الشهيد الداعية المجاهد طريف السيد عيسى

(1378/ 1439ه ) / (1959/ 2018م )

أنجبت مدينة إدلب الكثير من المفكرين والأدباء والقادة الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل عزة الوطن واستقلاله، وفي سبيل الدفاع عن الإسلام والدفاع عن دعوة الحق والخير والحرية والجمال، وكان على رأس هؤلاء من رواد الحركة الإسلامية المعاصرة : الشيخ محمد نافع الشامي، والأستاذ أحمد قطيع، والدكتور محمد أديب الجاجي،.. وغيرهم .

ثم جاء بعد ذلك الجيل الثاني ويأتي الشهيد طريف السيد عيسى في طليعته، فماذا تعرف عن طريف السيد عيسى – رحمه الله - ؟

إنه مجاهد سوري من محافظة إدلب قضى شطراً من عمره مقيماً في السويد، قيل : إنه ممثل لأهل إدلب في المجلس الانتقالي، وعضو في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية، ومدير جمعية سنابل الخير ، ....

مولده ونشأته : 

ولد الأستاذ المُجاهد (طريف بن مصطفى بن طاهر السيد عيسى) – يرحمه الله تعالى – في 20 ذو القعدة 1378 هـ / الموافق 28 مايو 1959 م في مدينة الطبقة في محافظة الرقة حيث كان يعمل والده رئيساً لإحدى المخافر هناك، لكنّه سرعان ما عاد لمدينة إدلب الخضراء شمالي سورية، وكان هو الأخ الرابع، إذ يكبره طاهر، وطلال، وسلوى، ويصغره طارق، والشهيد طلعت – رحمه الله – وأخته سهاد.

وكان والده (مصطفى السيد عيسى) – رحمه الله – رجلاً مشهوراً بالوقار والصلاح والهيبة، وهو من أعيان مدينة إدلب، وإليه يلجأ الكثير من الناس لحلّ القضايا والمشورة وغير ذلك، وكان يعمل في أوّل حياته رئيساً لإحدى المخافر، ثم تفرّغ للتجارة والمقاولات، فعمل في تجارة الحبوب والذهب، توفي عام 1983م .

وقد ورث طريف عن والده (أبي الطاهر ) حبّ الحق والعدل وكراهية الظلم، والسعي الحثيث لإصلاح ذات البين . 

أمّا والدة الشهيد فهي السيدة (أمّون سيد عيسى) – رحمها الله – وهي سيدة ذات هيبة بين نساء مدينة إدلب، وكانت تُعرف بأمّ الطاهر، وهي مربية فاضلة، ولها تأثير بالغ في حياة الشهيد حيث ماتت همّاً وكمداً وحُزناً على فراق ابنيها طلعت، وطريف – يرحمها الله – إذ تم اعتقال الأول واحتجازه بهدف ابتزاز العائلة، وكان عمره 16 سنة، واضطرار الأستاذ طريف لتسليم نفسه فاضطر لمغادرة سورية هرباً من بطش نظام حافظ الأسد، توفيت الوالدة عام 1982م.

وتنتمي الأسرة إلى قبيلة النعيم ، وهي مشهور بحبّ الأرض والمحافظة على القيم الإسلامية والنخوة والكرامة .

الشهيد في صباه:

وقد عمل الشهيد في حداثته مع والده في مزارع الزيتون المشهورة والمعروفة في مدينة إدلب، وهذا أكسبه روح الفلاح وصبره وجلده، وأعطاه حبه للأرض وتمسّكه بها والتعلّق بالوطن، وأكسبه القدرة على التحمّل في جميع الظروف. 

عاش مع أهله وأعمامه، وكان يعشق الأرض، ويعمل في الزراعة طيلة الوقت .

دراسته ومراحل تعليمه :

ثم انتقل الأستاذ الشهيد طريف السيد عيسى للدراسة في مدارس مدينة إدلب، ابتداء بمدرسة الفتح الأهلية عام 1971م ، والتي كان يديرها شيخ إدلب وعالمها الكبير الشيخ نافع الشامّي, وقد كان للشيخ نافع أثر كبير على مسيرة الأستاذ طريف ومسيرة أقرانه، ثم انتقل الشهيد لمدرسة المتنبي عام 1977م ، والتي كانت محطة مهمّة من محطات الشهيد، إذ كان للأستاذ الداعية أحمد قطيع – مدرس اللغة العربية، وأحد أعيان مدينة إدلب وفارس المنبر والمعلم المربي– كبير الأثر في صياغة شخصية قوية وتعزيز الهوية الإسلامية لدى الأستاذ طريف، وساهم في زرع بذور الهمّة العالية لديه، وهناك بدأت تظهر على فارس هذه السيرة ملامح التحدّي للظلم وبريق العزّة وعنفوان الشباب المُختلط بالهمّة العالية والقوة في الجسم، إذ كان في أحيان كثيرة يتغيّب عن الطابور الصباحي حتى لا يُردّد الشعار الصباحي، وفي هذه المرحلة المُبكّرة أيضاً كان يرفض المشاركة في المسيرات المُختلفة والتي كان يشعر أنّها تهدف لتعزيز الظلم, بل كان يستقطب الشباب والأصدقاء لفعل ذلك أيضاُ ممّا سبب له الكثير من المشاكل مع أهالي الطلاب.

