الإمام أبو الحسن الماوردي

ترجمته – أخباره - مؤلفاته

أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، ولد بالبصرة سنة /364/ 974/ ورحل إلى بغداد، وتعلم وعلّم فيها، وتولى القضاء في البصرة، ثم كان فقيها، وقاضيا، وأديبا، وسفيرا، يحضر مجالس الخلفاء، ذا كلمة ومكانة، صداعا بالحق. واشتُهر في الفكر الإسلامي ببحوثه السياسية فهو صاحب الأحكام السلطانية الذي ارتبط به وباسمه. كما أفرد كتابا للوزارة ضمنه قوانين الوزارة وسياسة الملك، نرجو أن تتاح لنا الفرصة لتقديمه، كما ألف كتابا في السياسة اسمه ( تسهيل النظر وتعجيل الظفر)، كما خص أولي الأمر بكتاب في النصيحة اسمه (نصيحة الملوك).

وكان الماوردي كما وصفناه أديبا لغويا أثرى الأدب العربي، كما كتب في الأخلاق والتربية، وتتميز كتاباته بأسلوب واضح، ولفظ فصيح، ومعنى بليغ، ينتقي ألفاظه، ويدور على معانيه، ولا يبالي بعذل العاذلين، فيأتي نثره كالشعر رقة وعذوبة وسلاسة، ويأتي كتابه أدب الدنيا والدين في مقدمة الكتب التي هُضمت مع علو ما فيها، وسنفرده بوقفة، وكتاب الأمثال والحكم وهو كتاب أدب خالص، يقول الماوردي في مقدمته ( وجعلت ما تضمنه من السُنة ثلاث مائة حديث، ومن الحكمة ثلاث مائة فصل، ومن الشعر ثلاث مائة بيت؛ وقسمت ذلك على عشرة فصول أودعت في كل فصل منها ثلاثين حديثا وثلاثين فصلا وثلاثين بيتا من الشعر، والكتاب مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة ليدن.)

ووثقه علماء الجرح والتعديل في مروياته الحديثية. أما فنه الأول فهو الفقه حيث انتهت إليه زعامة الشافعية في عصره، فقد كان عالما مجتهدا ينهج نهجا بحثيا علميا دقيقا، يعرض وجهات النظر المتعددة في المسألة الواحدة ثم يناقشها ويفند أراء المخالفين، ويرجح ما يهديه إليه اجتهاده، وما يرى أنه أولى بالصواب.

كان من شيوخه: أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري. وأبو حامد أحمد بن محمد الإسفراييني، وكان من شيوخه في الأدب والشعر عبد الله بن محمد البخاري الملقب بالشيخ الإمام أبي محمد اليافي الخوارزمي، وكان أديبا خطيبا شاعرا يرتجل شعره على البديهة.

أما تلاميذ الماوردي ففي مقدمتهم الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد، ولن يستو لك العلم، إذا كنت حنفيا، إلا إذا عرفت للخطيب البغدادي قدره.

أخبار الماوردي:

مع موقع الماوردي العلمي والإداري، فقد كان يسفر بين خلفاء بني العباس والسلاطين من بني بويه والسلاجقة وخصومهم ومخالفيهم، وكان شجاعا جريئا صداعا بالحق، ومن بعض ما يجده يوما ،إن شاء الله في صفحات أعماله، أن جلال الدولة البويهي أراد أن يتسمى (ملك الملوك)، وأفتاه فقهاء البلاط بما يريد مع ما عُرف عن جلال الدولة من قسوة وبطش، إلا أن الماوردي رفض أن يعطي جلال الدولة الفتوى، وذكره بالحديث الشريف (إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ) وخرج من الديوان ولزم بيته على تخوف..

ولكن جلال الدولة يرسل إليه كما أورد القلقشندي في صبح الأعشى:( قد علم كل أحد أنك أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا، وقد خالفتهم فيما خالف هواي، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك واتباع الحق، وقد بان لي موضعك من الدين ومكانك من العلم، فعد إلى موضعك، ثم كافأه بأن أسند إليه منصب قاضي القضاة.

