغيرهم وأخذوا عنه الفقه وأصوله وعلم الحديث والتلاوة والتجويد واللغة والأدب.

وكان مرجعاً عارفاً عالماً بالنحو والصرف والبلاغة والبيان وقد دَرَسَ أمهات الكتب في النحو. 

كان بارعاً عالماً في علم المواريث له قدرة على شرحه وتبسيط المفاهيم، ذو عقل رياضي يمكّنه من التعامل مع الكسور بسهولة ويسر.

يحب الشعر ويتذوقه عارفاً في بحوره وعروضه، يجيد فنون الخط العربي، كما أنه أقتصر في تأليفه على أوراق وبحوث يدرسها طلابه ولم يؤلف كتاباً لرأي عنده وقناعة احتفظ بها لنفسه، ... فـتأليف الرجال خير من تأليف الكتب، فهو يؤمن - رحمه الله تعالى – بأهمية العمل والفعل أكثر من الكتابة والتأليف فهو ما سيحاسب عنه الإنسان يوم القيامة ويسأل، مستنداً إلى قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )

أخلاقه وصفاته:

كان -رحمه الله- زاهداً في الدنيا ورعاً، ... كان هو ذلك المربي الحكيم، بما حَبَاه الله عز وجل من صفاء في النفس وذكاء في الفكر وغزارة في العلم ودماثة في الطبع والخلق، له قلب كبير وتواضع عفوي وأدب جم... يؤلف بين المتنازعين ويدخل السرور إليهم، كريماً عزيز النفس، يسارع في تقديم ما أمكن لإخوانه بنفسه.

ولم أذكر أنه ضحك بصوت مرتفع مطلقاً، فكان لا يزيد على التبسم، قليل الكلام إلا في الدعوة والتدريس والذكر، ويعرف ذلك من لقيه وعايشه.

يحافظ على الصلاة في المسجد وخاصة صلاة الفجر فكان يذهب قبل الأذان بوقت لا بأس به ويصلي ما شاء الله له أن يصلي، ...ويجلس حتى صلاة الضحى ثم يعود، و يعتكف ما بين المغرب والعشاء في المسجد يراجع فيها حفظه، ويحرص على ركعتي الأوابين بعد المغرب لم يتركها، يصوم يومي الاثنين والخميس كثير الاستغفار والذكر، يحافظ على الأذكار صباحاً ومساءً 

أحواله الاجتماعية : 

تزوج الشيخ من خيرزاد (أم جابر) ابنة الشيخ الداعية العالم المجاهد عبد المعطي شمس باشا من حمص، وهي حاصلة على الشهادة الجامعية بالشريعة من جامعة دمشق، عالمةٌ داعيةٌ ومربيةٌ وموجهةٌ ومرشدةٌ، خرجت مع الشيخ ولازمته هجرته، وكانت خير زوجة وخير معين له في التربية ونشر الدعوة والصبر على فتن الحياة راضية قانعة، حتى توفى - رحمه الله تعالى-.

أنجبت له خمسة أولاد، ثلاثة ذكور جابر، عبدالسلام، رائد، وابنتان، وجميعهم أكملوا دراستهم، وحصلوا على شهادات جامعية.

كان -رحمه الله- يعيش حياة الكفاف زاهداً في الدنيا، راضياً بما قسم الله له، عرضت عليه العديد من المناصب، وعرضت عليه فرص للعمل خارج دار الهجرة حيث الحالة الاجتماعية الأفضل، فلم يتهافت لمنصب بل كثيراً ما اعتذر، ولم يهاجر لدنيا ...ولم يطلبها. 

وفاته

انتقل الشيخ إلى جوار ربه فجر يوم الأربعاء 24- 3- 1439هـ/ 13-12-2017م ، الرابع والعشرين من ربيع الأول عام تسعة وثلاثين وأربعمئة وألف، الموافق الثالث عشر من كانون الأول عام سبعة عشر وألفين ميلادية في مدينة عمّان في المملكة الأردنية الهاشمية.

وأقيمت على روحه الطاهرة صلاة الجنازة في مسجد حي نزال الكبير بعد صلاة عصر الأربعاء، وشيع إلى مقبرة سحاب في مدينة عمان عاصمة الأردن.

وكان لرحيله وقع أليم وحزن كبير على قلوب أهله وإخوانه ومحبيه، رحمه الله تعالى وأسكنه الفراديس العلا مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وقد نعاه ورثاه الكثير من محبيه وطلابه وزملائه وإخوانه.

اللهمّ تقبّل عبدك في الصالحين، واحشُره تحت لواء نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، وأكرم نزله ياكريم.