المرحلة المتوسطة:

بعد أنّ أنهى المرحلة الإعدادية أراد الشهيد الأستاذ طريف أن ينصر وطنه ودينه بعلمه وعمله، فصمّم على دخول الكلية الجوية، وفعلاً التحق بالكلية الجوّية إذ كان يحلم أن يُصبح طياراً حربياً يدافع عن وطنه وعن مقدّسات أمّته وعن أفكاره ومعتقداته، لكنّه أصيب بصدمة كبيرة عندما اكتشف أنّ هذا الجيش وهذه الطائرات وهذه الأسلحة ليست لخدمة الوطن ولا الدين، وليست كذلك لمحاربة إسرائيل، وإنّما هي للدفاع عن الطغمة الفاسدة الظالمة، حينذاك قرّر فوراً ترك الكلّية الجوّية، ولكنّه قرّر ذلك في وقت ضيّق وحرج جداً إذ انتهت المدة القانونية للتقديم على الثانوية، فاضطر للالتحاق بالثانوية الصناعية في مدينة إدلب، وقد كانت هذه الفترة من أكثر الفترات التي شهدت تغيّرات في المناخ السياسي حيث بدأت الطغمة الفاسدة في سورية بافتعال الأزمات والتضييق على الحريات، فكان للشهيد في هذه الحقبة الزمنية صولات وجولات ومشاركات فاعلة للتنديد بالممارسات الظالمة.

زواجه وأولاده:

تزوّج الأستاذ (طريف السيد عيسى) من السيدة (فادية حسين حريري) عام 1982م، داعية وناشطة في المجال الثوري، درست تربية الطفل والعلوم السياسية في السويد، وعضوة في الهيئة السياسية لثوار إدلب، وأخت صديقه وأخيه في الدعوة الأستاذ محمد نبيه حريري -رحمه الله – فكانت له نعم الزوجة الصالحة المربية، والتي ساهمت في تربية أولاده، ونهضت بعزيمة وهمّة بعبئ البيت ليتفرغ للدعوة والنضال, ووقفت بجانبه في الشدائد والتحديات المُختلفة, كما وتُعتبر السيدة فادية قدوة للنساء المُجتهدات اللواتي لا يتوقفن عن العمل والحركة وطلب العلم في كل الأوقات, إذ قامت بدراسة العلوم السياسية، وهي في نهاية عقدها الرابع، وحصلت بالفعل على شهادة في ذلك، وللأستاذ طريف أربعة أبناء وبنتان، هم على التوالي:

-فداء الدين: من مواليد عام 1985م كان يقيم مع والده في السويد، وقد حاز على شهادة البكالوريوس في تقنيات الإبداع من جامعة ميلاردالينز في السويد، ثم حصل على الماجستير في العلوم القيادية، وهو مُستشار ومدرب في الإدارة، وله مشاركات وكتابات في علوم الإدارة والقيادة وقضايا العالم الإسلامي، وفي تحقيق لمجلة “نوفل أوبزرفاتور” الفرنسية وصفته بـ”المسلم الورع”، والموهوب بالمعلوماتية، وهو يشغل مدير موقع “الثورة السورية” على الإنترنت، ويعمل حالياً في إحدى مؤسسات المجتمع المدني السوري في تركيا. متزوج، وله ثلاثة أبناء.

-مصطفى: مواليد عام 1987م، وهو حاصل على شهادة البكالريوس في الهندسة المدنية من جامعة (أوربرو) في السويد، وهو ناشط مُجتمعي ومُحاضر في المؤسسات الإسلامية هناك، وقد ترأس اتحاد الشباب المسلم في السويد سابقاً. متزوج وله ابن.

-ياسر: مواليد 1989م ، وهو حاصل على شهادة الماجستير في هندسة السفن والطائرات، وله مشاركات في العمل المُجتمعي والإعلامي لمناصرة الثورة السورية، كما ويدير شركته الخاصة في مجال الإعلان والتسويق. متزوج وله ابن.

-لينة: مواليد 1992م ، طالبة في كلية التربية والتعليم – جامعة ميلاردالينز, ولها بعض المشاركات والنشاطات الخيرية في السويد.

-محمد: مواليد عام 1995م ، أنهى دراسته الثانوية، ويُحضّر لمتابعة دراسته الجامعية. يكتب الشعر باللغة السويدية لمناصرة القضايا العادلة، وله مشاركات في بعض المؤتمرات والمهرجانات.

-ولاء: مواليد 2002م ، تدرس المرحلة الثانوية.

التحاقه بالدعوة:

التحق الشهيد بدعوة الإخوان المسلمون : وهي جماعة إسلامية، تصف نفسها بأنها "إصلاحية شاملة" . تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، خاصة في مصر، أسسها حسن البنا في مصر في مارس عام 1928م كحركة إسلامية وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست .

طبقاً لمواثيق الجماعة فإن "الإخوان المسلمون" يهدفون إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل في مصر وكذلك في الدول العربية التي يتواجد فيها الإخوان المسلمون مثل : الأردن، والكويت، وفلسطين كما أن الجماعة لها دور في دعم عدد من الحركات الجهادية التي تعتبرها حركات مقاومة في العالمين العربي والإسلامي ضد كافة أنواع الاستعمار أو التدّخل الأجنبي، مثل حركة حماس في فلسطين، وحماس العراق، وقوات الفجر في لبنان...