كتبه : 

كتاب الحاوي

للماوردي كتابان مشهوران في الفقه هما كتاب الحاوي وكتاب الإقناع. يُروى عن الماوردي أنه قال بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة، واختصرته في أربعين ورقة. أما الكتاب المبسوط فهو الحاوي وأما المختصر فهو الإقناع.

ويشتمل كتاب الإقناع على الأحكام المجردة عن الدليل، وقد كان محل ثقة الفقهاء، فقد نقل عنه الإمام النووي صاحب المجموع الكثير من المسائل على صغر حجمه. كما نقل عنه الإمام الرملي في فتاويه. ومع هذا لم توجد له نسخة في فهارس المكتبات حتى اليوم. ويكفي دلالة على أهميته أن الخليفة القادر العباسي قال لمؤلفه: حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا.

أما كتاب الحاوي الكبير فهو بحق موسوعة فقهية. وقد تضمنت تلك الموسوعة جميع فروع الشريعة الإسلامية. فاهتم الإمام بالتفصيل في شئون العبادات والمعاملات والتقعيدات القانونية. فتجد في الكتاب جميع فروع القانون الخاص والعام؛ حيث عالج المؤلف رحمه الله تعالى أمر الحدود والتعزيرات فيما يعرف اليوم بالقانون الجنائي أو قانون العقوبات. وشرح أحكام الزكاة والعشور والخراج والجزية والركاز وهو ما يدعى اليوم بالقانون المالي أو أحكام الاقتصاد. وتناول موضوعات القانون المدني وما فيها من عقود ومعاملات. كما أفاض في الحديث عن أحكام الأسرة في الزواج والطلاق والميراث والوصية وهو ما يصنف اليوم بقانون الأحكام الشخصية. ووضع القواعد في أحكام الشركات والمضاربات والحوالات والوكالات فيما يسمى في عصرنا القانون التجاري. وبحث في أصول المحاكمات ( قانون المرافعات) في أبواب الدعوى والقضاء والشهادة والتوثيق، ووضح كيف ترفع الدعوى، وما هي الخطوات التي يجب اتباعها حتى صدور الحكم في القضية. وقد أعانه موقعه كقاض للقضاة أن يضع قواعد عملية هي بنت الواقع المعاش. ومن واقع عمله كسفير بين دار الخلافة وبين سلاطين بني بويه والسلاجقة وغيرهم بحث في القانون الدولي العام مؤسسا له على فقه السير والمغازي، وناقش أحكام دار الحرب ودار الإسلام.

وبحسب كتاب الحاوي أن يقول فيه ابن خلكان: لم يطالعه أحد إلا شهد لمؤلفه بالتبحر والمعرفة التامة في المذهب/ ابن خلكان وفيات الأعلام ج2 ص444

وتسجل اليوم أجزاء من الكتاب كرسائل بحثية وقد تم طبع أجزاء كثيرة منه منها طبعة دار الفكر ومنها طبعة الدار العلمية، وهناك مجلدات متناثرة منها في مكتبات العالم منها ثلاثون جزءا في دار الكتب المصرية.

كتاب أدب الدنيا والدين

نقدم كتابا ثالثا من كتبه بعد أن قدمنا كتاب الحاوي الكبير الذي ما تزال مجلداته مبعثرة على أرفف مكتبات العالم، تشكو إلى الله فقر أمة العرب!!! ثم كتابه الأحكام السلطانية الذي ترجم لأكثر من لغة من لغات العالم كأحد الشواهد على أصالة الفقه السياسي الإسلامي.

نعود في هذه التحية لنكشف عن وجه الأديب لهذا العالم الموسوعي الفقيه الأصولي السياسي.

وكتاب أدب الدنيا والدين مما لا يجوز أن تخلو منه مكتبة في بيت فيه ناشئون وناشئات. فهو أنموذج عملي للعمل الأدبي التثقيفي الهادف والماتع في وقت معا. يجمع الآية إلى الحديث إلى الحكمة إلى الخبر إلى الموضوع المركز الذي يريد الأديب من ورائه أن يعلم ويغني ويمتع.

