محمد صالح طحان (الشيخ كلال)

1340 ـ 1421هـ

1921 ـ 2000م

الشيخ محمد صالح بن محمد الطحان الحلبي.

حافظ متقن, ومقرئ مجيد, عالم بالقراءات والنحو والصرف.

ولد في مدينة حلب في حي (الجلوم), سنة: أربعين وثلاثمئة وألف في أسرة عرفت بالعلم وتعليم القرآن, فوالده الشيخ محمد الطحان, كان شيخ الكتاب في (المدرسة الكواكبية) (1) التابعة لجامع (أبي يحيى الكواكبي) (2) ونشأ الشيخ برعاية والده هذا, فما أن ترعرع وبدأ يعي الحياة حتى انصرف إليه والده يعلمه تلاوة القرآن الكريم, ومبادئ الكتابة واللغة العربية, ثم تعلم تجويد القرآن وأتقنه بحفظه غيباً, واستطاع بذكائه وفطنته أن يتم حفظ القرآن كاملاً ولما يتجاوز السابعة من عمره, واستمرت عناية والده بتعليمه حتى شبّ فدفع به إلى المدرسة (الخسروية) ليتابع طلب العلم ويأخذه على شيوخه.

أقام الشيخ في المدرسة (الخسروية) فترة, يتلقى فيها العلوم الشرعية عن شيوخها الأجلاء, أمثال الشيخ محمد سعيد الإدلبي, والشيخ محمد الرشيد, والشيخ محمد أسعد العجبي, والشيخ محمد السلقيني, وغيرهم

لكن قلبه كان متعلقاً بالقرآن الكريم وعلومه وقراءاته, فانصرف إليه, ولزم شيخه الشيخ محمد نجيب خياطه (3) واتخذه شيخاً وسيداً ومعلماً يستشيره ويأخذ برأيه في كل شأن من شؤون حياته العلمية وغيرها, وكان يتبعه حيثما سار ليحضر دروسه فمن المدرسة (الخسروية) إلى دار الحفاظ إلى (المدرسة الشعبانية) يقرأ عليه, ويسمع منه في غرفته أو في دروسه في المدارس, أو في الطريق إليها, فأعاد عليه قراءة القرآن الكريم, وأخذ عنه القراءات العشر عن طريق (الشاطبية) و(الدرة) (4) و أخذ منه إذناً مسنداً متصلاّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, في القراءة والإقراء بهذه الروايات. وقد قرأ عليه علوم اللغة العربية التي تخدم القرآن الكريم, حيث قرأ عليه كتاب (قطر الندى) في القواعد كما أخذ عنه الفقه الحنفي وقرأ عليه كتاب (حاشية بن عابدين).

وقرأ عليه في التفسير كتاب (تفسير الجلالين), وكان من الطلاب المقدمين لديه المحبوبين عنده.

ولم يكتف صاحب الترجمة بما حصله من شيخه الشيخ محمد نجيب خياطة, بل لقد كان يلازم حلقات الدروس التي يعقدها الشيخ محمد نجيب سراج الدين في الجامع الكبير, وفي جامع الحموي, وجامع العثمانية وكان لا يتقطع عن حلقات الشيخ محمد سعيد الإدلبي, في الجامع الكبير كما حضر بعض دروس الشيخ عبد الكريم الكردي في المدرسة (الأحمدية) والشيخ غايات النجاري في المدرسة (الحلوية).

كان الشيخ صوفي المشرب, أخذ الطريقة (النقشبندية) على شيخه الشيخ محمد أبي النصر الحمصي, وصحب الشيخ أحمد العطار (المزوق)

وكان حريصاً على أوراد الطريقة وختمها مع صاحبه هذا كما أخذ الطريقة (القادرية) على الشيخ عبد الرؤوف البادنجكي.

بهذا الزاد الجمّ من الثقافة في القرآن الكريم وقراءاته بشكل خاص

خاض الشيخ غمار الحياة, فعمل إماماً في جامع (أبي يحيى الكواكبي) مدة تزيد على الثلاثين عاماً, ثم انتدب ليكون إماماً في الجامع الأموي الكبير لصلاة الصبح في الحجازية.

أما عمله الذي يفخر به, فهو تعليم القرآن الكريم مجوداً, مع العناية بمخارج الحروف, والمدود, والوقف والابتداء والوصل والفصل بالإضافة إلى القراءات على طريقه حلقات السلف الصالح, فكانت له حلقات مستمرة تكاد تكون يومية, لا ينقطع عنها إلا لمرض أو عذر قاهر, كحلقته بعد صلاة الصبح من يوم الجمعة في حجازية الجامع الأموي الكبير, وبعد صلاة الجمعة في جامع الحجار في المنصورية, وحلقته يوم الثلاثاء بعد صلاة المغرب في جامع عمر بن عبد العزيز, بالإضافة إلى حلقاته في جامع التوحيد, وجامع الأشرفية, كما كانت له زيارات مفاجئة لحلقات القرآن الكريم في مساجد البلدة, يفرح بقدومه الشيوخ والطلاب ويرجعون إليه فيما أشكل عليهم , ولهذا فقد كثر طلابه والآخذون عنه كثرة كبيرة وتخرجت به طبقات متتابعة من طلبة العلم والقراء, فمن تلاميذه الذين ما زالوا على قيد الحياة الشيخ الدكتور محمد صهيب الشامي, والشيخ الدكنور محمد مأمون كاتبي, والشيخ علاء الدين قصير

والشيخ عمر صباغ, والحاج فاتح قشقش, والحاج بكور ياقتي, والحاج عبد الكريم الجزماتي, وكاتب السطور, وغيرهم كثير.

امتاز الشيخ بالنشاط والحركة منذ صغره, وأتقن فن السباحة والعدو حتى غدا من أمهر السباحين وأسرع العدائين, وكان محباً لكثرة النسل والذرية وقد بلغ عدد أولاده سبعة عشر ولداً, منهم تسع إناث وثمانية ذكور من زوجتين.

حسن الأخلاق, لطيف المعشر, دائم العبادة, وتلاوة القرآن الكريم جميل الوجه, حسن الهيئة, منور الشيبة, طويل الجسم, عريض المنكبين ذو لحية حمراء وخطها الشيب.

بقي الشيخ على همته العالية في القراءة والإقراء, إلى أن وافته المنية في مدينة حلب, سنة: إحدى وعشرين وأربعمئة وألف للهجرة.

المصادر والمراجع

1- ترجمة شفهية أملاها على المترجم بنفسه.

2- مقابلات ومشافهات مع عدد من تلامذة المترجم.

3- مذكرات المؤلف وذكرياته.

--------

(1) المدرسة الكواكبية تقع شرقي جامع أبي يحيى في حي الجلوم مشتملة على حجرتين وقبلية وحوض ماء وهي معطله آيله للخراب لا يقرأ فيها درس, ولا تقام فيها صلاة (حرصت على دخولها فلم استطع)

وانظر نهر الذهب 2/ 40, وتاريخ الإفتاء ص199.

(2) جامع قديم ينسب إلى من وسعه وأقام فيه الأذكار, الشيخ محمد بن إبراهيم بن يحيى الكواكبي, وهو مدفون في غرفة في الجانب الغربي منه, وعليها قبة عظيمة, وانظر نهر الذهب2/41.

(3) انظر ترجمات شيوخه في مكانها من الكتاب. 

(4) انظر حديثنا عن القراءات وطرقها في ترجمة الشيخ محمد نجيب خياطه ص 289.