وتسعى الجماعة في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة فأستاذية العالم وفقاً للأسس الحضارية للإسلام عن طريق منظورهم.

وشعار الجماعة "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله اسمي أمانينا"

بدأ الأستاذ طريف السيد عيسى بالتعرّف على دعوة الإخوان المسلمين في الصف العاشر، وكان شاباً يافعاً مشهوراً بالقوة والشجاعة بين أقرانه بحيث لم يسمح لأستاذه بضربه منذ أن كان صغيراً، ومن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، حيث بدأ يتلمّس الأفكار الإصلاحية للنفس والمُجتمع في هذه الجماعة المُباركة، وتعرف على شباب متميزين يذهبون إلى المساجد، فبدأ يحضر معهم الدروس والقرآن، فكانت ثقتهم به كبيرة ، فانتمى لصفوف الجماعة، وآمن بفهمها الشامل للإسلام، فهماً يهتم بجميع مناحي الحياة، فالتحق في الحلقات المسجدية، وطلب العلم، وساهم في نشر الفكرة مع زملائه، فكانت لهم أيادي بيضاء في عمل الخير والدعوة لدين الله سبحانه وتعالى، وبرغم حداثة سنّه تميّز الأستاذ بحماسته الشديدة، وهمّته العالية ، وتفانيه في الدفاع عن الهوية الإسلامية ممّا أدخله في معارك فكرية وثقافية مع التيارات المعادية للحركة الإسلامية في سوريا، لكنّه لم يتوانى عن مواجهة الفكرة بالفكرة والحجّة بالحجّة والانخراط في الحراك الثقافي والنقاشات التي بذل فيها الوقت والجهد لتبيين منهج الإسلام الوسطي المعتدل.

بعد ذلك كلّه انتقل إلى مواجهات قاسية مع السلطة الدكتاتورية المُتمثّلة بحزب البعث الانقلابي المستبدّ، والذي حارب دعوة الإخوان المسلمين بالعنف والقتل والإرهاب وملاحقة أعضاء الجماعة واعتقالهم وتعريضهم لشتى أنواع العذاب الوحشي في السجون، والتضييق على المُحجّبات ومُتابعة المّتدينين وإغلاق الأبواب في وجوههم، حيث مثّلت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا صوت الشعب المُنادي بالحق والعدالة والكرامة والمُدافع عن هويته العربية والإسلامية. فخاض الأستاذ طريف السيد عيسى وإخوانه من خلال المظاهرات ووسائل المعارضة السياسية والإعلامية المختلفة صراعات شديدة وملاحم كبيرة، ودفعوا بدمائهم وأموالهم ثمناً باهظاً من أجل الحفاظ على وطنهم وشعبهم ونيل الحرية والدفاع عن كرامة هذا البلد المبارك، وكان يفكر كيف نرجع الحقوق إلى أصحابها، وكيف يخدم المجتمع من منظور وسطي معتدل ولكن النظام البعثي كان يحارب ذلك الفكر .

نضاله الأول وملاحقته:

اقترب من هموم الناس وآلامهم، وبدأ يطالب بحقوق الإنسان السوري، ويهتف في المظاهرات حتى لوحق الأستاذ طريف السيد عيسى من قِبَل أجهزة المخابرات والأمن والجيش، وذلك بسبب مواقفه الواضحة من الطغمة الفاسدة وصيحاته التي كانت معروفة ومشهودة في ساحات إدلب ومظاهراتها ومدارسها وحاراتها، إذ عُرف الأستاذ بكونه الصوت الهادر الذي لا يهدأ ، ولا يسكن بل يثور، ويتأجج حُرقة من أجل وطنه ودينه ومبادئه، فغالباً ما يُرى على الأكتاف يصيح ويُوجّه ويُنادي بشعارات الحرية والكرامة، ناهيك عن نشاطه في توزيع المناشير التي تُرغّب بالحرية، وتشرح للناس الواقع المرير التي تُعانيه سوريا، وتدعوهم فيها للمطالبة بحقوقهم, وكانت عقوبة من يقوم بتوزيع المنشورات الاعتقال التعسّفي المباشر, وفي كثير من الأحيان الإعدام الميداني إدراكاً من هذه الطغمة الفاسدة خطر الكلمة والوعي, لكنّ ذلك لم يُثني الأستاذ المجاهد طريف السيد عيسى من مواصلة نضاله وحراكه من أجل الفكرة التي آمن بها، وضحّى بحياته من أجلها.