وعلى طريقته في الإفادة والإمتاع يقدم الماوردي سِفْره القيم هذا بأسطر بسيطة معبرة يقول في المقدمة بعد حمد الله والصلاة على نبيه: ( أما بعد: فإن شرف المطلوب بشرف نتائجه، وعظم خطره بكثرة منافعه، وبحسب منافعه تجب العناية به، وعلى قدر العناية به يكون اجتناء ثمرته.

وأعظم الأمور خطرا وقدرا، وأعمها نفعا ورفدا، ما استقام به الدين والدنيا، وانتظم به صلاح الآخرة والأولى، لأن باستقامة الدين تصح العبادة، وبصلاح الدنيا تتم السعادة.

وقد توخيت بهذا الكتاب الإشارة إلى آدابهما، وتفصيل ما أجمل من أحوالهما، على أعدل الأمرين: من إيجاز وبسط، أجمع فيه بين تحقيق الفقهاء وترقيق الأدباء، فلا ينبو عن فهم، ولا يدق في وهم، مستشهدا من كتاب الله – جل اسمه – بما يقتضيه، ومن سنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما يضاهيه، ثم مُتْبعا ذلك بأمثال الحكماء، وآداب البلغاء، وأقوال الشعراء؛ لأن القلوب ترتاح إلى الفنون المختلفة، وتسأم من الفن الواحد، وقد قال علي بن …

وأقتطف لكم قطائف من عظمة علماء الإسلام بالأمس نقلت لكم ترجمة الإمام الماوردي الذي أنكر على جلال الدولة البويهي أن يتسمى ملك الملوك وغاضبه وخرج من مجلسه ..

ثبت في ذاكرتنا أن ما كل علماء الإسلام " مَفتون " وأن لله عبادا فطنا ، طلقوا الدنيا وعافوا الفتنا ..

هذا الإمام الفراء ، شريك الماوردي ، في الأحكام السلطانية يرفض تولي القضاء ، ويرد على الخليفة أمره ، ويشترط على الخليفة شروطا ..تابع لتعلم ما هي ، ومنها أن يظل وهو قاضي القضاة يجلس لتدريس العامة من أمثالنا طلبا للتفقيه في الدين ...أسطر قليلة تابعوها ..

الإمام أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي

صاحب الأحكام السلطانية

هو الإمام محمد بن الحسين الفراء، علامة زمانه.. ولم يزل أصحاب الإمام أحمد يقدمونه ويتبعونه. ويدرسون تصانيفه. كان تام المعرفة. تام الزهد والورع والعفة والقناعة.

وكانت له مكانة عند الخليفتين العباسيين القادر والقائم. كان عالما بالقرآن، حافظا للقراءات العشر، عالما بالحديث مع كثرة محفوظ، وعلو إسناد، و عالما بالفتاوى والجدل. منقطعا عن الدنيا منصرفا إلى بث العلم وإذاعته ونشره مع ما انضاف إلى ذلك من الجلالة والصبر على المكاره، والاحتمال لكل جريرة إن لحقته من عدوه، وزلل إن جرى من صديقه، وتعطفه بالإحسان إلى الصغير والكبير، واصطناع المعروف إلى القاصي والداني.

عزة العلم عزة العالم.

وكان منه أنه رفض القضاء بعد أن عرض عليه بعد وفاة قاضي القضاة ابن ماكولا. وألح الخليفة علي أبي يعلى ليلي القضاء في دار الخلافة فاشترط لنفسه شرائط منها: ألا يحضر أيام المواكب الشريفة. ولا يخرج في الاستقبالات. ولا يقصد دار السلطان. وفي كل شهر يخرج يوما إلى نهر المعلى، ويوما لباب الأزج لنشر العلم بين العامة.

من مصنفاته

أحكام القرآن- نقل القرآن- إيضاح البيان- مسائل الإيمان- المعتمد- المقتبس- عيون المسائل- إبطال التأويلات- وإثبات إمامة الخلفاء الأربعة- وتبرئة معاوية- والأحكام السلطانية- وشروط أهل الذمة- والاختلاف في الذبيح.

وقد اشتبه على أهل العلم أمر كتاب الأحكام السلطانية أي الإمامين الجليلين سبق إليه وأيهما أخذ عن الآخر، مع ملاحظة تطابق العنوانين وتوارد العبارات من المؤلفين.