الشيخ عبد العزيز عيون السود: علم لا يضاهى ومفخرة كبرى لحمص

حديث بعض الإخوة عن صلاة التراويح في مسجد الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله تعالى وأعلى مقامه، دفعني - متأخرا للأسف- إلى الكتابة ولو قليلا عن تلك الفترة من التاريخ التي هي السبعينيات من القرن الماضي تحديدا، حيث نشط العمل الإسلامي في سورية نشاطا هائلا، على تناقض تام مع إحكام النظام القمعي الأسدي قبضته على سورية! ولابد لي أولا من تذكر قليل من مآثر الشيخ عبد العزيز رحمه الله مما عرفته من التردد عليه في مسجده لتعلم تلاوة القرآن الكريم. والشيخ رحمه الله كان يخصص وقتا للتعليم للطلبة يمتد من بعد صلاة الفجر حتى الثامنة تقريبا.وكان يساعده في التعليم في تلك الفترة الشيخ محمد جنيد رحمه الله، والشيخ الضرير أكرم رحمه الله تعالى. وقد كنا نقرأ على الشيخين، لكن الشيخ عبد العزيز كان يخصص لكل واحد منا وقتا خاصا، يشرف فيه شخصيا على تعليمنا التلاوة.وقد كان للشيخ اهتمام خاص جدا بمخارج الحروف، وفي طبيعة تحريك الكلمات وإتمام هذه الحركات على الوجه الأكمل. والحقيقة أن كثيرين يتقنون أحكام التجويد المعروفة من إدغام وإخفاء وإقلاب وغير ذلك. لكن الحقيقة أن قلة ربما يعتنون بمخارج الحروف وإتقانها كما ينبغي ويتوجب. ولقد تبين فضل الشيخ رحمه الله في هذا ، حين قدر الله لنا أن نقرا مع بعض الإخوة من باقي المحافظات. فالحقيقة أن البون في هذا المجال كان واسعا. 

والشيخ رحمه الله ، كان معلما للقرآن عظيما، ولكنه كان مربيا حنونا رحيما ! كانت كلمته الساحرة(عمي وليد) انتبه لكذا ، تملأ شغاف القلب. كان يجلس متربعا، بكل وقاره وهيبته، ويبدأ الاستماع من المصحف أو حفظا. وكان من عاداته أنه يبسط يده على فخذه الأيمن، وبيقيها كذلك ماكانت التلاوة صحيحة. حتى إذا غلط أحدنا رفع يده قليلا للتنبيه، ثم نطق بنفسه موضع التصحيح ليكون آكد وأدق! ولقد أنعم الله على عشرات من أقراني أو أكبر قليلا أو أصغر بالتعلم على يديه.

وقد كان للشيخ رحمه الله تراتبيته الخاصة في انتقاء الأئمة للصلاة في مسجده. فالمسجد لم يكن له إمام ثابت أو إمام راتب. بل كان الشيخ يختار من الموجودين من يراه أولى بالإمامة. وكل من يصلي في المسجد معروف لدى الشيخ في معظم الأحيان فهو يعرف كيف يختار أصلحهم للإمامة. وفي صلاة التراويح على ما ذكر الإخوة، كان المفضل لدى الشيخ هوالأخ الفاضل المهندس بهجت المنلا، فإذا تعب كان الأخ العزيز هيثم البيطار. أما الأخ تميم الزعبي وهو كان من أبرز تلاميذ الشيخ فلا أذكر أنه صلى إماما في التراويح.

وعلى ذكر التراتبية الخاصة بالشيخ، فقد كان للشباب عنده أولوية تدفع على العجب! فالشباب الذين قرأوا على يديه لهم الأولوية على الحضور كبارا وصغارا. والأكيد أن الشيخ كان يقدم الأقرأ أو الأحفظ لكتاب الله تعالى(على خلاف) لكنه كان يعطي فرصة التدرب للشباب دون شك. ولعل بعض الإخوة الذين يقرأون هذه الكلمات قد مروا بتجربة الإمامة في مسجد الشيخ، مما لم يكن متاحا في المساجد الأخرى. وقد فاجأني الشيخ مرة أو أكثر بتقديمي للإمامة دون الآخرين وأنا في السادسة عشرة. وكان من عادته أن يطلب من أولاده أو ممن يأمره بالتقدم للإمامة أن يلبس عباءة الإمامة! وأظن أن الارتباك من المفاجأة ما زال في مخيلتي حتى الآن! وأذكر من مواقفه في دفع الشباب للمقدمة وتعليمهم بالممارسة، أن طلب مني أن أنادي لصلاة الظهر. وقد كان نداء (مرعبا) إذ لم يكن لدى صاحب هذه السطور(أو الأسطر) صوتا جميلا، وكان في مراحل (تبلور الصوت) مما دفع أناسا للهرولة جزعا من صوت المؤذن! ثم كان الارتباك أثناء الإقامة كذلك . (فحي على الفلاح) قبل حي على الصلاة..والشيخ رحمه الله يبتسم ويصحح ويسدد، لكنه لا يتوقف أبدا عن تشجيع الشباب والأخذ بيدهم.

وللشيخ تراتبيته في صلاة الجمعة أيضا. فحين كان صهره الدكتور توفيق رحمه الله موجودا، فهو الخطيب. وإن لم يكن فالصهر الثاني (بل ربما الأول) الأخ رامز السباعي هو الخطيب . وهكذا من شاب إلى شاب، يعطون الفرصة للتدرب والممارسة. صفحات كثيرة يمكن كتابتها عن مآثر الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله ، في مجال التعليم والتربية خاصة، لكن مآثره في الحياة العامة والعلمية في مدينة حمص وسورية والعالم العربي ، تحتاج لوقفات خاصة. فالشيخ رحمه الله تعالى مفخرة من مفاخر مدينة حمص، والمدينون له بالتعلم منه جيلا بعد جيل لا يعدون. رحمه الله تعالى رحمة واسعة. وأما الحديث عن فترة السبعينيات تلك، التي أزهرفيها الإسلام وأينع ففي ذكريات تالية إن شاء الله.