ومن أكثر المواقف التي يُذكر بها شهيدنا – وذلك في المظاهرة الشهيرة في مدينة إدلب بتاريخ 8/3/1980- كسره لذراع تمثال الدكتاتور حافظ الأسد في مدينة إدلب, والذي كان مثالاً للقدسية التي حاول من خلالها نظام البعث زرع الخوف والرعب في قلوب الناس, إذ لم يتجرأ أحد على الاقتراب منه ناهيك عن محاولة كسره أو إسقاطه، لكنّ الأستاذ طريف كان يعلم أنّ كسر هيبة هذا الصنم هو رسالة موجّهة لهذا النظام الفاشي: أنّنا سنكسركم كما كسرنا ذراع صنمكم، وفعلا قام بكسر ذراع تمثال الديكتاتور، وظلّ التمثال مكسور الذراع منذ أحداث الثمانينات إلى أن تم تحرير مدينة إدلب في الثورة السورية فقام الثوّار بإسقاط الصنم بكليّته. منذ ذلك الحين بدأ اسم طريف السيد عيسى يجوب مدينة إدلب ويذكر على كلّ لسان، وكان مُجرّد التلفّظ باسمه يُرعب شبيحة النظام وأفراد الأجهزة الأمنية، فصار المطلوب رقم واحد في المدينة، ووضعت هذه الأجهزة الأمنية كل طاقاتها لاعتقاله، وحاولوا جهدهم وضع الكمائن له ورصد تحركاته، وقاموا فعلاً بالقبض عليه إثر مظاهرة في مدينة إدلب، وذلك بعد أن استهدفوه مع إخوة له، فأطلقوا النيران عليهم وأردوهم قتلى إلا الأستاذ طريف والذي استطاع الفرار منهم، لكنّهم سرعان ما حاصروا المكان، واستطاعوا إدخاله لإحدى سيارات المخابرات، فقامت معركة حامية داخل السيارة، إذ حاول الأستاذ طريف التخلّص منهم بشتّى الوسائل، وتم كسر أحد أصابعه في هذه المحاولة، ولكنّه استطاع بقوة وذكاء النجاة منهم، وأفلت من قبضتهم، وتوجّه فوراً لمزارع الزيتون للاختباء هنيهة إلى أن ينتقل لنقطة أخرى أكثر أمناً.

في هذه الأثناء تم مهاجمة بيت والد الأستاذ للبحث عنه واعتقاله, ولكنّهم لم يجدوه، فتم الاعتداء على والده، ونهب الممتلكات واعتقال أخيه الأصغر طلعت – رحمه الله – والذي لم يبلغ آنذاك 16 عاماً، وتم اقتياده لأمن الدولة في مدينة إدلب بهدف ابتزاز الأستاذ الشهيد طريف وتسليم نفسه مقابل الإفراج عن أخيه. باءت كل مُحاولات والده للإفراج عن ابنه الصغير، وكانت التقارير التي تُطالب الأجهزة الأمنية بالقبض على الأستاذ طريف شديدة اللهجة وغاية في الوضوح، وما زالت المنشورات على الجدران تعد الناس بالجوائز إذا أدلوا بمعلومات توصلهم إلي مكانه. 

كان يعلم الأستاذ طريف السيد عيسى أنّ تسليم نفسه لهؤلاء المجرمين سيكون ضرره كبيراً، وأنّهم لن يُعيدوا أخاه في حال تسليم نفسه، ولذلك قرّر مُغادرة بلده وأهله وأرضه وخلاّنه.

رحلة الهجرة القسرية:

وهنا تبدأ رحلة طويلة من العذابات والصعوبات التي تفاقمت، وتصاعدت تباعاً من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان، إذ امتدت مرحلة خروج الشهيد من سوريا إلى الأردن أياماً طويلة, يقضيها الإخوة بين المغارات والجبال والمزارع مختبئين من خفافيش الظلام الذين كانوا يُفتّشون كل شيء بحثاً عن هذا الشباب الطاهر الذي كان كلّ ذنبه أنّه طالب بحقّه في الحياة والحرية والعدالة. وممّا رواه الشهيد لأحبابه وأصدقائه قصة خروجهم من سوريا إلى الأردن التي كانت زحفاً على بطونهم ولمسافة طويلة وساعات كثيرة، إذ لم يكن يستطع أي شخص أن يرفع رأسه قدر شبر وإلا تم إطلاق النار عليه فوراً، فاضطر الشهيد – ومن معه – للزحف على أذرعهم وركبهم ليوم كامل، حتى اجتازوا الحدود السورية الأردنية بأعجوبة, وما أن وصلوا أوّل بيت أردني، ورآهم صاحب البيت بهذه الحالة المأساوية والدم يقطر من أيديهم وأرجلهم ، وتشققت جلودهم ، وتيبّست شفاههم من العطش ، وقد امتلأت ثيابهم بالرمال والتراب والحجارة الصغيرة، حتى سارع باستضافتهم ومداواة جراحهم. وما ان استراح الإخوة حتى باشروا بترتيب أمورهم وتنظيم أوضاعهم فوراً، وبدأ العمل من جديد من أجل استكمال الطريق، فالقضية ليست في المكان فقط، المكان يسكن في كل ذرة من ذرات الشهيد وصحبه، مهما تنقّلوا في البلاد ينتقل معهم الوطن، وتنتقل معهم الفكرة دون كلل أو ملل.

لم يستقر المقام بالشهيد في الأردن طويلاً إذ اضطر للسفر إلى العراق للالتحاق مع أبناء جماعة الإخوان المسلمين في برامجها ومخيمات الاستعداد التي كانت تُخطّط للعودة إلى سوريا والمشاركة في ثورة عارمة، تميّز وقتها الأستاذ طريف السيد عيسى بقوة في الجسم وهمّة في العمل وحماسة شديدة للفكرة ممّا جعله يتقدّم الصفوف في التضحية والفداء وتقديم أروع الأمثلة في البذل والتجرّد، فكانت له صولات وجولات مع أزلام النظام البعثي الفاسد, إذ أذاقه ويلات عديدة في سوريا, حتى أنّ مُجرد ذكر اسمه قد يُسبّب الهلع لشبيحة النظام، إلا أنّ هذه المرحلة انطوت بعد فترة وبدأ هناك مرحلة جديدة ومُختلفة كلياً، إذ اضطر الشهيد للهجرة مُجدداً لبلد جديد ألا وهو اليمن، في هذه المرحلة التحق الأستاذ أبا الفداء بوظيفة التدريس والتعليم في مدرسة بعيدة عن العاصمة في قمم الجبال، ولكنّه لم يتوقف عن العطاء والمُبادرة، وبرغم مشقّة العمل هناك وبُعد المسافة وعُزلة المكان والزمان، قام هو وزوجته – أم الفداء – بالتخطيط والترتيب لجعل هذه المدرسة النائية نموذجاً فريداً في التعليم والتربية والتأهيل, وفعلاً أضحى معهد (العلم والإيمان) في منطقة الكميم على كلّ لسان في المنطقة من ناحية الترتيب والتنظيم والفعاليات والمسابقات وعوامل التعليم والتربية المختلفة التي ساهمت في إعداد جيل متمسك بهويته وينظر لمستقبله بعين ثاقبة, حتى أنّه قام – بنفسه – بتخطيط اللوحة الرئيسية للمعهد بالخط الكوفي الذي كان يُحبّه, وقام بصحبة طلاّبه بتثبيتها في مكان عال ليراه كل قادم وزائر.

مرة أخرى – كما الدنيا المتغيّرة – يعود الشهيد للعراق لإكمال دراسته في كلّية الاقتصاد، ولكنّه يعود هذه المرّة ومعه زوجته وطفلين اثنين، مُثقلاً بأعباء الأسرة والحياة، لكن هيهات أن يستسلم هذا البطل الذي لا يعرف اليأس ولا الركون. بدون راحة ولا كلل ولا ملل يدرس نهاراً ويعمل ليلاً ليتسنّى له إطعام أطفاله وتأمين حياة طيبة مٌباركة لعائلته، وكذلك لا ينشغل عن دعوته وجماعته التي كانت تأخذ من وقته وجهده الشيء الكثير. 

قام بنشاط وحيوية بافتتاح مشروع صغير يُدرّ عليه بعض المال, فأسّس منجرة بالتوازي مع دراسته الجامعية, واستطاع كعادته الموازنة بينهما والانتهاء من دراسته الجامعية. بسبب نشاطه وحيويته تعرّض الشهيد لمحاولة اغتيال من قِبل أزلام النظام في العراق ولكنّ الله تعالى نجّاه منها.

اضطر الأستاذ طريف وعائلته الانتقال من العراق بعد أن اضطربت الأوضاع بسبب الحرب، وضاق الخناق عليهم، فسارعوا للهجرة عودة مرة أخرى للأردن، وهناك اجتهد الأستاذ لتأمين حياة مُستقرّة لأطفاله الذين بدأوا يكبرون، ويعون ما يحصل من حولهم, فبدأ يعمل في تخصّصه (المُحاسبة والاقتصاد), لكن هذا لم يُنسيه قضيته ولا ثأره مع النظام القاتل, فكان كلّ همّه أن يعود لبلده ويُساهم في تحريرها من قيود الظالمين, ويزرع في قلوب أحبابه وأبنائه حبّ هذا البلد الطيب الذين لم يروه يوماً ولكنّهم أحبوه لكثرة ما يتكلّم عنه حُبّاً به. وطالت السنين في الأردن واندمج فيها أبناء الشهيد وصاروا جزءً لا يتجزأ من هذا البلد الطيب. تعرّض الأستاذ لأكثر من محاولة اغتيال وملاحقات، حتى ضاقت الأرض بما رحبت بهذه العائلة ، وغُلّقت الأبواب جميعها، فاضطر الشهيد الأستاذ طريف للبحث عن بلد يضمن من خلاله حياة مستقرة وطيبة لعائلته، خاصة فيما يتعلّق بقضية الوثائق التي كانت تُسبّب الكثير من المشاكل والعوائق، فصار لازماً وجود حل جذري, فكان القرار الصعب: ألا وهو الهجرة لأوروبا.

طريق الهجرة الجديد:

وهنا تبدأ مرحلة جديدة وصعبة من مراحل حياة المُجاهد طريف السيد عيسى، والذي حمل عائلته على كتفيه، وحمل معهم هموم الوطن والأمة مُهاجراً في سبيل الله, مُتنقلاً بهم من بلد إلى بلد, ومن مدينة إلى مدينة في رحلة طويلة ومُرهقة وقاسية جداً خاض فيها عباب البحر حتى وصلت به إلى السويد, التي أعطته هامشاً كبيراً من الحرية التي كان يحلم بها الشهيد, فاستفاد من هذه الفرصة أيّما استفادة، فكانت له مُشاركات فاعلة في الكثير من المجالس واللجان والمؤتمرات التي دعت لحرية الشعب السوري، وسافر مرّات عديدة لمُختلف البلاد الأوروبية للمشاركة في المظاهرات والفعاليات المُندّدة بجرائم النظام السوري، حتى أنّه اصطحب زوجته وأطفاله للندن في إحدى المرّات للمشاركة في مظاهرة تُندّد بمجزرة سجن تدمر الرهيب فقط، ثم عاد بعد ذلك إلى السويد، فكان لذلك كبير الأثر في نفوس الحاضرين الذين يشاهدون مثالاً حيّاً للتضحية والهمّة العالية. فلم تمت القضية في قلبه يوماً، ولم ينطفئ نار الثأر في نفسه أبداً، بل يشعر كل من لازمه وصاحبه أنّه يزيد نشاطاً وحيوية، حتى أنّه كان ينشر هذه المشاعر لمن حوله، ويُشجّعهم على العمل والمثابرة وعدم نسيان قضاياهم وأنّ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوّة.

وكانت له صولات وجولات في الدفاع عما يراه حقاً، يستخدم (البالتوك ) بشكل كبير، فاهتدى على يديه الكثير من الشباب .

وبنى علاقات مع كثير من الشباب، وكتب عدة مقالات، وحضر المؤتمرات، وقد شارك في عدة مظاهرات في فرنسة وبريطانيا يحجز لأهله، ويسافر معهم ليشارك في مظاهرة بمناسبة مجزرة تدمر في لندن ، ثم يعود إلى السويد، وكان هدفه أن يوصل أصوات الإسلاميين إلى العالم . 

العودة المباركة لسورية: 

قبل الثورة كان يتواصل مع الشباب المسلم في الداخل، وبقي الأستاذ هكذا حتى بدأت بوادر الثورة السورية تأخذ مداها، فأعلنها الشهيد أبا الفداء مدوية وعالية: لا مُقام لي بعد اليوم إلا في وطني، وهذا ما حصل فعلاً، إذ قرّر ترك السويد نهائياً ونعيم العيش فيها والانتقال للبلد التي أحبها، وعاشت فيها سنيناً طويلة تعدّت ال 35 عاماً في المهجر الذي اضطر إليه اضطراراً، ومنذ اليوم الأول للثورة تواصل مع الناس، وحشد المُهتمين، وسارع في تأسيس المؤسسات الإغاثية، فأسّس (سنابل الخير) والتي كان لها مشاريع دورية، وعمل خيري واسع في الداخل السوري، وكانت له مشاركات إعلامية لتحريض الناس على الخروج والمُطالبة بحقوقهم ورفع أصواتهم عالية، فكتب المقالات، وشارك في البرامج الإعلامية، ووجّه الكلمات التلفزيونية، وشارك في المُقابلات الإذاعية، ونشط الأستاذ طريف في المجالس المحلية بل ساهم في تأسيس الكثير من المجالس والجمعيات والتجمّعات التي كانت حجر الأساس في عمل منظمات المجتمع المدني السوري، وكان عضواً نشطا في المجلس المحلي لمدينة إدلب, وتفاعل الأستاذ طريف السيد عيسى مع العمل السياسي الثوري فكان عضواً في المجلس الوطني السوري، وحينما أزفت معركة تحرير مدينة إدلب حمل الشهيد البطل أبا الفداء سلاحه، وشارك، وهو ابن الستين عاماً في معركة الفتح، ودخل مدينته التي غاب عنها 35 عاما فاتحاً ومُحرّراً ليسارع إلى بيته في حارة (الكسيح) وعانق أشجار الزيتون في بكفلون العز والفخار، وانتشرت له تلك الصورة التي ترسم ملامح العزة والهيبة وعنفوان الفتح والنصر: إنّها صورته، وهو جالس على عتبات بيته يحمل همّته وجهاده ومسيرة 35 عاماً من المثابرة والمصابرة، ويضحك في أرض داره مُستبشراً بهذا النصر الكريم.

وإلى جانب ذلك كلّه، كان الشهيد نشيطاً في المجال الدعوي والفكري والقرآني والتربوي، فيطبع الكتب ويوزعها، ويُنفّذ المخيمات التربوية والدعوية، ويُؤسّس للعمل القرآني في مساجد مدينة إدلب، ويُشرف عليها، ويُجالس الشباب في جوّ أبوي راقٍ لُيناقشهم ويناقشوه في مختلف الأفكار. 

كان الأستاذ “أبو الفداء” إذا أخذ منه العمل مأخذه، فلا طعام ولا شراب ولا كلام ولا نوم ولا راحة حتى ينهيه على أكمل وجه وأحسن صورة، فلا مكان عنده لأجزاء الأشياء، ولا أنصاف النهايات، ولا أشباه الحلول. 

وكان الأستاذ لا يسكت عن خطأ يراه ولو كلّفه ذلك حياته، فامتاز بوقوفه مع الحق حتى لو كان ذلك سيضرّه، بل لا يألوا جهداً في إيصال صوته والتعبير عن رأيه بكل ما يستطيع، وهذا ما أزعج الكثير من الأطراف الذين كانوا يُرسلون له رسائل التهديد ومحاولات الإسكات التي لم تنجح مع فارسنا الذي عاش حياته كلّها مرفوع الرأس عزيز النفس.

كان عنيداً في الحق، لم يظلم أحداً، ولم يأكل مال أحد، وكان محبوباً بين أهله وأقرانه.

نشيطاً على الإعلام، يعطي منح جامعية للطلاب، فضلاً عن تقديم السلل الغذائية وكان يخاطر بروحه ليوصلها للمحاصرين .

ساعد أهل حمص، وأهل داريا، وكان يساهم في الدعم النفسي للمرأة السورية، ويؤمن بدورها في تربية الأجيال، ويساعد الأرملة واليتيم، ويدعم الإعلاميين الشرفاء يرسل لهم الكاميرات واللاب توب .

وكان يحب أن يعمل كل شيء بنفسه بالرغم من أنه بلغ الــــــــــــ / 60 / سنة .

الحج والعمرة :

كان - رحمه الله- مكثراً لأداء فريضة الحج والعمرة، فقد حج /5 / مرات، وأدى كثيراً من العمرات، وكانت في أوقات متفرقة بدءاً بعام 1983م وامتداداً إلى عام 2015م .

أسلوبه في تربية الأسرة :

كان الشهيد طريف السيد عيسى تقليدياً في تربية أولاده بالقيم والأخلاق والعبادات، وبالذات صلاة الفجر ودفعهم لحلقات المساجد ومراقب جيد لسلوكهم وتصرفاتهم ولا يتهاون في ذلك كريماً عطوفاً حنوناً نقي القلب والسريرة وكان كثير الدعاء والمحافظة على تلاوة القرآن يومياً وله ورد يومي من الأذكار وبذلك كان معلماً لأولاده بالقدوة الحسنة رحمه الله وأكرم مثواه .

نهاية البداية:

تعرض لعدة محاولات اغتيال في العراق والأردن وسورية، ولأنّه رجل عاش من أجل قضية عظيمة، أراد الله له نهاية عظيمة أيضاً، فطالته يد الغدر الآثمة التي أزعجها، وقض مضجعها وجود بطل كأبي الفداء، ومُجاهد عظيم ورجل المهمّات الصعبة وابن الدعوة البار صاحب المناقب العظيمة والصفات الرائعة، فقد كان كما وصفه محبّوه طيب القلب كثيراً، خالياً من الشوائب والأحقاد والضغائن، يُحب الناسّ، ويُحب خدمتهم، ويسعى في قضاء مصالحهم. لم تمنعه سنوات الهجرة، ولا المسافات المُتباعدة من أن يظلّ وفياً لوطنه، مُحبّاً لدينه ودعوته، متوافقاً مع مبادئه وقيمه، فعاد بعد كل تلك السنين يحمل الهمّ، وينشر الخير، ويسعى في مصالح العباد والبلاد، ينثر بين الناس فهماً وسطياً، وفكراً مُعتدلاً، ولا يتوانى أن يُشارك في أي مشروع وطني يسعى للبناء والنفع ومصلحة الناس. في اليوم الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال الآثمة، كان شهيدنا الجميل قد طبع مجموعة كبيرة من الكتب الدعوية والتربوية وحمّلها في سيارته وأصرّ أن يوزعها بنفسه لبعض المراكز القرآنية والدعوية في مدينة إدلب، خرج متوكلاً على الله، ركب سيارته وانطلق بهمة المؤمن وعزيمة المجاهد، فاستهدفته تلك العبوة الآثمة، من قبل من أرادوا إسكات صوت الحق وقتل الكلمة الحرة.

أشهر مقولات الشهيد:

من أشهر المقولات التي يختصر فيها – شهيدنا – طريق العز والشهادة الذي اختار المضي فيه: “لا عذر اليوم لمن يستطيع أن يقدّم شيئاً لبلده وشباب بلده ودينه ثم لا يفعل”, وأيضا مقولته: “هذا الطريق طريقي، وقد نذرت نفسي لهذا الطريق منذ أن أبصرت هدفي، وهذه الرقبة –ويشير لها بيده- ما بيشيلها إلا اللي حطها (وضعها)”.

وفاته، واستشهاده :

أصيب الأستاذ طريف بمرض السكر، ولم يتوقف عن البذل والعطاء، وكان مصاباً بالديسك في ظهره ولكنه لم يتوقف، ثم أصيب الشهيد بجراح في معركة فتح إدلب، ولكن الله سلّمه، فلم يستشهد، ثم استهدفت سيارته عندما كان متحركاً باتجاه أحد المراكز القرآنية والدعوية، فأصيب بجراح بليغة فأسعف إلى مشافي تركيا، فتوفي يوم الجمعة 2 أذار عام 2018م ..ورحل عن هذه الدنيا الفانية بعد عمرٍ مديد قضاه في الجهاد والبذل والتضحية والعطاء .

رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناتك، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله .

ورثاه العديد من الشعراء منهم د. محمد حكمت وليد، ويحيى بشير حاج يحيى... وغيرهما . 

في عرس أبي الفداء :

فقد كتب فضيلة المراقب العام د. محمد حكمت وليد قصيدة يقول فيها معدداً صفات الشهيد طريف :

صبرتَ مجاهدا وعلوتَ دينا=وفُزتَ بوعدِ ربِّ العالمينا

"طريفٌ"يا أخي.. ونَجِيَّ روحي=عبرتَ إلى دروبِ الخالدينا

ونلتَ شهادة عزَّت فداءً=وطابت مشربا ًوزكَت مَعينا

أخا الإسلام كُنتَ أخاً كريماً=وشهماً باذلاً برَّاً حنونا

خرجتم في البلاد مهاجرينا=إلى بلدٍ يسرُّ الناظرينا

ويلقى المرء فيه كل صنف=من الإكرام والعيشَ الأمينا

ولما صَوتُ سوريا تعالى=يَصكُّ صداه سمع العالمينا

وصار صُراخُها دمعاً سخيناً=وصار نحيبها ألماً دفينا

وأشاد الشاعر بإخلاص الشهيد الذي ترك حياة الدعة والراحة في السويد ثم حزم أمتعته، وقدم إلى أرض الرباط في بلاد الشام :

تركتَ( سُويدَ) والجنَّاتِ فيها=وعُدْتَ لتُنجدَ الوطن الطعينا

"طريفُ" ذهبتَ في عرسٍ بهيج=فهل من عودة للذاهبينا

أنبكي عند موتك أم نُغنّي=أناشيد الهداة الظافرينا

فلسنا في عزاء كي نُعَزَّى=وقد جاء الصحاب مهنئينا

عليك سلام ربك في البرايا=وأشواقُ الملائك أجمعينا

رَحَلْتَ الى حمى ربٍ كريمٍ=وعدلٍ قد فقدناه سنينا 

فقل يا ربُّ لا نشكو المنايا=ونشكوكَ الطغاة الظالمينا

ميليشيات ٌوأجنادٌ وفُرسٌ=وروسٌ من دمانا يرتوونا

طَغَوا وبَغَوا وظَهْرُ الأرضِ أضْحى=جَحيما والسماءُ غَدتْ جُنونا

صواريخٌ براميلٌ وموتٌ=وغاراتٌ ونيران ٌصُلينا

وأطفالٌ وأيتامٌ وزُغبٌ=إلى رَبِّ الخلائق يشتكونا

وقل يا ربُّ لا نشكو المنايا=ونشكوك الهداة القاعدينا

ونشكوك الشباب الشاردينا=ونشكوك الدعاة الفاترينا

مَشَيتَ على دروب المؤمنينا=وكُنتَ من الدُّعاة العاملينا

وأسعفتَ الجريحَ وكُنْتَ طِبَّاً=وأطعمت َالجياعَ السائلينا

(سنابلُ خيرِكِ ) اجتمعتْ وطابتْ=وصارت ْبَلْسماً للاجئينا

وقاتلتَ الطغاةَ وَكُنْتَ سَيفاً=بزند الصامدين الصابرينا

تَحديتَ المنون َوكنت َرُمحاً=بِصدرِ عصابة المتجبرينا

إلى أن جاء يومٌ صرتَ فيه=طريداً للبغاة المجْرمينا

بذلتَ الروحَ واسْترخصتَ نفساً=تَعُز على البرية أجمعينا

وبذلُ الروح يَفضُل كلَّ غالٍ=يراه الناس في الدنيا ثمينا

أيا رباه ان كنّا عصينا=فنحن من العصاة النادمينا

رجعنا عصبةً متآلفينا=وسِرْنا في الدروب مجاهدينا

إذا هو لم يكن غضب علينا=فإنا بالقضاء بِنَا رَضينا

وذاك (طريفُ ) عندك يا إلهي=تَقبَّلْه قَبولَ المخلصينا

ونحن شهود خلقك قد عهدنا=(طريفا) صادقاً برَّا أمينا

لقد أوصى لدعوته بإرثٍ=وأورث دعوة الله البنينا

وجنَّاتُ النَّعيم مقامُ صدق=لمن صَدَقوا إمامَ المُرسلينا

مضى طريف !!! :

وكتب الشاعر الإسلامي (يحيى بشير حاج يحيى) قصيدة في رثاء الأخ المجاهد الشهيد أبي فداء طريف سيد عيسى ! يقول فيها :

مضى طريفٌ إلى الجنات مُبتٓهلا -لكنه لم يفارقْنا وإن رحٓلا !!

ذكراه توقظنا بالحب مورقةٌ !!- فبالجهاد وبالإيمان قد شُغِلا !!

لكم تمنى فنال اليومٓ أمنيةً - عن دربها لم يٓزغ يوماً ولاعدٓلا !؟

أبا فداءٍ ! وللإسلام مفخرة ٌ!=ففي الميادين كنتٓ الفارسٓ البطلا !!

غُصّ الطغاةُ بجهد كنتٓ تحملِه =والمرجفون وأذنابٌ لهم عُمٓلا !!؟

والجاهلون بدين الله كم هدموا=ما قد بنيتٓ ، فأمسٓوا للعِدا أملا !؟

إنّ الجهادٓ الذي تعلو بيارقُه=منه الشهيدُ، نٓميرٓ المجد قد نٓهٓلا !!

يا سيّداً من بني عيسى رُزقتٓ=هوى من إخوة سبقوا قد زيّنوا السُّبُلا !

مستبشرين بإخوان لهم صدقوا=وجنةُ الله قد أمست لهم نُزُلا !!

عليك رحمةُ ربي ما بدا قمرٌ=وما النسيمُ هفا ، والغيثُ إن هطلا !!

المراجع :

1-موقع إخوان سوريا .

2-صفحة د. طلال الشققي .

3-موقع طريف السيد عيسى – تحت الإنشاء .

4-فيديو الشيخ فداء السيد عيسى: يتحدث فيه عن سيرة والده .

5-رسالة من فضيلة الدكتور محمد حكمت وليد بمناسبة استشهاده وفيها قصيدة الرثاء له .

6- رسالة من الشاعر الإسلامي يحيى بشير حاج يحيى وفيها قصيدة الرثاء له.

7- رسالة من زوجته المربية الفاضلة فادية حسين حريري بتاريخ 21 / 7 / 2018م .